الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريكس BRICS

عمار أسامة جبر
كاتب

(Ammar Jabr)

2023 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


ليس للثابت مكان في عالم السياسة، بل هو موج هادر بالتغيرات في عالم يدور في فلك الاستقطاب والتحالفات، والكيانات السياسية التي تتطور وتنمو أو تطوى أخبارها في صفحات النسيان، والقاعدة الثابتة أن الدول بشكل عام تسعى وبشكل دؤوب على حجز مقاعد متقدمة لها في عالم السياسة، وتبذل في سبيل ذلك كل ما تستطيع حتى ترتقي بنفسه وشعوبها، وحتى تمارس دوراً قيادياً بين الكبار، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والعالم ينجذب للانضمام للتكتلات السياسية، والتي كان من أهمها دول عدم الانحياز كمثال واضح عليها، والتي تبنت موقفاً وسطياً بين قطبي العالم انذاك (الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو-الولايات المتحدة وحلف الناتو)، ونأت بنفسها عن الخط السياسي والنتائج والمواقف التي تبنتها الحرب الباردة، وخَطت لنفسها مبادئ تسير عليها، عرفت آنذاك باسم مبادئ باندونج العشرة.

والتطور الحاصل في الالفية الجديدة، ونهوض روسيا وعودتها بقيادة بوتين الى الساحة الدولية، بعد كبوة انهيار الاتحاد السوفيتي وتشتت جمهورياته واستقلالها، واستياء العديد من الدول الكبرى من تضييق الولايات المتحدة وحلفائها على العديد من الدول، والتدخلات السافرة في شؤونها، أدى كل ذلك لنشوء التكتل السياسي (بريكس) الذي عقد أعضائه الخمس اجتماعهم في العاصمة جوهانسبرغ، للتباحث في التوسع في عضويتها، التي بقيت مقيدة منذ العام 2009، وتقدم لعضويتها ثلاثة وعشرين دولة بشكل رسمي من أصل أربعين مهتمة بالانضمام، وعلى عكس دول عدم الانحياز تتخذ بريكس مساراً بعيداً عن الحياد، فهي تدعو بشكل صريح الى انهاء عقود من هيمنة الدولار كعملة تداول عالمية، وتشجع على الروابط الاقتصادية المتضمنة العملات الوطنية للدول الأعضاء، وربما وصولاً الى تشكيل منطقة تجارية بعملة موحدة على غرار منطقة اليورو، وخلق اقتصاد موازي قوي للدولار واليورو.

إن قوة بريكس، مستمدة من عوامل وبدائل يطرحها، أهمها نسبة سكان دولها الخمس الذين يشكلون ما مجموعه ٤١% من سكان العالم، وتبنيها بشكل واضح فكرة الاستغناء عن الدولار بشكل مبدئي في التعاملات التجارية بينها، ويوازي هذه الخطوة التشجيع على التداول بالعملة الوطنية، وصولاً الى العملة الموحدة، والقوة التي يستمدها بريكس من اتساع رقعته الجغرافية الممتدة على أربعة قارات، وانشاءه بنك التنمية الجديد ليواجه بنك النقد الدولي، ومحاولة إيجاد بديل لنظام الدفع العالمي سويفت، والمضي قدماً لانشاء بريكس بلس، الذي من شأنه توسيع العضوية والرقعة الجغرافية والثقل السكاني له.

بين نقاط قوة ونقاط ضعف يتأرجح بريكس، تاركاً الكثير من التكهنات خلفه ومشرعاً الأبواب نحو العشرات من التوقعات لمستقبله فهو ما زال عاجزاً عن إيجاد تدفق نقدي يتيح لبنك التنمية التابع له تقديم مزيد من القروض، ويواجه في طريقه للتوسع منظمات أخرى تشكلت من رحم تكتلات أخرى، يتشارك معها بعض أفكاره لكنها تسعى لخلق توازن موازي بعيداً عن الانضمام له، والإشكاليات التي قد ترافق محاولة الاستقطاب للدول التي ينوي ضمها له، مثل تركيا التي تتواجد في تكتلات أخرى فهي عضو في (الناتو) وتكتل (ميتكا) الذي على عكس بريكس هو شراكة غير رسمية وإطار فضفاض للتعاون والتفاهم بين الدول الاعضاء وبدون الضغط او التأثير على القرارات الفردية بداخله، والذي يشكل جزءا من مجموعة العشرين، لذا يتوجب على بريكس والدول الأعضاء خلق التوازنات وتقديم التسهيلات التي من شأنها استقطاب أوسع وتخفيف من نتائج العضوية التي قد تواجه بعض الدول نظراً لتواجدها في تكتلات أو تحالفات منافسة تسعى بريكس تحييدها والتقليل من هيمنتها الدولية.

لكن ما يسترعي الانتباه في بريكس، هو التوسع التدريجي لعدد الأعضاء الذي أشير بأنه سيدعى (بريكس بلس) كمقترح نظراً لدعوته ستة دول بشكل رسمي للانضمام اليه مطلع العام 2024 وهي (السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا والارجنتين)، وهذا التوسع التدريجي هو تجسيد لرغبة داخل بريكس بتواجد أعضاء لهم ثقل اقتصادي، وضم حلفاء يتحكمون بتدفق التجارة والنفط وتوسيع النادي النووي داخله، لكن تبقى بريكس قوة مقيدة بفعل عدم التسريع نحو الاستغناء عن الدولار ونظام سويفت المقيد للتعاملات المصرفية، وخصوصاً بأن روسيا تخوض معركة كبيرة للتخلص منه في سبيل تحرير اقتصادها وتدفق مدفوعات الغاز وتجارتها الخارجية، والصين التي عانت في فترة ترامب من حرمانها من الوصول الى التكنولوجيا الامريكية (خدمات جوجل) والتضييق على شركتها الوطنية هواوي التي تشغل ثلث سوق الاتصالات في العالم.

بريكس فكرة هامة للتخلص من سياسة القطب الواحد والهيمنة على القرار الدولي ومحاصرة الدول التي تناضل في سبيل حريتها وانعتاقها من أشكال الاستعمار الجديدة، وإذا سارت بريكس في المسار المضاد وتغيير موازين القوى بدل من الاعتماد على القوة العسكرية والتحول باتجاه تقوية الدول الأعضاء اقتصادياً وتكنولوجيا، والسير نحو خلق بيئات حاضنة للمشاريع الصغيرة ضمن الدولة الواحدة والاكتفاء الذاتي والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء مما يؤدي الى تحريك عجلة الاقتصاد والتنمية المستدامة، فإنها تنمو لتأخذ العالم نحو اقتصاد متماسك متين لا يتأثر بوجود المؤثرات الخارجية وعلى رأسها الحروب وتغيير سعر صرف عملاتها الوطنية مقابل الدولار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز