الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة التدوينية بين الثوب الشعري والجسد السردي في (جنّي الأكفان) لواثق الجلبي

واثق الجلبي

2023 / 8 / 28
الادب والفن


قراءة / علي لفتة سعيد
تبدو المجموعة القصصية (جنّي الأكفان) لواثق الجلبي منتمية الى جنس القصة القصيرة جدا مثلما هي تنتمي الى جنس القصة القصيرة والتي تضم بين دفتيها 114 قصة حتى لكأن العنوان الذي لا يتبوّب على انه قصة من القصص بل يراد منه احتواء كل القصص رغم ان الجملة العنوانية إذا جاز الوصف قد وردت في متن قصة من القصص والتي تحمل الرقم 113 وحملت عنوان (حريقٌ في برميل ورد).
وهو ما يمكن التعبير عنه أن المُنتِج الجلبي وفق معيارية الإزاحة الكلية للعنوانات الكليّة الرئيس والقصص قد أراد مشاغلة المتلقّي من البدء لمعرفة وتفكيك وتحليل مهمة العنوان ليكون صالحًا للدهشة من جهة، وجذب المتلقّي من جهةٍ أخرى، لأن واحدةً من أهم ممكنات وجود العنوان هي فاعلية الربط بين الدهشة والمعنى ليكون دلالة على دليل المتن حين تتم القراءة.
وبعيدًا عن المقدّمة التي كتبها وما ورد فيها من آراء للآخرين، فهو أمر لا يخرج عن كونه أي لمجموعة من النقاد، فإن عملية الإنتاج لهذه المجموعة قد تبدو مختلفةً من جهة، مثلما تبدو متمرّدةً ايضا،مثلما تبدو واحدةً من طرق تسهيل عملية البناء السردي للقصّة لأنها تغادر الاحتكام الى المتن القصصي والاتّكاء على متنٍ آخر يقارب ما بين الشعرية والسردية او ما اصطلح لدى البعض السردية الشعرية او الشعرية السردية، على وفق عملية الاستفادة من عملية التجريب والتجديد والتي تبقى مهمّة قبولها للمتلقّي بكلّ تأكيد.
إن أوّل ما يلاحظه المتلقّي هو العنوان الخاص بكلّ قصةّ، فهو لا يكون بطبيعة الجملة الاسمية أو الفعلية أو أنه مضاف ومضاف إليه أو وصف وموصوف، بل أراده أن يكون بدء اللعبة التي لا تُعطي المتن الكتابي انسيابية الصراع, أو تراتبية الحدث. فعناوين مثل (حفرة نوم/ صندوق العراء / أخرسُ الرجال / صفُ الحب/ شفة بابل/ قصفُ التوجس/تنينُ الموكب)وغيرها من العناوين، فقد أرادها أن تكون حاملا لعدّة مفاتيح.
الأوّل: إنه عنوانٌ ضمن المتن وليس بوابّة النص أو تمهيد أولي، او بداية القص أو الدخول الى المنطقة الشعرية، فهو ممازجة بين هذه المفاتيح كلها.
الثاني: إنه عنوانٌ يكمل الاستهلال الذي يأتي حاملًا متونه فيتحوّل من كونه مهادًا وعتبةً الى اندماج مع العتبات والمهادات الأخرى.
الثالث: إنه عنوان الذي يوضح مقدار اللغة التي سيلعب عليها المنتج لتبيان الادارة الفعلية للفعل التدويني
الرابع: إنه عنوانٌ يمكن أن يتجمّع في داخله عمليات التأويل وحتى القصد الذي يراد له الوصول الى منطقة الإزاحة الغائية التي تعتمد على عملية حصاد الفكرة والحكاية معا.
وهو ما يعني إن العملية التدوينية تبدأ من العنوان الذي قد يكون هو الاستهلال أو مقدّمة الاستهلال، وما يأتي تابعًا له، والذي يكون عبر استخدام مستويين هما الإخباري والتحليلي، مع وجود المستوى التصويري الذي يعد في النصوص القصصية هو ثلاثة أرباع جبل الجليد الغاطس. وباستخدام هذه المستويات الثلاثة تكون اللغة هي المربّع الذي تسكن فيها أو اللغة التي تسكن هي في المستويات الثلاثة، باعتبار أن اللغة هي المفعول الأقوى في عملية التدوين، وهي المحفّز للعبة التي تقود الفكرة الكلية. لأن البنية الكتابية في هذه القصص لا تعتمد على تصاعدية الحدث والانتباه لكونها قصّةً قصيرةً او حتى الانتباه الى أنها قصيرة جدا، رغم أن الميدان الكلّي لها يقع في هذا التجنيس، لكنها أي اللغة هي المادّة الأوّلية التي تعطي مفعول الإنتاج القصصي. وهذا الأمر يأتي من أجل أن يعطي مفعول القبول والذي يحتاج الى عملية إعادة ضبط الجسد الكلّي للقصة. وهو ما يعني أن المنتج اعتمد على اللغة بهدف التوصّل الى عددٍ من المراحل في إنتاج القصّة.
المرحلة الأولى: أن تكون اللغة قائدة للفكرة وهي التي تبعث عملية القبول لدى المتلقّي لهكذا نوعٍ سردي تعبيري يمازج ما بين الشعر والسرد وفق خياطة ثوب يعتمد على المفردة في واقعها: (عجلى تقود خطاها الى مقصلة الحب ، لا تدري بمكنون لوعة الظمأ ، إستتار القلب يخفي قلقا من الظهور ، هكذا كانت الأنسام تخبرها وهي تطوي شعرها على ناتئ النعومة) من قصة (قصفُ التوجس)
المرحلة الثانية: أن تكون اللغة قائدةً للبناء الفنّي لقوام القصّة ذاتها لتأتي بمفعول يمزج الحالة التأويلية بالقصدية المبثوثة في المرحلة العليا للتلقّي (استكان قليلا ضرب أرقام الخيبة بمعارج الإصطفاء فلم تكن النتيجة كما أرادها ، أراد إحصاء المنطق البابلي فكان الفلك يمنعه من مزاولة ما يحب ) من قصة (أرض الرؤوس).
المرحلة الثالثة: أن تكون محرّكًا للمستوى التأويلي والذي يأتي دائما كمحصلةٍ نهائيةٍ لحاصل جمع تأويل المفردات على اعتبار أن النصّ لا يأتي بالحكاية بطريقتها المباشرة للبحث عن المقدّمة والوسط والنهاية ومن ثم تأويل أو مخالفة النهاية كما في القصص القصيرة جدا، بل أن تكون مناوبةً للمخادعة القصدية (كانت يداهُ خدها أو كفها حتى تلاشت كلها في معبد النذور الذي تجسد فجأة أمام الصدأ) من قصة (صدأ النجوم).
المرحلة الرابعة: أن تكون شعريتها هي المحمول السردي والذي يمنح المنتج فرصة للتخلّص من القالب السردي الذي يعتمد على اللغة السهلة التي تحتاج الى مقدرة عالية لربط (السهل) بـ (الصعب) الإنتاجي والذي يحتاج الى صراعٍ وفعلٍ درامي وحتى حوارٍ وإنابةٍ عن الشخصيات. لذا كان المنتج حرًّا في ترتيب اللغة ومفرداتها بطريقة من يكتب الشعر بثوب السرد (فتمتم يرجو من عينٍ شفة ، لم تطرق الباب كانت أصابعهُ تزنُ جبال جمادات الغيب فرجع يتقدمهُ ولاءٌ أبتر، أردف خلفه ألف سيكارة لكنه لم يجد شعلة ترفٍ تزفُ له بشرى التخاذل ) من قصة (موت الملكوت).
المرحلة الخامسة: أن تكون اللغة قادرةً على المناورة في الجملة السردية الواحدة إذا يراها متلقّ والجملة الشعرية المناورة إذا يراها متلقٍ آخر.. وهي مناورة قد تحتاج الى عملية جمع حاصل فعل اللعبة اللغوية مع الترتيب للمتن السردي (مدّ عينيه على استطالة الحروف المنضدة فوق صفحات الكتب وداعب أحجيات الحركات التي أوثقت خناق الحروف المدورة وأراد أن يحرك كل شيء لكنه لم يكد أن ينوي حتى تشظت أمامه محابر الرماد) من قصة (زئبق الحروف).
المرحلة السادسة : إنها لغةٌ بإمكانها أن تغيّب الحكاية وترفع منسوب الفكرة، مثلما بإمكانها أن تضع الفكرة تحت إبطيها للولوج الى عوالم التأويل، فيبرز المستوى التحليلي هنا والذي يخضع الى مقدرة المتلقّي الذي هو متلقّ واعٍ فكيف بالقارئ الذي يريد أن يقرأ حكاية:
(صار ماءً بلحظة عوراء فما عادت الأنهار تشكل عندهُ مأوى ، ثبتَ جبلا بلا كهوف ونايا بابليا يطلق صراخ الشعر إلى الأعلى عندما كان هناك ، سمعهُ فتية قادمون من غيب الزوايا امسك ظلالهم فكانت كظله) من قصة (حقيقة الماء).
أن اللعبة الإنتاجية في القصص والتي تحسب فنيا لواثقها بطريقة جمع الشعر السردي أو السرد الشعري في ثوبِ ما يطلق عليه تداخل الأجناس وإن اختلف مع التداخل المتعارف عليه، حين أعلى من منسوب الشعر ليكون متساويَا أو حتى أكثر من منسوب السرد الذي يبقى واضحًا من خلال مناقشة الفكرة الأساسية التي تبدأ من العنوان وتنتهي بالخاتمة، وهي بذلك قصصٌ تحتاج الى متلقّ واعٍ يفهم اللغة ويفهم الشعر وينحاز الى السرد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