الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أملُ إبليس: عن الفردوس الموعود

دلور ميقري

2023 / 8 / 24
الادب والفن


1
إتفاقاً، أنّ دارين سيتخذ من إمرأة فلسطينية لبنانية، عشيقةً. جدّ الأمرُ، وكانَ بعدُ على علاقةٍ طيّبة مع ذينك الخليلين، الذين تحولا إلى خصمين أمام النيابة. غالبية الجالية الفلسطينية، كانت تقيم في حي غوتسوندا؛ وهوَ أساساً، كانَ محميّة طبيعية للأجانب. على خلفية مرارة التشرّد، الناجمة عن طردهم من بلادهم الأصلية على يد مستوطنين، قادمين بشكل رئيس من أوربا، كانَ العديدُ من أفراد الجالية على شيءٍ من العدوانية تجاه المجتمع السويديّ. كأنما كانوا يقولون للآخرين: " شجعتم يهودكم على المجيء إلى فردوس الميعاد، وها نحنُ نبولُ في فردوسكم! ". إنحراف شبابهم، مردّه النشوء في مخيمات البؤس، المُشكّلة على هامش المدن، التي نظرَ أهلها إليهم باستعلاء بوصفهم دخلاء لاجئين. ثم جاءت الحرب الأهلية، لتخلف آثاراً نفسية مدمّرة عند أولئك القادمين من لبنان. نسبة الطلاق، كانت مرتفعة بين أبناء الجالية، وذلك مردّه بدرجة أولى الأسباب آنفة الذكر. علاوة على أن ثمة نسوة، أردنَ الإنتقامَ من أزواجهن، المُسيئين معاملتهن في مخيمات اللجوء، حالما تحين الفرصة السانحة. وهل هناك فرصة أفضل من الوجود في السويد، أينَ موظفات السوسيال، اللواتي يقلن للمرأة الأجنبية: الراتب، هو من حقكِ أنت وأولادك. بمجرد أن يعترضَ الزوجُ على ذلك، أو يعاملكم بشكل يخالف القانون، تبلغيننا بالأمر ونحن نبعده عن حياتكم نهائياً.
" خزامى "، كانت زميلة في نفس الفصل الدراسيّ. كانت صبيّة بديعة الحُسن، ناصعة البشرة، جسدها يميلُ قليلاً إلى البدانة. كانت تضعُ الحجابَ على رأسها وتتسربلُ بالجلباب. مع ذلك، أعتادت على ملء جوّ الفصل بدعاباتها وضحكاتها، لدرجة أنّ أحد الأساتذة لاحَ وكأنه وضعها في مجال إهتمامه. من ناحيته، محضَ دارين تلك المرأة نفوراً عقبَ موقفٍ مُشين. لقد كانَ مع زملاء الفصل في " زيارةٍ دراسية " لأحد المعاهد المهنية، أين أستقبلوا لاحقاً من لدُن مديرته. في حجرة الإستقبال، أحتفوا بالزائرين من خلال تقديم الشراب والسندويش. خاطبتهم المديرة، مُبتسمة: " ثمة شطائر الجبن، لمن لا يرغبُ بتناول شطائر المرتديلا ". وإذا خزامى، تعلّقُ بالقول في نبرةٍ مُستهترة: " نحن المسلمون نحرّمُ لحمَ الخنزير، لأنه يأكلُ خراءَهُ! ". ذوت الإبتسامة على فم المديرة، لكنها هزّت رأسَها بشكلٍ مُجامل تعبيراً عن التفهّم. كانَ دارين عندئذٍ يجلسُ تقريباً بمُقابل المرأة المُستهترة، فلم يملك نفسه عن القول بالعربية وهوَ يحدجها بنظرةٍ مُستاءة: " من المُعيب التفوّه بهكذا كلام، ولقمة المرتديلا كانت ما تزال بفم المديرة ". ردّت عليه خزامى بنفس اللغة، وبقحّةٍ لا تعوزها: " والله أنا قلتُ رأيي، ومن لديه رأيٌ آخر فليحتفظ به لنفسه ".
أساساً، كانَ ثمة سوء تفاهم بين دارين وزميلته، وذلك نتيجة النقاش في أمور سياسية. إنها تربّت في وسطٍ، يعدّ القضية الفلسطينية هيَ القضية الوحيدة، العادلة في الشرق الأوسط. القضية الكردية، وبالأخص في العراق، كانوا يعتبرونها محاولة خلق " إسرائيل ثانية "، أو على الأقل، محاولة لإبعاد الأنظار عن القضية الوحيدة والعادلة.
في يومٍ آخر، جلسَ الزميلان اللدودان على طاولتين مُتقاربتين في أثناء ساعة الغداء. في الأثناء، كانَ دارين يتحدث مع شاب من جنوب العراق ويذكران جرائمَ نظام صدّام. أرتفعَ صوتُ خزامى، بالقول: " بعدَ الصهاينة، جاءَ الكردُ والشيعة. كأنما الأمة العربية تنقصها المصائبُ ". أجابها دارين دونَ تفكير: " بل ينقصها القحابُ! ". حلّ الصمتُ للحظةٍ، قبلَ أن تنفجر المَعنيّة بضحكةٍ صاخبة. سرى الضحكُ إلى المتواجدين، الذين سمعوا الجدلَ. قالت صديقة خزامى، تعاتبها بصوتٍ مُنخفض: " لو كنتُ في محلكِ، ما سكتّ على تلك الإهانة "
" في الحقيقة، يُعجبني هذا الشابَ الصريح "، أجابت الأخرى فيما ترمق دارين بنظرةٍ مليّة. ثم خيّل إليه، أنها أشفعت ذلك بغمزةٍ مُعابثة من عينيها السوداوتين المكحولتين. في ساعة غداء من يومٍ آخر، كانت هيَ مع نفس الصديقة وقد أوصدتا بابَ حجرة الفصل. كانت موسيقى عربية تنبعثُ من الداخل، لما فتحت البابَ لدارين: " عفواً، لا يُمكنك الدخول لأننا نرقصُ! ". ثم أستدركت، وهيَ تجرّه من يده إلى الداخل: " ولكن لا بأس، بما أنك لوحدك ". كانت قد خلعت الخمارَ عن رأسها، فتهدلَ شَعرُها الكثيف الفاتح اللون. في ذلك اليوم، تخلّت أيضاً عن الجلباب وأتت بثوبٍ زاهٍ يصل إلى الركبة. هكذا إتخذت حركاتِ الراقصة الشرقية، وأكثر من مرة إنحنت على الشاب مع غمزاتٍ صريحة.
في اليوم التالي، أنفردا على الطاولة أثناء تناول الغداء. في خلال الحديث، أعربت عن رغبتها في رؤية رسومه. قال لها، بإغراء: " لو أنّ في الوسع أن تتأخري غداً صباحاً ساعةً واحدة عن الدرس، لعرضتُ عليكِ الرسومَ في شقّتي "
" بل في وسعي الذهاب معك الآنَ، لأنني أكرهُ درسَيّ الرياضيات واللغة الإنكليزية! "، قالتها وهيَ تنهضُ من مكانها. وكانت بنفس العجلة، ثمة في الشقّة. حالما أُوصِدَ البابُ الخارجيّ، أتجهت رأساً إلى الحمّام. دقائق قليلة على الأثر، ثم ظهرت أمام مدخل حجرة النوم وهيَ بملابس داخلية مُثيرة. بعد مرور ثلاث ساعات، كانت غلمتها ما تفتأ تطلبُ المزيدَ. أخيراً، غشت الحمّامَ والمناديل الورقية مُنبثقة من قِبْلها وأستها.
ويوماً بعد آخر، كانت عشيقة دارين تغدقُ عليه ثمارَ غلمتها وبكرَمٍ غير محدود. كانَ يُسعدها جنونه بردفيها الفاتنين، فتتعمّد أن تخطر بهما في أرجاء الشقّة مع المزيد من الإرتجاج والإهتزاز والتراقص. حينَ لا تصبر على فسحة الراحة بين مضاجعتين، ويكون هوَ جالساً على الكرسيّ ينهل من الخمرة المُحرّمة، كانت تلتفت إليه من مكانها على السرير، عارضةً إستدارة أستها البديعة: " ألا تريدُ التمتعَ بفردوسك هذا، الذي أضنّ به على رَجُلي؟ "، تخاطبه بلسانٍ ما لبث أن رطّب الشفتين الشهوانيتين.
وقد عرفَ دارين رَجُلها على سبيل المصادفة، عندما كانَ ذات يوم في سنتر غوتسوندا. رآه مع خزامى وأولادهما الصغار الثلاثة، وكانوا خارجين من أحد المخازن. لحيته البيضاء، وإنتكاسة رأسه إلى جانب، جعلته أشبه بصوفيّ مجذوب. بكل الأحوال، بدا أنه يكبرها بلا أقل من عقدين من السنين. وقد زادت هيَ أعواماً خمسة، لما جمعها الفراشُ مع عشيقها: " أهلي أجبروني على الإقتران به، كونه الوحيد تقريباً بين أقاربنا من حظيَ بعملٍ جيد. كانَ نجاراً، أخذ الصنعة عن والده، وما لبثَ أن حلّ في مشغله غبّ وفاته "
" أليسَ غريباً، أنكِ حافظتِ على حياتك العائلية عقبَ الحلول في السويد، بالرغم من أن مواطناتكِ طلبنَ الطلاق لأوهى الأسباب؟ "
" العشرة، جعلتني آلف الحياة معه. إنه يعاملني بالحُسنى، كما يأمر ديننا بذلك، ولا يبخل عليّ بشيء أنا والأولاد "
" وكيفَ قلتِ مرةً، أنكِ لا تطيقين مشاركته لك في الفراش؟ "
" تلك مسألة أخرى، تتعلق بالقلب. وعلى أية حال، فإنه يغدو محتملاً حين يركبني طالما أنني أغمضُ عينيّ عندئذٍ وأتخيلُ أنك من يفعل ذلك "، قالتها ضاحكة. ثم عاد دارين فيما بعد إلى حديثٍ مماثل معها، لما قابلَ زوجها من جديد.
كان دارين قد رافقَ نورو ذات صباح إلى محل في شارع " ستور غاتان "، آلَ حديثاً إلى ملكية الحوت. ثمة، وجدا هذا الأخير مشغولاً بالكلام مع أحدهم في حجرة المكتب. لما خرجا، إذا دارين يُفاجأ بمرأى رَجُل عشيقته. كانَ بيده مسطرة، ربما يستعملها لإنجاز عملٍ ما. بعد ذهابه، سألَ دارين صاحبَ المحل بنبرةٍ متكلّفةٍ قلة الإهتمام: " هل تنوي إجراءَ تغييراتٍ في المتجر؟ ". ردّ الآخرُ، بصوته الآتي من ملكوتٍ بعيد: " طلبتُ من ذلك النجّار إنجازَ بعض الديكورات للمحل، لكنني في حقيقة الأمر أخطط لإقتناص إمرأته! إنها صبيّة حسناء، يضجّ جسدها بالرغبة. وزوجها، هوَ كما رأيتَ؛ شخصٌ درويش ومتهالك، لا يُمكنه أن يُشبعَ فَرْجَها المُلتهب ". كانَ على ثقةٍ، ذلك البليد والفاجر، أنه قادرٌ على إشباع المرأة.

2
" لا تختلط بهذا الفتى، لأنّ سيرته مَشنوعة "، هكذا قال سامو لدارين ذاتَ مرةٍ في إشارةٍ إلى ماهر. حقّ لمُستمعه أن يحسّ بالإستغراب في داخله، كون سامو بنفسه ذي سيرةٍ مَشبوهة. إنه حقاً لم يكن لصاً، ولكنه عُرف بقيامه على تخزين مسروقات مواطنيه في شقّةٍ أستأجرها لهذا الغرض، ومن ثم كانَ يقوم بتصريفها عن طريق البيع بسعرٍ زهيد إن كانَ بالجملة او المفرق. في ذلك الوقت، كانَ الرجلُ يقضي حكماً بالسجن لمدة عامين، بتهمة إغتصاب إمرأة كانت قد رافقته من الملهى. بحَسَب القانون، كانَ يحق له قضاءَ عطلة نهاية الأسبوع في خارج السجن. إنه يكررُ على مسامع الجميع، براءته من التهمة: " ضاجعتها بملء إرادتها، وإلا هل كانت سترافقني إلى منزل تركي؟ ". هذا الاسم الأخير، يخصّ شخصاً خمسينياً من مواطنيه، يعيش وحيداً عقبَ الطلاق. لقد جعل شقّته، الكائنة على طرف مركز المدينة، مقراً لحلقة مقامرين جلّهم من فلسطينية سورية ولبنان.
أخرجَ سامو شريطَ فيديو من حقيبته الصغيرة، ملوّحاً به أمام الحضور: " هذا شيخٌ من جنوب أفريقيا، جعلَ ملايين المسيحيين يتحولون إلى الإسلام. إنه حجّةٌ لا يُرام، وقد أعجزَ حتى البابا نفسه ". ثم أضافَ، بنبرةٍ مُتشفّية: " لو أنّ كلاً منا عرَضَ هذا الشريط على جاره السويديّ، لأضحى هذا البلدُ مُسلماً في غضون عدّة أعوام "
" لا قدّرَ الله، يا رجل! أتريد أن تحرمنا من الفردوس السويديّ لأجل خاطر لحية شيخك؟ "، علّق نورو مقهقهاً. سرت موجة الضحك إلى الآخرين، ربما باستثناء الرجل الحوت؛ وكنا علمنا مقدارَ ما يتّصف به من تحفّظ وجدّية. ما عتمَ أن خاطبَ سامو، بصوتٍ مُنخفض: " دَعَنا نتحرّك الآنَ، لكي لا تتأخر عن الجماعة ". كانَ مفهوماً، أنه يقصد إعادته إلى السجن، الذي يبعُد عن أوبسالا بنحو ساعة في السيارة. هذه الأريحية، فكّرَ دارين، لم تكن غريبة عن الحوت إلا بمقدار إبتعادها عن مصلحته الشخصيّة.
في يومٍ سابق، كانَ سامو قد أولمَ لأصدقائه المقربين في شقّته، ثمة في حي " غوتسوندا ". الحوت، وهوَ جاره، كانَ بالطبع في مقدمة المدعوين. مع تفرّق هؤلاء عقبَ إنتهاء الوليمة، بقيَ الجارُ مع دارين في صالون الشقّة. بعد قليل، أستأذنَ منهم المُضيف بضرورة ذهابه إلى المتجر لشراء علبة سجائر. من الردهة، تصاعدَ صوتٌ أنثويّ فتيّ، يُناغي أحدَ الأطفال. هذه كانت، " ميديا "، ابنة شقيقة زوجة سامو، وتبلغ السادسة عشرة من العُمر. كانت غادةً هيفاء، بل ونادرة الحُسن؛ لكنها على شيءٍ من السذاجة. الخصلة الأخيرة، أجاز دارين لنفسه الحُكمَ فيها على خلفية مواقفٍ معيّنة. وهوَ ذا أحدُ تلك المواقف، أستُهلّ حينَ رفعَ الحوتُ عقيرته مُنادياً الفتاةَ. سرعانَ ما ظهرت، وكانت تحملُ ابن خالتها، المُعرّف ب " المنغوليّ "، بحَسَب التوصيف الشائع في المشرق. كانت مُكتسية ببنطالٍ من النوع المطّاط، يُبرز إمتلاء فخذيها واستدارة ردفيها. قال لها الحوتُ، رامشاً جفنيه الثقيلين: " إقتربي كي أملّي عينيّ من جمال ابن خالتك! ". في الأثناء، كانَ دارين يقرأ في مجلةٍ عربية، مُطرقاً برأسه المُعتمر قبعة من نوع " كاسكيت ". فيما كان الحوتُ يُداعب قدمَ الطفل، كانت أصابعه تمسّ عانة الفتاة، الواضحة المعالم من تحت القماش المشدود والرهيف. بقيت هذه ترنو بشغف إلى ابن خالتها المسكين، مواصلةً مناغاته. على حين فجأة، جفلت ثم تراجعت خطوة إلى الوراء: العربيدُ المأفون، بلغَ فيه الهياجُ أن قبضَ بيده على فَرْج الفتاة وأعتصره بين أصابعه. لقد لحظ دارين كل شيء، وما عتمَ وجهُهُ أن تضرّجَ ـ كأنما هوَ المَلومُ في ذلك الفعل الشائن.
في وقتٍ آخر، وجدَ الحوتُ أنّ الذوقَ يُحتم عليه ردّ تلك الدعوة، التي كادت أن تنقلب إلى فضيحة لولا سذاجة المَعنيّة بالأمر. تبيّن لدارين، مدهوشاً، أنّ المدعوين ليسوا سواه مع سامو. بل لقد تجاهلَ صاحبُ الدعوة حتى صديقه نورو، لكي لا يخسر صحنَ فولٍ مُدمّس آخر. بلى، ذلك كانَ الطبقُ الوحيد على المائدة الفارهة، مع طبقٍ فيه شيئاً من البصل والنعنع الأخضر والمخلل. أفتتحَ الحوتُ الوليمة العامرة، بالقول: " أحتارت أم الأولاد ماذا ستطبخ، بعدئذٍ هداها تفكيرها إلى هذه الأكلة الشعبية. الفول، فوائده تعادل اللحم على حدّ تأكيد الرئيس السادات رحمه الله! ". نطق تلك الكلمات، ثم أشفعها بنظرةٍ ماكرة أخترقت عينيّ دارين. هذا الأخير، تجاهلَ كل شيء ثم ما لبثَ أن هجمَ على صحن الفول، مُقبلاً غيرَ مُدبر: تلك كانت الطريقة الوحيدة، التي تغيظ الرجلَ المُقتّر حدّ المجاعة. زادَ على ذلك أيضاً، بأن ألتهمَ رغيفين آخرين. الآنَ، كانت عينا الحوت تجولان بقلق فوق طبق الخضار والمخلل، تستجديان إبقاء القليل من محتوياته لغداء أم الأولاد!
عقبَ الغداء ـ أو سمّه ما شئتَ ـ غط المُضيف بالنوم وهوَ على أريكة الصالون، فاندلق كرشه نحوَ الأرض. كانَ كرشاً عظيماً بحق، تمّ تكوينه على مرّ السنين من مال اليتامى والمساكين وضحايا الحرب وضرائب المُكدّين ثماني ساعات في اليوم. بل إنه مأثرة، تُضاف إلى مآثر صاحبه، التي في وسعه تعدادها لكَ في ثرثرةٍ قد تستغرق ثلاثة أشهر بلا خبز. ها هوَ يفيقُ، فجأةً، كون ضميره غير مرتاح لترك ضيفيه دونَ ثرثرته. تساءلَ، وكأنما يُكلّم نفسه: " ألم يُقدّم الشايُ بعدُ؟ ". لقد نطقَ اسمَ " الشاي " بشيءٍ من العَظَمة، مثلما يفعل النبلاءُ حينَ يأمرون الوصفاء بتقديم الشمبانيا. ولأنه لا يجرؤ على إصدار الأوامر في المنزل، نادى إمرأته بلطف كي تعدّ ذلك المشروب الثمين والنادر. بعد قليل، تمّ صبّ الشاي في أقداحٍ حائلة اللون ( مُشتراة من الصليب الأحمر )، وكانَ عبارة عن سائل أصفر مائع. على الأثر، قالت إمرأته أنها ستمرّ على جارتها. غبّ خروجها من المَسكن، ألتفتَ المُضيف إلى سامو: " أتصل بإمرأتك، لكي ترسل طاولة الزهر مع ميديا ". كانَ على علمٍ، بأنّ الفتاةَ تلازمُ خالتها في عطلة نهاية الأسبوع لأجل مساعدتها في رعاية الطفل. بعد قليل أيضاً، وصلت طاولة الزهر على جناحيّ الملاك. عندئذٍ، دعاها الحوتُ إلى حضرته: " بابا، أريدكِ أن تدوسي على ظهري برفق، لأن ذلك يُنعش المادة الغضروفية في الفقرات ". خلعت المعطفَ الخريفيّ، الذي كانت ترتديه فوقَ فستانٍ قصير. مع مرور الوقت، والفتاةُ تعلوه مع ساقين عاريتين إلى منبت الفخذين المرمرين، لاحَ أن الإنتعاشَ قد جعلَ فتحةَ بنطال الحوت تنتفخُ ككرة صغيرة. حتى إذا نهضَ أخيراً، كادَت الكرة هيَ الأخرى تسقط على الأرض.
سامو، لم يلحظ شيئاً، كونه في الأثناء مشغولاً بحركة زهرَيّ النرد، المتقافزَيْن على صفحة الطاولة ذات الأشكل الهندسية. في حقيقة الأمر، أنه كان حسنَ الطوية؛ وأيضاً، لا يخلو من بعض السذاجة. هكذا خصال، كان يستغلها الحوتُ على أفضل وجه.

3
في مساء يوم جمعة، والخريفُ خارجاً يضجّ بعزيف ريحه النديّ، رفعَ دارين سماعة الهاتف ليسمع صوتَ ديانا، المَبحوح قليلاً: " أنا في غاية التعاسة واليأس، وأريدُ أن ألتقيك كي أفضي ما بداخلي ". أضطرَ أن يُجاري وضعها، ومن ثم أتفقا على موعدٍ نفس الليلة في بار " كاتالين "، الكائن في جوار المكتبة العامة. وصلَ قبلها، وما لبثت أن ظهرت على مدخل البار بقامتها المشيقة وأناقتها المعهودة. لكنّ مشيتها المُتعثّرة، كانت تشي بحالتها النفسية. ثم تبيّنَ، أنها جرعت عدّة أقداح قبل مجيئها. طلبا بيرة، وجلسا في مكانٍ أقرب للمدخل، كونه أكثر هدوءاً وأقل كثافة في دخان السجائر.
" لحظتُ الآنَ، ومن قبل بالطبع، أنك تبادر لدفع ثمن المشروب. لم أرَ مرةً قط، ميرو، وهوَ يفعلُ ذلك. ليسَ لشحّ فيه، وإنما لكونه أعتادَ ان تصرفَ النساءُ عليه. فيه شيءٌ من طبيعة القوّاد "، قالت الجملة الأخيرة مع ضحكةٍ فاترة. ثم أضافت، عابسةً قليلاً: " لكنّ طبعه هذا، لم يكن سبباً للمشاكل بيننا. إنه زيرُ نساء، وأنا غيورة جداً. البنزين والنار، لا بدّ أن يُشعلا حريقاً. والآنَ، أريدُ أن أخلّصه مُجدداً من ورطته؛ مع أنه لا يستحقُ ذلك. لو تعلم، بأيّ وحشية ضربني ذلك الصباح. كنتُ أرتطمُ برأسي وجسدي بالجدران والأرض، وهوَ يوسعني صفعاً وركلاً. الحقير المنحط، الهمجيّ! ". قالت الجملة الأخيرة، مُستعبرة. أستأنفت الكلامَ، وهيَ تمسحُ عينيها وأنفها بالمنديل: " من سوء حظي ونكد طالعي، أنني ما أنفكّ أحبه. كأنه قدَرٌ، لا فكاك منه "
" هل في وسعي تقديم مساعدة، تطلبينها في هذا الإطار؟ "، سألها دارين وقد تأثّرَ لحالتها. هزّت رأسَها بحركة موافقة، وأجابت: " أريدكَ أن تلتقيه بأقرب فرصة، غداً لو أمكنَ. من خلال المحامي، علمتُ أنه يقيم في مكانٍ قريب من هنا. يبدو أنه أستأجرَ شقّة، مُطلة على شارع الملك، بمقابل ناديكم الكرديّ. أرجوك أن تذهب إليه، وتنقل عرضي هذا: سأتنازلُ عن الدعوى، بمقابل أن يعودَ للعيش معي ". أبدى دارين موافقته، فشدّت على يده بامتنان. في داخله، لم يكن سعيداً بالمهمة. سيُعيد ميرو إليها، وفي المقابل، يواصلُ هذا فرضَ نفسه عليه: " وربما تدغدغ ذهنه، ثانيةً، الخطّة المُبيّتة للتخلّص من خليلته عن طريق وضعها في طريقي ـ كإمرأةٍ مُتيّمة بعشق رجلٍ مُختلف، مثقف! ".
قالت له، فجأةً، ويده ما فتأت بيدها في لحظة الوداع: " أمضِ معي إلى مسكني، لكي نواصل السهرة. الوقتُ ما زال مُبكراً، وأنا سأكون ضجرة جداً لوحدي ". كانا عندئذٍ في السيارة، بالقرب من مسكنه. لقد وقعَ تحت سيطرتها، كالمنوّم مغناطيسياً، يوافقها على أيّ شيءٍ تطلبه. ثمة في صالون شقتها، كانت عدّة الشراب تنتظرُ على الطاولة. أستأذنت في الذهاب إلى حجرة النوم، بغيَة تغيير ملابسها. كانَ قد بدأ في إحتساء قدحه، لما عادت بغلالة رهيفة ذات لونٍ صارخ، تشفّ عن عُري جسدها. فكّرَ في قلق، مُتماهٍ بالتهكّم: " لعل الشراب نالَ منها، فخلطت بيني وبين معبودها ". جلست بمُقابله، مُتباعدة الساقين، ليظهرَ السروالُ الداخليّ الرهيف. بقيت ترمقه بنظرةٍ ثابتة، فيما تنهلُ من القدح. ثم إذا بها تتزحزحُ رويداً، لتزيحَ طرفَ السروال عن منظر فَرْجها: " أنظرْ كيفَ نما الزغبُ عليه، كوني أهملته كلياً عقبَ قطيعتي مع ميرو "، خاطبته بنبرةٍ مرتعشة. ثم راحت تُطبطب على ذلك المكان، الذي أسماه الرومان " تل فينوس ". أضافت، تكلّم نفسها هذه المرة: " آه، كم أشعر بالشبق وأنا أذكرُ مجرّد اسمه؛ ذلك الحقير! ". ثم ما عتمَ أن نهضت، ودونَ أن تنظر إلى الضيف، إتجهت من جديد إلى حجرة النوم. مكثَ دارين، تلفّه الحيرة. هذا الوضع الغريب والشاذ، فكّرَ نافخاً بملالة، إنساقَ إليه منذ البداية دونما تبصّر. دقائق أخرى على الأثر، ثم صدرَ من تلك الحجرة، الصدى المألوف للتأوهات والأنّات. كانَ قد عزمَ بالفعل على الفرار من المكان، لما نادته باسمه. أطلّ عليها عبرَ باب الحجرة المُوارَب، فرآها مُستلقية على السرير بعريها المضطرم. كانت تُمرر عند ملتقى فخذيها عضواً صناعياً، مَوصولاً بالتيار الكهربائيّ. قالت له بصوتٍ واهن: " أخلع ملابسك، واستلقِ بجانبي كي تستمني نفسك! كنتُ أرغبُ أن تضاجعني، لو لم أقرر إعادة العلاقة مع صديقك ". مُنفّذاً تعليماتها ـ كالروبوت ـ بدأ ينضو ملابسه، وبصره لا يُحيد عن المشهد المُثير. لاحَ أنها أثيرت بدَورها حينَ رأت عضواً حياً، ينتصبُ في متناول يدها. فإذا هيَ ترمي جانباً أداةَ المتعة، وقد أهاجتها الرغبة أكثر من ذي قبل. قالت فيما تُدني ذلك الشيء الحيّ من أنفها، بصوتٍ مخنوق من شدّة الشبق: " لا ضيرَ في أن أخونَ ميرو مرةً، كوني تحمّلتُ خيانته مراتٍ متعددة ".
لكنها لن تكونَ مرةً وحيدة. أستمرا في نوبات الجماع ليالٍ ثلاث على التوالي. قالَ في نفسه، مَدهوشاً: " إنها ترهبنت حقاً في خلال الأسابيع المنصرمة، لأجل شخصٍ رقيع مثل ميرو ". في أثناء ذلك، عادَ لحضور الدروس بشكل منتظم. خزامى، وكانت قد لحظت ما أعتراه من تغيّر مؤخراً، لم تقتنع بما ساقه من مُبرر كلّ مرةٍ. كمألوف عادتها، أقحمت الله في إحتجاجها على مَسلكه المَعلوم: " في سبيل حبّكَ، أنا أرتكبُ معصيةَ الزنا وقد أحرمُ من الفردوس! ألا تقدّر ذلك، حقاً؟ ".
ولكنها ديانا، مَن ثابت إلى رُشدها في اليوم الثالث. قالت لدارين: " لقد ذهبنا بعيداً في الطيش، وحانَ وقتُ الرجوع إلى العقل. إنكَ وعدتني بالتكلم مع ميرو، أليسَ صحيحاً؟ "
" نعم، وأنتِ بدَوركِ وعدتِني بسرد سيرتك مع زوج أمك "، قالها بشيءٍ من التردد. على ضوء الشموع، المُنعكسة على أقداح الكريستال المُترعة، شاءت أن تحققَ رغبته ـ كما لو أنها لم تجدَ غيره مُستحقاً أن يستمع إليها؛ أو ربما على سبيل تأكيد صداقتها وثقتها به. لقد كانت حكاية ميلودرامية، وإيروتيكية في آنٍ معاً.

4
" أدريان "، دخلَ متأخراً نوعاً في الأسرة الصغيرة، المكوّنة من ديانا وأمها. هذه الأخيرة، كانت تتقلّب على فراش علاقات متعددة مذ أن أفترقت عن والد ابنتها. الزوج الجديد، عليه كانَ أن يُنسيها كل علاقاتها السابقة، بشخصيته الساحرة وحيويته؛ وأيضاً، بالأخص، قدرته الجنسية المتلاعبة على كل الحبال. تمتعَ بجسم متين وعضلات مفتولة، وكان ذلك موائماً لعمله ـ كمدرّس رياضة. كانَ محبوباً من لدُن طالباته، اللواتي كن في المرحلة الإعدادية. أعتدنَ على تبديل ملابسهن في وجوده، وكانَ يقرصُ المُعابثات في دعابة بمؤخراتهن العارية. لقد نجحَ في إدخال الرومانسية لحصّته، المُتّسمة ببالإعتماد على المهارة البدنية.
ديانا، لم تعرف أباها تقريباً. وقد أعتقدت أنها عثرت على الأب، عقبَ مرور عامين على وجود أدريان تحت سقفهم. منذ أن بلغت سنّ التاسعة، أخذ يتدخل في شئونها، وذلك بتوجيهها إلى الموضات الملائمة وباختيار العطر وأحمر الشفاه. طقس الرياضة بفضله، أضحى في المنزل يومياً وجماعياً. من نواقصه الرومانسية، في المقابل، كراهيته للسهر في الملاهي والبارات. لكن هذا كانَ يلائم الأم، لأنه من جهة يجنّبها الغيرة المُسببة للخصام، ومن جهة أخرى يُتيح لها المضي لوحدها إلى تلك الأماكن كي تلتقي أصدقاءها وتتمتع بالشرب والرقص والدردشة.
ذات مساء من عطلة نهاية الأسبوع، أتجهت الأم إلى السهرة، بعدما أوصت رَجُلها بعدم نسيان إطعام الكلب. قررَ تنفيذ الوصية، غبّ خروجه من الحمّام. كانَ تحتَ الدوش، لما دخلت ديانا كي تستعمل المرحاض. سألها ضاحكاً، خِلَل رغوة الصابون: " لِمَ تبولين واقفة، كالذكور؟ ". وكانَ ردّها، بنبرة جدّية، أنّ ذلك يُشعرها بالنشوة. في الصالون، وكانَ يُتابع إحدى مباريات كرة القدم على قناة الرياضة الأوروبية، جاءت الصغيرة وهيَ عارية إلا من سروال داخليّ: " لقد تنازلت لي والدتي عن مجموعة من كلاسينها، ما رأيك بهذا؟ "، سألته وهيَ تعرض نفسها على وجهي العملة. لحظ عندئذٍ مؤخرتها الممتلئة، وكأنه ينتبه إلى ذلك لأول مرة. لعله سروال إمرأته، من أوحى له بذلك. ما عتمَ أن جلست على ركبته، لتقول رداً على ملاحظته بشأن تبكيرها بإرتداء هذا النوع من السراويل المثيرة : " سأفاجئ بها، صديقي عبدول ". ثم أردفت، خالعةً السروال: " لستُ صغيرة. تحسس فَرْجي، كيفَ نبتَ الزغبُ عليه ". أخذت يده، ومررتها على ذلك المكان: " صديقي يعتقدُ، أنني من الممكن أن أحبل لو قذفَ داخلي "
" هل هوَ زميلك في المدرسة؟ "، سألها وهوَ يسحب يدَه. أوضحت بالقول: " بل شقيقه الصغير معنا في الفصل، أما هوَ فإنه يكبرني بأربع سنوات. تعرقتُ عليه عندما كانَ في الباحة ينتظر شقيقه، ريثما ينتهي من اللعب. وكنت إذاك أتسلق الحبال، فأنتبه إلى أنني بدون سروال داخليّ. رداً على نظراته الوقحة والمحمومة، نزلتُ ورفعتُ ثوبي أمامه وكأنني أغيظه أو أتحداه. فأقترحَ عليّ للحال أن أرافقه للغابة القريبة "
" إذاً، تعرّفتِ عليه من مدة قريبة؟ "، قالَ ذلك مُتعمّداً مقاطعتها. أومأت إيجاباً، ثم ما لبثت أن انطرحت على بطنها، مسندة رأسها إلى حضنه. كانَ بدَوره عار إلا من الشورت، لأنه خرجَ للتوّ من الحمّام. نظرُهُ، أخذ يتنقّل على الأثر من الشاشة الفضية إلى كفل الفتاة، الذي بنفس النصاعة. حينما أحسّت بإنتعاظه، أخرجته كي تُدلي بملاحظةٍ بريئة: " عبدول يملكُ مثلَ هذا تقريباً، وقد آلمني حينَ واقعني في القِبْل والدِبْر "
" هل منحتِهِ بكارتكِ؟ "
" ليسَ بعد، لأنني كنتُ أشعرُ بالألم في كل محاولة "، ردّت بالقول ثم أستدركت في بساطة: " ألا يُمكنك فعل ذلك، بقليلٍ من الألم؟ ". كانت قد بدأت سلفاً بترشف شيئه، وقد تركها تفعل ذلك. إزاء نزوتها، رأى من الواجب أن يجيبها: " أنا بمثابة أبيكِ ". قالت تقاطعه: " أكثر من صديقةٍ لي، أعترفت بانها تُمارس الجنسَ مع رَجُل أمها "
" هلا دعوتِ، يوماً، صديقك لمسكننا كي نتعرّف عليه؟ "، قالها فيما كانَ يجذبه بسرعة ويدسّه تحت القماش. بقيت ديانا مُمسكة عن الجواب، وهيَ تُراقب ما أعترى ملامحُهُ من تقلّص وإرتعاش. أدركت عندئذٍ، أنه قذفَ تواً في سرواله. بعد عودته من الحمّام، أمِلَت منه أن يُقنع الأم بقبول إستقبال صديقها في المنزل. هزّ رأسَه موافقاً، ثم طلبَ منها الذهابَ إلى حجرتها للبس المنامة.
" عبدول، حصل على إذن من والدته أن يتأخر حتى العاشرة ليلاً. أليس هذاً رائعاً؟ "، نقلت ربيبته هذا الخبر لوالدتها في حضوره. وكانت الأم تستعدُ للذهاب إلى سهرة عطلة نهاية الأسبوع، فألقت نظرة قلقة على الصغيرة قبل أن توصيها: " أحرصي على ألا يضاجعكِ بدون الواقي الذكري، لأن ثمة حالاتٍ نادرة عن حبل فتيات بمثل سنّك "
" ماما، أنا عذراءٌ. لا تنسي ذلك "
" المهبلُ يمتصّ المادةَ المنوية في كل الأحوال، فخذي حذركِ "
" صديقي أكثر حذراً، كونه لا ينوي الزواجَ من فتاة غير مسلمة "
" ولكن لا مانعَ عنده أن يُضاجعها، شيءٌ ظريف! "
" ربما تحبلُ بنتُ التسع سنين في أفريقيا الحارة، وليس في السويد الباردة "، علّقَ رَجُلها. مطّت إمرأته شفتيها، بطريقةٍ توحي بعدم الإقتناع، ثم قالت وهيَ تستديرُ لتخرج: " على أية حال، فإن الفتى من أفريقيا وقد يكونُ حاملاً لفيروس لإيدز ". عندما بقيا لوحدهما، قالت ديانا تستشيره: " أرغبُ في استقباله بملابس داخلية مثيرة، وأريدك أن تراها الآنَ كي أحصل على رأيك "
" بل الأنسب إستقباله بهيئتكِ هذه، لأنني أرغبُ بالتعرف عليه أولاً "، أجابَ قبلَ أن يمضي بدَوره إلى شئونه. في الساعة المُتبقية لحضور صديقها، بقيت ربيبته تحومُ حوله وهوَ في جلسته المعتادة أمام جهاز التلفاز ـ كما يحومُ ثعلبٌ جائع حولَ سور منزل، يتصاعدُ منه صياحُ الديك. خاطبها أخيراً، بالقول: " إهدئي، فلم يبقَ سوى القليل لمجيئه ". وقفت لتنظر إليه ملياً، قبل أن تقول وكأنها تذكّرت أمراً مهماً: " إنتظر، سأريك شيئاً ". ذهبت إلى حجرتها، ثم سرعانَ ما عادت وبيدها قارورة:" والدتي تستعملُ هذا السائل المُعطّر، لأنه يُسهّل عملية الإيلاج. أليسَ صحيحاً؟ "
" نعم، ولكن ما حاجتكِ به أنتِ؟ "
" أردتُ الإستفهامَ، ما لو كانَ يُسهل الإيلاج في الدبر أيضاً؟ "
" لا، عليكِ في هذه الحالة إستعمال الفازلين. ثمة قارورة منه في خزانة الحمّام "، ردّ عليها بشيءٍ من الضيق. كانَ بالكاد قد نجحَ في إخماد رغبته، فلم يكن يرغبُ بالشطط في الحديث مع هذه الصغيرة المُعابثة. لقد سبقَ له أن تعاملَ مع أمثالها، ثمة في المدرسة، ومضت الأمورُ على ما يرام. هكذا كانَ يفكّر، لما رنّ جرسُ الباب. تنهّدَ بارتياح، كون ذلك قد أخرجَهُ من المأزق. غبّ التعارف بين الفتى وزوج أمها، سحبته صديقته إلى حجرتها. بعد قليل، بدأت تصلُ من ذلك المكان صرخاتها وتوسلاتها، المشفوعة أيضاً بضحكاتها. ثم مضت ساعة أخرى. في طريقه إلى الحمّام، حينما مرّ أدريان حَذاء حجرة ربيبته، إنتبه إلى أنها أبقت البابَ مفتوحاً قليلاً. الفضولُ، دفعه إلى إلقاء نظرة خاطفة على الداخل: في الضوء الساطع، كانَ أستُ الصغيرة يتلألأ كالفضّة تحت الجسد البرونزيّ لصديقها. كانت تطلقُ تأوهاتٍ خافتة، مع ألفاظٍ فاحشة، جديرة بإمرأة في سنّ والدتها.
قبل حلول الساعة العاشرة، كانَ الفتى قد غادرَ الشقّة. دقيقة على الأثر، ثم جاءت ديانا إلى الصالون وهيَ ما تفتأ عارية. لما أستقامت أمام جلسته على الأريكة، مدّ أدريان يدَهُ ليلمسَ المناديلَ المبتلة، المحشورة في قِبْلها: " لقد نفّذتِ، فعلاً، وصيةَ أمّكِ! "، قالها ساخراً. أطلقت ضحكة مرحة قبل أن تستديرَ، لتعرضَ ردفيها: " هنا، المزيد أيضاً "
" ألن تذهبي لتغتسلي، أيتها الشقيّة؟ "
" ليسَ قبلَ أن أريكَ هذا المنظرَ، المُثير "، قالت ذلك ثم بدأت رويداً بسحب المناديل فيما هيَ منحنية على الطاولة. على الأثر، راحَ السائلُ الفضيّ يقطرُ خارجاً من كلا المَنبعَيْن. في الحركة التالية، كانت قد أعتلت الأريكة لتغرسَ الشتل الأخضر في حديقتها النديّة.

5
قالت ديانا لدارين، وكأنما تلك الذكرى لسعتها في قلبها: " أنا كنتُ صغيرة، وأكثر براءة من أن أحسّ بالإثم. على عكس داريان، وكانَ حتى ذلك الحين شخصاً متزناً ويتصرف بكثير من العقلانية والحكمة، بعيداً عن الأهواء والغرائز. إلا أنه لو فقد صوابه، فإنه بسببي ولا شك. بقيَ يُطارحني الغرام في كل مرةٍ تذهب فيها أمي للسهرة، إلى أن بلغت الخامسة عشرة. ذات لبلة من عطلة نهاية الأسبوع، رجعت أمي إلى البيت مبكراً، فضبطتنا في وضع عارم على السرير في حجرتي. لم ننتبه إلا وهيَ فوق رأسينا، وقد مكثت تتأملنا ونحن جامدَيْن ـ كما يفعل المرءُ في المتحف إزاء تمثال القبلة لرودان "
" أمن الممكن أنها أرتابت أساساً بكما، بالأخص لأنكما على علاقة لفترة طويلة؟ "، تساءل دارين بعدما أمسكت عن الكلام لدقيقة فيما تنهلُ من قدحها. هزت رأسها نفياً، وعادت لإكمال حكايتها: " كانت شديدة الثقة به، ومن ناحية أخرى، مطمئنة لوجود صديق في حياتي. إذ أستمرت علاقتي بعبدول، وكنت في الأثناء أشارك والدتي بتناول حبوب منع الحمل بشكل منتظم. على أية حال، أحدثتُ جرحاً بليغاً في قلبها، ثم أهتز كيانها وأضطرب. عقب طردها لأدريان من حياتها، أضحت ضحية للإدمان على الكحول. كذلك صارت متهتكة تماماً، تتنقل بين أحضان العشاق. وليت الأمر توقف عند ذلك الحد، فإنها قررت الإنتقام مني بنفس طريقة إستحواذي على زوجها. ينبغي القول، أنني قبل كل تلك الدواهي، التي ألمت بنا، كنت معتادة على مداعبة والدتي بالقول، أنّ عبدول واقعٌ في هواها. وحقاً كان معجباً جداً بوالدة صديقته، ويُبالغ بإعتباره لها أجمل إمرأة في العالم. وفي إحدى المرات، تلصصنا سوية عليها، خِلَل الباب المُوارب، عندما كانت في وضعية المضاجعة مع أدريان. لا أدري كيفَ توصلت إلى نسج علاقة مع صديقي، وصارت تصحبه من الملهى إلى شقّة صغيرة كانَ قد سبقَ وأستأجرها حينَ تزوجت والدته مُجدداً. بعدئذٍ حملته والدتي على الإذعان، لما شاءت أن تأتي به إلى بيتنا. كانت تصل إلى سمعي أصوات المهارشة من حجرة النوم، فيما كنتُ أتمزقُ من مكابدة الغيرة والغيظ. على الأثر، دأبت على ذات المسلك كلما أرتبطتُ بعلاقة مع صديق جديد. إلى أن بلغتُ السنّ، المُتعيّن فيها أن أستقلّ بمسكنٍ "
" ألم تعودي لتلتقي أدريان، مرةً أخرى؟ "
" أبداً، إذ أنتقلَ إلى مدينةٍ أخرى غبّ هجر والدتي. إنه كانَ يعشقها بجنون، وأظنه عدّني كما لو كنتُ أمثّل صباها ومراهقتها. وأنا بدَوري، رأيتُ فيه أبي الغائب وأيضاً حبي الأول. لأن عبدول لم يكن بالنسبة لي سوى علاقة جسدية، حتى أنه أدريان مَن حظى ببكارتي وليسَ هوَ "، قالت ذلك ثم أستدركت مُتبسّمة: " أول ما تعرّفتُ عليك، يا دارين، لفتَ نظري للفور شبه إسمك لإسم أدريان. وقلتُ في نفسي عندئذٍ: ربما سيكونُ لي شأنٌ، يوماً ما، مع هذا الشاب الجميل! "
" ولكنك أحببتِ ميرو، وما زلتِ كذلك؟ "
" أجل، لدرجة الجنون أيضاً. لا أدري ما أقوله في تفسير الأمر، سوى أن النساءَ يعبدنَ مَن يهمل شأنهن ويُمتّع نفسه بعلاقاتٍ متعددة. أما الشخص المُخلص، المُتلهّف، فإنه يثير ضجرهن. ما جذبني إليك ـ لو تركنا جانباً دعابة شبه إسمك لعشيقي الأول ـ أنك الوجه الآخر، المفقود لدى ميرو؛ وهوَ وجه الإنسان المثقف والرومانسيّ. إنك تعلم رأيي فيه، بإعتباره شخصاً فارغاً لا يُرجى منه أيّ إهتمام أدبي أو فني أو فكري "، قالتها ثم أمسكت بيده وضمّتها إلى صدرها: " لذلك آملُ أن تبقى ليسَ قريباً منا، حَسْب، بل أيضاً جزءٌ من حياتنا. ولعلك مُدرك أنّ ميرو بدَوره، يتباهى بصداقة مثقف مثلك كي يرفع من شأن نفسه أمامي وأمام الآخرين. إنني على ثقة بأنه لن يشعر بالغيرة والغضب، لو علم أنني كنت أخونه معك ". الملاحظة الأخيرة، شجّعت دارين كي يقول لها بصراحة: " في حقيقة الأمر، كنتُ على شكّ منذ البداية بأن ميرو يرغب بالتخلّص من علاقتكما عن طريق وضعي في طريقك. بل إنه لم يتحرّج من مصارحتي، بأمنيته أن أغدو خليلك "
" آه، يا عزيزي! كل ما قلته أنتَ عن مسلكه بهذا الشأن، كنتُ أدركه وأشعر به. مع ذلك، تجاهلتُ ما هوَ أمرّ وأشنع في سبيل الإحتفاظ به. إلى الأخير، فاضَ ما بي وأدى إلى تلك المشادة المعلومة. والآن، ما أنفكّ آملُ بإصلاحه وأنه في وسعنا العيش تحت سقفٍ واحد كما في السابق "
" ولكن في السابق أيضاً، أنتِ قمتِ بإبتزازه: إما العيش معكِ أو مواجهة المحكمة! أرجو العذر، لإستخدامي تعبير الإبتزاز "
" لا، إنه التعبير الصحيح. وأنا من حقي أن أسألك: مع إنسان بمواصفات ميرو، أيّ طريقة من الممكن للمرء أن يتعامل معه؟ "
" هوَ يمدّكِ أيضاً بالهيرويين، أليسَ صحيحاً؟ "
" نعم، ويعدّه إستثماراً يدرّ عليه المال. هذا، مع أنني مَن كنتُ أنفقُ حتى على شراء ملابسه. لقد قلتُ لك مرةً، أنّ فيه شيئاً من طبيعة القوّاد. وبالأصح، فيه طبيعة الغندور المُتعيّش على النساء العواجيز والأرامل "
" إنه محظوظ، كونك صبيّة وجميلة ودخلك عالٍ "، علّق دارين. ثم أضافَ، ضاحكاً: " وما زلتِ بعيدة جداً، زمنياً، عن نادي العواجيز والأرامل ". تبدد الجوّ القاتم، وشاركته شعورَ المرح. ثم ما لبثَ أن أستوت على قدميها: " سترافقني إلى حجرة النوم، لكي أقدم على خيانته للمرة الأخيرة! "، قالتها بنبرة جدّية.
كما كانَ متوقّعاً، وجدَ ميرو في النادي على ساعة الغداء. كانَ مُهمل الهندام، أشعث الشَعر قليلاً. لقد أشبه بذلك الكلب، الذي أهمله صاحبه في عطلة نهاية الأسبوع. لقد أستعاد حريته، بالتخلّص من مُستعبِدَته؛ لكنها حرية مؤقتة، ربما يتبعها الرسوخ وراء أسوار السجن ـ كحال شقيقه الكبير. بيدَ أنّ وجهه سرعانَ ما أشرق، حالما علمَ أنّ دارين حمل معه رسالة مطمئنة من تلك المستعبِدَة. أستمع إلى كلمات الرسالة بإنتباه، وما عتمَ أن شدّ على يد حاملها: " إنك أنقذتني من ورطة حقيقية، يا صاحبي "
" أنا مجرّد حامل رسالة، وقد نُقلت إليّ شفاهاً بالأمس عبرَ الهاتف "، قال دارين كاذباً. هزّ الآخرُ رأسَه، علامة على التفهّم. فكّرَ برهة، قبلَ أن يقول بنبرة أسف: " أنا مُستأجر شقّة هنا، بمقابل النادي، مكانها إستراتيجيّ لمن كانَ مثلي معتاداً على إرتياد الملاهي. مؤسف أن أضطر لتسليم هذه الشقة، وإستبدالها بذلك السجن. لكنني سأحاول العثور على مَن يحل بالشقة مؤقتاً، لكي أعود إليها عند هجري لديانا "
" أنتَ تخطط منذ الآنَ لهجرها، ولم تصطلحا بعدُ بشكلٍ موثوق؟ "
" أجل، منذ الآنَ. ما دامت تريدُ الصلحَ، فإنها ستغدو منذ اليوم كالخاتم في إصبعي "، قالها ثم أستقامَ بقوامه الممشوق. مدّ يدَهُ مُصافحاً مَن عدّه بالمنقذ، مُستطرداً: " سأعتمدُ عليك في أمر تهدئتها في خلال الأيام القادمة، فلا تنقطع عن زيارتنا في أثناء ذلك. إتفقنا؟ ". أطرقَ دارين برأسه، وهمهمَ مُجيباً: " بالطبع، لو لم أكن مشغولاً بدراستي ".
في مساء اليوم التالي، تلقى إتصالاً هاتفياً من ديانا. كانت تتكلمُ بنبرةٍ، سعيدة ومؤسية في آنٍ واحد: " أردتُ أن أشكرك لإعادته إليّ، ولو أنه رجعَ إلى سابق عاداته منذ اليوم الأول. تعالَ لو شئتَ، فإنني أشعرُ بالضجر سلفاً ". أعتذرَ بإرتباطه بموعدٍ مع صديق، وقد ساءه أنه سيضطر للكذب عليها كلّ مرةٍ إلى أن تضجر منه أيضاً. فكّرَ بهذه العلاقة الغريبة، التي تجمع شخصين على تناقض شديد في كل شيء تقريباً: " الهزليّ في الأمر، إنها بحاجةٍ إلى معونة شخصٍ مُناسب لها، لأجل كسب قلب شخص غير مُناسب لها. أحدهما يذكّرها إسمه بحبيبها الأول، والثاني يذكّرها جسمه بنفس الحبيب. إنها مُفارقة تُسعدها، بقدر ما تشقيها ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب