الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما السر ، يا ترى ؟

نزار فجر بعريني

2023 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ما السر، يا ترى ؟
بعيدا عن خطاب "ركوب الموجة" الذي يجيده البعض النخبوي" المعارض "من أصحاب الأجندات الخاصّة في الخارج ومثقفي الدعاية- ما تروّجه وسائل إعلام وتواصل منفصل عن حقائق الوقائع- في الداخل ، وعن مواقف الإتهام والتخوين الطائفية لدى بعض " الموالين " ، وإذا تفهّمنا مشروعية المطالبة في تحسين شروط الحياة التي سحقتها سياسات وإجراءات السلطة الإقتصادية ، ودستورية المطالبة بالعودة " عن هذه القرارات الظالمة ، والنهوض بالاقتصاد الوطني من خلال مكافحة الفساد والفاسدين ،وتطبيق مبدأ الشفافية وسيادة القانون، وتشجيع الإنتاج الزراعي والصناعي، وتخفيض الضرائب وإعادة النظر في سياسات الجباية " ، وجميع وسائل النضال المدني التي" تحافظ على المنشآت العامّة والخاصة وعدم قطع طرق المواصلات وتعطيل مصالح الناس ، وعدم رفع الرايات ذات الطابع الديني أو المناطقي ، والتأكيد على أنّ السويداء كانت وستبقى جزءاً من سوريا الآن " والتي في تحققها ، كما أعتقد،تضع نشاط الحراك المطلبي في السويداء او في أي مكان على امتداد الجغرافيا السورية في سياق وطني سوري، يعبّر عن هموم وحقوق جميع السوريين، وجدير بدعمهم ؛فكيف نقيّم دوافع ومآلات جهود نخبوية ، تعمل على دفع حراك السويداء على تجاوز سقف المطالب الاقتصادية الإصلاحية، باتت تصل إلى عتبة أهداف قيام سلطة" إدارية ذاتية" وتتجاوزها، بشعارات سياسية، تدعو إلى إنهاء تواجد مؤسسات و أجهزة الدولة والنظام، بما يدفع الحالة "السويدائية" الى مسارات مشابهة لمآلات سلطات الأمر الواقع التي صنعتها موازين قوى الحرب بين ٢٠١٥ ٢٠٢٠، في ظروف أكثر تعقيدا وخطورة!
أوّلا ،
في التساؤلات المشروعة !
نظريّا ، إذا كان يستحيل على أيّة ثورة أن تنتصر وتحقق أهداف وطموحات صنّاعها شعوبا ونخبها وداعميها ، دون أن تأتي في سياق ثوريّ على الصعد الوطنية والإقليمية، وتصنع قيادة ثورية ، فهل يمكن لحراك السويداء أن يحقق أهداف سياسية ديمقراطية على الصعيد المحلّي،أوأن يكون جزءا من ثورة وطنية ديمقراطية على الصعيد السوري العام في ضوء عوامل السياق السياسي الحالية ، وفي ظل عدم تبلوّر قيادة ثورية ، محليّا وعلى الصعيد السوري ؟
إذا كانت عوامل السياق السياسي تحدّدها أهداف وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية التي أطلقتها واشنطن عقب الإعلان عن هزيمة داعش قبل نهاية ٢٠١٩،فهل يكفي أن يأتي حراك مطلبي في ظل ما تستخدمه الولايات المتحدّة من اوراق ضغط على سلطة النظام من أجل فرض شروط تسويتها، المرتبطة جوهريا بسعيها لتأهيل سلطة قسد على حصّتها وشرعنة وجودها على الصعيد السوري، بالدرجة الأولى، لكي يحقق مكاسب سياسية، على مستوى الإدارة الذاتية، أو ما بعدها ؟
هل يمكن لأي سلطة إدارة ذاتية ، (قبل حصول انتقال سياسي في دمشق وإطلاق صيرورة التحوّل الديمقراطي على الصعيد السوري ،و في ظل سياسات تفشيل الدولة السورية التي تعمل على تكريسها التسوية السياسية الأمريكية الساعية لتأهيل سلطات الأمرالواقع ، المتشابهة في الطبيعة الإستبدادية، والمتنافسة للإرتهان لقوى الإحتلال، والتي يتطلّب نجاحها إعادة تأهيل سلطة النظام )، أن تنجح بأدوات وطنية، وتكون منطلق لبناء نظام ديمقراطي سوري ، في إطار لامركزي اوغيره ؟
أين شروط نجاح حراك ثوري اليوم من الأمس ؟
بالأمس ، أتى حراك السوريين في سياق إقليمي ثوري ، وفي سياق وطني، تمثّل بوحدة السوريين ، والجغرافيا السورية ، وفي ظروف إجتماعية وإنسانية واقتصادية معزّزة لإرادة التغيير السياسي، وواجهوا ما أنتج كارثة وطنية ، ولم يحققوا اهدافهم السياسية المشروعة !!
اليوم ،
على الصعيدين السوري والإقليمي، يواجه السوريون عواقب هزيمة صيرورة ثورية ، وانتصار قوى الثورة المضادة، ونجاح جهودها لإقتسام الجغرافيا السوريّة وتوزيعها إلى حصص ومناطق نفوذ تقودها سلطات أمر واقع شكّلت الأدوات السورية لقوى الثورة المضادة. حراك السوريين لايأتي في سياق إقليمي ثوري ، ولا في سياق وطني ، في ظل ما اصاب مقوّمات الدولة من تفشيل . علاوة على ذلك، حراك السوريين الإقتصادي المطلبي يأتي في سياق تسوية سياسية، تعمل أطرافها، بقيادة الولايات المتّحدة، ومشاركة سلطة النظام، وجميع سلطات الأمرالواقع، والأنظمة الإقليمية وحكومات أوروبا الديمقراطية...على تثبيت سلطات الأمرالواقع، وإعادة تأهيل سلطة النظام، بما يشرعن الحصص ومواقع النفوذ. فهل يكفي ما يحصل من صراع بين قوى التسوية ، في مسعى كلّ طرف لتحسين شروط حصّته ، لنجاح حراك ثوري ، جزئي أو على الصعيد السوري العام؟
أحاول في هذا المقال توضيح اهمّ عوامل السياق السياسي التي يأتي فيه حراك السويداء المطلبي ، وكشف ما يمكن أن تقدّم لنا من استنتاجات، وتستقرأ من مآلات ؟
ثانيا ،
أبرز عوامل السياق السياسي!
١ سياق التسوية السياسية التي يشكّل عواملها تكامل جهود وإجراءات أمريكية لتأهيل سلطة قسد على ما بات الحصّة الأمريكية في نهاية حروب مكافحة " داعش " نهاية ٢٠١٩ ، مع إجراءات تأهيل سلطتي النظام و " الجيش الوطني -الإئتلاف " على ما باتت الحصص الايرانية / الروسية التركية ، كما وضعت حدودها وحدّدت مواقع نفوذها سلسلة من اتفاقيات الثلاثي الضامن، كان أهمّها اتفاقيات ٥ آذار ٢٠٢٠ بين الرئيسين التركي والروسي؛وقد تتالت خطواتها خلال٢٠٢١، ٢٠٢٢،والربع الاوّل من ٢٠٢٣ ، خاصّة في استغلال عواقب زلزال شباط ، وصلت الى أوجها في إجراءات التطبيع التي أدّت الى قمّة جدّة ..
٢رفض سلطة النظام للتوافق مع قسد وفقا لشروطها الأمريكية، فشّل إجراءات" الجزرة " الأمريكية- التي أوصلت النظام إلى جدّة ، وأعادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ، و التي سعت واشنطن من خلالها إلى تشجيع النظام( وقسد ) للوصول الى تفاهمات صفقة شاملة ، تضع أسس سيطرة تشاركية ، على نمط العلاقات بين قيادة إقليم كردستان العراق وحكومته المركزية ، تُعطي قسد الشرعية السورية ، وبالتالي شرعنة وجود الإحتلال الأمريكي -وغيّر منحى إجراءات وخطوات التطبيع، وهو ما يفسّر تصاعد قوّة وسائل العصا ، عبر سلسلة وضع ضغوط على النظام السوري ، أخذت شكل حرب أوراق ضغط متعدّدة الوسائل ، حشّدت فيها واشنطن جميع شركائها في الأنظمة العربية ، وفي حكومات أوروبا الديمقراطية، و وصلت اليوم الى مرحلة عرض عضلات عسكري إقليمي، وتحصين جيش قسد بجميع أشكال الأسلحة ...
٣ تكامل أوراق الضغط الخارجية الأمريكية مع ما يحصل من مستجدّات على صعيد النشاط النخبوي السوري المعارض، الساعي لتعزبز جهود تأهيل سلطات قسد و مرتكزات السيطرة التركية ، وتعزيز الوجود الأمريكي في منطقة الجنوب السوري ، و استغلال نتائج عجز النظام عن تقديم مبادرات حقيقية لمواجهة عواقب سياساته الاقتصادية والإصلاحية ، من أجل تأجيج أشكال مختلفة من الصراع داخل مناطق سيطرة النظام ......
٤ ما يحصل من تواصل ودعم لبعض تيارات المعارضة داخل السويداء من قبل شركاء الولايات المتّحدة الأوربيين وفي مناطق السيطرة الأمريكية داخل مؤسسات قسد وفي منطقة " التنف "، في الجنوب،وما ينتج عنها من تصاعد حراك السويداء المطلبي ، واتخاذ بعض شعاراته وجهوده منحى مسارات مشابه لحالة قسد !
ثالثا ،
الاستنتاجات، والممكنات!
بناء على إدراكنا لعوامل التسوية السياسية، وحيثيات المشهد ، خاصّة طبيعة المعركة الراهنة في العلاقات التشاركية بين النظام السوري والولايات المتّحدة ، يمكن وضع التطوّرات الأخيرة في حراك نخب السويداء المطلبي ومآلاته في سياقين:
١ تعزيز أوراق الضغط الأمريكية، وتهديد النظام بتقليص رقعة حصته الجيوسياسية، التي باتت تضم الجنوب السوري بشكل واضح ، خاصة بعد غض النظر الأمريكية عن إعادة سيطرة قوات النظام على مناطق درعا ، وصولا إلى الحدود الأردنية في صيف ٢٠٢٢ . في ضوء عوامل هذا السياق، من المرجّح حصول صفقة سياسية ، تتضمّن تجاوب النظام مع شروط الولايات المتّحدة وقسد ، واندفاع إجراءات تأهيل قسد ، ربّما على طريقة إقليم كردستان العراق، مقابل إعطاء النظام الضوء الأخضر لإعادة ضبط ساحة الجنوب ، في السويداء ودرعا !!
٢ تجاوز الأهداف الأمريكية تجاه السويداء سقف أوراق الضغط ، وإمكانات التوافق، ودفع الصراع الراهن في السويداء( ودرعا ) على مسار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، بحماية أمريكية / إسرائيلية ... بما يضع سلطة النظام أمام أمر مرارة أمر واقع جديد ..لايقلّ إيلاما !!....
قد يعزّز هذا الخَيار عوامل مختلفة :
١ على صعيد السلطة السورية ،
حرص صنّاع القرار على تجاهل مصالح السوريين ، سواء على صعيد تخفيف آلام سياسات الخصخصة، وما تتضمّنه من إعادة هيكلة العلاقة بين المواطن ومؤسسات الدولة ، لصالح تعزيز إجراءات سيطرة ونهب غير مسبوقة، أو على صعيد رفض جميع مبادرات الحوار التي تطلقها بعض تعبيرات المعارضة الوطنية ، الغير مرتبطة بأجندات خارجية ؛ والساعية الى حماية السلم الأهلي، وتعزيز المرجعية الدستورية لمؤسسات الدولة .(٢)، بما يعمّق عوامل الانفجار ، ويعطي الولايات المتّحدة وغيرها فرصا لتجيير معاناة السوريين وآمالهم.
٢ على صعيد " إسرائيل "!
إذا أدركنا درجة تضرر المصالح الإسرائيلية من نتائج تسوية سياسية أمريكية، تؤدّي في السياق والصيرورة إلى تثبيت مواقع السيطرة الإيرانية في سوريا، وفشل الحملات الجوية الصاروخية المستمرّة منذ بداية مرحلة التسوية السياسية في إيقاف إجراءاتها الأمريكية، وحجم الضغوط التي تستخدمها واشنطن على حكومة العدو لقبول الأمر الواقع في علاقات السيطرة التشاركية الإيرانية الأمريكية، نفهم طبيعة الفرصة التي تحصل عليها إسرائيل( والأردن، ربّما ) من استخدام الولايات المتّحدة مرّة ثانية لورقة الجنوب السوري في صراعها مع السلطة حول شروط بقاء قسد !! تقاطع المصالح والسياسات الإسرائيلية الأمريكية في استخدام ورقة الجنوب حتى النهاية تبيّن طبيعة المخاطر ، وسياقها السياسي والعسكري.
٣ على صعيد سلطة النظام الإيراني.
أعتقد انّه ليس من مصلحة النظام الايراني، وما حققته سياسات تمدّده الإقليمي بفعل تشابكها مع المصالح الأمريكية، وما توفّره له شروط التسوية السياسية الأمريكية من استقرار داخل سورية المفيدة ، إن يدخل في مواجهات حقيقية ضدّ أوراق الضغط والقوّة الأمريكية ، ولن يغامر في القتال من أجل الحفاظ على تواجد في الجنوب أو حتى في شمال شرق، قد يفقده السيطرة على سوريا المفيدة وكريدورها إلى لبنان؛ وقد شكّل إغلاق بعض الخطوط الإيرانية مؤخّرا إنذارا شديد اللهجة!
٤ روسيا البوتينية هي الحاضر... الغائب !! ...هامشية وضعف أوراق قوّتها في مرحلة التسوية السياسية عموما ، وفي أعقاب غزو أوكرانيا، لا تجعل لمواقفها اي وزن عملي ، يستحق أن تأخذه الولايات المتّحدة بعين الاعتبار. سواء وقفت إلى جانب سلطة النظام، او على " الحياد " لن تستطيع تقديم فارقا لصالحه!
في الختام ، قد يثير بعض التساؤلات ما يبدو غموضا في سياسات السلطة ذاتها تجاه ما يحصل في السويداء!!
هي لا تقوم بأيّة ردود أفعال تجاه تفاقم الأوضاع الإقتصادية، وما ينتج عنها من ردود أفعال ، كما لاتحرّك ساكنا لإعاقة ما يحصل من تطوّرات في ساحات ومدن السويداء ؟
ما السرّ ، يا ترى ؟
هل بات تحقيق شروط تأهيل" الأبن الضال"، المتنمّرعلى شمال وشرق سورية مؤلما إلى هذه الدرجة ؟ هل يجهل النظام أنّ تجاوز المصالح الأمريكية هو الخط الأحمر الحقيقي ؟
المؤسف انّ جميع التسويات الممكنة ستكون على حساب مصالح السوريين المشتركة، ومقوّمات الدولة السورية الموحّدة؛ وهي أحد حقائق الصراع التي يتجاهلها الوعي السياسي النخبوي المعارض!!
نزار بعريني.
آب – ٢٠٢٣








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة