الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواقع و تشويه الواقع – الحقيقة الموضوعيّة و التأثيرات الذاتيّة

شادي الشماوي

2023 / 8 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


أرديا سكايبراك ، محيّن في 19 جوان 2023 ، جريدة " الثورة " عدد 810 ، 10 جويلية 2023
https://revcom.us /en/reality-and-distortions-reality-objective-truth-and-subjective-influences /

ملاحظة الناشر : نظرية التطوّر – كيف و لماذا – ولّدت الكائنات الحيّة من خليّة واحدة تنوّعا مدهشا من الحياة التي لدينا اليوم و كجزء من هذا ، كيف نشأ البشر – هي أحد أعظم و أهمّ مكتسبات المعرفة الإنسانيّة . و إنّها لمتعة أن نفهم و جزء في منتهى الأهمّية أن نعرف – و نغيّر – العالم . كتاب أرديا سكايبراك ، " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق : معرفة ما هو واقعيّ و لما يهمّ " يتعمّق في هذا على نحو هو في آن معا متاح و يلتقط الروعة التي تنبع من فهم كيف نشأت الحياة.
و فضلا عن ذلك ، ىلا وجود لمقدّمة أفضل للمنهج العلمي – المنهج الذى يخوّل للناس بلوغ الحقيقة . و هذا المنهج يمكن و يجب أن يُطبّق على كافة السيرورات الطبيعيّة و مجالات النشاطات بما فيها المجتمع الإنسانيّ ، لإستيعاب كيف نشأت الأشياء و كيف يمكن أن تتغيّر . في زمن يتعرّض فيه المنهج العلميّ إلى الهجوم من كافة النواحي – من المجانين المسيحيّين الفاشيّين إلى جماعة اليقظة ما بعد الحداثة ، حتّى لا نذكر الليبراليّين النسبيّين – لهذا الكتاب أهمّيّة أكبر من أيّ وقت مضى.
-------------------------
الواقع و تشويه الواقع – الحقيقة الموضوعيّة و التأثيرات الذاتيّة
مقتطف من كتاب " علم التطوّر و أسطوريّة فكر الخلق : معرفة ما هو واقعيّ و لما يهمّ " ( الصفحات 216-218)

يُشير الفيلسوف روبار بانوك الذى ألّف كتابا مفيدا و مهمّا للغاية ليبيّن ما الخاطئ في نظريّة التصميم الذكيّ و حجج فكر الخلق الأخرى من وجهة نظر كلّ من الأفقين العلمي و الفلسفي/المنهجي (" برج بابل : الدليل ضد فكر الخلق الجديد ")، يُشير إلى نقطة أنّ أنصار فكر الخلق و " التصميم الذكيّ "في هجومهم على " الفكر الطبيعي العلمي " يسقطون في تأويلات مغرضة ناقدة " ما بعد الحداثة " الكلاسيكيّة لعمل توماس كوهن . و هذا الأخير كان فيلسوفا و مؤرّخا للعلم له تأثيره حاجج بداية من ستّينات القرن العشرين ، بأنّ الطريقة التي بها إختار العلماء الإطار المفاهيميّ و النظري (" البرادغم " ) الذى يجب أن يطبّقوه في تأطير قضاياهم العلميّة و في البحث عن معالجة الألغاز العلميّة يتأثّر بالضرورة كبير التأثّر بالعوامل الذاتيّة بما فيها الضوابط و الأعراف الإجتماعيّة السائدة . و لسوء الحظّ ، أساء بعض الناس تأويل ذلك ليعني أنّه بالتالى لا وجود لحقيقة علميّة موضوعيّة أبدا ، و أنّ كلّ الحقيقة بالضرورة ذاتيّة و بالتالى أنّ أيّة نظريّة علميّة هي تماما جيّدة بقدر ما هي جيّدة أيّة نظريّة أخرى .
و مثلما يُشير بينوك ، كوهن نفسه لم يوافق على ذلك و حاول أن يؤكّد أنّ هذا ليس أبدا ما قصده و أنّ الحقائق العلمية موضوعيّة ( و ليست ذاتيّة ) ، و أنّ الحقيقة ذاتها ليست نسبيّة – لقد أوضح أنّه قصد ببساطة أنّ العلماء يتأثّرون بالضرورة بالعوامل الذاتيّة حتّى في إختيار نوع الإطار المفاهيمي و المنهج المستعملين سعيا لبلوغ الحقيقة الموضوعيّة للأشياء . و مع ذلك و بالرغم من إحتجاجات كوهن ، وفق بينوك ، يبدو أنّ سوء التأويل الأوّلي لوجهات نظر كوهن هو الذى ينتشر على نطاق واسع عبر الأوساط الأكاديميّة حيث مضى إلى التأثير على تطوّر " فكر التفكيك / النقد " في الأوساط الأدبيّة . و يحيل فكر النقد / النقديّة deconstructionism على منهج في قراءة و نقاش النصوص يشدّد على تعدّد القراءات و التأويلات الممكنة لأيّ نصّ معطى و التأثيرات الذاتيّة التي يمكن لأيّ قارئ ( كما لأي مؤلِّف ) أن يأتي بها إلى النصّ . و بالنسبة لمناصري الفكر النقديّ يمكن بالتالى أن توجد عدّة تأويلات ممكنة " صادقة " لأيّ نصّ أو عمل فنّيّ ( " حقيقتك يمكن أن تختلف عن " حقيقتى " في المقاربات النقديّة ) .
ما يسمّى الناقدون " ما بعد الحداثيّون " مضوا بهذا أبعد حتّى ، محاججين بأنّه ليس هناك شيء مثل " الحقيقة " الموضوعيّة لأنّ الواقع هو أنّ كلّ شخص يأتي بتأويلاته الذاتيّة الخاصة إلى الأشياء ما يجعل من المستحيل أن نعلم أبدا أيّ شيء آخر إلاّ من خلال هذه العدسات الذاتيّة المشوّهة . و كما أشار بينوك ، الناقدون " ما بعد الحداثيّون " يحاججون بأنّه عندما يفكّر الناس أنّ شيئا صحيحا يُعزى ذلك فقط إلى كون مجموعة خاصة أو أخرى – لموقعها و سمعتها أو سلطتها – كانت قادرة على تركيز و فرض وجهة نظرها الخاصة " . و في مثل هذه النظرة كلّ الحقيقة نسبيّة و " علاقات السلطة " تحدّد ما نسمّيه بالحقيقة في أيّ زمن معطى.( من أجل المزيد حول هذا، أنظروا كتاب بينوك" برج بال : الدليل ضد فكر الخلق الجديد " ).
و بالمقابل ، المنهج المادي الجدلي و التاريخيّ ( وهو وجهة النظر و المنهج اللذين يدافع عنهما و يطبّقهما الشيوعيّون ) يوافق على أنّ التأثيرات الذاتيّة ( بما في ذلك القيم و الأعراف الإجتماعيّة و وجهات النظر و المناهج المتأثّرة طبقيّا لا سيما عندما تتمركز في يد أناس يمسكون بالسلطة ) يمكن أن تشوّه و تشوّه فعلا رؤية الحقيقة الفعليّة للأشياء . و أنّه من الهام الإعتراف بهذه التشويهات الذاتيّة و تشخيصها ؛ لكن هذا لا يعنى أنّ كلّ الحقيقة نسبيّة أو أنّه من غير الممكن إكتشاف الحقيقة الموضوعيّة الفعليّة حول كيف توجد الأشياء حقذا في الطبيعة و في المجتمع . مفهوم أنّ كلّ الحقيقة نسبيّة وصفة للشلل المثاليّ الذى يتخلّى عن محاولة الفهم العميق لكيف هو الواقع حقّا ( بإستقلال عن مفاهيم الناس له ) و كيف يمكن للناس أن يحاولوا عن وعي أن يؤثّروا في ذلك الواقع .
لبلوغ الحقيقة الموضوعيّة للأشياء ، يقتضى الأمر التطبيق الواعي و الصريح لمنهج علمي يخوض بصفة متكرّرة في الواقع الموضوعي و يختبره و يحوّله إلى رؤية ما إن كان يتناسب مع التوقّعات التي نقيمها حل كيف هو عمليّا عند أيّة نقطة معطاة و بأيّة طرق يمكن أن يكون بصدد التغيّر و التطوّر . أجل ، جميعنا نأتى بتأثيراتنا الذاتيّة و نظراتنا للمهمّة ؛ غير أنّ الحقيقة الفعليّة للأشياء ( في الواقع الموضوعي الفعلي ) موجودة هناك ، سواء تفاعلنا معها أم لم نتفاعل ، و بغضّ النظر عن أيّة وجهة نظر ذاتيّة لدينا أو مفاهيم مسبّقة لدينا . بعكس المثاليّة الذاتيّة أو الأشكال الأخرى من الفلسفة المثاليّة ( وهي تشمل المعتقدات في مجال ما فوق الطبيعة يوجد فوق و أبعد من مجال الواقع المادي العملي ) ، إنّه العلم – النظرة العلميّة و المنهج العلميّ – هو الذى ينبغي أن نطبّقه إذا أردنا أن نكتشف الحقيقة الفعليّة للأشياء .
لسوء الحظّ ، كما يشرح بينوك ، النسبيّة ما بعد الحداثة تنزع نحو رؤية العلم نفسه كمجرّد " نشاط روائيّ و تأويلي آخر " ( شبيه أكثر بكتابة النصوص الأدبيّة أو البحوث الفنّية الأخرى ) و يستخلص هؤلاء النسبيّين من هذا أنّ الحقائق العلميّة " ليست موضوعيّة بل هي مبنيّة حسب علاقات السلطة و الأضرار " و مجدّدا هنا ، يتمّ خلط شيئين إثنين أو " مزجهما معا " : واقع أنّ البشر يأتون بنظرات و تأويلات ذاتيّة إلى كلّ ما يفعلونه بما في ذلك في العلم ، و أنّه يجب أن نحاول أن نصنّف عن وعي هذه النظرات و التأويلات ؛ و من الناحية الأخرى ، الواقع الأساسيّ أنّ الواقع الموضوعي يوجد فعلا في إستقلال عن البشر و أنّ بالتحوّل بأكثر وعي تام إلى ما يشكّل منهجا علميّا حقيقيّا و وعيا بالأخطاء المنهجيّة التي يجب تلافيها ، بوسع البشر عمليّا بلوغ صفر و أكثر قربا ( على أنّ ذلك ليس أبدا بشكل تام ) الحقيقة الفعليّة للأشياء . كيف يمكننا أبدا إنجاز تقدّم علمي ملموس و تحويل الواقع في تناغم مع الأهداف المنشودة ( كما في تطوير المضادات الحيويّة ، لذكر مثال واحد فحسب ) إذا لم يكن الواقع الموضوعي موجودا حقّا و إذا كان البشر لا حول لهم و لا قوّة كلّيا على أن يحدّدوا بدرجة من الثقة الحقيقة الموضوعيّة التي تتناسب مع هذا الواقع الفعليّ ؟
و يحاول " أصحاب فكر الخلق " الأكثر تقليديّة أن يحاججوا كما لو يعتقدون أنّه من الصواب إستعمال المناهج العاديّة للبحث العلميّ لأنّه عندما تقومون بذلك يمكن أن تتقدّموا ب " أدلّة " على أنّ التطوّر لم يحدث ، لذا قصّة الإلاه الخالق المرويّة في سفر الخلق يجب أن تكون صحيحة . في الواقع ، لا يطبّقون منهجا علميّا حقيقيّا ، و لا يملكون أيّة أدلّة علميّة شرعيّة يمكن أن تسند وجهة نظرهم ( ما يفعلونه هو في ألساس التقدّم بمزاعم عبثيّة قائمة على لا شيء ، من مثل فكرة أنّ نظام الأحاثيّات في طبقات الأرض المختلفة يمثّل النظام الذى وفقه غرقت الحيوانات المختلفة أثناء الفيضان الأنجيليّ ! ) يحاولون أساسا جعل الناس يصدّقون كلماتهم على أنّ التطوّر ليس نظريّة مسنودة بصلابة على أمل أن يسمح لهم الناس بأن يقترحوا بديلهم الدينيّ في أقسام دراسة العلم . لكنّهم سيظلّون يرغبون في أن يعتقد الناس أنّ وجهات نظرهم كفكر الخلق تتماشى مع المناهج العلميّة الحديثة .
لكن عددا من أنصار فكر الخلق و التصميم الذكيّ هم عمليّا حتّى بأكثر جوهريّة مناهضون للعلم من بعض إخوتهم الأدبيّين الإنجيليّين ، حتّى و إن لم يظهر هذا دائما بصورة بديهيّة و مباشرة . و مع ذلك ، لئن درسنا ما يقولون و ما يكتبون ، سنلاحظ أنّ بعضهم على الأقلّ ( خاصة فليب جنسن و أتباعه ) يرغبون عمليّا في الإطاحة بكلّ الطريقة التي عامة ما يسير وفقها العلم ! يرغبون في أن تكون المعرفة مسألة بصفة ما يقع بلوغها " من خلال " الدين و بالتالي يريدون من المناهج العلميّة أن تعكس هذا الهدف أي الدمج التام لفكرة الإلاه ضمن البحث العلميّ – تعويض مناهج المعايير " العلميّة الطبيعيّة " ب " علم التيولوجيا " ( علم يحرّكه الإلاه ) هذا هو الهدف المحدّد بشكل صريح على الأقلّ لمنظّرهم الإيديولوجي البارز، فليب جنسن . و يودّون بلوغ أقسام العلوم في المعاهد العليا و حتّى الجامعات لتحقيق هذا " المنعرج في البرادغم " الهائل.
و فليب جنسن نفسه أستاذ قانون يحدّد نفسه على أنّه " ناقد ما بعد حداثيّ " و يُنكر أنّ العلم الطبيعي يمكن أن يبلغ الحقيقة الموضوعيّة الفعليّة لأيّ شيء . ينظر إلى نظريذة التطوّر على أنّها مجرّد قصّة مؤوّلة ذاتيّا ، حدث أن صارت مهيمنة منذ زمن داروين ببساطة لأنّ المجموعة العلميّة سعت للقمع السياسي لتدريس النظريّات البديلة مثل نظريّة التصميم الإلاهي . و يدعو الناس إلى تحرير أنفسهم من المفترض طغيان يمارسه العلم الطبيعي و قوانينه الماديّة عن الأدلّة . و يحاجج أنّه يمكن أن نبلغ حقيقة الأشياء من خلال العلم " الطبيعي " – و أنّ ذلك لا يمكن أن يحصل في النهاية إلاّ من خلال معرفة الإلاه . أمّا " الحقيقة " في نظره فهي غير موجودة و إنّما هي فحسب حقيقة الكشف الإلاهيّ !
و من المهمّ إدراك أنّ هذا هو ما يريد أنصار فكر الخلق و التصميم الذكي أن يسرّبوه في أقسام العلوم ، ليعطوه " وزنا متساويا " مع نظريّة التطوّر وهي نظريّة علميّة و على عكس " التصميم الذكيّ" ، قد إختُبرت بصفة متكرّرة و تمّ التثبّت منها ( المرّة تلو المرذة ! ) من خلال ملاحظات و تجارب علميّة ملموسة . و إنّه من غير المقبول تماما السماح للنظريّة الدينيّة بداهة ، نظريّة " التصميم الذكيّ " ( التي لم تنتج أبدا و لا مقال بحثيّ علميّ شرعي واحد في مجلّة علميّة شرعيّة مُراجع نظير ) بأنّ تدرّس لأطفالنا على أنّها علم . و اليوم ، المتقدّمون ب " التصميم الذكيّ " ( و يسندهم في ذلك أناس في مواقع أعلى السلطات ، وصولا إلى الرئاسة ) قد نجحوا في بثّ البلبلة في صفوف عديد الناس و في تفكيرهم بأنّ نظريّة التطوّر على أرضيّة مهزوزة وهي محلّ جدال في صفوف العلماء ( في حين أنّ لا شيء من هذا يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة ! ) ؛ و قد عملوا بنجاح من أجل كسب إعادة كتابة بعض الكتب لتعكس نظريّتهم المجنونة ؛ و قد مرّروا برامجهم عبر بعض المعاهد و أطلقوا التتبّعات العدليّة في محاولة لتقويض الفصل بين الكنيسة و الدولة ، و بصفة متصاعدة ، ينجحون في جعل وسائل الإعلام السائدة تمنحهم شرعيّة و تعامل نظريّتهم كما لو كانت علما جدّيا . لكن لا شيء من هذا يغيّر مجرّد واقع أنّ " التصميم الذكيّ " لم تكن و ليست أبدا علما . إنّها دين . و أيّ نجاحات سياسيّة قد يحقّقها المتقدّمون بها في علاقة بتقدّم الأجندا الإجتماعيّة الرجعيّة لا يمكن أن تغيّر واقع أنّ التصميم الذكيّ لا تملك و لا ذرّة واحدة من المصداقيّة العلميّة.
--------------------
* مقال " الماركسيّة و التنوير " لبوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوريّ يتضمّن كذلك نقاشا هاما و مناسبا للغاية لهذا و االمسائل المتصلة به . [ نُشر هذا المقال في جريدة " العامل الثوري " عدد 1029 ( 2 ديسمبر 2001 ) ، و قد نُشر على موقع الأنترنت على موقع revcom.us ؛ و قد وقع تضمينه في كتاب " ملاحظات حول الفنّ و الثقافة ، و العلم و الفلسفة " لبوب أفاكيان ( إنسايت براس ، 2005 ) ].
ملاحظة من المترجم : للمزيد عن مؤلّفات سكايبراك أرديا ، عليكم بالكتاب 31 لشادي الشماوي بمكتبة الحوار المتمدّن ، و عنوانه " العلم و الثورة الشيوعيّة – فصول و مقالات من كتابات أرديا سكايبراك " ، 2018 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني