الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطوة مهمة فى طريق طويل

أحمد فاروق عباس

2023 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


ما حدث في مجموعة البريكس خطوة مهمة فرضتها المرحلة الحالية من تطور العالم ، وهى مرحلة سبقتها مراحل وستليها مراحل ..

سبقها المراحل التالية :
- بعد قرون من سيطرة الغرب - بريطانيا لمدة ثلاثة قرون وأمريكا منذ ثلاثة أرباع قرن - على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، ظهر منذ عقدين أو ثلاثة اخيرا ضوء فى نهاية النفق ..

- ظهرت أسيا الجديدة لتتحدى سيطرة القرون بواسطة أوربا ثم أمريكا ، وبدأ الجنس الأصفر يكتب كلمته ، بعد أن ظل الجنس الأبيض متحكما في مصير الدنيا لخمسة قرون كاملة ..

ظهرت اليابان أولا فى ستينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين ..
ثم ظهرت الصين فى تسعينات القرن العشرين والعقود الأولى من القرن الواحد والعشرين ..
ومع اليابان والصين ظهرت قوى آسيوية أخرى ، من كوريا إلى اندونيسيا ، ومن فيتنام إلى الهند ..

والنتيجة أنه ضمن القوى الخمسة الكبرى اقتصاديا في العالم اليوم هناك ثلاثة منها فى آسيا : الصين واليابان والهند ..

- وإذا أضفنا القوة الإقتصادية للأسيويين الى القوة العسكرية لروسيا نستطيع أن نقول ان بقاء الغرب سيدا على العالم أصبح لأول مرة محل شكوك جدية ..

فحتى فى سنوات الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية كان مفهوما أن التحدى أيديولوجيا في المقام الأول ثم عسكريا في المقام الثانى ..
ولكن التحدى الاقتصادى والتحدي التكنولوجي لم يكن موجودا ..

لكن الآن التحدى اقتصاديا - وهو الأهم ، لأن عليه تبنى كل العوامل الأخرى - وتكنولوجيا وعسكريا ..
وإن توارى التحدى الأيديولوجي ، وترك الغرب يلعب في هذه الساحة بمفرده ..

.. والعالم لا يتغير بين يوم وليلة ، ولكن يتغير بصورة بطيئة ، وفى صورة مراحل ..

وما يحدث هذه الأيام يمثل عنوانا على مرحلة من مراحل نزع قوة الغرب وتقليم اظافره .. وهى هذه المرة فى ساحة الاقتصاد ..

ومجموعة البريكس تستحوذ على ٣١،٥% من الناتج العالمى مقابل ٣٠،٧% لمجموعة الدول الصناعية السبع .. أى أمريكا وحلفاءها ..

وتستحوذ دول البريكس على ٢٩% من التجارة العالمية ، كما أصبح لها مؤسساتها الاقتصادية المناظرة لمؤسسات الغرب :

بنك التنمية الجديد مقابل البنك الدولى ..
وألية ترتيب احتياطي الطوارئ (CRA)، وهي آلية سيولة مصممة لدعم الدول الأعضاء التي تواجه صعوبات في الدفع ، وتسمى صندوق بريكس ، ويعد منافسا لصندوق النقد الدولي ..

والمؤشر الأهم هو محاولات زحزحة الدولار عن سيطرته الخانقة على اقتصادات العالم ، سواء بعملة موحدة جديدة تابعة للبريكس أو سلة عملات ، أو التعامل بالعملات المحلية بدون حاجة للدولار ..

خاصة وأن حجم التعاملات العالمية بالدولار انخفض من ٩٠% من عقدين من الزمن إلى نحو ٥٨ - ٦٠% فقط اليوم ..

كما هبط نصيب الاحتياطيات الدولارية لدى البنوك المركزية حول العالم إلى ٥٩% - وهو أدنى مستوى له - خلال عام ٢٠٢٠ ..

والمرحلة الحالية سوف يستتبعها مراحل أخرى مهمة ، فى صراع طويل وشاق ومرهق للأعصاب ، حتى يأتى اليوم الذى ستتنفس فيه الشعوب الصعداء بعد زوال غمة استمرت قرونا ، ومجئ عصر فيه نوع من توازن القوى ، يسمح للشعوب الصغيرة بالتنفس والحياة كما تريد ، وليس كما يفرض عليها ..

فالحقيقة اننى لا أرى حلا لمشاكل مصر الاقتصادية ، ولا مشاكل الدول النامية بصورة جذرية - وأقصد المشاكل الأساسية المستمرة خلال العقود الماضية - إلا من خلال نظام اقتصادى دولى أكثر عدلا ..

وحديثى ليس عن الأزمة الاقتصادية الحالية في مصر ، فهى فى النهاية أزمة صغيرة ، وهى عرض لمرض قديم يخبو مرة ويظهر مرات ، أبرز ملامحه أننا فقدنا قدرتنا علي فعل ما نريده - اقتصاديا - فى بلدنا ، وهى قضية تشترك فيها معنا أغلب دول العالم ..

فقد فرض علينا نظام اقتصادى دولى ظالم ، تحرسه أساطيل منتشرة فى كل بحار ومحيطات الدنيا ، وتحميه قواعد برية وجوية وقوات منتشرة في أغلب دول العالم ..

لذا فالخطوات التالية تستدعى اليقظة والفطنة ، وقبلها العقل والتدبير ، حتى تتخطى الشعوب المكافحة فخاخ بلا حصر ستنصب لها ..

فالغرب لن يسكت بالطبع ، ورده فى رأيي لن يأتى فى مجال الاقتصاد .. فلم يعد لدى الغرب فى هذه الناحية الكثير ، ولكن رده فى الغالب سيكون في مجال الفتن وخلق التوترات والنزاعات .. وهو مجال برع فيه الغرب إلى درجة الإبداع ..

ومن تلك الوسائل :

- تأليب الشعوب على حكامها .. بنداءات الثورة والتغيير والحكم الرشيد ... إلخ ، وخلق حروب ثقافية ودينية وعرقية ولغوية ومناطقية في الجبهات الداخلية للدول ..

- تأليب الشعوب على بعضها ، بدواعى تفوق تلك الدولة على غيرها فى المال أو التاريخ أو المواقف أو القوة الناعمة ، وهو ما نجد تطبيقاته كثيرا في منطقتنا ..

- خلق حزام من الدول المعادية أمام الدولة المستهدفة .. ومن ينظر إلى حجم الدول المعادية للصين في محيطها أو حجم الدول المعادية لروسيا حولها سيفهم المقصود ..

- الثورات الملونة ، واغراء الشعوب بقصة الديموقراطية ..
مع إن من يختاره الغرب لإيصاله إلى السلطة بعد تلك الديموقراطية اسوأ بمراحل من سابقه ، ولا يمت إلى الديموقراطية وقيمها بصلة ، ولكن هى وسيلة لخداع الشعوب ببريق يحسبه الظمأن ماء ..

وهو ما دلت عليه كل تجارب الثورات الملونة خلال العقود الثلاثة الماضية ، من اوكرانيا إلى صربيا ، ومن مصر إلى جورجيا ..

ويجب الاعتراف - للأسف - أن ما لدى الغرب من وسائل قوى ومؤثر ، وأن تلك الوسائل ناجعة في أغلبها ، وبسبها انهارت دول مهمة بل وامبراطوريات عظمى .. وتجربة الاتحاد السوفيتي عبرة لمن يريد ..

كما أثبتت التجارب أن الشعوب يمكن خداعها للأسف ، والمشى وراء سراب الغرب أغرى كثير من الأمم ، سارت وراءه مغمضة العينين في طرق شديدة الخطورة على تماسكها وعلى مستقبلها ، بل وعلى حياتها ذاتها ..

لذا فالحرب على الشعوب ليست على جبهة الاقتصاد وحدها ، ولكن على جبهات أخرى أكثر نعومة وخبثا ..
وأولها وأهمها جبهة الفهم والوعى .. وهى أخطر الجبهات ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح