الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد شحرور في تجديد الفكر الإسلامي المعاصر

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2023 / 8 / 26
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


شكلت حرب حزيران نقطة مفصلية في صعود الفكر السلفي، وقد تزامن ذلك مع صعود عدد من المفكرين المجددين، ومنهم المهندس السوري الدكتور" محمد ديب شحرور" حيث بدأ اهتمامه بالتنزيل الحكيم عندما وقعت حرب عام 1967، وكان في دمشق، ثم تابع دراساته وأبحاثه في هذا الشأن في دمشق أولا، ثم في إيرلندا في ذات الوقت الذي كان يستعد فيه لنيل درجة الدكتوراة، واستمر إلى أن ظهر مؤلَّفه الأول عام 1990 بعنوان " الكتاب والقرآن – رؤية جديدة". ثم تتابعت مؤلفاته، وكان محمّد ديب شحرور قد ولد في "دمشق" لوالد من أتباع الشيخ ناصر الدّين الألباني. ونال درجة الدكتوراه من جامعة دبلن بإيرلندا عام 1972، وتخصص في ميكانيك التربة والأساسات. له أيضا عدة مؤلفات في مجال تخصصه الهندسي. توفي في أبو ظبي عام 2019
إلا إنه دفن في دمشق.
ينطلق محمّد شحرور من مسلمات عامة لا يشك فيها أبداً، كالإيمان بالله، واليوم الآخر، وبعثة نبيه محمّد، وكتابه الموحى، من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس (كم وصلنا في مصحف عثمان بن عفان). وهذه المسلمات لا يمكن البرهان العلمي عليها، وفي الوقت نفسه لا يمكن دحضها علمياً كذلك. ويرى أنه ينبغي على أتباع الرسالة المحمّدية تقديم الدليل العقلاني على صدقية القرآن، لأنه إذا توقف عمل العقل فسوف يؤدي ذلك إلى فناء صاحبه وزوال حجته. فهناك حاجة ملحة في دراسة الثقافة العربية الإسلامية لتجاوز القياس إلى الإبداع، فكيف يتم ذلك؟
رأى محمّد شحرور أن النص القرآني يُؤوَّل ولا يُفسّر، وأن التفاسير التي وصلت إلينا تراث قديم، يحمل كل تفسير منها طابع الفهم المرحلي النسبي لأولئك الذين عاشوا في تلك الفترة على قاعدة نسبية الحقيقة. وعليه فقد دعا للسير في صحبة فهم القرآن خلال فترة تزيد على ألف وأربعمائة سنة ويزيد. وهذا يتطلب إعمال العقل وتجاوز الفهم التقليدي.
فمثلا أشار محمد شحرور إلى آية التحريم "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " ثم يقارنها بآية اجتناب الخمر:" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء"، حيث يشير إلى الاستطراد في الآية الثانية من باب النصح، بينما توقفت آية التحريم عند تبليغ أمر التحريم، كونه حد من حدود الله لا جدال فيه وما علينا إلا القبول به. كذلك فإنه يشير إلى أن التحريم أشد من الاجتناب، حيث لا يمكن مقارنة شرب الخمر بنكاح المحارم، وهي من المحرمات.
رأى محمد شحرور أن الآية:" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون" ليست منسوخة، كما يدعي البعض، فلا تزال سارية المفعول إلى اليوم مع الأحكام الواردة في تتمة الآية، وذلك لأن النسخ يكون لآية كاملة وليس لجزء من آية (الكتاب والقرآن، ص 477). ولذلك يكون لمحمد شحرور موقف واضح من الناسخ والمنسوخ، يمكن الرجوع إليه.
فيما يتعلق بالمرأة تحديداً، يرفض محمّد شحرور تعدد الزوجات إلا إذا كن الثانية والثالثة والرابعة من الأرامل، شرط إعالة أولادهن. أمّا فيما يتعلق بقوامية الرجال على النساء، فتفترض هذه القِوامة الهيمنة الفيزيائية والاقتصادية والاجتماعية معاً، فإذا تفوقت المرأة في إحداها قد تكون هي القوّامة على الرجل موضوعياً.
وفي مسألة الردة، يرفض محمّد شحرور مبدأ قتل المرتد لصراحة أية الكهف: “من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " وآية البقرة 256: " لا إكراه في الدين"، وآية الغاشية 22: التي تخاطب النبي: "إنما أنت مُذكـِّر لست عليهم بمسيطر"، وينتهي محمّد شحرور إلى القول إن الإصلاح السياسي لن يستقم إذا لم يستقم الإصلاح الديني والفكري والثقافي، وإذا لم يؤدِ إلى خلق الإبداع الفقهي المتجدد. الذي ما زالت الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إليه اليوم
أمّا مظاهر السنة، كإطلاق اللحى فليست شرعاً إسلامياً، بل كانت إجراءَات تناسب ظروف خاصة استدعتها الظروف الموضوعية في الحرب لتمييز المسلمين عن المشركين بدْا من معركة أُحُد. والمطلوب هو طاعة الرسول وليس طاعة النبي، لأن الرسول معصوم يحلل ويحرم ما أراد الله تحليله وتحريمه، أمّا النبي فيأمر وينهي، ويسمح ويمنع، وهو غير معصوم كقوله تعالى: “يا أيها النبي لِمَ تُحرّم ما أحل الله لك" ، فالتمييز بين السنة الرسولية، كأداء الصلاة وفقا للسنة الرسولية واجبة، أمّا السنة النبوية كتنظيف الأسنان بالسواك، ولعق الأصابع فهي لا تلزم أحداً. وتتبع الأهواء الشخصية.
لم يجد محمّد شحرور تناقضاً بين نظرية التطور ونظرية الخلق، فيما يتعلق بنشأة الإنسان وظهور آدم، ذلك لأن الوجود الفيزيولوجي للإنسان نشأ قبل ملايين السنين، أمّا الأنسنة كما يعتقد فتمت بنفخة الروح في الإنسان ليصبح آدم أبو الإنسان وبداية التاريخ الإنساني، معلناً نشأة النفس التي تتوفى، وهي النفس المطمئنة، والأمّـارة بالسوء، وما إلى ذلك. أمّا الحيوانات فلا روح فيها إنما هي أنفس، وقد تأهل الإنسان لاستقبال الروح عندما انتصب وتحررت يداه ثم نضج جهازه الصوتي وتعلم اللغة وبات جاهزاً للتلقي. وعند ذاك يمكن القول: هنا بدأ آدم. وهكذا استطاع شحرور التوفيق بين نظرية التطور والفكر الديني.
رأى شحرور أن الإبداع الفقهي ينبغي أن يستند إلى العلوم المعاصرة، بما في ذلك علوم اللسانيات، وهذا الموقف يستلزم إنكار الترادف، فكل لفظ له صورة مميزة ترتسم في الذهن، وبذلك يرتفع الترادف. فمثلا يقول الإمام العسكري: إن اللغة كائن قابل للتطور والنمو خاصة في الدلالات الإنسانية، وهناك فرق بين الكتاب والقرآن والفرقان، وهناك فرق بين النبوة والرسالة، فالرسول لم يكن أمّيّاً، بمعنى لا يقرأ ولا يكتب، لأن كلمة أميّ تعني الجاهل بكتب اليهود والنصارى، أو غير اليهودي أو النصراني.
ويرى شحرور أن سيبويه قد استخدم مترادفات مثل: انطلق وبارح، وغدا وراح، وتابعوه من بعده، فابتعدوا عن المحتوى الدلالي لكل لفظة، وهذه علة العقم في النحو وسبب الأوهام التي أصابتنا في فهم التنزيل الحكيم. لذلك يدعو شحرور إلى إعادة النظر في دلالات المفاهيم الفقهية والعقائدية، مثل الذنب والسيئة، والدين والملة، والعباد والعبيد، والتفسير والتأويل، والحرب والقتال، والكفر والإيمان، والشرك والشهادة، وما إلى ذلك.
وهكذا، فإنه يمكننا القول أن المفكر محمد شحرور كان مميزا في تجديد الفكر الديني القائم على فهم اللغة العربية في تطورها التاريخي، وقد حاول إعادة اللحمة بين النص الديني، والقانون العلمي الطبيعي في ارتباطه بالواقع المعيش، وذلك وفق شروط الزمان والمكان في ارتباطهما المتين بما توصلت إليه المعارف البشرية الحديثة والمعاصرة؛ في العلوم الطبيعية، والعلوم الإنسانية.
ختاما، لابد من الإشارة إلى إفادتنا في هذه الدراسة القصيرة من "موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر"، لمؤلفها الدكتور أيوب أبو دية والتي صدرت في طبعتها الأولى عام 2008 عن وزارة الثقافة الأردنية، والتي يمكن تنزيلها مجانا على الموقع التالي:
https://independent.academia.edu/AAbuDayyeh








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح