الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحصاد المرّ لسياسة -حماس

عامر راشد

2006 / 11 / 8
القضية الفلسطينية


منذ الإعلان عن تأسيسها في آب/ أغسطس 1988 اتصف الخطاب السياسي والإعلامي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالتشدد إلى درجة افتقاد المرونة، مترافقاً بعمومية وشعاراتية مفرطة، مغلفة ببعد أيديولوجي شعبوي. وما فتأت "حماس" تردد أن هدف سياستها هو رفع سقف البرنامج السياسي لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وتصويب بنية النظام السياسي الفلسطيني ككل، وأسست على ذلك موقف عداء معلن من كل هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ومن كل التشكيلات التي تنضوي في إطارها، بما في ذلك القيادة الموحدة للانتفاضة (87 ـ 1993). حيث رفضت الانخراط في عضويتها، وفضلت العمل بموازاتها. وحتى عندما خرجت حركة "فتح" منها في أيلول/سبتمبر 1993 التزاماً بتوقيع قيادتها على اتفاق أوسلو، بقيت حماس عند رفضها الدخول في القيادة الموحدة إلى جانب الديمقراطية والشعبية وحزب الشعب لسد الفراغ، الذي أحدثه خروج "فتح"، وكان هذا من أسباب انحسار الفعل الانتفاضي إلى أن توقف تقريباً، وصب ذلك في صالح فريق أوسلو.
وبعد توقيع اتفاق "غزة أريحا أولاً ـ القاهرة 1/7/1994" الذي رسَّم قرار ما تبقى من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء السلطة الفلسطينية تطبيقاً لاتفاق أوسلو 13/9/1993، لم يلحظ الخطاب السياسي والإعلامي لحركة "حماس" الفارق بين مؤسسات وبرنامج منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، رغم أن اتفاق أوسلو أدى إلى انشقاق كبير في الهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بخروج الجبهتين الديمقراطية والشعبية من عضوية اللجنة التنفيذية، وتجميد جبهة التحرير العربية لعضويتها فيها، بالإضافة إلى استقالة عدد من المستقلين (الشاعر محمود درويش، شفيق الحوت، عبد الله الحوراني)، وهو ما أفقدها نصابها القانوني والسياسي، وهذا الخلط منع إمكانية قيام تحالف بين "حماس" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية الرافضة للمسيرة الأوسلوية، وعلى وجه الخصوص مع الجبهتين الديمقراطية والشعبية .
ولاحقاً ساهمت تكتيكات "حماس" حيال تحالف الفصائل الفلسطينية العشرة، الذي تَشكل في مواجهة أوسلو، في وصول التحالف إلى طريق مسدود، لأنها أرادت تحويله إلى أداة لخلق منظمة تحرير بديلة، يتناقض برنامجها مع برنامج المنظمة المجمع عليه وطنياً، على الأقل إلى ما قبل ظهور "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، وهذا صب أيضاً في المحصلة لصالح فريق أوسلو .
وفي تموز /يوليو 2000 عندما وصلت الرحلة الأوسلوية إلى طريق مسدود في كامب ديفيد 2، لاحت في الأفق إمكانية جدية لإعادة بناء الأوضاع الفلسطينية من بوابة إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، في وقت كان يعاني فيه التيار الأوسلوي من حالة انعدام وزن ووهن شديدين، إلا أن "حماس" بقيت تعتبر نفسها غير معنية بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بل وأكثر من ذلك تعزز لديها وهَمَ أن الفرصة باتت سانحة كي تشكل بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية (مؤسسات وبرنامج)، لذلك أسهمت في تعطيل برنامج آب/ أغسطس غزة 2002، وبرنامج رام الله آذار/مارس 2004، وحجتها في ذلك تراجع قيادة "فتح" عن توقيعاتها، التي بدورها ربطت توقيعها بتوقيع قيادة "حماس"، وانتهى أمر الوثيقة بأن وضعها المرحوم ياسر عرفات في درج طاولته.
سياسة الهروب إلى الأمام والتعويم في تكتيكات قيادة "حماس" ظهرت جلية أيضاً في حوارات القاهرة، التي انطلقت في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير 2003، فبدلاً من أن تقدم ورقة خاصة بها إلى مؤتمر الحوار، توضح موقفها من الورقة المصرية، اقترحت تأجيل الحوار، وتكرر ذلك عدة مرات، واعتراض "حماس" الأساسي على الورقة المصرية كونها تضمنت اقتراحاً بوقف العمل المسلح وإعلان هدنة لمدة عام ( شاملة للأراضي المحتلة في العامين 1948 و1967)، ورغم تبلور موقف فلسطيني مرن يقبل بمبدأ وقف العمليات داخل مناطق 1948، وتركيز المقاومة في 1967 ضد قوات الاحتلال وميليشيات المستعمرين(ما يصطلح على تسميته ترشيد المقاومة)، بقيت حماس خارج هذا التوافق الوطني، ولم تدفع بهذا الاتجاه الذي يمثل حلاً وسطاً، لا يمس بمبدأ حق المقاومة ولا يحد من حركتها وفاعليتها، بل يخلصها من العبء السياسي والعسكري المترتب على العمليات داخل المناطق المحتلة في العام 1948، وبعد ستة أشهر (29/6/2003)، وبحكم المستجدات بعد تبني المجتمع الدولي لخطة (خارطة الطريق الصادرة عن الرباعية الدولية)، اضطرت فصائل المقاومة (بما في ذلك حماس) لإعلان هدنة، لم يكن بالمستطاع توظيفها مقابل ثمن سياسي يدفع من الجانب الأمريكي ـ الإسرائيلي. وفي سياق موقفها من الورقة المصرية تغافلت "حماس" عما تضمنه الورقة من دعوة لتشكيل قيادة فلسطينية جماعية، والتقت في موقفها هذا مع رؤية قيادة "فتح"، وإن من زاويتين مختلفتين، لأن الإبقاء على ثنائية (السلطة ـ حماس)، يترجم على الأرض تكريساً لازدواجية السلطة، تحقق من خلالها "حماس" المزيد من المكاسب دون أي التزامات سياسية مقابلة.
وكررت "حماس" ذات التكتيكات في الجولة الثانية من حوار القاهرة ( كانون أول /ديسمبر2003 ) تحت ذريعة الاحتجاج على توفير قيادة السلطة الفلسطينية غطاء لموقعي وثيقة "جنيف ـ البحر الميت"، وقد كان واضحاً للجميع أن قيادة السلطة أرادت التشويش على الحوار بدعمها للوثيقة. وذات الموقف اتخذته "حماس" عملياً من إعلان القاهرة (17/3/2005)، الذي توج أعمال الجولة الثالثة من حوار القاهرة، لأنها أعطت الأولوية لانتخابات السلطة الفلسطينية المحلية والتشريعية على حساب تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ووقائع اليوم على الأرض تثبت بأن تحقيق "حماس" لنتائج متقدمة في هذه الانتخابات، تحّول إلى مأزق بفعل غياب برنامج محدًد وملموس، وتكالب الحصار السياسي والمالي على الحكومة التي شكلتها.
ومثال حي ما زلنا نعيش فصوله ، فبدلاً من أن تضغط "حماس" من أجل تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، التي ولدت في 27/6/2006 بعد مخاض عسير من الحوارات الماراثونية، انكفأت إلى حلول الثنائية الاحتكارية مع رئاسة السلطة الفلسطينية، ووقع إسماعيل هنية مع محمود عباس ورقة "محددات الوفاق الوطني للبرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية"، تضمنت تراجعاً صريحاً من قبل "حماس" لجهة جعل اتفاقيات أوسلو ناظماً لعمل الحكومة العتيدة، وسريعاً ما انقلبت "حماس" على هذه الورقة، تحت عنوان "استدراكات على المحددات السبعة "، وخيراً فعلت، وما كان ذلك لينتج أزمة مستفحلة، لو أقرنت "حماس" انقلابها على الورقة بتقديم بدائل تحظى بإجماع وطني، ومن باب أولى العودة إلى وثيقة الوفاق الوطني.
في سياق المراجعة لنتائج سياسة التشدد التي سارت عليها "حماس"، لا بد وأن نلاحظ بأنها أنتجت مفعولاً عكسياً، وعلى سبيل المثال لا الحصر، رفضها ترشيد المقاومة مكَّن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من تأليب المجتمع الدولي، ونجحتا إلى حد بعيد في وصم المقاومة الفلسطينية المشروعة بالإرهاب، وباتت الأطراف الدولية الفاعلة تطالب بوقفها نهائياً. ورفض "حماس" لبرنامج منظمة التحرير ولمبادرة السلام العربية منع بلورة مشروع اعتراضي فلسطيني مدعوم عربياً ودولياً في مواجهة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية. وعدم إبدائها مرونة كافية لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد فوزها بالانتخابات التشريعية، فوت فرصة حقيقية لكسر مبدأ احتكار السلطة، الذي مارسته "فتح" على مدار عشرة سنوات متتالية. وموقفها من منظمة التحرير منع تحقيق مطلب إعادة بنائها على أسس ديمقراطية بالانتخاب والتمثيل النسبي الكامل، وحتى إعادة التفعيل والتطوير (وهو سقف أخفض من إعادة البناء) باتت تتحكم فيه رئاسة السلطة الفلسطينية. باختصار نتائج السياسة المتشددة لـ"حماس" شكلت بالمحصلة ربحاً صافياً صب في صالح التيار الأوسلوي، الذي يقف على طرف نقيض من سياسة "حماس"، ومن سياسة غالبية القوى الوطنية والديمقراطية الفلسطينية. والسؤال المحير متى ستقدم "حماس" على مراجعة سياساتها، وتصويب مسارها، مع أمنية بأن يتحقق ذلك قبل فوات الأوان، وقبل أن يداهمنا المزيد من سيل التراجعات فلسطينياً وعربياً ودولياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشير شوشة: -من الضروري نشر المحتوى التاريخي على جميع المنصات


.. حماس تعلن وفاة أحد المحتجزين.. وإسرائيل توسع عملياتها باتجاه




.. في ظل الرفض العربي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في غزة..


.. روسيا تكتسح الغرب في -معركة القذائف-.. المئات يفرّون من القت




.. جبهة لبنان على صفيح ساخن .. تدريبات عسكرية إسرائيلية وحزب ال