الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توحيدُ العَرب وإسعادُهم اختصاصٌ مغربي...!!

ادريس الواغيش

2023 / 8 / 27
الادب والفن


بقلم: إدريس الواغيش

بعد ما قدّمه المنتخب المغربي لكرة القدم من إدهاش وإنجاز تاريخي في «مونديال» قطر، سيخلده التاريخ، وحّد فيه العرب لعدة أسابيع، وجعلهم يعيشون أمة واحدة بعيدا عن خلافاتهم، وأسعدهم في أهم الساحات وشوارع العواصم العربية من المحيط إلى الخليج، جاء دور المايسترو المغربي الشاب أمين بودشار، كي يوحد العرب ويسعدهم بدوره عبر الموسيقى والطرب الأصيل، وذلك من خلال تقديمه لأغنيات مغربية وعربية خالدة، قدمها بشكل مختلف، لم يألفه مشهدنا الفني ولا الجمهور العربي.
أمين بودشار لم يقصد مصر مثل باقي الفنانين والفنانات المغاربة والعرب الذين سبقوه إلى القاهرة بحثا عن موطئ قدم في عالم الفن، ملحن أو متعهد حفلات يحتضنه، مال ينعم به أو شهرة يعرف بها، ولكنه ذهب نجما مكتملا، يحمل لقب «العالمية» في جيبه من المغرب. بدأ مشواره الفني من فرنسا، كما جاء على لسانه، هو الذي كان يدرس الهندسة في الديار الفرنسية، ولكن يقوم بالموازاة مع ذلك من حين لآخر بإحياء حفلات صغيرة تحمل طابعا مختلفا، يقدم فيها أغاني عربية خالدة، يمكن إدخالها في نطاق «التراثية«، ولكن ليس بالمفهوم القديم، وبعد الحفلة الموسيقية التي أحياها بالقاعة المغطاة في الدار البيضاء، قدم فيها مجموعة من الأغاني، كان من ضمنها على الخصوص أغنية «جانا الهوى» التي سبق للفنان عبد الحليم حافظ أن غناها سنة 1969م. بودشار أبدع في تقديم ألحانها بتوزيع موسيقي جديد مع فرقته، وبرع في أدائها الجمهور المغربي، المطرب، الذوّاق بشكل رائع ومبهر. المسألة هنا ليست غريبة على الشعب المغربي، لأنه يعشق الفن المصري منذ القديم، والأذن المغربية تربّت على أغاني الرّواد في المجال الفني بأرض الكنانة من أمثال: محمد عبد الوهاب، نجاة الصغيرة، عبد الحليم، فريد الأطرش، ليلى مراد وغيرهم. الحفلة حققت نجاحا جماهيريا استثنائيا في المغرب، وانتشارا منقطع النظير في باقي ربوع العالم العربي خصوصا في مصر، على اعتبار أن الأغنية مصرية، جمعت قبل أكثر من خمسة عقود ثلاثة من كبار عباقرة المبدعين المصريين: عبد الحليم حافظ، بليغ حمدي ومحمد حمزة.
هذه المحطة الفنية المتميزة التي أحياها المايسترو بودشار في الدار البيضاء، جعلته مطلوبا حيًّا أو ميّتًا في مصر. الحقيقة الأخرى الأهم، والتي لا يمكن إغفالها، هو أن الموسيقار بودشار أحدث قطيعة مع الماضي، عمل على تقويم الذوق الفني العربي الذي كاد أن يهبط إلى الحضيض في بعض مستوياته، وقام بثورة فعلية ونقلة نوعية في عالم الموسيقى، ليس في المغرب والعالم العربي، ولكن في كل أنحاء العالم. أول مرة في التاريخ إلا في حالات نادرة سيصبح «الجمهور مطربا»، وليس مستمعا أو مستهلكا، كما كان يحدث من قبل في الحفلات والسهرات الموسيقية، لأن الجمهور في فلسفة بودشار الموسيقية وتجربته هو الذي يغني، وهو الذي ينتشي بصوته، كان صوته رديئا أو جميلا، يستمتع بما يغنيه لنفسه هو من كلمات، بدل الإنصات إلى المطرب، النجم أو المطربة، النجمة بالشكل التقليدي المتعارف عليه. الفكرة في مجملها مغربية خالصة، والموسيقي تؤديها فرقة مغربية، والجمهور يصبح «مطربا» لأول مرة في تاريخ الموسيقى العربية والعالمية، من عهد زرياب وما قبله إلى اليوم، هو المغني والمستمع إلى ما يغنيه في نفس الوقت.
الحقيقة أننا استرجعنا مع بودشار في حفلة الدار البيضاء مع أغنية «جانا الهوى» التي غناها عبد الحليم حافظ سنة 69 في فيلم «أبي فوق الشجرة» نوستالجيا مشتركة، جمعت أجيالا بكاملها في بداية الثمانينات والتسعينات وما بعد ذلك. استمعنا إلى الأغنية، وكأننا نسمعها لأول مرة من حنجرة عبد الحليم حافظ نفسه، بكل حلاوتها وطراوتها. استمتعنا بسماعها، بالقدر الذي استمتع بها الجمهور البيضاوي الذي كان حاضرا ومطربا في نفس الأن بالقاعة المغطاة في مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، أدّاها رفقة المايسترو بودشار وفرقته بجمالية مُبهرة، تمايل وترنّح طربًا وغناء مع تموُّجات إيقاعاتها صعودا ونزولا، أبدع وأمتع بالأداء والحضور بشكل أدهش الجميع. الحفلة أحدثت زلزالا فنيا في مصر والعالم العربي، وهو ما دفع المذيعة المصرية المعروفة منى الشاذلي الى استدعاء بودشار إلى مصر لإحياء سهرة في مهرجان مدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالي برعاية جهات سيادية في الدولة المصرية. المدهش أكثر هو أن تذاكر الحفلة التي حضرتها شخصيات من عالم الفن، وأخرى مصرية مهمة، نفذت قبل موعدها بأكثر من أسبوع، رغم أن الجمهور المصري لا يعرف أمين بودشار إلا من فيديوهات اليوتيوب.
بعد حفلة مهرجان العلمين، التي نجح فيها وأبهر الجمهور المصري الحاضر، لم يعد للإعلام المصري حديث آخر، سواء في القنوات الرسمية والمستقلة أو على قنوات اليوتيوب والمواقع الإعلامية والسوشيال ميديا، غير ما وقع في هذه الحفلة بالتحديد، وما حققته من نجاح فني وجماهيري على كل المستويات. وعمل نقاد فنيون وإعلاميون على تحليل أدق التفاصيل في سهرة أمين بودشار وفرقته في مدينة العلمين، معبرين في ذات الوقت عن انبهارهم بأداء المايسترو المغربي- العالمي وفرقته الموسيقية في عدة مقطوعات موسيقية وغنائية مصرية وعربية، وخصوصا في أغنية «أحلف بسماها وبترابها» التي أداها العندليب الراحل عبد الحليم حافظ بعد نكسة 67، وهي من كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان كمال الطويل، والتي قال عنها عبد الحليم: «هذه الأغنية هدية مني لجميع الدول العربية»، وهذا ما يفسر ربما عدم ذكر مصر في كلماتها.
وفي الأخير، عاشت الأخوّة المغربية، المصرية، العربية، و«ديما مغريب».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا