الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 26

عبدالرحيم قروي

2023 / 8 / 25
الارشيف الماركسي


مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات

تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة العاشرة

2- جدال مع الفوضويين

يعود هذا الجدال إلى سنة 1872. لقد نشر ماركس وإنجلس في مجموعة اشتراكية ايطالية مقالين ضد أتباع برودون و«أنصار الحكم الداتي» أو «خصوم السلطة»، ولم يصدر هذان المقالان في «Neue Zeit» مترجمين إلى الألمانية إلاّ في سنة 1913.
كتب ماركس ساخرا من الفوضويين ومن إنكارهم للسياسة:
«… إذا كان نضال الطبقة العاملة السياسي يتخذ أشكالا ثورية، وإذا ما أقام العمال ديكتاتوريتهم الثورية مقام ديكتاتورية البرجوازية، فهم يقترفون بذلك جريمة منكرة، جريمة إهانة المبادئ، لأن العمال لكيما يسدوا حاجاتهم اليومية الحقيرة الفظة، لكيما يحطموا مقاومة البرجوازية، يعطون الدولة شكلا ثوريا وعابرا بدلا من أن يلقوا أسلحتهم ويلغوا الدولة… » («Neue Zeit» 1913-1914 السنة 32، المجلد 1، ص40).
إن ماركس بدحضه للفوضويين لم يستنكر غير هذا النوع من «إلغاء» الدولة! إنه لم يعترض على الفقرة القائلة بأن الدولة ستزول مع زوال الطبقات أو أنها ستلغى مع إلغاء الطبقات، لم يعترض إلاّ على الفكرة القائلة بعدول العمال عن استخدام السلاح، عن استخدام العنف المنظم. أي عن الدولة التي يتوجب عليها أن تخدم الهدف التالي: «تحطيم مقاومة البرجوازية».
يتعمد ماركس الإشارة –لكيلا يشوهوا مغزى نضاله ضد الفوضوية –إلى «الشكل الثوري والعابر» للدولة الضرورية للبروليتاريا. لا تحتاج البروليتاريا إلى الدولة إلاّ لزمن محدود. نحن لسنا بتاتا في خلاف مع الفوضويين في مسألة إلغاء الدولة باعتبار ذلك هدفا. إنما نحن نجزم بأن من الضروري لبلوغ هذا الهدف أن تستخدم مؤقتا أدوات ووسائل وأساليب سلطة الدولة ضد المستثمرين، كما أن إلغاء الطبقات يستلزم، كأمر موقوت، ديكتاتورية الطبقة المظلومة. يختار ماركس الشكل الأحد والأوضح لطرح المسألة ضد الفوضويين: أينبغي للعمال إذ يسقطون نير الرأسماليين أن «يلقوا السلاح» أم أن يستخدموه ضد الرأسماليين لتحطيم مقاومتهم؟ وما هو استخدام السلاح بصورة منتظمة من جانب طبقة ضد أخرى إن لم يكن «شكلاًعابرا» للدولة؟
فليسأل كل اشتراكي-ديموقراطي نفسه: هل يطرح هو نفسه مسألة الدولة بهذا الشكل في الجدال مع الفوضويين؟ هل كانت الأكثرية الكبرى من الأحزاب الاشتراكية الرسمية في الأممية الثانية تطرح هذه المسائل بهذا الشكل؟ يبسط انجلس هذه الأفكار نفسها بتفصيل أكبر جدا وتعابير أسهل جدا. إنه يسخر قبل كل شيء من اضطراب تفكير أنصار برودون الذين سموا أنفسهم «خصوم السلطة»، أي أنهم أنكروا كل سلطان، كل خضوع، كل سلطة. يقول إنجلس: خذوا أي معمل أو سكة حديد أو سفينة في عرض البحار. أفليس من الواضح أن عمل هذه المؤسسات التكنيكية المعقدة القائمة على استخدام الآلات والتعاون المنهجي بين كثرة من الأشخاص يستحيل بدون نوع من الخضوع، وبالتالي، بدون نوع من سلطان أو سلطة؟ وكتب إنجلس:
«… إذا ما اعترضت بهذه الحجج على خصوم السلطة الأشد تعنتا فهم لا يستطيعون أن يجيبوني بغير جواب واحد: «أجل! هذا صحيح. ولكن لا يدور الحديث هنا عن السلطان الذي نمحضه لمندوبينا، بل على تكليف معين». إن هؤلاء الناس يحسبون أننا نستطيع تغيير أمر ما إذا ما غيرنا اسمه…».
وبعد ان بين إنجلس بهذا الشكل أن السلطان والحكم الذاتي هما من المفاهيم النسبية وأن ميدان تطبيقهما يتغير تبعا لمختلف مراحل التطور الاجتماعي وأن من الحماقة فهمهما كمطلقات، وبعد أن أضاف أن ميدان استخدام الآلات والانتاج الضخم يتسع باستمرار، إنتقل من البحث العام حول السلطان إلى مسألة الدولة.
وقد كتب:
«لو اقتصر أنصار الحكم الذاتي على القول بأن التنظيم الاجتماعي المقبل لن يسمح بالسلطان إلاّ ضمن الحدود التي تفرضها ظروف الإنتاج بالضرورة، لا مكن التفاهم معهم. ولكنهم عميان حيال جميع الوقائع التي تجعل السلطان أمرا ضروريا، وهم يناضلون بحماسة ضد الكلمة.
لماذا لا يقتصر خصوم السلطة على الصياح ضد السلطان السياسي، ضد الدولة؟ فجميع الاشتراكيين متفقون على أن الدولة تزول ومعها السلطان السياسي بنتيجة الثورة الاجتماعية المقبلة، أي أن الوظائف الاجتماعية تفقد طابعها السياسي وتتحول إلى مجرد وظائف إدارية تسهر على المصالح الاجتماعية. ولكن خصوم السلطة يطلبون إلغاء الدولة السياسية دفعة واحدة، قبل أن تلغى العلاقات الاجتماعية التي نشأت عنها الدولة. إنهم يطلبون أن يكون إلغاء السلطة أول عمل تقوم به الثورة الاجتماعية.
فهل رأى هؤلاء السادة ثورة في يوم ما؟ إن الثورة هي دون شك سلطة ما بعدها سلطة، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الآخر بالبنادق، بالحرب، بالمدافع، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطانا. ويأتي على الحزب الغالب أن يحافظ بالضرورة على سيادته عن طريق الخوف الذي توجيه أسلحته للرجعيين. فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشعب المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر من يوم واحد؟ وهلا يحق لنا أن نلومها، بالعكس، لأنها لم تلجأ لهذا السلطان إلاّ قليلا جداً؟ وهكذا أحد أمرين: أمّا أن خصوم السلطة لا يعرفون ما يقولون، وفي هذه الحالة لا يعملون غير خلق التشويش، وأمّا أنهم يعرفون وفي هذه الحالة يخونون قضية البروليتاريا. وهم في الحالتين لا يخدمون غير الرجعية» (ص 39).
إن هذه الفقرة تتطرق إلى مسائل ينبغي بحثها بالإتصال مع موضوع العلاقة بين السياسة والاقتصاد عند اضمحلال الدولة (ونتناول هذا الموضوع في الفصل التالي). ومن هذه المسائل المتعلقة بتحول الوظائف الاجتماعية عن وظائف سياسية إلى مجرد وظائف إدارية ومسألة «الدولة السياسية». وهذا التعبير الأخير الذي يمكنه بصورة خاصة أن يستدعي سوء الفهم يشير إلى عملية اضمحلال الدولة: فالدولة الآخذة بالاضمحلال يمكن نعتها عند درجة معينة من اضمحلالها بالدولة اللا سياسية.
والأمر الأبلغ في دلالته في فقرة إنجلس هذه هو مرة أخرى كيفية طرح المسألة ضد الفوضويين. فالاشتراكيون-الديموقراطيون الراغبون في أن يكونوا تلامذة لإنجلس قد تجادلوا مع الفوضويين ملايين المرات ابتداء من سنة 1873 ولكنهم لم يجادلوا كما يمكن ويجب أن يجادل الماركسيون. إن التصور الفوضوي لإلغاء الدولة هو تصور مشوش وغير ثوري، -هكذا طرح إنجلس المسألة. فالفوضويون لا يريدون أن يروا الثورة على وجه الضبط في نشوئها وتطورها، في مهامها الخاصة حيال العنف والسلطان والسلطة والدولة.
إن انتقاد الفوضوية المألوف لدى الاشتراكيين-الديموقراطيين المعاصرين قد اقتصر على هذا الإبتذال البرجوازي الصغير الصرف: «نحن نعترف بالدولة، أمّا الفوضويون فلا!». وهذا الابتذال لا يمكنه طبعا إلاّ يبعد العمال المفكرين والثوريين ولو لحد محدود. أمّا إنجلس فيدلي برأي آخر: إنه يؤكد أن جميع الاشتراكيين يعترفون بأن الدولة تزول بنتيجة الثورة الاشتراكية. ثم يطرح بصورة ملموسة الثورة، أي بالضبط تلك المسألة التي يتحاشاها في المعتاد الاشتراكيون-الديموقراطيون الإنتهازيون تاركينها، إن أمكن القول، لينفرد الفوضويون في «دراستها». وما أن طرح إنجلس هذه المسألة حتى تناول رأسا لبها: أما كان ينبغي للكومونة أن تلجأ لحد أكبرإلى السلطة الثورية للدولة، أي إلى سلطة البروليتاريا المسلحة والمنظمة في طبقة سائدة؟
‘ن الاشتراكية-الديموقراطية الرسمية السائدة تتحاشى في المعتاد مسألة مهام البروليتاريا الملموسة في الثورة أمّا بمجرد تهكم التافه البرجوازي الصغير وأمّا، في أحسن الحالات، بسفسطة التهرب: «من يعش ير». وهكذا حصل الفوضويون على حق اتهام هذه الاشتراكية-الديموقراطية بأنها تخون واجباتها في أمر تربية العمال تربية ثورية. لقد استفاد إنجلس من خبرة الثورة البروليتارية الأخيرة بالضبط لكيما يدرس بالشكل الملموس الأتم ما وكيف ينبغي على البروليتاريا أن تفعله حيال البنوك وحيال الدولة على السواء.

3- رسالة إلى بيبل

من أروع، إن لم يكن الأروع، ما ورد في مؤلفات ماركس وانجلس بصدد مسألة الدولة الفقرة التالية في رسالة وجهها إنجلس إلى بيبل في 18-28 مارس سنة 1875. ونقول بين معترضتين أن هذه الرسالة قد نشرها بيبل لأول مرة، على ما نعلم، في المجلد الثاني من مذكراته («ذكريات من حياتي») الصادرة في 1911، أي بعد مضي 36 سنة على تحريرها وإرسالها.
فقد كتب إنجلس إلى بيبل، منتقداً نفس مشروع برنامج غوتا الذي انتقده ماركس أيضا في رسالته الشهيرة إلى براكه، ومتطرقا بصورة خاصة إلى مسألة الدولة قائلا.
«…الدولة الشعبية الحرة صارت إلى دولة حرة. والدولة الحرة تعني من الناحية اللغوية دولة حرة إزاء مواطنيها، إي دولة ذات حكومة مستبدة. وينبغي الكف عن كل هذه الثرثرة بصدد الدولة ولاسيما بعد الكومونة التي لم تبق دولة بمعنى الكلمة الأصلي. لقد كفانا ما فقأ الفوضويون عيوننا بـ«الدولة الشعبية»، رغم أنه قد قيل دون لبس أو غموض في مؤلف ماركس ضد برودون ثم في «البيان الشيوعي» أن الدولة مع إقامة النظام الإجتماعي الاشتراكي تحل نفسها بنفسها (sich auflost) وتزول. ولما كانت الدولة عبارة عن مؤسسة ذات طابع عابر وحسب يتأتى استخدامها في النضال، في الثورة، لقمع الخصوم بالقوة، فإن الحديث عن الدولة الشعبية الحرة هو مجرد لغو: فما دامت البروليتاريا بحاجة إلى الدولة، فهي لا تحتاجها من أجل الحرية، بل من أجل قمع خصومها، وعندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرية، عندئذ تزول الدولة بوصفها دولة. ولذا نحن نقترح الاستعاضة في كل مكان عن كلمة الدولة بكلمة «مشاعة» (Gemeinwesen)، هذه الكلمة الألمانية القديمة الرائعة التي يتفق معناها ومعنى الكلمة الفرنسية «كومونة»» (ص 321-322 من الطبعة الألمانية).
ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن هذه الرسالة تتناول برنامجا حزبيا انتقده ماركس في رسالة مؤرخة بعد هذه الرسالة ببضعة أسابيع فقط (رسالة ماركس مؤرخة في 5 مايو سنة 1875)، وأن إنجلس كان يعيش آنذاك مع ماركس في لندن. ولذا عندما قال إنجلس «نحن» في عبارته الأخيرة فهو دون شك يقترح باسمه وباسم ماركس على زعيم حزب العمال الألماني شطب كلمة «الدولة» من البرنامج والاستعاضة عنها بكلمة «مشاعة».
وكم كان ناح بشأن «الفوضوية» متزعمو «الماركسية» الحالية المكيفة تبعا لما يروق للإنتهازيين لو اقترح عليهم إدخال مثل هذا التصحيح على البرنامج!
فلينوحوا. فالبرجوازية ستمدحهم على ذلك.
أمّا نحن فسنتابع عملنا. وعند إعادة النظر في برنامج حزبنا لا ريب في أنه ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار نصيحة إنجلس وماركس، لكيما نكون أقرب من الحقيقة، لكيما نوجه بصورة أصح نضال الطبقة العاملة في سبيل تحررها. أغلب الظن أنه لا يوجد بين البلاشفة خصوم لنصيحة إنجلس وماركس. ولعل الصعوبة لن تكون في غير إيجاد الاصطلاح. ففي الألمانية كلمتان «للمشاعة» إختار منهما إنجلس الكلمة التي لا تعني مشاعة على حدة، بل مجموعة مشاعات، نظام المشاعات. أمّا الروسية فلا توجد مثل هذه الكلمة، وقد يقتضي الأمر اختيار كلمة «كومونة» الفرنسية، مع أن ذلك يخلق أيضا بعض الإرتباك.
«لم تبق الكومونة دولة بمعنى الكلمة الأصلي» -هذا هو تأكيد انجلس الأهم نظريا. وهذا التأكيد مفهوم تماما بعد ما عرضناه أعلاه. فقد كفت الكومونة عن أن تكون دولة ما دام لم يتأت عليها أن تقمع أكثرية السكان، بل الأقلية (المستثمِرين)، وقد حطمت آلة الدولة البرجوازية؛ وبدلا من القوة الخاصة للقمع، برز على المسرح السكان أنفسهم. وكل هذا ارتداد عن الدولة بمعناها الخاص. ولو توطدت الكومونة لـ«اضمحل» فيها تلقائيا ما بقي من آثار الدولة، ولما كان عليها أن «تلغي» مؤسسات الدولة: فإن هذه ستبطل بقدر ما لا يبقى لها ما تقوم به.
«يفقأ الفوضويون عيوننا بـ«الدولة الشعبية»». عندما قال انجلس ذلك كان يقصد بالدرجة الأولى باكونين وحملاته على الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان. ويعتبر إنجلس هذه الحملات صحيحة بمقدار ما يكون مفهوم «الدولة الشعبية»، شأنه شأن «الدولة الشعبية الحرة» سخيفا وخارقا عن الاشتراكية. وقد سعى انجلس إلى تقويم نضال الاشتراكيين-الديموقراطيين الألمان ضد الفوضويين وإلى جعل هذا النضال صحيحا من الناحية المبدئية وإلى تطهيره من الأوهام الانتهازية بصدد «الدولة». ولكن وأحر قلباه! لقد ظلت رسالة انجلس مدة ست وثلاثين سنة مطوية في صندوق. وسنرى فيما يأتي أن كاوتسكي، حتى بعد نشر هذه الرسالة، قد استمر يكرر بعناد، في الجوهر، نفس الأخطاء التي حذر منها إنجلس.
وقد وجه بيبل لانجلس رسالة جوابية مؤرخة في 21 من سبتمبر سنة 1875، قال فيها فيما قال أنه «يوافقه تماما» على آرائه بشأن مشروع البرنامج وأنه لام ليبكنخت على تنازله (ص 334 من الطبعة الألمانية لمذكرات بيبل. المجلد 2). ولكن إذا ما أخذنا كراس بيبل «أهدافنا» وجدنا فيه آراء غير صحيحة أبدا بشأن الدولة:
«الدولة القائمة على السيادة الطبقية ينبغي أن تحول إلى دولة شعبية» (الطبعة الألمانية لـ«Unsere Ziele»، سنة 1886، ص14).
هذا ما جاء في الطبعة التاسعة (التاسعة!) من كراس بيبل! ولا مجال للاستغراب إذا ما تشربت الاشتراكية-الديموقراطية الألمانية هذه الآراء الانتهازية بشأن الدولة لكثرة ما كررت بعناد، لا سيما وأن إيضاحات إنجلس الثورية قد خبئت في الصندوق، وجميع ظروف الحياة كانت «تنسى» الثورة لأمد طويل.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي


.. United Nations - To Your Left: Palestine | كمين الأمم المتحد




.. تغطية خاصة | الشرطة الفرنسية تعتدي على المتظاهرين الداعمين ل


.. فلسطينيون في غزة يشكرون المتظاهرين في الجامعات الأميركية




.. لقاءات قناة الغد الاشتراكي مع المشاركين في مسيرة الاول من اي