الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حي سليطة رواية ج2

كاظم حسن سعيد

2023 / 8 / 26
الادب والفن


الحريق
ـــــــــــــــــــ
ستجرى ويجرون …ربما بدات كلسعة افعى ,في ظهيرة تموز .الحى يجهز عليه جحيم الشمس والتعب ,الناس في ركود ابو بسام يعزل عروق السوس الفاسدة … ابو احمد يراقب العمال يعبئون الاكياس في المطحنة (يمسد كرشه بيمناه متاففا من شرار الجمر في الشحم المتراكم ….ابو صلاح يوزع اقداح الشاي في مقهاه بام البروم….جمانة تجردت وتكورت في سريرها… مويجات الجزر تسحب اخر فلولها فاضحة جحور الكائنات في الجرف ,وهي تسوط الاغصان والطافيات .
الاحياء المسمرة الساكنة تهتز من المفاجآت لانها نادرة ..الرتابة لغة الحياة ,,السلوك نسخة مكررة ,,خمدت الجمرات في التنانير.. ام نزار تتلوى مصهورة ….. ينفخ في بوق خفي معلنا قيام الكارثة ….
ربما تبدأ بعود ثقاب ,سهوا او عمدا , او نضجت عبر زحف ناري استغرق دقائق …. والتحم الجحيمان مصهور الشمس ونار القصب ,
الحبال الليفية تتخلى عن قوة عقدها … خصاص القصب تتباعد عن بعضها ….تلتحم جثث الصرائف في ملحمة الرماد , الجرذان والذئاب والقطط والكلاب تتمكن من الافلات ,النيران تعتقل الوثائق الثبوتية والصور الشمسية ,تتخلى الصفائح عن عناوينها والوانها ,الدخان في كل مكان ,,,السابقون يخبرون الراكضين , لا تحتاج النيران ان نشبت الى كثير من التساؤلات الا سؤالا واحدا يتم قذفه قذفا ويجيء الجواب على عجل : (بيت سليطة وجيرانها) .
بالسطول والقدور والعصي واخرون بالمجارف والمعاول ,,البعض هرعوا بالصفائح والزبلان …برهان يتسلق الجدران القصبية المرشحة للالتهام ويبدا بتخليص البواري المثبتة بالحبال , لا يخشى زمجرة النيران المتوثبة , يقفز الى بيت اخر مع اخرين ينقلون الاثاث الى مسافة امتار :(ينقذون ويسلب اخرون ) ..
هناك راى برهان في بيت تحاصره النيران..مراهقة مجنونة شعثاء ترتدي ثوبا احمر ,ربطوها على شباك خشبي تعترضه قضبان , تتسع حدقاتها وتصرخ في وجوههم... رجال الاطفاء يتسلون بلعبة الدومينو او يشخرون في الكراسي ,,بعض الشقاة يراودون صبيا في مقبرة الانكليز …
لا تصمد بيوت القصب امام النار صيفا اكثر من نصف ساعة
عباءات يسوطها الفضول خارج الابواب ,, مراهقات يخترقن الجدران بحجة الحريق ..فرصة للاستعراض…
سلحفاة الاطفاء اخر من وصل ,,,مدوا خراطيم المياه على الجمر والرماد.....
رندة
ـــــــــــــــــ
في ذلك الفجر المر صحا الحي على حدث انتشر اسرع من فيضان غاضب : الجثة على القمامة قرب الماء الاسن, والدم يسيل منها ,
بعد ذلك اشتغلت اشاعات حذرة (قريبها عاشرها )..وقالت موزة (عندما كنا نقول لها ان بطنك تنتفخ تضرب بكلتا يديها على بطنها وتقول ساخرة : (شحم ولحم ) وقالت اخرى (ابوها خنقها بالمخدة) ..ام ذارى كانت تسكن جوارهم وربما القول ما قالت حذام ,وادلت (رايتها بعينى مرارا تاخذ حجرا اوقبقا وترميه على بيت سليطة وتضرب الارض بقدميها وتهز جسدها فى نشوة هاتفة بصوت خفيض (اصبتهم …اصبتهم..)وهي تكبت ضحكتها الساخرة ).
هجرقريبها منزله في شمال البصرة طلبا للرزق وسكن منزلها,كان اخوها عسكريا في اربيل وابوها يعود غروبا من العمل,وطال انفرادهما ونسجت الشهوة خيوطها ويمكنك ان تتخيل مراهقة ملتهبة وريفيا بطاقة ثور,وانتفخت بطنها,ولم يكن لرندة ام اوخالة تتمكن من سترها,فتركت الجنين ينمو في ظلمة بطنها واتقنت التمثيل ورغم الشك الذى تدفق من بعض المتفرسات الا انها اتقنت اللعبة,لا احد يدرى بدموعها في الليالى ورعبها وقد دخلت شهرها الخامس لا احد يدرك كم توسلت بقريبها وكم مرة خرت تقبل اقدامه ليتزوجها وتنال الستر, لا احد يدرك كم ذلت نفسها له ونفذت كل ما يريد,كانت تستيقظ في الليل مرعوبة من سكين اخيها تقترب من العنق,في مثل هذا الطقس النفسي المرعب ابتكرت لعبة المقذوفات ,ولماذا اختارت عائلة ام صبران لا احد يدرى ولا يمكن التفسير, فسليطة رغم ما عرفت به من حب التسلط والروح العدائية كانت تعتبرها مثل بناتها وتعتنى بها , واشفقت على رندة’وغالبا ما تصفها : (فقيرة يتيمة ).
ربما ابتكرت رندة اساليب بدائية لاسقاط الجنين ,فردحت وحدها مئات المرات فى الصريفة او حملت اثقالا وحركت جسدها بقسوة,لكن الجنين ابى الا ان يقودها جثة نازفة على القمامة جوار بيت سليطة ,حيث لا يمكن اغلاق الافواه او قطع الالسن التى انطلقت بلا توقف .
اتفق ابوها واخوها مع بن عمها ان ينفذا العملية ,وفقا لكلمة سر بينهمم هى سماع الاطلاقات وساعة صفر حددت في اول الصباح , وحين ترجل من السيارة قريبها ليعبر الشارع من جهة ماكنة السوس الى معمل الوصي استهدفه بن عمها بطلاقات اصابت صدره وخر صريعا وبذات اللحظة اطلق اخوها النار عليها ,وكان بمساعدة ابيه قد ربطاها, وكمماها منذ اول الليل.وسحلوا رندة الى مسافة عشرة امتار لتنقلها الشرطة بعد ساعات .
بعد سنتين تشاجر في الحي اخو رندة وعيره الخصم:
ــ (لو زلمة لضبطت اختك ).فاجابها :
ـ اختي اصبع اعوج وقطعناه ومستعدون لقطع راسك .
جذوع
ـــــــــــــــ
يقع بيت ابو جذوع على اليمين على بعد خمسين مترا في الجهة اليمنى من
شجرة الخرنوب التي تظلل معبرا من ثلاثة جذوع متلاصقة غطيت بالبواري والتراب المتصلب …تفتح ابوابه جهة الشمال يتكون من غرف بنيت ولبخت بطين مالح ممزوج بالتبن احد اولاده يحفر عميقا في التراب ليخفي قطعة نقد يتسلمها من امه كمصرف جيب قبيل ذهابه الى المدرسة …(سيصبح مقاولا يوما ويزمجر على العمال والاسطوات بقسوة وسيقهرهم حتى لا تضيع دقيقة )
كان ابو جذوع يبلغ مترين طولا شديد السمرة (املح ) طويل الوجه عيناه نابضتان بالغضب لسبب وغير سبب فاذا تسلق بمروده النخلة ترى لها اهتزازا ويقطع الكرب مثل ما تقطع امراة اصابع الخيار يحجز طرف دشداشته (الملحة ) بحزامه العريض كاشفا عن سرواله الابيض له اقدام العدائين وهو لا يطيق لعب الصغار اذا صخبوا يجري وراءهم ملوحا بمنجله صارخا : (عساك برجل ) ,ربما يتصور ان اقتران المراة برجل عقوبة لها , وهي ثقافة مشاعة في بيئة الجنوب ,فتسمع فتسمع النساء او الامهات ان اظهرت البواكر او المراهقات دلالا وتصنعا او انحرفت قدر شعرة عن سكة السلوك المتزن يقلن لها في غضب : (سيعلمك الرجل سيكسر انفك ) ,,,
محامد اخو جذوع انفه مثل كبة وخداه وتكرشه يخفيان انفه ورقبته , ضخم كثور يشاهد ذاهبا راجعا على جذع نحيف يقطع الساقية (قنطرة ) ,,,يصنع اللبنات الطينية او يقلب بعضها او يصفط ما جف منها ,,حتى هوت به القنطرة يوما وتم استدعاء اربعة رجا لينقذوا جثته التى غطست في وحل النهر ,
في يوم ما سلط معوله اسفل جذع نخلة واتى ثلاثة شبان مع ابو جذوع ليسقطوها ... صمدت النخلة والرجال يهزون الجذع بلا فائدة حتى قال ابو جذوع مقهقها : (ويلكم فقط اعضاؤنا التناسلية تهتز ) ,,
وهو دائما يطلق السجع الاباحي يؤلفه او يرتجله : (حودة على البرودة ) (من صدره كضة لمن يطيح حظه ) (اترس القفة وتالي شطفة ) ,,الجميع يستلذ ويقهقه من هذا السجع
زوجته السمراء برميل اذا قطعت رأسها تحتاج من القماش لصنع ثوبها ما يكفي لكسوة ثلاثة نساء .مرة خاطبت زوجها ابو جذوع : (ليس عدالة ان تشتري لك راديو ونحن نفتقر للرز والطحين وطفلتك مريضة ) .. حدجها ابو جذوع بلا اكتراث وهو يملا ورق البافرة من كيس التتن المصنوع من القماش واجاب: (وهي عدالة ان يصنعك الله هكذا , لو فصل منك ثلاثة نساء وكلبا ) .
زوجته تنقع الخوص <من قلب السعف ــالخيس ــ بالالوان السائلة الخضراء والقرمزية والحمراء وتصنع البلول والمهاف والزبلان وسفرات الطعام ولها مهارة نادرة في شوي اللحوم مقابل ثمن يصادف ان ينحر خروفا احد الاغنياء ويدعو اصحابه فتغسل اللحم جيدا وتقطعه ثم تغرسه في اشواك السعف المتيبس وتضع الرز المنقع في قدر كبير وتثبته في تنور سجر جيدا بالكرب والسعف وتنصب فيه قطع اللحم المشوكة وتغطي التنور تماما بقطعة صفيح وطين فينضج الرز من قطرات اللحوم والجمر .
تزورهم سليطة باستمرار تتسلى بالغيبة ونهش الناس ,تستمتع بتجريد المتحفظات عن كنز الشرف : (هذه قرصها زوجها الخباز ,تلك تنتقل بسيارات الاجرة دوما ,سلمى حصرها جارهم ,وسمعتها تصرخ وهو يضغط عليها ليلا قرب شجرة السدر في اخر السوق ,ام حمدي يقال في بطنها نغل ,شكرية لا يطيقها زوجها في الفراش لانها نتنة ) ,,يتواصل ذلك التجريح في بيت ابو جذوع كلما انفردت مع زوجته سليمة لكن سليمة تستغفر الله ,واحيانا تضحك من تشخيص سليطة للاخريات ومن كلماتها البذيئة (ام صبران يا آلطيبة نفسها …تخلي آلعيش والتمن وتتكيرم ب …..)مكملة بسجع بذيء.
يلتذ الجنوبيون بالمزاح والاهازيج والطرائف الفاحشة وكلمات الاباحة خاصة اذا انفردوا ,,قليل منهم يأنف من الاحاديث والاهازيج والامثال التي تخدش الحياء ,الاباحية في القول مصدر لذة للغالبية الساحقة .
تتوسط حوش ابو جذوع المكشوف بقايا جذع عملاق لشجرة برهامة ,,قناني الطرشي الزجاجية معلقة في الشبابيك ذات الخشب العريض والمغطاة بالاشواك التى تسيل منها القطرات صيفا ,وعلقت اكياس البذورالمعدة من الاسلاب في اعلى زاوية الديوانية الواسعة وتتناثر على الحيطان الطينية والاغصان والزوايا وبيوت الدجاج المشيدم من الصفيح ,المناجل والطبر والكلابات والمساحي والسلال والبستوكات والخوابي و المراود ومساحات صغيرة زرعت بشتلات الكراث والفلفل والنعناع ,…سليطة تشتري من سليمة العلك المر والاعشاب الطبية والكحل والحصران ,ولانها تصبر على الدين ولا تبالي سددت ام صبران ام لم تسدد فقد توطدت بينهما الصداقة ,…. ام سليطة لا تكتفي بالحديث الاباحي بل تتعدى ذلك الى ضربها على اردافها وتقرصها في اماكن حساسة قائلة لها : (مرتاح ابو جذوع بهذا الشحم واللحم انت تنور ايام الجلة )..تجيبها (لا ام صبران لا افهم منه ليلا سوى الشخير ونهاره حراثة وتكريب وحصاد وشجار مع الصغيرات ) الا يكحل عينيك .ويكسر عظامك بيديه المعاول ) . بمرور الايام ادركت سليطة بان ابو جذوع بعد اربعة اطفال لا يعاشر زوجته ..ربما شبع عنها او عاد مستلذا بالسرية او يبحث عن افخاذ اخرى اقل وزنا ) وادركت بانها البديل كان ابو جذوع لا يخجل في حضرتها من اطلاق الاهازيج والطرائف الفاضحة ويكرر :
(كثرله ملح ,,,بس لا ينجرح )
(بالليل كثرله روبة
زعلان جي ما كو طوبة )
(خواف,,,, غطيته بلحاف )
احيانا يطيل النظر في الوشم على رقبة سليطة المترفة او يغمز مستعيرا وهو يحدق في عجيزتها : (بغداد كبيرة جدا ) ,(شوف اشكبرها يمشي ويفرها )….
