الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية حي سليطة ج1

كاظم حسن سعيد

2023 / 8 / 25
الادب والفن


مقدمة
ليست ولادة قيصرية ولا علاقة جدلية ,ولد ونشا حي سليطة بقوة الازميل ,تشذيب عشوائي ,امتد لسنوات ,حتى لم يعد ساكنوه او اغلبهم يتذكرون جذورهم ,هل يمكن لاحد ان يرى بذورا مبعثرة في مكان فيتخيل الغابة .قليل من يتذكرون المراود والظهور المقوسة ,المناجل والثياب المرقعة ,المعاول والاوبئة ,الحصاد والمطحنة, لقد غادر اجدادهم الحقول من زمان بعيد , ودخل ابناؤهم معتقلات المصانع واتقنوا القتال في البزات الخاكية الضوئية ,اوانتشروا في المقاهي تقضمهم البطالة او امتهنوا البسطات او البقالة او حرفا اخرى ,ابعد ما تكون عن الناعوروالعناية بالعثوق ,,,,ربما ظهر جنين هذا الحي منذ وصول اول جرافة تشق شارع الفقيه وسط غابة النخيل, وانقرض الطنطل من المضادات,من الصعب ان تكتشف البصمات,تظافرت الطبيعة ونمو التجارة والهجرة الجماعية من ارياف المدن والمحافظات المجاورة ومشاريع الغزاة واستقام هذا الحي على سواق طمرت وقناطر بليت , وجذوع تفسخت , رحل عنه ساكنوه الاوائل الا بعض الاسر الراسخة واستوطنه غرباء ولا نتمكن من التاكد هل ان اسم الحي مر بتحولات كثيرة او ان امراة رغم بساطتها تمكنت من حفر اسمها واطلق على الحي.وهل كان مساحة واسعة وقسم لاحياء لها اسماء متنوعة : في مساحة محدودة ازدحمت اديان وطوائف , جهلة ومفكرو ن , ومقابر سيكية وانكليزية وللاطفال وانشئت سبع معامل ومرت سكك حديد وتجاورت البيوت الريفية والحضارية وانشئت تنظيمات سرية انطلق فنانون وادباء وتركت الحروب بصمتهاعلى الاجساد وناحت امهات على اطفالهن الغرقى في النهر الذي يسور الحي اوعلى من قضوا في حروب الجبال,مر الجلادون فصفقوا لهم والطيور المهاجرة فطاردوها ,وتليت الايات فجنوا منها طقوسها , ومر في الحى (قراء كف ,وخاطفات الصغار ,وهاربات من سكاكين الاهل ,ولجا اليه من هربوا من جهنم الثار ,), وانتظر الاهالي الفرج فتوالت الانقلابات وسمنت جثة الوعود وبقوا في قبضة الجوع والحرمان.وتضخمت في ارواحهم النكبات وازدحمت اعينهم بالدموع ,فسودوا في عاشوراء ,وكوت ظهورهم الزناجيل وشجت رؤوسهم القامات وحفروا باللطم الصدوروهانت عليهم المصائب,وتمكنت صائدات الرجال من اختراق قوة الجدران وقنصت الطرائد,مضت ثلاثة قرون منذ سكنه حكماء وربما امتهنوا الطب الفطري وليس استنباط الحكمة,حي قدره مجاعة الروح والبدن والحرائق ,فاعمارهم وبيوتهم فرهود وهم يتمسكون بالامل وتمرسوا بنعمة الصبر والبساطة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شارع الفقيه

تنتصب تلك الاعمدة شبه الاسطوانية فى الجزرات الوسطية الصغيرة على ابعاد متساوية,اشجار قلعت من غاباتها وجردوها من اغصانها ونقلوها عبر البحار لتعين في وظيفة اخرى ــ حمل الاسلاك الكهربائية والمصابيح ــ ,صيفا تتهدل منها الاسلاك النحاسية التى تسندها …الان تثبتها قساوة الاسمنت بدل الجذور وخصوبة الارض , علقت فى قممها مصابيح باهتة تحميها مظلات صغيرة صدئة , كثيرا ما ترى سلمان ـاطول رجل في الحي ـ في بدلته الزرقاء يعتلي سلما خشبيا ويصلح سلكا معطوبا او يستبدل مصباحا, وقد امسك له السلم عامل يدخن التبغ الملفوف ,(سيشاهد بعد ثلاثين عاما كقصبة تجوب ازقة العشار , ساهما يغطس يده في جيوبه لعله يعثر على نقود ليتناول الكبة ,شبه بشري مهملا وخارج تغطية الحياة ) . تنتشر على الرصيفين مظلات حمراء تتوقف عندها باصات المصلحة الحكومية الحمراء ويمكن لهذه الحافلات ان تتوقف وسط المسافة بين مظلتين اذا نادى احد بصوت مرتفع على السائق : (اختياري ). ) .
قرب جسر شيد من الخرسانة على انقاض جسر خشبي
ينثني النهر ويمضى مسافة مائتي متر قبل ان يتوقف قبيل بوابة علقت في اعلى دعامته لوحة مذهبة حفر عليها باللغتين :العربية والانكليزية : (ماكنة السوس ) تتمكن الدوب من دخول هذا الفرع من النهر وتمتد خشبة قاسية منها الى الجرف …هنالك ترى عمالا اشداء تنوء ظهورهم من كتل السوس المكبوسة وقد مدوا ايديهم على الكتفين وامسكوها بكلاب وهم يعبرون بها على خشبة صلبة تهتز ليرموها الى قلب الدوبة العميق . فيتم نقلها الى بواخر تنتظرها في شط العرب ومنها الى بريطانيا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نجمة
زقاق تحجر ترابه وخلا من المشاة وعبث الصغار والقطط والكلاب, في تلك الساعة من توقف الزمن الا قليلا , كان غازي ينتظرها ..يطل ويتوارى وهو رجل اعزب في الاربعين استاجر منزله هذا ويعيش في حياة غامضة , حفر الجدري اثاره على وجهه وان تكلم تجمع لعاب على زوايا شفتيه الغليضتين اللتين يطلق منهما كلاما يشبه التمتمة .وعلى بعد اربعة امتار من وصولها , فى عباءة بارقة ومشية منغمة, الى الباب, وقف غازي في دشداشته السكرية والتفت للجهتين كانت الدربونة ساكنة وخالية من المارة تماما .. …
استقرت على السرير ونظرت اليه مبتسمة وأمرته ( يله خلصنى ) ,لم تستغرق المعركة اكثر من عشر دقائق وتخطى الى الباب والتفت يمينا ويسارا وتوارى الى الداخل وغادرت.
شوهدت فتاتها التى تشبهها وربما فاقتها جمالا, في بوابة مشفى نسائى تصطاد الرجال ,وقد ورثت من امها قوة البياض واكتنازا في الارداف وانتصاب الصدر وتلك الابتسامة التى تشرق من فم قان صغير فى وجه لؤلؤي .
قطار ــ صغار
منذ الفجر يهيم الصغار في بساتين النخل الشمالية التى تنتهى بسكة حديد يمر عليها قطار صدئ يقذف الماء المبخر من احد جوانبه وهو محمل بعروق السوس الذي يتانثر بعض منه على شارع غير معبد طلي بالزفت …كنا منبهرين بحركة الفراكين قبل ان تتسرب عبر مخيلة الشعراء وتنطلق الاغنية :
(ولك يا ريل .. لا تصرخ ,,خذت ولفي واريدنة
جزاني يفر فراكينة ..وما مش حيل اردنه .
وحط اذني على السجة بلجي الصوت اسمعنة )
ويمر على نفس السكة قطار اخر متوجها الى حى نظران لينقل المسامير الى بغداد او يزود معمل المسامير بقطع الغيار…كنا صغارا ولم نعلم بوجود مثل هذا المعمل في لواء البصرة …. وقبيل ان يصل المفرق حيث تنتهى الفلكة يطلق صرخاته المفزعة منبها سواق المركبات ويسارع رجل في الستين بالخروج من محجره رافعا علما صغيرا احمر يلوح به ..لكن بعض السواق لا يبالون وطالما دهس القطار المركبات . خلف تلك السكة سياج مرتفع يحد دائرة واسعة تضخ الماء الى مصفى الشعيبة ..لم نكن نعرف هذا ..لكنا نسمع صوت صفارتها كل فجر تحث العمال على الاستيقاظ……الساعات نادرة ومعرفة الوقت ما تزال تعتمد على صياح الديكة والنجوم والظل وبك بن (هنا لندن والساعة …نحييكم واليكم نشرة الاخبار. ) ,قلة يملكون ساعة جيب مربوطة بسلسلة ..ولا يتمكن الجميع من شراء المذياع .
يعبث الصغار بالمتساقط من جذور السوس ويطاردون الفراشات يتسلقون النخيل لقلع الطلع والشيص او جني الرطب واصطياد صغار العصافير والفاخت من الاعشاش …ومع اول الضوء حيث تغرد البلابل فى اعلى السعفات يستهدفها الصبية بالمصاييد التى اتوا بقوسها من اشجار الخرنوب وقوسها من اطارات الدراجات او يستهدفون الطيور المهاجرة التى غادرت موطنها المثلج بحثا عن دفئنا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابو طبر

هنا قرب سياج الاسلاك التي تسور دائرة تابعة للمصفى .. سمعنا لاول مرة بمجرم محترف (ابو طبر)
-قيل ان اسمه حاتم كاظم-مجرم وسفاح عراقي ظهر في أواسط السبعينيات وهو من مدينة المسيب في محافظة بابل لكن جرائمه دارت في بغداد وكان ينفذ جرائمه بواسطه الطبر ,يخبئه في كم القميص أو الرداء وقيل تعرفت عليه خادمة من عائله يهوديه , قام بقتل العائله المؤلفه من زوج وزوجة وبنت صغيرة وهي البنت الوحيده حيث قتلهم وهم نائمون, وكانت الخادمه مستيقظه وعندما رأت الجريمه هربت إلى المطبخ وغطت نفسها ببطانية لكنه تمكن من ايجادها واصابها بالطبر, فلم تمت ,فتركها وخرج معتقدا انها ماتت , وعند اكتشاف الجريمه وجدوها رجال الشرطة تتنفس, فباشروا بمراقبته ومداهمة بيته واكتشف أحد الضباط بابا مخفيا في الطابق العلوي للبيت وعند دخوله إلى الغرفه وجدوا بعض المسروقات من ضحاياه بحوزته ومذياعا مكتوبا عليه اسم ابنة العائله اليهوديه وتم القبض عليه وعند التحقيق معه اكتشفوا ان زوجته كانت تساعده في اختيار الضحايا من العوائل الميسورة في بغداد, فتدعي انها تبحث عن عمل كخادمة وعندما تباشرعملها في تلك البيوت تصفها له ثم تترك العمل بعد فترة وجيزه فينفذ جرائمه.
وقد نسب البعض جرائم أبو طبر إلى المخابرات العراقية آنذاك، وأعتمدوا في هذا التفسير على ان بعض الجرائم طالت معارضين سياسيين. وهو يقتل بامرهم وفبركوا قصته بالكامل والقت القبض عليه! لاشغال الشارع العراقي وتحقيق انتصارات وهمية! … وقيل ان بعض شهود العيان قد راى السفاح أبو طبر يتجول في شوارع أوروبا ولا يعرف حتى الآن ما هي نهاية السفاح أبو طبر وحقيقته وهناك من فسر ان الجرائم كانت من تنفيذ فريق من المجرمين بدليل جريمة نفذت قريبا من القصر الجمهوري حيث كان الناس ينامون صيفا على السطوح .ولان ابو طبر يختار ضحاياه من مناطق وطوائف وطبقات اجتماعية مختلفة فقد اصيب جميع من في العاصمة.. بالذعر وكان يحشر قتلاه فى الحمام … وقد يتسلى بمراجيحهم بعد التنفيذ او يرتوي من قناني المشروبات من ثلاجاتهم, كانه في بيته . وقد سمعنا بان كل المصورين في العراق تم استدعاؤهم الى بغداد ودخلوا بعدساتهم لجميع البيوت لان امراة نجت منه ووصفته لرجال الشرطة ..الا ان بعض المقربين للنظام كتب بعد ان انشق :ان من دخلوا البيوت ليسوا المصورين وحسب وانما صحبهم رجال سجلوا معلومات عن كل عائلة وحفظت الملفات بسجلات خاصة ستكون مرجعا لدوائر الامن والمخابرات وقد عرض تلفزيون بغداد حلقة لرجل قيل انه ابو طبر ..:وكان يدلي باعترافاته بالفصحى … (وضربتها على فروة الراس واجهزتها ارضا ),وقيل انه واحد من مرافقي نائب الرئيس صدام حسين وقد مرت اكثر من ثلاثة عقود ولم يتمكن الباحثون من معرفة حقيقة سفاح تمكن من اشاعة الرعب في كل ارجاء بغداد .).
ذات يوم اتى مجهولون وقلبوا منقبين في دفاترنا المدرسية ومضوا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبات السوس

كان نبات السوس ينتشر على ضفاف الترع والسواقى والانهار الصغيرة في حي سليطة... لم يكن نبات السوس مجرد نبات شجري معمر ينمو في البساتين وقرب ضفاف الأنهار في محافظة البصرة، بل كان من مواردها الاقتصادية المهمة منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن الماضي، وقد جذب هذا النبات شركات بريطانية وأميركية كانت تشتري جذوره وتكبسها وتصدرها على ظهر بواخر الى أوربا وأميركا لإستخدامها في صناعات غذائية ودوائية.
حسب قنصل روسيا في أن(هذا النبات كان ينمو بكثرة في جميع أنحاء جنوب العراق، ولم يكن يستغل بأي شكل الى أن قامت شركة (Zerlendi et Essayie) الأوربية المحلية المشتركة بتصدير جذور السوس في ثمانينات القرن التاسع عشر الى أميركا، فحققت أرباحاً طائلة),واضاف القنصل : (أن المنافسة أدت الى ارتفاع الأجور، لكن نوعية عرق السوس تردت بالتدريج لأن العمال بدؤوا بجلب الجذور الفاسدة التى لا تصلح الا للحطب , لانهم كانوا يتسلمون اجورهم سلفا لكن شركة أميركية كانت متخصصة بتجارة عرق السوس، والتي تم تأسيسها في البصرة عام 1904، تمكنت خلال أعوام قليلة من احتكار تجارة هذه المادة في عموم العراق بعد افتتاح فرعين لها في بغداد والموصل، إلا أن القوات البريطانية عند احتلالها الموصل حاولت تعطيل عمل هذه الشركة بدافع تمكين التجار البريطانيين من فرض هيمنتهم مرة ثانية على تجارة السوس الذي كان يدخل في صناعة أنواع من التبغ والجعة والأدوية والصابون، كما كان يستخدم كبديل عن السكر.
كان الفراعنة والرومان يستخدمون السوس في علاج آلام المعدة، كما استخدمه البابليون كعنصر مقوي للجسم.واهتم الأطباء المسلمون القدامى بنبات السوس واهميته ، فقال عنه إبن سينا :(إن عصارته تنفع في الجروح، وهو يلين قصبة الرئة وينقيها وينفع الرئة) ….فيما قال إبن البيطار : (ان عصارته تنفع لخشونة المرئ وقصبة الرئة) …..)
لم يكن الاهالى على علم بهذه الامور ولم يكن يعنيهم تنافس الشركات على عرق السوس وارباحهم وتصنيعه .
مايهمهم هو الاجور.
انها ماكنة السوس تقابل المطحنة والتي ستندثر امام زحف القوة المخابراتية حيث اقام لها النظام موقعا مهيبا غامضا واندثر النهر متحسرا على الدوب التى لن تعود وعروق السوس التى حزمت خلاياها وهاجرت , والمكابس الهيدروليكية….من هنا سيحمل العمال اكياس عروق السوس الفاسدة ليستخدموها للتدفئة ,وسيخزن منها ابو مقبل غرفة بأكملها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ







ابو محجن

يتوجه الاطفال شرقا عابرين قنيطرة الجذوع وشجرة الخرنوب حتى يصلوا الى بستان ابو محجن ..يشاهدونه احيانا يحث ثوره الاسترالي على التزاوج من البقرات التي يقودها الاهالي اليه مقابل اجر , فيرى الصغارذلك الرمح الاحمر يهتز ويطلقون الضحكات ويتوغلون في بستانه الشاسع ويمرون على نبات الخس حيث يتكوم متيبس الغائط الاسود ويتسلقون انواعا من نخلات البرحى والخضراوى والزهدى والبريم , يقطفون الرطب او يقطعون الشيص وتلتقط اعينهم الازهار فى شتلات الباميا ولمعان الفلفل الحار الذى احمر بعد النضوج ومساحات من الجت وشجيرات الباذنجان واشجار البمبر والصفصاف والرمان والموز والاثل والريحان وربما تارجح الدلو من الصفيح بغصنه المتيبس بعدما نزلت عجيزته للارض ثقيلة بالاحجار المغلفة بقطع الجنفاص والخصاف .
يعلق ابو محجن المراود والمناجل والمناخل في جذوع النخيل وعلى الاغصان وترى المسحاة مغروسة فى مساحة النعناع ويثبت اكياس الحبوب المصنوعة من القماش و الجلل او الجنفاص في الجذوع الحية او اغصان الاشجار وكثيرا ما يرى وقد ثبت طرف دشداشتة الجوزية بحزامه الجلدى العريض وهو يلاحق الصغيرات صارخا بهن مهددا بعصاه داعيا عليهن بالاقتران بالرجل..(ا وريل ) ) .
وهو سعيد بامراته المتخشبة التى نبتاع منها قبيل الغروب طاسات الروب ونمضى بها الى بيوت الصرائف حيث تعد الامهات الرز بعناية على موقد سجر بعروق السوس او الكرب والسعف اليابس ,وتشم منه رائحة تثير الشهية على بعد عشرات الخطوات ,ويقمن برش الحوش بالماء وترطيب التراب منعا للغبار وكسبا للقليل من البرودة وينهمكن باعداد الكلل البيضاء التي تنتصب بقصبات على شكل صليب, لكن البرغوث والبعوض يتمكن من اختراقها تارك البقع الحمراء على البياض ولسعاته على الجلود ,وبعد ان تتخلى شمس تموز عن بعض سعيرها تتخلى الزوجات عن الكسل ويبدا موسم التبرج فيمر ماء الطوس على الاجساد الحنطية والشهباء في حمامات الصفيح والقصب الملبوخ بالطين,على بياض الرمان والوسائد البيضاء وتعمل بلا كلل الامشاط الخشبية في شعور كثفتها الحناء,وطين الخاوة, قبل ان تعتقل لمعانها الضفائر والاشرطة , وبمزاج النفوس الرضية والانوثة الخالصة يمر الديرم على الشفاه واللثات, والمسواك على الاسنان الناصعة ….وتزيل الانامل الدافئة الغبار عن لوحات ملونة طبعت على الكارتون المقوى لديكة فى صراع وملكات بريطانيات وعلماء حوزة ومناظر طبيعية علقت على الاخصاص وآيات المعوذات القرآنية.
في بستان ابو محجن تطالعنا القافزات من الضفادع بعيونها الواسعة من مخابئها الطينية اسفل الجروف فى السواقى الصغيرة حيث تمتد اصابع الصغار تتحدى شظايا الزجاج لتلتقط دودة الارض .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ام اسحاك

في بستان ام اسحاك المتسلطة الحادة الطبع يعبث الاطفال بكارات السعف المنقعة فى قاع الترع المخضرة التى يحملها حالوب على الكتف,لمسافة كيلو متر عابرا بها الجسر ومجتازا المطحنة وماكنة السوس ودكان ابو هادى ومنزله المجاور له وعابرا محل بياع الثلج حميد ابو حديبة وقبيل وصوله الى معمل السينالكو ينثنى الى(بستان ) كاع ام سحاك ليرمى الكارات , ويتركها للمجهريات والطحالب وخضرة السواقى لتسلب صلابتها …لا يدنو الصغار من البقرات الاسترالية الزاخرة بالحليب التي تقصد البستان لترعى من مكان بعيد…الا ان الصبية يخشون من ام اسحاق الصعبة وهى لا تتردد من سحب طفل من حضن امه لتلوى اذنيه ان اساء او لمحته يقطف الرطب ,, الا انهم يهزجون ساخرين منها (ا م اسحاك تانيني ..خل اغسل ا مواعيني ) .
عصرا يقصد العاطلون والمتقاعدون وعمال ماكنة السوس والمطحنة بستان ابو محجن ويصلون الى تراب تحجر من وحول الكري و بين الحشائش الطويلة و نبات القصب يستقرون لصيد الاسماك بالشصوص يمدون القصبات التى تتهدل منها خيوط النايلون والتبدورات والصنارات المحملة بعجين يصلبونه بفوران الماء …وقد يبيع الصغار ما التقطوه من دودة ام اربعة واربعين التي جمعوها بعلب معجون الطماطة الصغيرة للكبار, فهو طعام تفضله اسماك الشانك التى تصل النهر في شهر تموز مع نضوج الرطب وقد يستخدم بعضهم التمر طعما لصيد اسماك الحمري .تقابل الصيادون مدرجات اسمنتية تنحدر الى النهر ,يقيم فيها الصابئة طقوسهم جوار حي الصابئة . . فيجري تعميد العرسان في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا، ويتم بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أخذ من النهر يسمى ممبوهة ثم يطعمان البهثة ويدهن جبينيهما بدهن,ويتسلى الصبية من خلف النهر برمي الاحجار عليهم .بعد عقود حين نتن النهر اقاموا هذه الطقوس في معبدهم القريب من النهر.
و يجري الماء صافيا في ساعات المد مسودا من الاسماك الصغيرة حتى ان طفلا صرخ شاهقا ودمعت عيناه فى البلم عندما شاهد اباه يسحب الشبكة الثقيلة المزدحمة بالاسماك فخاطبه الرجل : (ابني هذا رزق.. لا تصرخ ولا تتعجب ,,صلي على محمد (ص ) ).ونمضى بمحاذاة معمل الكوكو كولا على الجرف يستقبل اقدامنا الحافية عشب اغرقه الماء وقد نصب البعض شباكهم ,قبل ان تفتك الملوحة فيه ويخضر لونه وتنتن رائحته وتفوح فيه انواع من القناني والاوساخ .
ونتقدم قليلا فيعترضنا الجسر تنتصب قربه على الضفة لوحة تحذير بيضاء رسمت وسطها جمجمة تعلوها علامة ×خط اسفلها بلون احمر (خطر ..تيار كهربائي ) لكن الطفولة لا تقرا الخطر فنعبث على سجادة من شظايا الزجاج ويعتلي قضبان الجسر صبية شبه عراة ويرمون بانفسهم الى النهر وفي مرة (من زرك )رمى طفل نفسه واستقر فى العمق فقد اخترق راسه قضيب حديد………. ستنوح الامهات هنا على اطفالهن الغرقى فى انتظار ان تطفو الجثث الصغيرة.هنا اقيم معمل الكوكا كولا وهنا ينتشرمتكسر الزجاج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بيت اثري
على الضفة المقابلة من النهر يشخص بيت من الطابوق والصفيح تتقدمه شجرتان وافرتان :سدرة و شجرتا اثل , تنحدر منه مدرجات من الحجر حتى تغور في الموج ,بيت يشبه منزلا اثريا تهبط منه فتاة ناصعة البياض على بعد تستقطبك منها شفتان مكتنزتان والوسائد الشحمية تنقل الماء او تغسل الاثواب,دأب على مغازلتها شابان يلوحان او يصفران على الضفة المقابلة (من الشقاة ,لايتحركان الا ومعهما قامة ـاو خنجر معقوف .
ذات يوم زهقت من تحرشهما ولم تحتمل,واخبرت زوجها فعبر الجسر اليهما ( مزدحما بالشحوم ابيض يخفى داخل جثته جبنا وتميعا )…حاول ان يمثل الغضب وقوة الغيرة ورفع ياخته وكتفيه وهو يقترب منهما ,كانا ممدودين على العشب يسندان الجسدين بالاعكاس, ولانه يعرف شراستهما لم يصدق انها قالا له ببرود دون ان يرف جفن لهما (انت مخطئ وهي واهمة ) فاطرق وعاد لمنزله . سيتفاخر قرب زوجته ليلا وهو يقشر الثياب عن جمارها : ( لقد اخفتهما , ولولا ما اوصيت انت به لتركتهما يسبحان بالدم ), وتجيبه وهى في قبضة الخدر : ( لاحاجة لذلك حبيبي ,يكفى اخفتهما واهنتهما ولا نحب ان نطور المشكلة) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سليطة

سليطة ام صبران , مثال للكرم ربما لا يصمد امام هذا الطبع حتى الجسد ولذا تردد (ام صبران يا الطيبة نفسها ـ تخلى العيش والتمن وتتكيرم ب ...ها )وتكمل بكلمة اباحية مسجعة ! .نقشت على رقبتها وايديها وحنكها نجوما واهلة .
تهاجم امها بالنعل وطفلتيها بالصفع والعصا والشتائم وزوجها بالمس والقدور قاذفة في اسماعهم قاموس الشتائم المتورم . طفلتها الصغرى زهرة سمراء نحيلة وطويلة كقصبة ,عيناها صغيرتان جادحتان, ارضعتها من ثدييها الضخمين,فشوهدت ترضع وساقاها يمتدان الى الارض او الحصران , وهناك علامات خلقية وسلوكية تقوي الاشاعة الشهيرة :بان زوجها عنين وان الطفلتين نغلتان , ومن ظهر آخر ...من عشيق.
يعود زوجها (ابو صابرين ) من عمله فى الموانئ ظهرا ويستانف عصرا نزح البالوعات فيرى مثبتا عصا غليضة على كتفية تتدلى منهما صفيحتان من التنك علقتا بحبلين بالعصا,يرشان الشارع بالفضلات وهو يمسك الطرفين بيديه تسمع صوته الابح كانه ياتى من مذياع مشوش , او يصدر من بطنه , وهو قصير القامة يرتدى بنطالا قصيرا.
سليطة اول الشهر حين يعود من العمل وقبل ان تطعمه تفرغ جيوبه وتفتشها وان علمت بانه اخفى درهما واحدا عنها تندلع معركة القدور والمجارف والمناخل والصفع على صلعته والتشهير بامه واخواته وربما يسيل الدم..
ذات يوم اشترى مذياعا خشبيا يتصل ببطارية كبيرة سوداء من ظهره وشغله وتسلطن على اغنية حضيرى ابو عزيز(عمي يا بياع الورد ) ,عادت سليطة ليلا من جولة فى مهمة ور
أته متكئا على الوسادة سافرا عن صلعته فى دشداشة رصاصية ممسكا قدح الشاى ,مسحورا بالصوت ,فهاجمته : (بن الكلب اشتريت راديو..واخفيت عنى النقود).. وصفعته على راسه وتناولت مكنسة فمجرفة وقدرا … ) ..شجب المقذوفات بيديه .. وتحمل رؤية الدم والاهانات خانعا, الا انه انهار تماما بعدما تناولت حجرا واسكتت مذياعه الخشبي,,وهنا انطلق العويل والهياج وصفع جبينه وراسه مرات بيديه ..ورفس الارض برجليه : (ربي اين امضى ,راح الراديو راح ),واجابته زوجته متشفية ملتذة : (بن العاهرة ,حتى تتعلم تضم عنى فلس ,يا قواد ) ...تشرب ابو صابرين بطبع عراقي فلا يتخلى عن الاستماع الى القرآن والاخبار والاغاني .
وعندما رهقت طفلتاها كانت سليطة تقف بالباب الخشبي الثقيل وتنادى (ياشباب من يرغب بامراة …هذه قحبة عندي ),وهي لا تعنى ذلك لكنه اسلوب للتجريح واغاضتهما
طفلتها الكبرى(صبران ), بعد عام قضته لدى الملا لم تحفظ آية وحين سئلت اجابت متبسمة وبلا مبالاة (قلبي ليس دفتر ) ,فمضى جوابها مثلا بين الجيران , تزوجت من زوج هامشي في بيت قبر شمال البصرة في احد الارياف المنسية , .اما الصغرى (زهرة ) فبعد زواجها من بن غازى بعشرين عاما لم تعرف قيمة اثمن قلادة ورثتها من امها واتمنتها عند جارتهم المؤمنة وعاشت حياتها في حرمان على هامش الحياة آلة بشرية مضطهدة ...
عشرة امتار يبعد بيت الفتاة (رندة )عن بيت سليطة ,هى آثار نهر مطمور لم يتبق منه الا مساحته المنخفضة المطمورة بالقمامة ,معتدلة القمامة ,رندة شهباء ثرية بالوسائد الشحمية تسبقها قهقهاتها ,ووجنات ناضجة وعينان ينسدل عليهما جفنان جاذبان ,,في ذلك المساء هبت رياح الفتنة ونشبت المزعجات ,انها بداية الطقس العائلي المتعكر ,يحدث دائما ان ينهش الوباء الاجتماعي فى حجر التوازن الاجتماعي ويصبح الاستقرار من الماضي, فقد هطل على بيت سليطة وابل من الحجر الترابي والعلب الصديئة وعتيق الادوات المنزلية ,استمرت المقذوفات لربع ساعة.آوت الصغيرتان والجدة الى الصريفة وتلقى الاب غطاء قدر على صلعته وتعالى الصياح والشتم واللعن والعويل والصراخ,وتناثرت سفرة الطعام بعد ان صدم احدهم لالة متسخة فانطفات وساد الظلام,ثم هدا الهجوم مخلفا الرعب والتساؤل والشعور بالاهانة,وتكررت هذه اللعبة لمدة شهرين .
وانقسم الناس بين ساخر ومتعاطف واعتاد البعض ان يتوقع كل مساء بداية الضجة.انها تعويض عن المسلسلات في زمن ندرة الشاشة البيضاء.ومهما يكن مقدار التبلد فلابد للانسان في الازمات ان تبرق في ذهنه كمية مناسبة من النباهة…خاطبت في احد الايام سليطة جارتهم (رندة ) : (يا بنتي كيف يحدث هذا ؟ عندما تكونين في بيتي لا نرمى بالزبل والاحجار ) فاجابتها :( والله العظيم لست انا,… انتم احبتي واهلى ..اهذا جزاء مودتي وتواصلي واعتزازي بكم ) .
وقررت سليطة ان يحلف الجميع واتت بقرآن لف في قطعة خضراء,ارتعد البعض من القسم مثل ام صلاح التي قالت <لا يحلف به صادقا او كاذبا , وحلف آخرون مكرهين , فقد ورثوا :(كتاب الله يشور ان حلفت به صادقا او كاذبا ) ,ومد البعض يمناه على القرآن بكل بساطة :الا ان رندة بعد ان اقسمت مضت ساخرة تحدث النسوة : (انا لا يؤثر بي القسم فقد اقسمت واخرجت ريحا ).بعد اسبوع من اليمين نشب الحريق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ****ــــــــــــــــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمين علي | اللقاء


.. بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء خاص مع الفنان




.. كلمة أخيرة - فقرة غنائية بمناسبة شم النسيم مع الفنانة ياسمي


.. كلمة أخيرة - بعد تألقه في مسلسلي كامل العدد وفراولة.. لقاء




.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس