الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفيون الاسلام - ومخدرات الاصلاح البرلماني: بشأن شعاري -نزع السلاح غير الشرعي- و -الدولة المدنية- في العراق ولبنان

عصام شكري

2023 / 8 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تبرز قوى التغيير الاصلاحي في العراق ولبنان اليوم شعارين خاطئين كليا. اولهما "ضرورة نزع السلاح غير الشرعي - اي سلاح الميليشيات - حزب الله والتيار الصدري والحشد والعصائب... وغيرها" والاخر "ضرورة تشكل دولة مدنية". هذان الشعاران السياسيان لا يقلا تخديرا عن "أفيون الاسلام" الذي نفثته قوى السم والدم للاسلام السياسي للعقود الثلاثين الاخيرة. ان هذين الشعارين هما شعارا البرجوازية الصغيرة التي يبدو ان الامر قد اوكل لها الان بانتاج "الافيون" ولكن بشكل اكثر سياسية و"مدنية".

ان الشعارين في الكثير من الاحيان يتم تبادلهما تقديما وتأخيرا. ولكن الشعاران يخرجان من رحم نفس البلادة السياسية. اما ننزع سلاح الميليشيات لكي نستطيع ان نشكل دولة "المؤسسات" او دولة "مدنية". واما ننشأ دولة مدنية لكي تنزع سلاح نفس ميليشياتها!. الاول يطالب بنزع سلاح ميليشيات حتى تشكل دولة "حقيقية" والثاني يطالب من دولة ميليشات دينية ان تتحول الى مدنية!.

هل هذا هراء ام ماذا؟.

في العراق ينشط "الحزب الشيوعي العراقي" ويدفع باخلاقية ديمقراطية رائعة من اجل الدولة المدنية وترسيخ حكم المؤسسات الديمقراطية المشكلة من شخصيات كفوءة ونزيهة و"ديمقراطية". هذا المطلب يدرك جيدا ان الدولة الحالية هي دولة ميليشيات. كيف يطلب من دولة ميليشيات ان تتحول الى دولة مدنية؟ طبعا باسلوب اخلاقي رفيع.

ان هذه الاخلاقية السماوية تقابلها دناءة سياسية اروع. فهم يقومون بدور المخدرين السياسيين للجماهير في ان الامكانية قائمة لتشكيل هذه الدولة بالتوسل من قتلة وسفلة ومجرمين وارهابيين يجلسون معهم في نفس البرلمان الديمقراطي. وللعشرين سنة الماضية دأبوا على نفس هذه المناورات حسب قوة هذا الطرف الاسلامي او ذاك اما للذهاب والتحالف معه لنيل بعض المكاسب او التوسل والمحاباة للمنظومة السياسية وتزييف الواقع السياسي للجماهير بحجة امكانية التغيير من داخل "وكر الاجرام".

اما في لبنان فتنشط قوى التغيير البرلماني في المطالبة بنزع سلاح ميليشيات حزب الله وتشكيل دولة مدنية او دولة المؤسسات او دولة "حقيقية" وهلمجرا. قوى التغيير تلك ليست على نفس نهج الحزب الشيوعي العراقي ولكنها تمتلك نفس الخصائص اليسارية القومية الاصلاحية. سؤالي لتلك القوى من بالظبط سينزع سلاح اكبر ميليشيا في الشرق الاوسط؟ منظمة اطباء بلا حدود ام قوات "اليونيفيل"؟ لا اجابة طبعا.

ان نشاط هذه القوى ليس بسبب مبادئها الاخلاقية الرائعة. فنشاطها اليوم قد اطلقته او حفزته احداث عظيمة جرت في لبنان والعراق عام 2019 و2020 - ثورة تشرين. راديكالية تشرين في كلا البلدين اذهلت الاسلاميين وميليشياتهم وبرزت تلك القوى الاصلاحية اثر هذه الهبة الجماهيرية العظيمة. ولكن ليس من اجل تقوية الميل الثوري في العراق او لبنان بل من اجل كسر ثورة تشرين وتقديم بديل "مخفف بالماء". فقط من هذا الموقع الطبقي لهذه القوى بامكاننا فهم شعاراتها المخدرة.

أفيون الشعوب الاسلامي تم فضحه كليا من قبل الجماهير الغاضبة. لقد انشأوا لهم المشانق الرمزية في بيروت وضربوا صور قادتهم بالنعال في كربلاء والنجف وبغداد وحرقوا بوستراتهم العظيمة في طهران. افيون الشعوب انتهت صلاحيته. واليوم اتى الدور على اطباء التخدير السياسي البرلماني.

بنظر هاتين القوتين (ولا اقصد مطلقا انها قوى منسجمة سياسيا بدليل ان التغييريين بلبنان اختلفوا قبل المواجهة الاولى مع دافعي اجورهم)، اقول بنظر هذه القوى ليس الدين وموقعيته الاجتماعية محل هجوم او نقد او تقريع. بل على العكس. انهما يناشدان بابراز "دين الله الحق" ، الدين المعتدل، وكلاهما يقول لا يجب المس ب"معتقدات الجماهير" المقدسة. مرة اخرى. ليس من باب الاخلاقية العظيمة للبرجوازية الصغيرة بل من منطلق عدم المس بمبادئ دافع الرواتب البرلمانية.

انهما على هذا الاساس يقفان فقط ضد سلاح الميليشيات!. هذا الموقف اخلاقي بلا اي معنى عملي سياسي ولا يشكل اي خطر لاحد. وكلاهما بالتأكيد مع الدولة المدنية! لم لا؟ الم يقف مقتدى الصدر هو الاخر معها والان صف من الملالي يصطفون للدعوة الى الدولة المدنية؟ ان عزل الدين نفسه عن الدولة واجهزتها ليسا في الاجندة. الدولة العلمانية ليست في الاجندة. فهذا المقدس الايديولوجي لا يمكن المس به والا تحولوا بجرة قدم الى حطام برلماني.

ان انشاء دولة علمانية ومجتمع مدني ونزع سلاح الميليشيات وانهاء تسلط قوى ارهابية على حياة الجماهير، لا بل حتى حل مشكلة "العدو الصهيوني" لن يأتي الا من تشرين. من الشارع الثائر لا من البرلمان الخانع والجبان. الحل يكمن لا في "سحب سلاح الميليشيات" ولا في "تشكل دولة مدنية" بل في "اسقاط دولة كل الميليشيات وتحطيمها كليا" وبناء سلطة جماهيرية اخرى مختلفة تقوم على مبدأ المواطنة المتساوية وفصل الدين عن الدولة وكل اجهزتها وتحرير الجماهير من الرعب والخوف والقلق ورهن حياتهم بيد ميليشيات مسلحة ودولة ميليشيات مسلحة.

على ثائري وثائرات تشرين في كل من العراق ولبنان عديم الانسياق وراء هذه القوى الاصلاحية التي لا تفعل في الواقع سوى اغراقهم في المزيد من الاوهام والضبابية لكسر همتهم وحرف انظارهم.

فقط بشعاري "كلن يعني كلن" في لبنان و "الشعب يريد اسقاط النظام" - كل النظام في العراق، سيكون بامكان الجماهير استرجاع هويتها الانسانية وانهاء استلابها على يد هذه القوى، وتخرج المجتمع من هذا النفق المظلم والخانق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!