ولا تفوت زوجة ابو جذوع حركاته لكنها لا تغار وتعرف ان زوجها لم تترك له الفاقة والصدمات رغبة با مراة وبعض العوائل الريفية لا يمكنها ان تستمر دون روح الفكاهة ولم تدرك سليمة بان شهوة تستعر بين زوجها وسليطة كلاهما اكمل استعداده للمعركة القادمة …. في ذلك اليوم سافرت سليمة الى النجف وكربلاء لزيارة المراقد المقدسة ,وخلا الجو للقبرة ,
وفي ظهيرة يزهق الناسك من جحيمها وخلت الازقة من الاقدام…طرقت سليطة …
لقد حفت وتزينت وفضح الديرم الفم الناضج والكحل قوة الشهوة رفعت بيمناها اثداء موشومة ثقيلة ناصعة البياض ممرة سبابة على اسفل الانف لاعقة شفتها بلسان مبلل ,,
لم يترك لها ابوجذوع ضلعا يجبر واشعل السعير في عروقها التي نبضت بعنف …نهشها بمخالبه ووشم باسنانه ,,وبقع زبد الجسد :لم ينفعها التوسل ولا الانين ولم يردعه صراخها الذي تعالى ,,حتى تركها جثة هامدة على بقعة من التبن قرب بيت الدجاج ,زارعا في بطنها جنينا ستسميه ( صبران ).
(كردلان )
معجم اهل الحي يعطى عدة تفسيرات لاصل المفردة لكن تفسيرا واحدا طغى وثبت بمرور الايام فقد انشأ البريطانيون مرسى هناك ومنه تنطلق سكك الحديد شرقا الى ايران ولان القرية تستقر على مساحات خضراء من العشب وتزدحم فيها النخيل وانواع اخرى من الاشجار المثمرة اسماها البريطانيون (كرين لاند ) {الارض الخضراء }وصفح اهلها هذين المفردتين ودمجوهما..فضلا عن الزراعة يمتهن شباب الحى العمل كحمالين في سفن البضائع,ويحتاج بعضهم سنوات عدة قبل ان يتوج رئيسا للعمال فيسمى (دنتيل )فيقوم بتوزيع العربون (نفود تسلم قبل الشروع بالعمل .بلغ الستين ابو محمد ليترقى الى هذا المنصب ,خلالها .نزف من جروح وتضررت عظام وفقد بعض اسنانه عندما هوى من سطح السفينة وتقوس ظهره من الاحمال وطفت قدوره المسخمة اثر هجوم الامطار وسود رئتيه دخان الكرب والسوس والاغصان المتيبسة فى ليالي الزمهرير وربما انهار خص اوطارت احدى البواري ومنعه ايمانه الصافي من الزنا هل قصد يوما حى المعتصم او شارع الدوبة وعاشر الغانيات .ام اغتال شهوته في حمام الصفيح واذا ثبت الافتراض فهو غرائزيا ادنى مرتبة من السلحفاة تلك الصخرة الزاحفة تتمكن ذكورها من التزاوج.
هل يعيش الانسان فى انتظار البيانات الاولى للانقلابات لقد آوى بن اخته التى اصيبت بمرض نفسى بعدما هجروا كردلان وسكنوا بيت الصرائف جوار سليطة لقد شهد كل شجاراتها مع زوجها ومرحها وحزنها وتلك المغيبات التي يرش فيها بيتها بالحجر , وحلف بالقران مثل الجميع بانه بريء من اشعال الحريق .
ابو محمد رأى اخته ذات يوم عائدة من بيت جيرانهم وقد وضعت اصباغا صارخة على وجهها ,فاجهز عليها بخشبة وشج راسها وتركها غارقة بالدم.عندما كسب وظيفة ( التنديل )فكر جديا بالزواج وتقمص بعض صفات الاغنياء والتجار:مضى الى بريد العشار وادخر مالا كتب مقداره في دفتر صغير سجل فيه اسمه الرباعى ولقبه واعتاد ان يقلب فى دفتر التوفير,كلما اعد الشاى عصرا على جمر السوس او الكرب واستقرمقرفصا, متجردا من كوفيته والطاقية على حصير الخوص ,محشورا في دشداشة دارسينية ويكشف جيبه عن شعر صدر كثيف.
مضت ست انقلابات وهو ينتظر هذا اليوم,وفكر فى نفسه :{(الدرهم الابيض لليوم الاسود ),لم استطع طيلة عمرى من تطبيقها تلك الحكمة الثمينة ,لا ,لم اهتم بالتطبيق لانى اساسا اعيش ليومى اصلي عشرات اذاحصلت على عربون يسد رمقى اسبوعيا ,,,,(}
بعد اليوم سيقصده العمال وسيقرا فرحتهم وهو يسلمهم النقود ,طالما كان قابضا
كل ما يعرفه عن الحرص وفن التجارة هو ما يردده الجميع عن تجار اليهود في البصرة الذين يبيعون الشاى بسعر الشراء فيحتكرون الزبائن ويستفيدون من سعر العلب والاكياس الفارغة
تزود ابو محمد من الدين بآية الكرسي والمعوذات وسورا قصيرة يتلوها في الصلاة وبعض الاحكام المتعلقة بالصيام وشيئا من مقتل ابى مخنف النى تروي ثورة الحسين وسبعة امثال شعبية يكررها ولعل اكثر مثل يردده (الما يدرى يكول كضبة عدس ),وخمس حكايا من الموروث الشعبى يحفظها وهى ما تسرب شعبيا من كتاب الاغانى ودولة النساءوالجاحظ والف ليلة وليلة وجل ما يردده عن مكر النساء والمحظوظين الذين صاروا ملوكا وهم من الرعاع,
يقصد ابو محمد مقهى ابو صلاح في قلب ام البروم :هناك عمال البواخرينتظرون,انهكهم الجوع وعلك اطفالهم العاقول :((طالما كان يقصدها منتظرا العربون ))
ذات يوم عصرا تحسس بابهامه تجويف سنه المخلوع بعدما استقر على تخت مفروش بحصيرة من البردى وضع يده على الذراع الخشبي واطلق سعلتين مفتعلتين,القى نظرة شموخ على الزبائن,وتحول الى مكان قطعة الخشب المزالة في شباك الشناشيل المرتفع,وضغط بسبابة يسراه على صدغه وصاح :(ابو صلاح:جاى وماى ) واضاف :(حليه رحمة الله على والديك )
دشداشة بيضاء جديدة بلون الزبد و مسبحة من عقيق مقلد ,حياه عشرة من الزبائن باصوات متزامنة او متفرقة ويجيبهم رافعا راسه بشموخ :(الله بالخير).. مكث صامتا ولولا سمرته والغضون العميقة وعيونه المشبعة بحزن الليالي لابصره الاخرون مشرقا فقد تمسه ابتسامة غير واضحة وتختفى وتعاود ولاول مرة يرى روحه خفيفة ,ازيحت عنها لوريات من التعب والحسرات وانهالت عليه احلام لم يعهدها وراى الوانا لم يصادفها وراها مزدحمة الشفاه باللوز والتين وعاد يلتقط انحناءاتها وتقوساتها وهى تتزود بالماء من شط العرب , لو بقيت حية, لودفتر التوفير معى فى تلك الايام وانتبه الى صدى حكايا ابو مرود التى لا تنتهى ــ:رجل فى الخمسين يمكن ان تحسبه قزما طليت بشرته بسمرة زرقاء شفته السفلى وشمت باثر طبرة,عينان محملقتان ,يمتهن تخنيث الذكور لم يتزوج , قنينة الخمر لا تفارق جيوبه يهزج دوما بشعاره الممل (ما جوز من شرب الخمر ما دام بالنخلة تمر )مقلصا اوهازا كتفية او دافعا رقبته بين كتفيه ,,
ـــمنذ ربع قرن هجر ابو مرود قرية يوسفان في ابي الخصيب وسكن في بيت شناشيل قرب دكانه ينتهى عمله فى الثامنة صباحا بعد ان يجهز مسه على اخر قطرة شوربة فيما يضرب به باستمرار على قدر المنيوم كبير صارخا بين لحظة واخرى وسط ساحة ام البروم فى الصباح الباكر :((عدس ...عدس ..)
مرة(يحدث ابو مرود ) ..) زهق احد من كذب (ابو سليمان )فكان يئن بقوة كلما اختلق كذبة وبعد مفاوضات ومداولات اتفقا {كل كذبةفديتها عانتان )...
ذات يوم قال سليمان :اخوان (كان يخن ويجحظ كلما هبط عليه شيطان التلفيق ),,مرة هبط علينا زمهرير (جلة ) ما تنحمل اذا برز وجه الادمى من باب الحوش يقطع البرد المثلج انفه ليلتها قفز من حائط بيتى قط اسود الى حائط سقف الجيران فتجمدوظل معلقا بين الارض والسماء ) ..فنهض له عندئذ رجل مهددا بيمناه {سليمان هم هاي بعانتين} ضحك المتجمهرون على تخوت الخشب ومضى ابو صلاح يرش الزقاق بالما ء من سطل المنيوم وهو يبصق مضغة السويكة ...
صاح ابو محمد :شاى ابو صلاح (كم حله ) وتلمس دفتر التوفير فى جيب دشداشته الجانبى نش ذبابة عن انفه وقال خفيا { ايا ليت الشباب يعود يوما }واعطى العربون لثلاثة عمال قصدوه ,.

بعد حريق بيت سليطة والبيوت المجاورة (بيته كان قريبا جدا منه )عاد لجذوره وقريته كردلان استاجر بيتا بسيطا :غرفة طين وصريفة وسياج من الصفيح الصديء والقصب ..شجرة نبق وافرة وسط حوش يقع في نهاية زقاق ضيق تقطنه عائلتان,,,
هنالك بعد خمس سنوات سيضعف قلبه ويحتله الوهن ويتخلى عن اسلحته شيئا فشيئا ويخونه الصبر والمكابرة وتذوى يداه خشبتا الصاج التى صحبت الكلابات والمراود في البساتين اليافعة وبطون السفن المثقلة وتغادره صلابة الظهر الذى تحمل الاف الصناديق واكياس الرز.
فى ليلة ممطرة انهى صلاته تحت شجرة السدر ومضى الى غرفة الطين...يقولون : (المؤمن يشعر بنهايته)....في الساعة التاليه كاد ان يذرف دموعه على عمر ضاع , لازواج لاوريث ....عثرات تلو عثرات ...وانتظاريسلمه لانتظار .... مثل الايام والانقلابات المتشابهه...وحيدا احس انه يغطس عميقا في هوة عميقه ...كان ضوء الفانوس خافتا تخترق زجاجته المكسورة شبه المهشمة نسمات ....وضجة العصافير على شجرة السدر بدات بالتلاشي اخر ما مر في خاطره((رحمة الله التي وسعت كل شيء))...وفجأة تذكر اية في صحوة ذاكرة صدئه:(( ويطوفون عليهم ولدان مخلدون اذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا)) ..وردد جملا مبهمه (باخرة كبيرة )...(ملاً مرزوق ) ....( سليمه)..ساعتها كانت اخته تقلى له البيض فى اوان من قبل التاريخ فى ثوب ابيض تستعد لفارسها بتسريح بقايا خصلات مجعدة وبمشط خشبي ......كثيفا يلتف الليل على بساتين النخيل والسواقى المخباة ويطرد الضجيج من الدرابين المتربة تختفى القبرات تحت جذوع الفسائل ...تبدا الخفافيش رحلة القنص ....يندلع هجوم البعوض... اصوات بومة متقطع.... الضفادع تطلق اصوات الاغراء .....ومر بعدها في لحظات احتضار مختصرة وفارق الدنيا.
ستبقى اخته وحيدة تقتات من الصدقات وتحاور الاشباح وتحدث الجيران ويحتل ذاكرتها مشهد وحيد:{فتاة في بدلة زفاف بيضاء} ..تشكل المشهد في اوقات متغايرة واحتفالات مختلفة واعمار متعددة ومرايا لاتنتهي وامشاط خشب لو جمعت لملأت ثمانية ابلام ..دائما تصف نفسها مردده بصوت مرتفع(طاهره ..قماش ابيض ..زبيل لا يناله احد)...,,,تتعشى مع الجن وتعلك الزجاج وستختفي يوما بعد ان يشتد قصف المدافع والراجمات على كردلان ولايعرف شيءٌ عنها.
فحمة والصندوق
ـــــــــــــــــــــــــ
في ظلمة قاسية وبرد قارص ,صرخت سليطة (قوادون ,اولاد الزنا ) واعقبتها صائحات وصراخ صبية ورجال غاضبون ,كان مطرا من احذية عتيقة ونعل متخشبة ومقذوفات صغيرة ينهال عليهم من الافق الذى اختفت فيه النجوم .
بصعوبة حملوه الى مكان خفي , وكسروا اقفاله العشرين بجهد بليغ …طالما نسجت النساء اساطير واطلقن تنبؤات عن صندوق (فحمة ـ السيسم ) ,وهي امراة سوداء تخطت الخمسين ,تقطن عزباء وحدها….صندوق ثقيل من خشب الصندل , مزخرف باشكال تدعوك للظن بانه صنع في الهند ,وكثرت الظنون التي لا تحصى وكل واحدة ادلت بحدسها عن محتوياته:
ــاقراط وقلائد من ذهب الاحمر .
ـ يقال ان جدها عمل لدى الانكليز , وتسلل ذات يوم الى قلب الكمب ونهب اكوابا صغيرة من الذهب الخالص .
ــ تحف ومنسوجات ثمينة وليرات من العهد العثماني .
بمرور الايام تاكد الاهالي بان فحمة ,التي لا تكاد تنال الرغيف ,تخبئ كنزا في صندوقها الاسود الثقيل , ولهذا نادرا ما تغادر بيتها.
وسمع بذلك اربعة من اللصوص وتحزموا بالخناجر المعقوفة وقال فرعون ملتفتا الى مصعب : (توكلنا على الله ) ولم تصادفهم حتى هرة واحدة ..ظلام مهيمن وبرد متفرعن , وعبروا الازقة الضيقة حفاة ,فيما كانت السواقي تتثلج وتعاونوا على حمل الصندوق فلما لم يجدوا فيه غير الاحذية وبعض القطع العتيقة البالية شرعوا بقذفها على البيوت ..وبقي صندوق فحمة حتى الصباح خلوا من الاحشاء والاسرار ,لقد اجهز هؤلاء اللصوص على منجم الاساطير التى لا تنتهي .
مرهان
في السابعة عشرة من عمرها,تمكنت مرهان من اكتشاف فوهة في الجدار قدر اظفر خنصرتكفيها لتشاهده بوضوح :شارب,مرتب على فم شهي,عيناه البنيتان تتالقان بالمعانى,احمد سلمان :شاب في العشرين, اعزب,بشرته بيضاء ,جسده يتحرك باتقان ,كثير الصمت ,متانق ,لم تسمع صوته يوما عاليا ولم تباغته منفعلا, طبعه سكون الانهار الصغيرة ,تحاوره في سريرها تحبر له الرسائل وتحرقها,(يا حياتي..ازهقتنى الوحشة,وتمكن منى البرد ,خذني لدفئ صدرك ):كيف اشعره بحبي ,وانا اذا صادفته اجفل واغلق الباب , لم استطع ان ابتسم له,خجلي سلطان,وهو يستحي,شاب تربى في عائلة,تصبح بالتلاوة,ورمضانها دعاء الافتتاح, تشرب ذلك الدعاء عميقا في روحها (اللهم انى افتتح الثناء بحمد ك وانت مسدد للصواب بمنك وايقنت انك انت ارحم الراحمين فى موضع العفو والرحمة ).
سرقة
هكذا سمعت وكان المصيبة في بيتها. ولم تبلغ الشمس الضحى حتى انتشرت القصة ولم يبق بيت لم يعرف:النسوة حكينها وهن يستمتعن بالعلكة ,طقاتها تسلية في شفاه مزينة بالوشم, :الرجال قرروا الحذر وان ينطروا ليلا وفي ايديهم النصال و العصي
المراهقات اخبرن بعضهن فى طقس من الشفقة,ربما لان الشاب احمد سلمان كان جميلا وخلوقا وطالما تمنت كل واحدة ان تقترن به...وضعن خططا او تطلعن للتخطيط لذلك, لكن مرهان اغلقت باب غرفتها وذرفت دموع الياقوت, وحيدة توترت اصابعها وظلت تنتقل من ركن لاخر في الغرفة ممسكة ارنبة انفها او تنتف بلا وعى خصلاتها الذهبية {قبيل الفجر دخل رجلان ملثمان وقف احدهما شاهرا عصا غليضة على راس احمد وابيه فيما قصد الاخر صندوقا وبحث عن الذهب وحين صحا الشيح وابنه احمد وجحظت عيناهما ولمعتا في ضوء الفانوس اسكتاهما بنبرة تهديد .(لا تتحركا والا هشمنا راسيكما ) واخافوا بقية العائلة و توسلت الام وذكرتهم بعقاب الله فاسكتاها وسرقا المدخرات وغادرا.
تذوقت مرهان ايام حداد لمدة شهر, كاْن حادثة بيت ام احمد وحدتها مع حبيبها :(ايدرك اني اتالم له اكثرمن اي انسان ,اتعلم امه بانى تمزقت حزنا لاجلهم اذن لاختارتنى واوصت ابنها ان يقترن بي ) وعمقت حزنها وكانها بهذا السلوك تريد ان تؤكد لاحمد وفاءها ومدى حبها له وفي المساء جاءت امها اليها بمنقلة فحم وتركتها : (مرهان انت بردانة تدفاي يا بنتي)وذهبت لتعد لها قورى النومى...واحتضنت مرهان الجمر وتناولت ورقا اسمر وسطرت (حبيبي احمد ان الدنيا سوداء والنوم جفا عيونى لان فاجعة حلت بكم وانا حزينة جدا يا حبيبي يا احب الناس ) وطوت الورقة باناقة مررتها على عطر بدائى وقبلتها ثم دستها في داخل الوسادة انها تدرك بان مثل هذه الرسائل لن تصل اليه ولكن تسطيرها له يثلج صدرها؛
بعد سنة من هذه الحادثة قصدت مرهان ذات يوم معهد المعلمات وعلمت ان زميلتها في المعهد (سارة )قد خطبت فتقدمت اليها وعانقتها بحرارة وتمنت لها السعادة وانزوت في ركن تحت شجرة ونظرت مليا الى بنصرها تحسرت ومرت بها الذكريات المرة , نزل كالصاعقة في كيانها النبا : (احمد سيتزوج واين امضى انا ) وغرقت الوسائد بالدموع ولاح سواد خفيف تحت جفنيها وبدا كان غضونا بسيطة تحبوالى جبينها اهملت امشاطها وهجرت الاستحمام الذى اعتادته كل صباح تركت العوسج حرا يتكاثر في روحها وطعم حنظلة في اللسان ( احمد , لا, لم يكن وفيا لقد هلكت انتظارا ) (يعلم لا تقولي لا يعلم , يقولون من احب انسانا باخلاص فان ذلك الانسان يحس به ,لكنه فضل تلك البدينة السمراء علي صحيح هى بنت عمه لكنى حبه الصادق )
انحشرت مرهان مع النسوة في ذلك اليوم تصفق معهن بلا روح وبلا احساس ,تردد بين المزغردات )عمامه وانطوه مرة ), (فوك المية نحط ميتين اتدلل خوية اتدلل ) ونظرت الى ام احمد في دشداشة حمراء شدت وسطها بقطعة قماش علقت بها قطع صفائح مد ورة صغيرة هازجة وهى تردح :(ردن سود يا شيباتى ) كانت الاهازيج والزغاريد نصالا انهكتها ذلك اليوم , وبعد الغروب اجهزوا عليها تماما وهم يهزجون فى ضجة تصفيق وزغاريد (يستاهل ربعة يزفونة ) ,وعلى اغنية فرقة الخشابة التي اتوا بها: (حركت الروح لمن فاركتهم ) اصيبت بشلل تام وانزوت فى سريرها ,فيماعرفت الدموع طريقها الى الوسائد المزهرة,فى الايام التالية فقدت شهيتها بالحياة وذهبت فى زيارة الى بيت عمتها فى الكزارة ,كرمان بعمرها,شابة يانعة, خمرية عيون يموج فيهما البن ولا تفارقها الابتسامة ولانها الوحيدة فقد امتدت طفولتها وكان ابوها يعود لها من محله فى سوق المغايز بالدمى والجمارونبق التفاح وتجولت معها عصرا على ضفاف شط العرب وبين الازقة التى تظللها زخارف الشناشيل وصحبتها الى سوق البنات وسوق الخضارة ومحلة البجارى ومررن فى سوق ضيقة مستمتعات بمشهد الكرزات الشهى طافحا من اكياس كبيرة او معروضا فى اوان من الالمنيوم او النحاس وغالبا ما يعلو بشكل هرمى ومررن على سوق الحبال المتنوعة ومحلات بيع ادوات الصيد وولجن سوق الهرج .كانت كرمان متحررة من اغلب الممنوعات التى تربت عليها مرهان والمناخ النفسي الذى فرضه طباع حي سليطة.فاذا مر شاب انيق او جذاب ضغطت كرمان على يد بنت خالتها واطلقت ضحكة شبه مسموعة وتزجرها مرهان (عيب يا بنت ).الا ان الشبان يسلطون الضوء على مرهان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب