الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اتجاهات نقد السرد العراقي

قيس كاظم الجنابي

2023 / 8 / 24
الادب والفن


-1-

منذ أواخر القرن العشرين ترسخ نقد الرواية العربية في العراق، بشكل واضح تحت ظل دراسة (البناء الفني) الذي توّجه الدكتور شجاع مسلم العاني ، في أطروحته للدكتوراه، والتي صدرت اول الامر منجمة(بثلاثة أقسام) ثم طبعت طبعة جديدة كاملة في جزء واحد، حيث رسم خارطة الكتابة ممثلاً بطروحات قرن كامل من البحث والنقد، بين المنهج التاريخي والمنهج التحليلي، حيث انتقلت الرواية من السرد التقليدي في تبني الصوت الواحد الى الرواية المتعددة الأصوات ، مشيراً الى ان الروايات العراقية التي سبقت رواية غائب طعمة فرمان (النخلة والجيران) التي صدرت عام 1966م، تنتمي الى الرواية ذات الصوت الواحد، بالرغم من ان بذور الرواية المتعددة الأصوات موجودة في أول رواية عراقية وهي رواية محمود أحمد السيد (جلال خالد)؛ من خلال استخدام أسلوب الرسائل المتبادلة في السرد.( )
وقد شخصت الدكتورة نادية هناوي في كتابها(جموح النص وفروسية الناقد، شجاع مسلم العاني في مضامير النقد) فأشارت الى انه "الناقد الأول في العراق من منطلق زماني اولاً ومعرفي آخراً.
وهذه الاكاديمية تمثلت في خصيصتين علميتين لم يجاره عليهما أحد الأول الرسوخ والصرامة والالتزام والثانية التجديد الاستراتيجي النظري والنقدي وما بعد النقدي الذي قولب تنظيراته وصهر تطبيقاته منذ بواكير كتاباته النقدية والى يومنا هذا".( )
لقد كانت دراسة باختين عن دستويفسكي ترى بانه هو خالق الرواية المتعددة الأصوات.( ) فكان الناقد فاضل ثامر يرى في رواية(الرجع البعيد) لفؤاد التكرلي هي أوسع رواية جسدت تعدداً في وجهات النظر فضلاً عن كونها رواية عوالم.( ) حيث عبرت هذه الرواية التي صدرت مطلع الثمانينات(1980) عن رؤية سردية ناضجة عبر صوتي (عبد الكريم)و(منيرة) في تعدد الأصوات، وبدا المنظور النفسي مهيمناً، وتضمن في أعماقه موقفاً ايديولوجياً ، كما عبرت لغته عن دلالات المنظور التعبيري، كما كانت ملامح المنظور الوجودي متوغلة في تفكير شخصياته الساردة.( )
ومن يتصدى لنقد الرواية العراقية، لا بدّ ان يمرّ مروراً سريعاً بالطروحات النقدية حولها، للخروج من دائرة الاحجام عن علاقة النقد بالسرد، وفي حقيقة الامر، فان النقد يبقى موجهاً ضرورياً لمعرفة التيارات النقدية ،والتيارات الاسلوبية للرواية، ومن خلال العلاقة المبهمة بين استجابة الروائي للطروحات العالمية وتياراتها في الكتابة، وبين الطروحات النقدية المتعلقة بها؛ فالنقد في بعض الأحيان يتبنى طروحات ليس لها علاقة بالتحولات الكتابية، لأنه ينطلق من مؤثرات فلسفية ونفسية وتاريخية، وقد لا تتعلق بالتيارات الحديثة في السرد.
-2-
بدأ النقد الأيديولوجي ،أو المضموني بوقت مبكر مع نشأة الرواية العراقية، و كانت أهدافه أخلاقية، تحاكم الواقع، ثم تحاكم الرواية، وعلاقة الواقع بالحية، ذلك ان الواقعية هي التي كانت مهيمنة على السرد الروائي والمآلات النقدية المنتشرة بتأثير التيارات الغربية ذات الطبيعة الأخلاقية.
لقد كتبت صبا المعموري أطروحتها للدكتوراه (الاتجاهات الفكرية في الرواية العراقية، 1948-1989،دراسة نقدية) وفي عنوانها يبدو النقد الأيديولوجيا واضحاً؛ ويرى إيجلتون بأن النقد " يمهد الطريق الصعب بين النص والقارئ، ان يدرس النص ويوسع من مجاله لكي يصبح أكثر استهلاكاً".( )
فمن الممكن ان يكون وسيطاً ايديولوجياً، ولكنه يشير ان الحقل الجمالي يعد وسيطاً ايديولوجياً مغالياً بصورة متميزة الى عدد من الأسباب ، لان الحقل الجمالي يعمل على السطوح الفعلية للإدراك منافراً نفسه مع مادة التجربة الثقافية ومع جذور اللغة وإيماءاتها.( )
وبالرغم من العنوان الثانوي الملحق بالكتاب (دراسة نقدية) للدكتورة صبا المعموري، الا ان فصول الكتاب تتحدث عن النقد الأيديولوجي؛ فقد كان الفصل الأول بعنوان(الاتجاه الماركسي)،والثاني(الاتجاه الوجودي)،والثالث بعنان(الاتجاه القومي)؛ ومن خلال هذه الاتجاهات جرى دراسة البطل والمرأة والمثقف عبر هذه الفصول ، دراسة تتجه نحو البحث عن المواقف الفكرية، والحقيقة ان الاتجاه الأيديولوجي في دراسة الرواية، لا يقدم شيئاً ذا بالٍ بشأن التحولات النصية او السردية في مسيرة الفن الروائي ،وهذا بالأساس هو انعكاس الرؤية السياسية للباحث على دراسة الفن، بعيداً عن التحولات التي يفرضها قانون التطور الزمني.
ولقرب الباحثة ومشرفها الدكتور علي ابراهيم للتيار الماركسي، فقد أولت هذا التيار اهتماماً واضحاً، فركزت خلاصة بحثها حوله ، حتى انها قالت:" وقد تجلى تأثير الفكر الماركسي في الرواية العراقية، في معالجتها الموضوعية لمشاكل الواقع الاجتماعية والسياسية ،واستهدافها للطبقات الكادحة لتكون نماذج حية لما تعانيه الطبقة الفقيرة في العراق من انسحاق واهمال، فبرزت خلال المعالجة الشخصيات الشعبية المعدمة التي ينتمي اليها بطل الرواية".( )
ثم تستطرد في القول لاحقاً فترى ان هذا التجلي يبدو من خلال "شخصية (المثقف الماركسي) الذي يمثل آيديولوجيا الكاتب. وهذه الرؤية افضت الى ادانة الطبقة البرجوازية وتريتها اجتماعياً وفكرياً، عبر رموز روائية جسدت انتهازية هذه الطبقة ووصوليتها".( )
في الحقيقة ان النقد الذي تحدثت عنه الباحثة كان سائداً حتى منتصف السبعينات، أو في منتصف الثمانينات على الأكثر، حيث وفدت علينا تيارات نقدية جديدة، منها البنيوية التكوينية ،والاسلوبية ، والسيميائية والتفكيكية.. وغيرها.
يمثل موضوع الباحثة حقبة الستينات حينما هيمن الفكر السياسي والتيار الاجتماعي على حركة الادب؛ فقد كتب شجاع العاني رسالته للماجستير، بعنوان (المرأة في القصة العراقية) ونشرها في النصف الأول من عقد السبعينات، وهي مرحلة متقدمة في دراسة الواقع الاجتماعي والنفسي في قراءة القصة العراقية، وبالرغم من مرور السنوات بين كتاب (المرأة في القصة العراقية) وبين كتاب هذه الباحثة الا ان مستوى توصلاته كانت أعمق منها؛ وسبب ذلك ضعف ثقافتها النقدية،وبساطة التعبير ومحدودية تحليل النصوص والرغبة الأيديولوجية في تفسيرها.
وقد توصلت الباحثة الى ان "الادب النسوي لم يرم الى وضع كتابة المرأة ضد كتابة الرجل عندما تناول العلاقة بين الذكورة والانوثة بل أراد أن يكون لها موقف ضد إيديولوجيا السلطة الذكورية، فالنسوية لا تهاجم الرجل انما عنصرية العقلية الذكورية السالبة لقيمة المرأة الإنسانية ،أينما وجدت وكيف تجسدت ،لأن النسوية لو كانت هُجوماً ضد الرجل لما ساهم فيها بنصيب".( )
لقد حاولت الباحثة التفريق بين (رواية المرأة)،و(الرواية النسوية)؛ فرات ان رواية المرأة تقوم على أساس جنس كاتبتها (المرأة) لكن الرواية النسوية لا تقوم على جنس كاتبتها بل شروط كتابتها، إذ يمكن ان يكتبها كل من المرأة والرجل ،أي لا يشترط ان يكون كل ما تكتبه المرأة والرجل يقوم على أساس الموقف من الابوية والتمييز الجنسي والدفاع عن هوية المرأة وكينونتها.( ) وهذا ما يضع النقد النسوي في ارتباك كبير، كما يضع الارتباك بوضوح بين رواية المرأة والرواية النسوية؛ وان كنا في الغالب نعتقد بأن الرواية النسوية هي رواية المرأة التي تلتزم بقضايا المرأة تماماً.
ويمكن ان نعد كتاب الدكتور باسم صالح (رواية العنف ، دراسة سوسيونصية في الرواية العراقية ما بعد 2003) الصادرة عام 2017م، أكثر قرباً من الاتجاه الأيديولوجي لأنها تنطلق من حمولات فكرية، حول العنف ،أو (الإرهاب) والصراع الطائفي الذي تناولته بعض الروايات العراقية ،ولكن الباحث حاول الابتعاد عن المباشرة، لأنه يتناول روايات ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فهو يصفه بالتدخل ولا يصفه بالاحتلال؛ وهذا بحد ذاته موقف أيديولوجي/فكري/سياسي، يميل الى تبجيل المحتل، بذريعة ان التغيير أسهم "ازدهار الرواية العراقية" وتحررها من التابو السياسي الذي كان سائداً قبل التغيير.( ) وهذا نوع من التبرير للمحتل بان احتلاله عمل مشروع.
-3-
كان الناقد فاضل ثامر، قد تابع طبيعة السلطة السياسية والأيديولوجية التي كانت تمارس الضغط على الانسان ، من خلال تمثلات القمع في السرد القصصي ،ومنه السرد الروائي ، في كتابه(المقموع والمسكوت عنه في السرد الروائي) الصادر عن دار المدى عام 2004م، مشيراً الى أن " عملية البحث النقدي عن المستويات المقموعة أو المسكوت عنها يجب ان لا تظل بعيدة ،أو بمنأى عن فكرة التناص ذاتها ومحاولة الكشف عن النص الغائب أو النصوص الكبرى التي تعود في بعض مستوياتها الى "الالفاظ العليا" ،والى الشعائر والرموز والميثولوجيا القديمة، مثلما يحيلنا نص جيمس جويس الروائي "يولسيس" الى ملحمة هوميروس ،او نص نجيب محفوظ في "أولاد حارتنا" الى ملحمة الخليقة، ونص إبراهيم الكوني الى الميثولوجية الصحراوية".( )
وقد أشار في مقدمة كتابه هذا الى انه نتاج التفاعل بين المناهج والمقاربات الحداثية واللسانية والاسلوبية والبنيوية والتفكيكية والغرائبي والتأويلية وغيرها.
وفي مطلع الدراسة قال:" ان دراسة المسكوت عنه ،أو المغيّب في الرواية العربية تحتل أهمية استثنائية في الاستقصاء النقدي العربي الحديث ، ذلك ان النص الإبداعي العربي ،وبالذات النص الروائي يجد نفسه مضطراً، في الغالب ، الى الصمت أو السكوت تاركاً المزيد من الفراغات والفجوات الصامتة التي تتطلب جهداً استثنائياً فاعلاً من جهة التلقي والقراءة. ويمكن ان نرجع الكثير من مظاهر الغموض والترميز والتشويش في الخطاب الروائي العربي الى تزايد المساحات البيض والممحاة من النص المكتوب".( )
وهذا بدوره يحيلنا الى أن اتجاهات النقد العراقي، كانت ومازالت مرهونة بالاتجاهات النقدية العربية، واتجاهات كتبة الرواية العربية، من خلال العلاقة بين الماضي والحاضر، أو بين الموروث الأسطوري /التراثي العربي وبين الموروث الشعبي؛ فالرواية اسطورة أو ملحمة شعبية يعاد انتاجها من جديد، والناقد يبحث عن اطار معرفي جديد للقراءة ،وعموماً فان النقد الادبي الاكاديمي المطروح في الرسائل والاطاريح هو نقد موجه ،لأنه يمر في مطبات كثيرة والباحث الاكاديمي غير معني بالظواهر العامة؛ بينما يركز الناقد المتابع على الظواهر المختلفة، أو الخاصة، السردية التي يبرزها الكاتب ،أو المضمرة التي يكتشفها من خلال العلاقة بحرية التعبير ،وبحثه عن الحداثة والتطورات النقدية عالمياً وعربياً.
ويمكن ان نعد كتابات الناقد فاضل ثامر في كتابه (المبنى - الميتا سردي في الرواية) خير من يمثل الاتجاه السوسيو – سردي؛ أي انه يجمع بين دراسة البؤرة لاجتماعية والبناء السردي ، على وفق التيارات النقدية الحديثة، كما فعل في كتابه السابق(المقموع والمسكوت عنه في السرد) الصادر عام 2004م، وهو منذ البدء يطرح هذه العلاقة ، من خلال بنية المخطوطة، التي شاعت تسميتها لدى النقاد بـ(ماوراء السرد – ما وراء الرواية) حيث نشر الناقد عباس عبد جاسم كتابه بهذا العنوان خلال المدة المنصرمة ماراً بقصص (تيمور الحزين)، ثم رواية (كراسة كانون) لمحمد خضير، مشيراً الى ان بناء الرواية ،هو لون تجريبي يعتد بشكل أساسي على انشغال ذاتي من قبل المؤلف بهموم وآليات الكتابة السردية ، كما أشار الى ان الكاتب يوظف ضمير المتكلم في سرده، فيجعل الرواية قريبة من السيرة الذاتية(الاوتوبيوغرافيا).( )
والمعروف بأن فاضل ثامر والناقد ياسين النصير شكلا محوراً مهماً في هذا التيار ، حيث يميل الثاني الى دراسة النصوص الإبداعية على وفق مؤثرات المكان ،بوصفه كياناً اجتماعياً، وجمالياً في الوقت نفسه. فيفسر ثامر المراد بالميتا سرد ، على انه يبتغي من وراء هذا الاتجاه ان يترجم المقصود بما وراء اللغة أو اللغة الشارحة؛ بما يعكس اهتماماً متزايداً بمستويات اللغة والخطاب، وهو يعتقد مع ذلك بان المصطلح أكثر من خلال مصطلح الرواية، محتوى أيديولوجيا وتاريخياً، أضيق من مصطلح التخييل، ويرى بأن الرواية مصطلح اجناسي ،والتخييل مصطلح عام لا ينطوي على تحديد.( ) مما جعل الرواية ومنها ما وراء الرواية ترتبط بعصر المعلومات والتكنولوجيا.
ويعد ما وراء الرواية نوعاً من الايغال الاتي في السرد الواقعي، لهذا دعا بعض النقاد الغربيين الرواية التي تسير على وفقه بالرواية "التي تتأمل نفسها تميل الى خرق جو من الاعتراف، من الإقرار الواعي او التهكمي - الاعتراف بأنها مجرد قصة وأحياناً طلب المغفرة لهذا – وهو ما يحدث بوعي وابتهاج في الغالب .بالطبع ، هناك طرق عديدة لتقديم هذا الإقرار . هناك القصة داخل القصة، أو الشخصية التي تحمل اسم المؤلف نفسه".( ) بما يشير الى ان هذا اللون الكتابي /الجنس الروائي هو عودة الى الوراء ،الى رواية (دون كيخوته) لسيرفانتس ، بوصفها قصة خيالية نابضة بالحياة، فكاهية ،رقيقة ، جدية بعمق ،وهي أيضاً، تعليق مرح على صناعة القصص.
وفي دراسة فاضل ثامر عن رواية (امرأة القارورة) لسليم مطر وعلاقتها بالفتنازيا والبناء السردي يشير الى ان الرواية تغدو" بكاملها سيرة شبه ذاتية(بيوغرافية) لحياة الروائي في البحث عن هويته الضائعة التي يحاول السرد ذاته ان يمنحها الشرعية على صراع مع حركة الزمن والوجود بمنظور بول ريكور ومن خلال تبئير داخلي وذاتي للراوي البطل".( ) وهذا يعني انه درس رواية تنتمي الى الواقعية السحرية ،أو رواية ذات سرد عجائبي متأثرة بالرواية في أمريكا اللاتينية والتي نجحت "في توظيف الإرث الميثولوجي التاريخي والشعبي في بلاد الرافدين وربطه بطبيعة الفرد العراقي ومعاناته في عصرنا من خلال بحث مضنٍ عن الهوية والذات والجمال والجوهر الإنساني الكامن داخل أعماق الانسان العراقي".( ) وقد انتقل الناقد بالتدريج من تحليل البناء السردي(الميتا سردي) الى الجانب الاجتماعي الذي يبحث في شؤون الهوية الضائعة ، حيث "تتشكل الهوية في أدغال الذات، حيث تتجسد عبر انتماءات ومكونات تتعلق بالجنس والعمر والطبقة الاجتماعية والموروث الثقافي"؛ أو كما عرفته د. ماجدة حمود لاحقاً في "ان الهوية هي ما يصمد من الانسان عبر الزمن ، اذ تلازمه مكوّنة شخصيته، ومحددة معالمه بشكل ثابت(...) لأن الهوية تحقق شعوراً غريزياً بالانتماء الى الجماعة والتماهي بها، فتتبادل معها الأعراف، وبذلك لا يمكن اختزالها في تعريف صافٍ وبسيط".( )
وفي نقد فاضل ثامر لرواية(الحفيدة الامريكية) الصادرة عام 2009م، يمزج السياسي بالنقدي ،واصفا مقاومة الاحتلال بصفات ليست منها، لأن جعل الإرهاب الذي هو من نتاج الاحتلال وتدريبه وتمويله موازياً لمقاومة المحتل الغاشم الذي خرب البلاد وتركها على صفيح ساخن، وليس هذا من شأن النقد بقدر ما هو من شأن السياسي؛ وهذا ما فعله باسم صالح في التبرع بمساندة المحتل وتبرير تخريب البلد. الراوي
وفي كتابه (السرد والتبرير في نماذج من الرواية العراقية الحديثة، دراسة نقدية) يجمع الباحث عقيل عبد الحسين بين البناء السردي، والتبرير في محاولة لتطعيم البناء الفني برؤى ومواقف أيديولوجية، حتى تصبح المعادلة متوازنة، وعلى العموم فان الباحث يتناول في خمسة فصول عدة روايات، كل فصل في رواية كتبت بعد الاحتلال الأمريكي، محاولاً بحث دور والسرد في "مواجهة الخراب الذي نعيش فيه – وتصعب احياناً مواجهته بطريقة مباشرة او بكتابة تقريرية تقدم العلل والأسباب وتعري المسببات وتصفها أمام القارئ – وفي تبرير موقف الكاتب من ذلك الخراب. وهو يتنوع بتنوع موقع الكاتب العراقي ومكان وجوده ، فان كان يعيش في العراق ويواجه الموت والخراب والاختلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويكتب عنه من داخله محكوماً بالشروط التاريخية والأيديولوجية والدينية ذاتها التي تحكم حياة العراقيين في الوطن".( )
فيتوصل الى قناعة بأن هذا الكاتب سيكتب بتقنيات سردية معينة وسيواجه مشكلات من نوع ما حولها من فواعل الخراب كالإرهاب والسياسة والمعمم والمثقف والمتواطؤ معهم. أما الروائي الذي يقيم في المنفى، فانهم سيكونون مشغولين بالمازق الأخلاقي ،ولكنه اختار رواية (غائب)للكاتبة بتول الخضيري مع انها صدرت قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، واعتمد الطبعة الرابعة، لأنها تتحدث عن الوضع العراقي وخصوصاً اخلاقيات طالبات الجامعات قبل الاحتلال، وتحلل العرى الأخلاقية وغيرها من الأمور، وتهريب اللوحات ، حيث الوضع الاقتصادي قد انشب انيابه في حياة الناس؛ فكان ذلك تمهيداً لخراب ما بعد الاحتلال. وهو يحاول اقناع القارئ بأن هذه الرواية تقع في حقبة السرد(خلال الحصار) من خلال الثنائيات الفاعلة في المشهد ،لتقديم وظيفتين :الأولى سردية تعمل على مستوى الماضي. والثانية تفاعلية متصلة تتعلق بالتلقي ،وهي على مستوى الماضي؛ ومن هنا التقت الوظيفتان (السردية والتفاعلية) لتتضح وظيفة الرواية كلها ،أي التبرير.( )
لقد تم اختيار روايات كتبت بعد الاحتلال ، مثل (سيدات زحل) للكاتبة لطفية الدليمي وروايتين من أدباء الخارج هما:( القنافذ في يوم ساخن) لفلاح رحيم،و(طشاري) لإنعام كجه جي؛ وفي النهاية يشير الباحث الى انه بنى أحكامه على علامات وجدها في الرواية ،مشيراً الى انه يعني بذلك "تبرير فعل الرواية في المجتمع والحياة والثقافة ،تبرير فعل الانسان ،وتبرير فعل الوعي. وبالأولى نكون أمام فعل الرواية المقاوم، ففي روايات النساء (سيدات زحل ، طشاري، غايب) يطرح فكرة تبرير اختيار المنفى بضعف الانسان في مواجهة واقع لا انساني وليس ثمة امل في تغييره لأنه محكوم بما هو لا انساني".( ) وفي الحقيقة ان الباحث نفسه عمد الى تمييع الموقف من المحتل تحت ظلال واضحة لدعم فكرة الاحتلال وتبريرها.
وثمة العديد من الدراسات جمعت بين دراسة السرد ودراسة الموقف السياسي/الاجتماعي ،أو السوسيو سردي، كما في كتاب (الحضور والغياب في الخطاب الروائي الانثوي، ميسلون هادي نموذجاً) للباحث حسين أحمد إبراهيم(الموصل ،2012م)، وكتاب (المنجز العربي للروائيين الكرد العراقيين، دراسة في روايات ما بعد الحداثة) للباحثة ميسلون نوري نواف، الصادرة عام 2019م، وكتاب(البنية السردية في رواية (حكايتي مع رأس مقطوع)لتحسين كرمياني للباحث أكبر فتاح محمد، الصادرة عام 2020م.
-4-
يتبنى الاتجاه العجائبي المعروف بـ( الواقعية السحرية)؛ وسبب ظهور هذا الاتجاه هو عودة الاهتمام بما هو مثير وغرائبي ، بعد ظهور عدد من الروايات والدراسات المترجمة التي تتناول العجائب أو الفنتازيا؛ وهي عودة نكوصية من التحديث الى منابع الحكاية الشعبية التي اختطتها حكايات(ألف ليلة وليلة) وما يقترب منها من حكايات خرافية ومثيرات شعبية تتعلق بالجن والعفاريت والسحر والخوارق، والحداثة بدأت تتلاشى مثلما بدأت ما بعد الحداثة تتلاشى بتأثير الحداثة الفائقة، التي تؤمن باللحظة الراهنة؛ فقد كان (آلان تورين) حدد أربعة تيارات لفكر ما بعد الحداثة ، كل منها يشكل قطيعة مع أيديولوجية الحداثة ذاتها. وهذه التيارات:
1- تيار يمثل المجتمع الصناعي المتضخم المتسارع الخطى.
2- تفكيك السلطة المطلقة (الشاملة) لليسار الثوري بفعل الانتقال من النقد اليساري/الماركسي الى النقد ما بعد الحداثي للحركة اليسارية، ونفي ما هو اجتماعي.
3- القطيعة مع النزعة التاريخية عن طريق تحطيم وحدة الثقافة وحلول التعددية الثقافية مكانها.
4- ان انفصال الاعمال الثقافية عن اطارها التاريخي الذي ظهرت فيه "جعل لسوق الفن" أهمية جديدة، فلم يعد الفن للنخبة ،والهواة مطلباً منة مطالب الارستقراطية ، فقد انتصرت المؤسسة الإنتاجية والاستهلاكية على الأيروس والأمة، ولم يعد الانسان أمام العالم ليعيد انتاجه في العالم بلا مسافة.( )
فاذا كانت ما بعد الحداثة تمثل القطيعة مع الماضي ، فان الاتجاه العجائبي هو عودة الى السحر الذي تبثه حكايات(ألف ليلة وليلة)،و(حكايات الخوارق)؛ وفي الثمانينات عندما نشر الدكتور محسن جاسم الموسوي عن الليالي العربية(الدخول في دائرة السحر) كان يحاول الفات الأنظار الى ان العالم الغربي عاد الى الواقعية السحرية بطريقة ما؛ بينما يفسر الباحثون موقف (أنتوني جيدنز) بأن ما بعد الحداثة ليس لديها شيء أفضل من هذا التفكير الجمالي تقدمه كبديل للمُثل التي قدمتها حركة التنوير.( )
وقد نتساءل: كيف سينسجم الجمالي مع السحري/الفنتازي؟
يعد كتاب(فن كتابة الفنتازيا والخيال العلمي) واحداً من تطلعات العجائبية في الادب، حيث يفسر لنا طبيعة الميل بالخيال الادبي أو الروائي "الى الغريب والمستحيل ،وقد يجدون الحياة العادية ضحلة "غير مثيرة"، لذلك قد ينجذبون للرحلات الغريبة ،ودراسة التاريخ أو الديانات المقاربة".( )
ولا نستطيع ان نجرد السرد العراقي السحري/ الفنتازي من رؤاه التاريخية ووظائفه ،وقدراته، وتأثره بأدب الفنتازيا ، كما في كتاب(أدب الفنتازيا ، مدخل الى الواقع)؛ حيث يبرز أدب الفنتازيا العلاقة بين تفسير الاحلام ونظرية التحليل النفسي الخاصة، ذلك "أن أدب الفنتازيا من خلال تسليطه الضوء على خصائص الاحلام يكون عرضة للتفسيرات التحليلنفسية الخاصة بالأحلام. ولكون هذا الادب يحمل صفة العمليات اللا واعية – اللا زمنية والتهشيم والتعارض المتبادل والتهويل والتشويه والازاحة والتركيز – فإنه يدفع الناقد لقراءة مثل هذا الادب بوصفه استعراضاً للعمليات اللا واعية".( ) ويشكك الباحث بأن انجاز مثل هذه الاعمال ليس بالوعي الكامل، لأن العديد من الاعمال الفنتازية الرائعة ليست" جُراراً متقنة الصنع"، بل اشكالاً تعوزها البراعة ذات تشعبات وتجزئات في الموضوع واستنتاجات غير مستقرة كلياً، ورأى ان نظرية التحليل النفسي المعروفة براعتها المتناهية في تحدي اللامعقول ، تعتبر أداة مساعدة مقبولة لتفسير هذا الصنف الادبي الصعب والملتبس.( )
وكتب الدكتور كمال أبو ديب كتابه( الأدب العجائبي والعالم الغرائبي) انعكاساً لطروحات تودوروف ؛ فاطلق على هذا النوع من الادب عنوان (الادب العجائبي )،أو (الادب الخوارقي)، حيث يخترق الخيال حدود "المعقول والمنطقي والتاريخي والواقعي، ومخضعاً كل ما في الوجود ، من الطبيعي الى الماورائي، لقوة واحدة فقط: هي قوة الخيال المبدع المبتكر الذي يجوب الوجود بإحساس مطلق بالحرية المطلقة. يعجن العالم كما يشاء، ويصوغ ما يشاء غير خاضع الا لشهرته ولمتطلباته الخاصة ولما يختار هو ان يرسمه من قوانين وحدود. انه الخيال جامحاً ،طليقاً متهتكاً".( )
فقد ربط تودوروف في كتابه(مدخل الى الادب العجائبي) بين الاجناس الأدبية والادب العجائبي، وطروحات (فراي )،فيرى بأن العجائبي يفترض بعدم وجود "واقعية غريبة، تثير تردداً عند القارئ والبطل فحسب"، ويربط ذلك بما طرحه (فراي) حول (الاليغورة) أو القصة الرمزية ،وان العجائبي حالة خاصة من المقولة الاعم للـ" رؤية الغامضة".( ) ويرى بأن العجائبي يحيا حياة ملؤها المخاطر، وهو معرّض للتلاشي في كل لحظة ، هما العجيب والغريب، أكثر مما هو جنس مستقبل بذاته، في إحالة الى ما هو فوق واقعي أو فوق طبيعي ،أو ما سماها بحقبة الرواية السوداء.( ) وكان شاكر عبد الحميد، قد اصدر كتابه (الغرابة .. المفهوم والتجليات) قد أشار الى موضوع الغرابة بوصفه تعريفاً للعجائبي ،وجعله ضد الالفة أو ضد المألوف.( )
بدأت أولاً دراسة الادب على وفق الاتجاه العجائبي على التراث ،ثم على الرواية ، كالحكايات والرحلات ،والنصوص النثرية العربية في الادب العربي، كما في كتاب (ذخيرة العجائب.. سيف بن ذي يزن) لسعيد يقطين الصادر عام 1994م، ثم كتاب شعيب حليفي (شعرية الرواية الفانتاستيكية) الصادر عام 2009م، وله كتاب آخر عنوانه(الرحلة في الادب العربي )صادر عام 2006م، كما يوجد لحسين علام كتاب بعنوان (العجائبي في الادب – منظور شعرية السرد) وكذلك دراسة د.فاطمة بدر (الفنطازية والصولجان) الصادر عام 2013م.
وقد اشارت بدر الى انّ الفنطازية في العصر الرومانسي هي" جنس أدبي يقوم على بعث الفلكلور، لذا ارتبطت بالموروث الثقافي في الشعبي للامة".( ) كما تحدثت عن يوتوبيا المكان البلداني في التراث العربي التي حفلت بها كتب التراث العربي، فحاولت التوفيق بينها وبين العجائبي في اعتماد المخيلة ،وعلى الرؤى الحلمية من خلال ارتباطها "بالخيال العلمي في الرواية".( )
ويرى د. جاسم خلف الياس في كتابه(الواقعية السحرية وتحولات القص) ان الغرائبي يضم ما هو مدهش وساخر ومفارق ومتجاوز ولا معقول وغيرها، ويستطيع القارئ كشف هذا الشيء في حال خروجه عن المألوف في التعامل اليومي في العمل المتخيّل ،والمتخيّل هنا يعني المسافة الفارقة بين عالمي التجربة (الواقع) والكتابة(ما وراء الواقع) اللذين يشكلان عالم الرؤيا .( )
كما توجه الباحث صفاء ذياب في رسالة جامعية حول(تمثلات العجب في السيرة الشعبية العربية) مقتفياً خطى تودوروف في هذا الشأن ليحيلنا الى "أن العجب جنس محاذٍ للعجائبي"، وان "العجب هو أصل العجائبي".( )
وكجزء من تقليعة العجائبي والنسوي اختارت الدكتورة اقبال حسن علاوي الكتابة بعنوان(ألف ليلة وليلة في ضوء الأدب النسوي) حيث استهلت عملها بالحركة النسوية ، ثم توجهت الى دراسة كتاب الليالي العربية، فخصصت الفصل الثاني لدراسة موضوع العجائبي بقراءة نسوية، من خلال عدة مباحث تتناول عجائبية المكان والمرأة في محاولة لفهم طبيعة الخروج عن المألوف الى التعجب ، حيث يقف الانسان وجهاً لوجه أمام المجهول، وتكون الحيرة والدهشة والغموض، عناصر يرتكز عليها معنى العجب والتعجب، كما انها العناصر التي تشكل أساس مفهوم العجائبية.( )
-5-
أما الاتجاه السيري فهو الذي يأخذ سيرة الكاتب الروائي منطلقاً لقراءة النص الروائي ،أو يأخذ السيرة الغيرية ، مثل سيرة البطل ،أو الشخصيات أو ما شابه ذلك، وفي كل الأحوال فان هذا الاتجاه يعود بالبحث الى وجود علاقات ظاهرة أو مضمرة بين السرد والذات، أو الذات المضمرة أو الغيرية؛ وقد كتبت الكثير من الدراسات والبحوث حول عدد من الروائيين العراقيين تتلمس العلاقة بين الكاتب وشخصياته،أو حول ذاته المتضخمة في رواياته، واحياناً انساقت دراسة الابطال والشخصيات الى موضوعات غيبية أو ما ورائية بعيدة عن حداثة الرواية ذاتها.
ويرى بعض النقاد بأنه ستكون السيرة الذاتية هي كل عمل يجمع في الوقت نفسه الشروط المشار اليها في كل صنف من هذا الأصناف. ولا تجمع الأنواع المشابهة للسيرة الذاتية لكل الشروط. وهذه لائحة الشروط غير المحققة حسب النوع:
- المذكرات.
- السيرة.
- اليوميات.
- الرواية الشخصية.
- قصيدة السيرة الذاتية.
- اليوميات(الخاصة).
- الرسم الذاتي او المقالة.
ومن البديهي ان مختلف الأصناف متفاوتة من حيث إجباريتها: إذ يمكن ان يتحقق الجزء الأكبر من بعض الشروط دون ان يتم ذلك كلياً. يجب ان يكون النص حكياً قبل كل شيء.( )
ومن أبرز هذه الكتابات التي أفرزها هذا الاتجاه كتاب حسين علي يوسف (تمثلات السيرة الذاتية فر روايات أحمد خلف)؛ ومصطلح السيرة الذاتية مصطلح مضلل، أحياناً لا يمنح الباحث فرصة للتوغل عميقاً في بناء السرد ،وإنما يدفعه للتوغل في حياة الكاتب والشبه بينه وبين شخصياته ومواقف بعض ابطاله، وقد ميز الكاتب بين عدد من السير ؛ كالسيرة الروائية والسيرة الذاتية والرواية السيرذاتية، من خلال روايات أحمد خلف المثيرة مثل (موت الاب، الحلم العظيم، الرواق الطويل)؛ وبما ان الرواية مشروع خاص نابع من الخيال، وليس مشروعاً عاماً، فان الذات الإنسانية بإمكانها التوغل من خلال تحريض الوعي على الحضور في اللمسات الصغيرة او الكبيرة، حيث افترض الباحث ان الكاتب يعيد انتاج ذاكرته على وفق معطيات الحاضر، فهو لا يختلف أحداثاً، بل يفتعل أسلوباً خيالياً ،ويأتي بصياغة فنيّة لعرض أحداث حقيقية.( )
لا يعد هذا الاتجاه اتجاهاً سردياً او فنياً، وانما هو أقرب الى الاتجاه السوسيو سردي، ولكنه يرتبط بذات الكاتب الروائي، أكثر من ارتباطه بالجوانب المحيطة به. وفي هذا الميدان تدخل دراسات المكان، او سيرة وعلاقته بالسرد، كما كان يفعل ياسين النصير، ومن هذه الدراسات كتاب إبراهيم جنداري (الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا)، وهو كتاب يتناول موضوع الفضاء، والفضاء مصطلح مضلل بعض الأحيان، فهو يهتم بالمحيط الذي يحتوي الشخصية ويؤثر على حركتها ووجودها، ففي كتاب( الفضاء الروائي عند محسن الخفاجي) لجابر حسين العطواني ، يبدو التوجه النقدي مشلولاً وغير مقنع، ويفتقر الى التحليل النقدي، يحاول فيه كاتبه دفع الذات الكاتبة الى الفضاء الذي اختاره، فتوصل فيه الى "ان الفضاء يخلف نظاماً داخل النص ، مهما بدا، في الغالب كأنه انعكاس صادق لخارج عن النص يدعي تصويره: بمعنى ان دراسة الفضاء الروائي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالآثار التشخيصية".( ) محاولاً طرح بعض الأسئلة ، مثل: أين، كيف، لماذا..؟
ويدخل ضمن هذا التصور أطروحة الدكتورة نورا وريا عزالدين (اللامتناهي والمحدود ، مقاربات في روايات فاضل العزاوي)؛ حيث يعمل الفضاء المكاني بوصفه المحيط الذي تعيش فيه الشخصية كالدار والمقهى والشارع والجسور والساحة، حيث تعتقد الباحثة ان المكان لا يقتصر على كونه اطاراً للرواية "وانما هو بنية محمّلة بدلالات شتى تؤثر في مجرى الاحداث وفي سيرورة الشخصيات وفي بناء العالم النفسي للشخصيات. وقد يتحوّل من مجرد موضع تقع عليه أحداث الرواية الى عنصر تشكيلي من عناصرها".( ) من خلال علاقة ذلك بالقارئ/المتلقي مما يدفع باتجاه اليوتوبيا أو المكان الحلمي؛ لهذا اقترنت بسيرة الكاتب مما يجعل هذا الاتجاه قريباً من السيرة الذاتية أو معبراً عنها، حتى ان الكاتبة تعتقد بأن فلسفة الأثاث الكامنة وراء الوصف هي فلسفة الرواية الواقعية التي تعتبر وصف المكان وصفاً للشخصية التي تقيم فيه.( )
-6-
يعمل الاتجاه السيميائي على وجود إشارات/علامات معينة في النص السردي، ذلك لأن السيميائية ، تعني – اصطلاحاً- علم الإشارات أو علم الدلالات وذلك انطلاقاً من الخلفية الابستيمولوجية الدالة حسب تعبير(غريماس) على ان كل شيء من حولنا في حالة بث غير منقطع للاشارات. فالمعاني (والمعاني محصلة للاشارات المجتمعة) لصيقة بكل شيء ... وهي عالقة بكل الموجودات حيّها وجامدها، عاقلها وغير عاقلها،وما علينا نحن المتلقين سوى ابداء النية في التلقي لكي يشرع العقل في عملية معقدة مفادها تفكيك الشبكات الإشارة للمعاني المحيطة بنا.( )
وغالب الدراسات السيميائية تفصل دراسة الشعر والقصص القصيرة والحكايات والمقامات العربية القديمة وتحاشى دراسة الروايات، الا ما ندر كتب الراحل د.عبد الهادي أحمد الفرطوسي ، دراسة في كتابه(سيميائية النص السردي) حول الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، حاول فيه رصد مجموعة علامات في قصص عراقية وعربية للخروج بمحصلة ان السيميائية هي مجموعة علامات يبثها الكاتب ،والحقيقة ان اللاوعي هو الذي يبث مثل هذه الرسائل، والنقد السيميائي يحتاج نصاً قصيراً، فيه مجموعة علامات دالة يمكن التركيز عليها للوصول الى وجود علاقة بين النص والكاتب ،وقد تأرجحت تعليقات الباحث بين السيميائية والبنيوية التكوينية؛ بسبب طبيعة الخلط الحاصل بين الاتجاهات النقدية الحديثة التي تدمج نظريات القراءة ومناهج النقد المختلفة في بوتقة واحدة، ومنها ما يتعلق بالجمهور والواقع الاجتماعي، وما له علاقة بالدلالات المختلفة حينما أدخل موضوع العلامات عبر الرقم(12) وعلاقته بالراوي والمروي له لدى غسان كنفاني؛ وهذا في حقيقة الامر يحيلنا الى الاتجاه السوسيو- سردي، حين يقول:" بين وجهة نظر الراوي ووجهة نظر المروي له ينشطر البطل الى شخصيتين: واقعية ومتخيّلة، وقب ذلك ينشطر الراوي الى راويين بموقعين مختلفين احدهما راوٍ خارجي يتابع الاحداث من خلال الوثائق ،والآخر راوٍ عليم يعرف كل شيء عن البطل القابع في زاوية من مخيلته وبانشطاره ينشطر المتن الحكائي الى متنين : متن واقعي وآخر متخيل".( )
وهذا ما ينطبق على الطبيعة الحوارية الداخلية للرواية، وذلك لأن البناء السردي يتحرك نحو عدة مواقع، من خلال تعدد الأفكار، وتعدد المواقع وتعدد الحوارات ، بعد أن أخذ السرد يتخلى عن هيمنة البطل الواحد والفكر الواحد أو الجانب الواحد.( ) ومن هنا نستطيع ان نتبيّن ان النقد السيميائي هو نقد روائي - هنا على الأقل – خاضع للدال والمدلول ،وعلاقة الكلمة بالعالم الاشاري يتعاضد فيه الجانب اللغوي مع الجانب العلاماتي، بالرغم من ان اللغة هي مجموعة علامات، موجهة للقارئ، ولهذا نجد الكاتب قد توزع في نقده عدة اتجاهات، فاتخذ عدة قصص قصيرة خصص لكل واحدة منها فصلاً خاصاً مستخدماً آليات نقدية غير سيميائية في تفسير ما هو سيميائي.
ولكن دراسة البطل/الشخصية دخلت في هذا الجانب لغرض خلق نوع من التداخل بين ما هو سوسيو – سردي وعلاماتي فاندمج البحث في بناء الشخصية مع بناء العلامة، كما في دراسة الدكتور علي جواد عبادة (المضمرات الاشارية في الرواية العراقية، حقبة ما بعد الانفتاح) الصادر عن دار تموز عام 2020م، وهو هنا يتحاشى ذكر حقبة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، فأطلق عليها ما بعد الانفتاح. كتحديد حقبي /جيلي؛ وهذا نوع من المراوغة في وصف الزمن، يدعمه موقف اكاديمي هش ،والكتاب يتناول موضوع الاشهار في رواية منتخبة ،قسّم فيه الروايات موضوع الدراسة الى فئتين:
الأولى، فئة المتن، وتشمل الروايات التي قام بالوقوف عليها.
الفئة الثانية، فئة الهامش ،أي الروايات التي أشار اليها بوصفها تبنى التقنيات الاشهارية نفسها الموجودة في روايات الفئة الأول.( )
وهنا تبدو اللعبة شبه دائرية ، يحيط بها شيء من الغموض لغرض تمرير فكرة الدراسة الغامضة، من خلا ل الاشهار، حيث اشتمل التمهيد على تعريف بالمفاهيم والمصطلحات الخاصة به، بوصف الاشهار تعبيراً عن هوية الرواية، وهو يتضمن ملاحظة الغلاف والعنوان والاهداء كإحالات ظاهراتية الى المتن، أي محتوى الرواية؛ وهذا النوع من النقد لا يقدم تحليلاً دقيقاً لرواية هذه المرحلة التي تقف حائرة بعد متغيرات خطيرة على الكيان السياسي والوطني، وتحولات المجتمع السريعة، وانما تهتم بالجانب الشكلي ،وقد درس نقاد الشعر هذه الموضوعات تحت باب(العتبات)، كما فعل سعدون محسن إسماعيل الحديثي في كتابه(العتبات في شعر الرواد) تناول الموضوع ، بوصف العتبات، هي النص الموازي أو النص المحيط أو غيرها من المسميات التي تنضوي تحت المفهوم نفسه.
ومن خلال رؤية تفترض وجود تأويلات تحاول ان تستجلي مضمراته، أشار الحديثي الى ان عتبات النص هي بنى لغوية او بصرية – تتصدر النصوص أو تليها أو تندرج داخلها على وفق استراتيجيات تضامنية بين الكاتب والمتلقي يؤكد ان وظيفة العتبة تنضوي تحت ما يمكن اختصارها بوظيفتين رئيستين تنضوي تحتهما وظائف فرعية كثيرة. معولاً على طروحات جاكوبسون في كتابه(قضايا الشعرية) في مجموعة من الوظائف أبرزها: المرجعية والتأثرية والانفعالية والايقونية والميتا لغوية والشعرية.( )
يحيلنا كتاب(المضمرات الاشهارية) الى موضوع الهامش والمركز ،او الهامش والمتن، مؤكداً ان الاشهار هو مفهوم ترويجي ،وهو على أربعة أنواع:( المرجعي ، الاشهار غير مباشر، الاشهار الأسطوري، الاشهار الجوهري)؛ ثم يناقش في الفصل الأول موضوع النص الموازي، ويريد به العنوان والغلاف ولوحة الغلاف والمقدمة والتقديم والاهداء والشكر ،ودور النشر .. وغير ذلك من متعلقات نصية؛ مما يعني انه لا يبحث في صلب الرواية، وانما يبحث عن الغواية والاغراء في الجوانب الخارجية للكتاب. وعلى افتراض ان الكاتب الروائي توفي ولم ينشر عمله، فان هذه العتبات تكون شبه معدومة، وهو هنا يناقش علامات لا علاقة لها بالنص أو الكاتب، فالغلاف والتصميم والتقديم وغيرها من الأمور تكون - في الغالب – من ضمن توجهات دار النشر، ولكي يبقى على تواص مع النص اختار ان يجد نوعاً من الصلة بين هذه العلامات الاشهارية، ومضمرات الرواية وأبطالها، وهذا نوع من التأويل ينطلق الى الجانب العلاماتي/السيميائي، وهو كما يبدو غير ناجح تماماً ،والفن التشكيلي هو الأكثر قرباً من اللوحة والصورة، من النص الروائي ، فيدخل هذا الاشهار في موضوع الترويج الذي يفضي بالباحث الى التأويل من خلال البعد السيميائي ، منذ طفولة البشرية وظهور الاجناس والأعراف، ومن خلال البعد السيميائي والرمزي ، حيث وضع التأويل تلك العلاقة المهمة التي تربط بين الاشكال بمواجهة المتلقي بطرق شتى.( )
ومن هنا كان ترويج مقترناً بالدعاية والتسويق واللوحات والصور وما أشبه ذلك، وعلى الرغم من العنوانات المغرية والمثيرة لوصف الكتاب، ومثل (النص الموازي: جدل الوعد والاغراء)،و(الرؤى المعلبة والاقناع السردي: جدل الاستحواذ والتأثير)،و(التقمص النقدي ومحاكاة المشتهر ، كساء لفت الأنظار)؛ الا ان نتائج البحث تفضح الجانب الظاهراتي في الكتاب، في ان الاشهار ،هو قراءة دقيقة وعميقة لسايكولوجيا المستهلكين.( ) مما يكشف عن لعبة لتمرير موضوعات ومصطلحات لم تقدم شيئاً يذكر على مستوى دراسة المتن الروائي العراقي.
ويمكن اندرج كتاب الدكتورة ابتهال الغزي(البطل الاشكالي في الرواية العراقية، مقاربة سوسيوثقافية) الصادر عام 2021م، ضمن الاطار السوسيو – سردي ،أو السوسيو – سيميائي،لأن الـ(سوسيو ثقافي) هو الموضوع المهيمن على غالب الاتجاهات النقدية في دراسة الرواية العراقية بشكل خاص خلال هذه الحقبة.
تبدو مفردة (الاشكالي) ذات بعد فلسفي أكثر منها أدبي، فالبطل في الرواية هو الشخصية الرئيسة التي تهيمن على باقي الشخصيات ،وتتمحور حولها معظم الاحداث المهمة، وذلك من خلال ما طرحه جورج لوكاتش ، جين أسس للبطل الاشكالي ،وذلك في كتابه(الرواية كملحمة برجوازية)( )؛ ويريد به البطل الذي انطلقت بداياته من صراع الفرد في المجتمع ، من خلال افرازات المجتمع الرأسمالي ، التي تنتج البطل المتناقض داخل المجتمعات الرأسمالية ،أو البطل المتمرد والثائر. حيث توصلت الباحثة الى وجود التناقض بين القيم والطبقة التي يولد فيها لأن لوكاتش من دعاة القيمة الموحدة في المجتمعات.( ) فحصل تمازج بين الادب والفلسفة في التعبير عن رؤية العالم، باعتبار ان رؤية العالم ليست وقائع فردية، بل هي اجتماعية ،إذ إنها ليست وجهة نظر الفرد المتغير باستمرار ،فاستطاعت الكاتبة ان تجمع بين دراسة بناء الشخصية والواقع الاجتماعي، كما طرحت ذلك البنوية التكوينية في رؤية العالم؛وهذا التوجه يعد مرحلة وسطى بين المنهج الاجتماعي والمنهج الواقعي عبر المقاربة(السوسيو – سردية) ،حيث توصلت الباحثة الى "ان البنية الجدلية بنية ثابتة في الخطاب الروائي تنتج من تناقض رؤى الفواعل مع مجتمعاتهم لذلك تؤسس لإشكاليات قدلا تكون مطابقة تماماً للمفهوم الغربي للبطل الإشكالي الا انها تطابق توجهات أبطالها في مجتمعاتهم".( )
تبدو فكرة وجود بنية جدلية أو ترابط جدلي ،على وفق الهم السياسي السائد، والصراع الجدلي، أقرب الى تجاوز خطير ليس له علاقة بالأدب الروائي، فإسقاط فلسفة الفكر الماركسي وطروحات اليسار العربي على الادب تخرجه من مرحلة القراءة والكشف عن خفايا وأبعاد النص الى فضاء بعيد عنه تماماً، وخصوصاً عندما يكون مشبعاً بحماس غير مشروع، ذلك ان الأدوات المتاحة لمثل هذا الموضوع غير مكتملة لأن الباحثة ناقشت ذلك من خلال طروحات(سوسيو ثقافية) على قراءة الرواية مثل(تمثلات الهوية الإشكالية في خطاب البطل) في الفصل الأول، وفي الفصل الثاني ناقشت (تمثلات الإشكاليات النفسية في خطاب البطل)،وكان الفصل الثلث بعنوان(البنية الأيديولوجية للخطاب الروائي)؛ فصار البحث يتبع الاتجاه الأيديولوجي أكثر منه الاتجاه (السوسيو- سردي)،وتلاشت الاحالات السيميائية وحلّت محلها الاحالات الأيديولوجية، ذلك ان دراسة الابعاد الاجتماعية تفضي في غالب الأحيان الى رؤى أيديولوجية، حتى انها راحت تتخبط في سوق المفاهيم والصور بشكل مثير، كقولها في الفصل الأول:" البطل في الروايات السابقة إشكالي مأزوم رافض معترض على سياقات التجريد الانتمائي الإنساني، يحاول قلب مجريات الواقع لكن كثيراً ما نجده يقف عند منطقة تائهة ، منطقة سيكولوجية وانثروبولوجية مهجنة غير واضحة الملامح".( ) وهذا الامر ينطبق على طبيعة الدراسة نفسها؛ بينما اهتم الفصل الثاني بالجانب النفسي ،وهو ينضوي تحت التفسير النفسي.
أما الفصل الثالث ،فتمحور تحت باب الاتجاه الأيديولوجي ، مستعيناً بالنسق الذي صار جزءاً من طروحات النقد الثقافي الحالية ، ثم توجهت نحو النسق النفسي، وقد شمل التخبط المنهجي، في التخليط وعدم الفصل بين الفلسفة الماركسية ،والايديولوجية الشيوعية.( ) ثم توجهت نحو موضوع رؤية العالم ،وعلاقتها بالبطل الروائي ،والبطل الاشكالي ،والرؤية الفلسفية التي جعلت البحث يتوزع بين طروحات ليس بينها ناظم أو اتصال ما، كما في رواية (السيد أصغر أكبر) أو علاقة العنف بالواقع السردي العجائبي/ الغرائبي؛ مما أولج البحث في توجهات بعيدة عن نقد السرد الروائي، والحقيقة ان العقد الداخلية لبعض الباحثين أو المضمرات الثقافية صارت تتحكم بهم، وترسم لهم صوراً وتوجهات غير منطقية في القراءة؛ بسبب مؤثرات الواقع الحالي، ولهذا تأسست الكثير من طروحاتهم على مفاهيم ومصطلحات بعيدة عن طبيعة الكتابة الروائية ،والاتجاهات التي تنطبق عليها.
وفي كتاب(البطل المُخلص في الرواية العربية ،دراسة في الشخصية والمرجعيات وسيمياء الحضور) للدكتور عباس فاضل آل مسافر ،ثمة مزج بين دراسة البطل/الشخصية والمرجعيات الأيديولوجية الدينية ،أو التي تهتم بالفكر الغيبي المهدوي الذي يعوّل على انتظار المُخلص ،أو عودة المسيح في المسيحية ،وظهور المسيحي الحقيقي بنظر اليهود، ويشتغل هذا الاتجاه النقدي على ما هو سوسيو- سردي، كما انه يختار الرواية العربية عموماً في هذه الدراسة حتى يتسع البحث ليشكل ظاهرة جديدة في النقد الحديث؛ وهو في هذا يشير الى البطل المُخلص، أو الأمل المنتظر، نتيجة مرور العالم بأجمعه بأزمات متعددة ،وانحسار الوسطية والاعتدال، لكي يرمم العالم، ويستعيد رونقه من جديد، مشيراً الى انه يحاول استعادة (المفهوم الفلسفي لهذه الفكرة)،واسقاطه على بعض الشخصيات، ثم يخلص الى أن هذه الدراسة جاءت" ومن ورائها النقد الثقافي، والمنهج السيميائي ، بقراءة جديدة تُزيح الستار عن شخصية هذا (البطل)، سعياً للكشف عن الأسباب التي دعت الروائيين لتوظيف هذه الشخصية من دون غيرها، وتحليل الظروف التاريخيّة التي دفعتهم الى الاستنجاد بـ(المُخلّص) ليكون بطلاً لأحداثهم".( )
لقد تناول في الفصل الأول هذه الشخصية وتحولاتها في الأديان والآداب، وهو بالرغم من طروحاته التي تبدو غير خاضعة لآراء مسبقة ، الا ان طرح هذا الموضوع كان وراءه شيوع ظاهرة الايمان بظهور المهدي المنتظر، كجزء من عقيدة دينية ومذهبية خاصة، ولهذا لن تكون مثل هذه الطروحات محايدة تماماً، لأنها تلبي حاجات نفسية ودينية لا تحيد عنها، وتتوسل بالمقدس للتعبير عن موقفها، وهذا ما يبدو على الفصل الثاني الذي يتناول توظيف شخصية (البطل المُخلص) في الرواية العربية، فيحاول الباحث ان يلقي الضوء على هذا الموضوع من خلال اتجاه نقدي يبدو خليطاً من الدين والنقد، والتصورات الخاصة ،أما الفصل الثالث فتناول مرجعيات هذا البطل في الرواية العربية ، لاعتقاده بأن المرجعيات" تؤدي وظيفة بنائية للنص الداخلة فيه".( )
وتبدو مرجعياته ذات بعد فكري وليس بعداً بنائياً الا اذا اعتبرنا الرؤيا/الاحلام والعودة الى التراث العربي والديني هي بنية مثلها مثل الاعتقاد بوجود مخلص، وفي الفصل الرابع انتقل الى سيمياء الحضور والغياب حول شخصية المخلص؛ وبهذا انتقل من النقد الأيديولوجي الى السيميائية ،وهو يتحدث عن(سيمياء السرد)والمنهج السيميائي، وطروحات(غريماس)،أو سيمياء الدلالة وعلاقتها بالرسالة والمرسل والمرسل اليه، في ترسيمة جاكوبسن وغيرها.
وهنا في الحقيقة يصبح للمتلقي مكانة متميزة ،وقد حاول الكاتب توظيف قدراته لترسيخ فكرة المنقذ في الرواية العربية، كجزء من اعتقاده الديني ،ولهذا بدت طروحاته ذات شبه مسبقة، وهذا الموضوع الاشكالي الشائك لا يمثل منهجاً معيناً او اتجاها نقدياً، في دراسة الرواية، فهو بالتالي ينقاد نحو البؤر الايديولوجية والدينية ،ويعود بالباحث بالتدريج الى الاتجاه الهجين (السوسيو – سردي)وهو اتجاه خليط وغير منسجم وخاضع لطروحات غير صلبة وذات طبيعة غيبية، تعصف بالمفاهيم والتطبيقات التي يحملها.
-7-
وخلاصة هذا البحث نتوصل الى البحث المتواصل يكشف عن نضوب فكرة وجود منهج نقدي واضح، وانما توجد اتجاهات وربما تيارات نقدية تعبر عن وجهات نظر مختلفة، مع ان مرجعيات هذه الدراسة أطاريح ورسائل جامعية تحاول ان تتوسل بعدة اتجاهات ولكنها في حقيقة الامر، تمثل اتجاهاً واحداً مرناً هو الاتجاه(السوسيو سردي) المنبثق من التفكير السوسيو ثقافي، وان هذه الاتجاهات - في الغالب – تتوشح برؤى ومواقف فكرية أكثر منها ذات توجهات نقدية عميقة تتبنى مناهج نقدية عالمية كالبنيوية والسيميائية والعجائبية والسيرذاتية والأيديولوجية... وغيرها. مما يكشف لنا بان الواقع النقدي العراقي يعيش كذبة كبيرة هدفها تمرير أفكار ورؤى هي الغالب مسبقة ومستوحاة من الخارج، تمثل ذات الباحث/الناقد المتضخمة والاتكالية.
يشكل هذا المبحث منطلقاً لتناول الدراسات الثقافية والنقد الثقافي والنقد النسوي، وكل هذه التوجهات هي جزء من هذا التصور السوسيو ثقافي؛ بحيث سيكون مقدمة مهمة لتوجهات درس النصوص النسوية، بوصف هذا الاتجاه تياراً اجتماعياً أدبياً ينطلق من طروحات جديدة حول الجندر وعلاقة الثقافة بالمتلقي/القارئ/الجمهور، بحيث تمتزج الفنون الاتصالية مع الفنون الأدبية والنقد الجديد(نقد الحداثة الفائقة)، بعد ولوج وسائل الاتصال والاعلام وفنون السينما والمسرح والتلفزيون والانترنيت والفيس بوك، كجزء من الموضة النقدية الجديدة.
وهذا بدوره، يرسخ ما يمكن ان نسميه بوحدانية الصوت النقدي ووحدانية المنهج، وتشظيه الى تجليات قريبة من صورته الاصلية، فلم يعد الاعلام بعيداً عن السرديات الحديثة ،ولم تعد الصحافة بعيدة عن القصة والمدونة الالكترونية، وعن مسرح الاحداث برمتها، والفنون الجديدة التي أفرزتها التقنيات الحديثة، مثل الرواية الرقمية، والقصة التصويرية المشفوعة بالتخطيطات والصور واللوحات، وكذلك الحال مع الشعر الذي سبق السرد في هذه التصورات، في توظيف المعادلات الرياضية واللوحات والعمارة والتشكيل ،وربما علم الآثار، فقد باتت القصة الخبرية الإعلامية الرقمية وغير الرقمية جزءاً من تحولات النقد الادبي الذي صار لقمة سائغة للنقد الثقافي الذي يحاول ان يكون بديلاً عن النقد الادبي بكل اتجاهاته.
ويبدو من خلال متابعة هذه الاتجاهات المختلفة لنقد السرد في العراق ، ان الباحث/الناقد كان أسيراً للموقف الطبقي المتأثر بالتيار اليساري، ولكنه يضمر في نسق ما تياراً يسارياً متأسلماً انسجاماً مع طروحات الإسلام السياسي السائد، وخصوصاً بالنسبة للباحثين الجدد، باستثناء فاضل ثامر وصبا المعموري؛ وبالتالي فان الاتجاهات الجديدة تعيش نوعاً من الازدواجية في التعبير عن موقفها النقدي الحقيقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي