الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (3)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 27
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و تحت عنوان: التجارة الفرنسية الاستعمارية و تطور بنية الرأسمالية؛ جاء الفصل الثالث ليوضح أن تحليل قطاع التجارة بين فرنسا و إمبراطوريتها ابرز الثقل المهم الذي لعبته السوق الاستعمارية لبعض فروع الرأسمالية الفرنسية,لكن هل يكفي توسع هذه السوق لنجعل منه عاملا حاسما في النمو الصناعي بالمركز/ المتروبول؟ و هل وفر انغلاق فرنسا إزاء إمبراطوريتها ابتداء من سنة 1929م امتيازات ما؟ طرح هذه الأسئلة يعني إثارة مشكل العلاقة بين التجارة الخارجية و النمو الاقتصادي. و على نقيض الفكرة الشائعة؛ الميل نحو التصدير أو الاستيراد غير مرتبط بحركة ارتفاع الإنتاج الوطني الخام؛ و علل جاك مارساي ذلك بمساهمة الصادرات في الناتج الوطني الخام(P.N.B) . حيث انخفضت في حالة اليابان و فرنسا ما بين 1913م و 1959م و على وجه الخصوص فرنسا : 1899م و 1959م.
كما أن نسبة الاندماج في التجارة الدولية ليست مؤشرا دقيقا على مستوى التنافسية؛ هذه الملاحظات تدفعنا إلى عدم الدمج بين توسع السوق الاستعمارية و المساهمة في النمو الاقتصادي و يتساءل ما إذا لم يكن عجز الصناعة الفرنسية عن توجيه فائض مهم نحو قطاع الاستثمار من مخلفات ارث السوق الاستعماري الذي لم يشجع على نمو الصناعة ذات القيمة المضافة القوية على ارض المركز؟ و يؤكد ذلك على من خلال انجلترا؛ حيث ساهمت سهولة ولوج الأسواق المحمية بالهند في تحويل المصدرين عن الأسواق التنافسية؛ و شجع على استمرار تركيز نشاطها على الصادرات التقليدية: النسيج و مواد السكك الحديدية، و على الابتعاد عن القطاعات الهامة مثل الآلات و السيارات و المواد الكهربائية. ليتساءل في الأخير، إلى أنه في المستوى الذي امتص فيه السوق الاستعماري قسما كبيرا من الصادرات الفرنسية من المواد الغذائية، اَلم يساهم هو أيضا في إضعاف تنافسية هذا القطاع؟
و يقدم الميزان التجاري بين فرنسا و إمبراطوريتها على المستوى البعيد حركة متتالية، في مرحلة الظرفية الجيدة يكون ايجابيا، و مرحلة الظرفية السيئة يكون سلبيا. فتكون الإمبراطورية خزانا في المرحلة الصعبة و منفذا في مرحلة الازدهار. و سينطلق في تحليل مرحلة الازدهار ما بين 1948 و 1954 ليبين أن أرباح التجارة مع الإمبراطورية، لم تكن فقط على مستوى معين غير نافعة بل إنها من حيث ما بذلته من مجهود ضعيف، ساهمت في إضعاف القطاعات التي تستفيد منها بجعلها غير مؤهلة للمنافسة في أسواق أخرى.
و يتساءل الباحث، ما إذا لم يكن هذا الفائض التجاري عائقا؛ ليس من الممكن تجاوزه فيما بعد؟ إذ سنة 1978م كان الفائض الذي حصلت عليه فرنسا من تجارتها مع العالم الثالث لا يعمل إلا على تعويض العجز الفرنسي المقلق تجاه الدول المصنعة؛ و ينتهي في الأخير إلى انه بعد عشرين سنة من حركة التحرر؛ كان ثقل السوق الاستعماري و عادة البيع في أسواق محمية ما زالت تعيق تنافسية الاقتصاد الفرنسي. و نفس الخلاصة ينتهي إليها بعد دراسته لحدود التبادل السلعي بين فرنسا و الإمبراطورية من خلال مقاربة لمثال الجزائر.
أما النقطة الأخيرة في هذا الفصل فيناقش فيها السوق الاستعمارية و المنافسة متسائلا، ما إذا لم تمثل السوق الاستعمارية عائقا عرقل على المدى الطويل تجديد بنية التجارة الخارجية، و من شأنه أن يسمح بتحسين تنافسية الصناعية الفرنسية؟
و للإجابة على هذا التساؤل؛ حاول تقييم الدور الذي لعبته السوق الاستعمارية بالنسبة لفروع الصناعة، ثم تطور تلك الفروع داخل جهاز الإنتاج الفرنسي. فخلص إلى أن السوق الاستعمارية ساهمت في استمرار بعض فروع الإنتاج مثل النسيج و المواد الغذائية على حساب الفروع التي كان من شانها تقوية تنافسية الصناعة الفرنسية و المتمثلة في الصناعة الكهربائية و صناعة السيارات و غيرها من الصناعات الثقيلة، معللا ذلك بكون السوق الاستعمارية كانت توفر سوقا مستهلكة للمواد الأولى بشكل شجع على الاستثمار فيها على حساب الفروع الثانية.
و هكذا يخلص في نهاية هذا الفصل إلى أن الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية كانت منذ سنة 1920 الشريك التجاري الأول لفرنسا، و أن ذلك كبح تنافسية الصادرات الفرنسية. ليتساءل في الخير عما إذا لم تكن السوق الاستعمارية بتشجيعها لتخصص نسبي للاقتصاد الفرنسي في إنتاج صناعات الاستهلاك، أحد عناصر إضعاف قدرة التجارة الخارجية على المنافسة؟
أما الفصل الرابع الذي عنونه: بالإمبراطورية؛ حقل مفضل لتصدير الرساميل الفرنسية. فسجل فيه أن الاستثمار و توسعه فيما وراء البحر فتح واجهة جديدة للاقتصاد الدولي. و ستنتقل الرأسمالية ذات المنافسة الحرة من تصدر البضائع إلى المرحلة الاحتكارية، و بالتالي تصدير الرساميل التي أمست عصب القوة الاقتصادية للدول الرأسمالية، حيث أن حركة الرساميل ستزعزع اقتصادات الدول المستعمرة بإدماجها في نطاق الرأسمالية العالمية.
و إذا كانت المبادلات السلعية لم تحدث تحولات بنيوية بالدول المنتجة للمواد الولية فان تصدير رؤوس الموال ستترتب عنه إقامة قطاعات اقتصادية موجهة نحو السوق العالمية مما سيفكك الاقتصادات و المجتمعات المهيمن عليها و يحدد لملامح العامة للتخلف المعاصر.
و يرى الباحث أن تحديد الرساميل المستثمرة بالمستعمرات و تبيان العلاقات بين الاستثمارات العمومية و الخاصة، و الوقوف على القطاعات المفضلة و تقدير الأرباح المحصل عليها في هاته المناطق المحمية من شأنه أن يضعنا أمام الخطوط العامة للامبريالية الاستعمارية الفرنسية.
و يبدأ الباحث بإثارة الصعوبات التي تعترض من يريد تحديد الاستثمار الفرنسي بالإمبراطورية الاستعمارية و هي صعوبات ترتبط بالمفهوم: ما المقصود بالاستثمار الفرنسي بالمستعمرات؟ و هكذا سيحدده في سلسلة الاستثمارات الخاصة التي تجلبها الشركات الاستعمارية من المتروبول. و سلسلة الاستثمارات الفرنسية الخاصة هاته تسمح حسب الباحث بتقدير و بشكل جزئي المكانة التي احتلتها المستعمرات في إستراتيجية المستثمرين الفرنسيين و بتقدير حركة تصدير الرساميل و تحقيبها و توزيعها على مختلف القطاعات.
و ما يهم الباحث هو دور الاستثمارات الخاصة و علاقته بالاستثمار العمومي و بذلك يطرح التساؤلات التالية:

• هل كانت الإمبراطورية حقلا مفضلا للاستثمارات الخارجية الفرنسية؟
• حل حققت الإمبراطورية للرساميل المستثمرة بها أرباحا أكثر مما لو استثمرت بالمتروبول؟
• هل كان من أهداف التدخل الكبير للقوة العمومية توجيه تنمية الإمبراطورية نحو خدمة مصالح المقاولات؟

ثم يحاول المؤلف الإجابة عن هذه الأسئلة. فبالنسبة للسؤال الأول ؛ قام بتتبع أطوار الاستثمارات الفرنسية بالمستعمرات و تبيان المراحل التي مرت بها.و يبدأ بسنة 1914م : أي عشية الحرب الكونية الأولى، الإمبراطورية الاستعمارية ستحوز المكانة الثالثة بالنسبة لفرنسا بعد روسيا؛ كما تنافس أمريكا اللاتينية على الدور الثاني و تتقدم اسبانيا و الإمبراطورية العثمانية معا. كل هذا سمح لها بأن تصبح حقلا مفضلا للاستثمارات الفرنسية بالخارج. و غداة الحرب أمست هدفا بالدرجة الأولى لتوظيفات الرساميل الفرنسية.، و ستتمتع الشركات المتروبولية بعوائد مهمة عن تلك التي تستثمر خارج المستعمرات.
و في غمار الأزمة العامة لسنة 1929 م ستشكل الاستثمارات الفرنسية بالإمبراطورية ما بين 30 و 40% من حجم الاستثمارات بالخارج.و بذلك أضحت محط اهتمام تصدير الرساميل الفرنسية.
و في سنة 1939م سترتفع هذه النسبة إلى ما بين 40 و 50% من الاستثمارات الفرنسية بالخارج. لكن هذه المرة يعود هذا الارتفاع إلى نمو استثمار العمومي.
و انطلاقا من سنة 1945م ؛ حجم الرساميل الموظفة في المستعمرات يظهر جليا إرادة القوة العمومية في تنمية المستعمرات. فخلال هذه الفترة ستصل النسبة إلى 70%، كرست لتجهيز الإمبراطورية. و في الفترة الممتدة ما بين: 1947م و 1958م سترتفع نسبة الموال العمومية المهيأة لتنمية الإمبراطورية بشكل لافت للانتباه. مما سيكشف انه خلال اثنتا عشرة سنة(12 سنة) بذلت السلطات العمومية مجهودات أكبر لتنمية المستعمرات بالمقارنة مع الاستثمارات المحققة خلال سبعين سنة (70 سنة)الماضية.
و بخصوص التساؤل الثاني: يكشف الباحث أن الإمبراطورية صارت تشكل مختبرا للتعاون بين الرأسمال المالي و القوة العمومية؛ فقيل الحرب الكونية الأولى مثلت الاستثمارات الاستعمارية حضورا ضعيفا. و بعد الحرب العالمية الثانية ستعرف الامبريالية الاستعمارية انتشارا ملحوظا و بذلك سيحدد على المدى البعيد التمويل العمومي للاحتكارات بمساعدة السيادة السياسية المباشرة.
و يلاحظ جاك مارساي بهذا الخصوص أن حصر الاقتصاد الاستعماري في اقتصاد سيطرت عليه شركات تجارية يجب مراجعته. فالشركات التجارية لم تحقق أرباحا مهمة؛ إنها الشركات المنجمية و الصناعية، و التي تغيب عن الإحصاءات التجارية.
و بالنسبة للاستفهام الثالث ، يبرز الباحث انه في حدود نهاية الستينيات ستتبدى جليا وظيفة الاستثمار العمومي. حيث تدخلت الدولة لانعاش الاستثمار الخاص لحظة ركوده. و بذلك جهزت الأرضية له و أنشأت بنيات تحتية لتنمية المقاولات الاستعمارية. كما فسخت العلاقات الاجتماعية القديمة و الموروثة لتعوضها بعلاقات رأسمالية؛ و هكذا يخلص الباحث جاك مارساي إلى ما يلي:
• السيادة السياسية المباشرة وفرت الدعم للرأسمال المستثمر بالدول المستعمرة.
• الاستعمار لعب دورا في استراتيجيات المتروبولية بالتوسع و الأرباح المحققة من قبل شركات مستقرة و مندمجة بهذا الحقل المفضل.
• التدخل القوي و الكثيف للدولة و توجيهها لميزانيات المستعمرات وفر الأمن و شروط الربح للاستثمار الخاص، التي لا يمكن الحصول عليها خارج المستعمرات.
و ينتهي الباحث إلى القول؛ أن تصدير الرساميل صار وعيا و سياسة و استرلتيجية. فالمستعمرات أصبحت واحدة من الأماكن المفضلة لتوسع الرأسمالية الفرنسية و بذلك شكلت ثقلا على الاقتصاد الفرنسي الأمر الذي سيدفع الباحث إلى إعادة تحقيب الامبريالية الفرنسية على ضوء هذه المعطيات بين فرنسا و مستعمراتها. فالاستثمارات الاستعمارية لم تكن في نظره ذات فائدة تذكر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا