الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية الآمال

رياض ممدوح جمال

2023 / 8 / 24
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد
تأليف : رياض ممدوح جمال

الشخصيات :
الام : في الخمسين من العمر، حسنة المظهر والصورة.
احمد : في العشرين من العمر، الابن الاصغر.
محمود : في الثلاثين من العمر، الابن الأكبر.

المكان : اي مدينة، في وطن اسمه العراق.
الزمان : عام 2004 ، زمن الآمال.
(فناء دار شرقية، قديمة جدا، كل ما فيها من اثاث بسيط جدا)

الام : دعه يا ولدي، لا تنغّص عليه فرحته. نحن لن يتغير من وضعنا شيئا، سواء
قلنا له الحقيقة ام لم نقلها. دعه في سعادته. فإننا قد دفعنا الثمن وانتهى كل شيء ولا
شيء يُعاد. فأرجو أن تكلمه بمحبة عندما سيتصل اليوم بالهاتف، فاليوم موعد مكالمته
لنا.
احمد : اننا اصبحنا الحُطام الذي خلّفه هو لتحقيق حلمه.
الام : لماذا لا تقول اننا بتضحيتنا حققنا له حلمه؟ اننا جذور حلمه. ان شجرة
الزيتون تُعمّر مئات السنين ليس بنفس جذعها بل بنفس جذورها ولكن جذعها
يتغير وينبت للجذور جذوع جديدة تستمر لها فيها الحياة.
احمد : وانا من يسترجع لي حياتي؟ حياتي التي ضاعت سنة منها في السجن، وانا
في العاشرة من عمري، كوسيلة للضغط عليه ليعود. ثم حرمت من اكمال دراستي
في الجامعة بسببه. هل يُعيد هو لي حياتي؟ هو الذي ليس بإمكانه ان يُعيد قدح
زجاجي مكسور!
الام : لا تُقاس الحياة هكذا يا ولدي. الحياة هي ان تُعطي الذّ ما فيها من ان تأخذ.
احمد : ان اعطي ولا آخذ؟ فلماذا لا آخذ انا ايضا، هل كُتبَ عليّ ان اعطي فقط
وغيري هو الذي يأخذ؟ مَن يرضى بمثل هذا المنطق يا امي؟
الام : انا. انا يا ولدي. لقد اعطيتكم انت واخوك. ولم افكر يوما ان آخذ مقابل
عطائي.
احمد : اعذري لي جرأتي يا امي، فانت اخذتِ في النصف الاول من حياتكِ، وفي
النصف الثاني بدأتِ تعطين. اما انا فكل حياتي عطاء. ضاعت منّي اجمل ايام حياتي
والحياة قطرات ماء، اِن تبددت لا يمكن ردّها.
الام : لا تنكأ الجراح يا ولدي. ولا تحكم على الامور من ظاهرها. فحتّى النصف
الاول من حياتي كان عطاءاً ولا وجود للأخذ فيه.
احمد : لابد انكِ اخذتِ بعض حقكِ من الحياة في طفولتكِ او بعد ان تزوجتيِ ابي
الى ان فعل اخي فعلته الانانية وداس علينا وهرب لإنقاذ نفسه وتحقيق احلامه اما
انا فبدأت العطاء وانا طفل في العاشرة يا امي ولم آخذ ابدا.
الام : ما تقوله حقّ يا ولدي. ولكن ليس في اليد حيلة. فما عليك اِلاّ ان تقلب المعادلة،
وتتعلّم ان تـتمتع بالعطاء اكثر، لا بالأخذ فقط.
احمد : من السهل قول ذلك. فمن تكن يده في الماء، ليس كمن تكن يده في النار. اني
اتحدث عن حياة ضاعت، لا عن بسكوته يا امي.
الام : ما تقوله يتردد صداه في اعماقي ويهز كياني يا ولدي فانا احسّ بكل كلمة من
كلماتك. فانا مثلك اعطي منذ طفولتي ولم آخذ. اصبحتُ ام قبل ان اعيش طفولتي.
فقد اصبحت مسؤولة عن اخوتي الاصغر مني وانا لا زلت في السادسة من عمري.
شظف العيش وغياب ابي في حرب بشمال الوطن، يقال لها حرب الشمال،
وموته فيها، مما اجبر امي على تركنا في المنزل والذهاب الى العمل. وبدأ مشوار
عمري بالعطاء. وتزوجتُ ولم اعيش حياتي الزوجية، بل حياة زوجة رجل في
الحرب، وفي الآخر ابتلعت الحرب اباك، حرب اسمها حرب ايران. ورفض اخوك
ان يكون مصيره كمصير اباك، حين استدعي الى حرب تسمى حرب الخليج او
الكويت، فاراد الهرب الى خارج الوطن المدمى، ولكن لا مال لديه يكفي لذلك. فبعتُ
انا احدى كليتي، دون علم احد، وبثمنها هرب، وانقذ نفسه وحقق طموحه وامله.
اليس أفضل مما لو كان قد بقي معنا؟ هكذا حياتي، مثل حياتك كلها عطاء لا نصفها.
احمد : آه يا امي، كم ان حياتكِ مؤلمة! وكيف اعطيت قطعة من احشائك، يا
امي؟ كيف بعت كليتك؟ فانا لست مستعد ان ابيع اظفري بأملاك الدنيا، يا امي!
فقد كنت شهيدة وقديسة.
الام : في سبيل تحقيق الهدف كل شيء يهون، حتى الحياة. ما دام اخوك قد حقق
هدفه، فذلك هو هدفي في الحياة واِلا لامعنى لحياتي عندي بلا هدف. هدف اخيك هو
هدفي. الهدف هو الحياة، والحياة هي الهدف. فاشترك معنا في نفس الهدف يا ولدي.
ليكون لحياتك ايضا معنى، ولنكمل بقية المشوار معاً. فقد كنت، ولا زلت، على
استعداد لاعطي اي جزء من جسدي، لا بل كل جسدي لأجلكم. فسبق لي أن
أطلقتكم من رحمي، هذا الوطن الاولي، افلا يمكنني ان اطلقكم خارج رحم الوطن
الثاني لكم؟
احمد : لا افهم ما تقصدين يا امي. كيف يكون ذلك؟ فالعمر، لا يدوم لآلاف السنين،
فالعمر قصير، ولا شيء اقصر منه. فلا يسعني ان اضحي بجزء منه لأعز انسان،
فهو لا يكفيني انا وحدي، فقد احتاج لعمرين اثنين، واحدهم اتعلم فيه الحياة، والاخر
اعيش فيها حياتي. حياة واحدة لا تكفيني، فهل من العدل ان اهب جزء منها، مهما
كبر هذا الجزء او صغر، لأي كان، حتى وان كان اخي. فهي حياتي التي لا تعوض،
فأخي لن يعطيني من حياته، يا امي.
الام : اخفي عن اخيك ما عانيناه نحن من اجلهِ، كي لا تُعكّر صفوه. ولنتضامن معه
ليتقدم اكثر فاكثر في تحقيق اهدافه، وبهذا سيعيننا في تحقيق اهدافك، سبق له ان وعد
بذلك، وكان يرسل لنا بعض المساعدات المادية، فهو يحبك كثيرا، يا ولدي. ولتعلم
انه لو كان قد بقي معنا، لما كان الوضع سيكون افضل، لا بل اسوأ بكثير. ولكان أيّ
منّا نحن الثلاثة، لم يُحقق هدفه. ونبقى في القاع، بدلا من ان سيكون الآن هو الخارج
من الهاوية ويمد الينا اليد التي ستسحبنا الى كلهم ممسكين ايدي بعضهم؟ لو ربطت
عصفورين بخيط فلن يستطيعا الطيران رغم انه اصبح لديهما اربعة اجنحة.
احمد : وكيف يتسنى لك ان تضحي بهذا القدر! أليس من الافضل لك لو بقيت
عاقرا، وعشت حياتك؟ فالحياة لا توهب إلا مرة واحدة!
الام : نعم، ولكني كنت سأعيش حياة فارغة لا معنى لها. فحلاوة القهوة في
مرارتها، يا ولدي.
احمد : تضحين لمن لا يحس بتضحيتك، وسوف يعتبر ذلك من حقه عليك ، ما
دمت انت من اطلقه للحياة، غير المناسبة في الوقت والزمان، غير المناسبين!
الام : بالعكس، يا ولدي، فهو ضحية أيضا. اطلقه الوطن، خارج رحمه، وهو
يبكي، يا ولدي، فلم يكن راغبا، بل مرغما.
احمد : يا ليتني ارغم انا ايضا، على اكمال دراستي في الخارج، واعيش عيشة انا
اكون المتحكم فيها لا هي. وان اصنع مستقبلي، لا ان اجلس وانتظر الغيب.

(طرقات على الباب، تذهب الام لكونها هي الاقرب الى الباب، تسمع
صرخات الام وقبلاتها وزغاريدها، وهي تنادي محمود ابني، محمود
ولدي، فيهب احمد إليها وهي قادمة محتضنة محمود، فيشاركهما احمد
الاحتضان، وتعمهم جميعا جلبة البهجة)
الام : ما هذه المفاجأة السعيدة، يا بني؟ اننا بانتظار مكالمتك اليوم على الهاتف.
وفي مكالمتك في الأسبوع الماضي، لم تقل لنا بانك عائد قريبا.
محمود : اردتها مفاجأة لكم، يا امي العزيزة. (ينحني ويقبل يدها ويحتضن اخيه
باليد الاخر، وهو جالس بينهما).
الام : كان من الممكن لهذه المفاجأة ان تقضي علي، يا ولدي.
محمود : سلامتك يا امي من كل مكروه. وقد جئت لأعوضك عن كل ما مضى.
الام : اذن جئت لتبقى معنا ولن تعود الى هناك ثانية؟
محمود : نعم، يا امي. لن اعود الى هناك. فقد حصلت على شهادة الدكتوراه،
وجئت للعمل بها هنا. (يمزح) وتبحثي لي عن زوجة، وسأبقى معك لأزعجك
بأطفالي. (يلتفت الى احمد) وسأخلصك من اخي احمد، يا امي.
الام : انتما الاثنان، عيناي التي ارى بهما، يا ولدي.
احمد : (مبتسما) وكيف ستخلصها مني، ولماذا؟
محمود : يكفي انك استأثرت بها لوحدك طوال هذه السنين، والآن جاء دوري،
فلا تكن انانيا، يا اخي.
احمد : هل ستزوجني، وتستأجر لي بيت منفصل عنكم، وتنفيني فيه؟
محمود : بل سأنفيك إلى المكان الذي كنت انا منفي فيه. وستعاني ما عانيته انا
نفسي، وتفعل مثل ما فعلت انا، وتكمل دراستك إلى أن تحصل على شهادة عليا.
احمد : (يفتح عينيه مندهشا وينظر الى امه وهي تبتسم له) هل تمزح معي يا اخي؟
محمود : بل اني جاد معك، وقد هياة لك كل شيء هناك، ومن الغد سنرسل لهم
اوراقك، وتسافر بعد شهر تقريبا، وكل شيء مرتب حسب ما ترغب.
الام : (تنهمر دموعها، وتنهض وتحتضن ابنها محمود) يا ولدي العزيز.
محمود : (مازحا) ما بك يا امي! هو الذي سيغيب عنك، لا انا. فانا لن اتركك بعد
الان ابدا. وسأنعم بالنعيم الذي كان هو فيه الى جانبك، وليأخذ هو مكاني،
ويعرف ما كنت اعانيه (ينهض احمد ودموع الفرح في عينيه، يحتضن اخيه وامه)

ستـــــــــــــــــــار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية