الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (5)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 29
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يبرز الباحث في مدخل القسم الثاني أنه نظرا لما تتمتع به أزمة 1930م من تميز لافت للنظر؛ فضلا عما تترتب عنها من تطورات، ستكشف و بصور متضاربة أهمية السوق الاستعمارية بالنسبة لفروع صناعية ما تزال قاطرة للنمو. فارتفاع حصة المستعمرات من واردات المواد الأولية إلى جانب هيمنة الاستثمارات العمومية سيفسحان المجال لمجابهة بين مختلف تجليات نشاط الرأسمالية الفرنسية.
هذا الاهتمام المتزايد بانعكاسات الأزمة لدى الاقتصاديين و المؤرخين الاجتماعيين سيظهر الرغبة في تسليط الضوء على الأزمتين للقرن العشرين:أزمة 1930م و 1974م. و هكذا سيتسنى الإحاطة الجيدة حسب الباحث بنقاط الاختلاف و التشابه. و سيكون ثقل الحاضر وراء وضعه توسع من جديد أم حمائية كعنوان للقسم الثاني من بحثه.
فالأزمتان زعزعتا بنيات الرأسمالية الفرنسية و أثارتا الكثير من النقاشات النظرية و المواجهات السياسية؛ توزعت بين رغبة في تصدير أكثر و استيراد أقل؛ انفتاح أم حمائية تخصص أم تنويع. استعمال الموارد بدرجات عالية أو إنقاذ المقاولات المتخبطة في المشاكل. تلك هي أهم المحاور التي تسترعي الاهتمام عند المتتبعين للظاهرة الاستعمارية و انعكاساتها على المتروبول. و عليه ففي ظل نمو بطيء و محيط دولي يعرف دينامية ملحوظة، أصبح من غير الممكن مواصلة الطريق بقيم و بنيات عتيقة الأمر الذي سيدفع لنهج توسع في لباس جديد كاختيار لا مناص منه.
إن التوسع من جديد أو الحماية سيكونان هما رهانا سنوات ما بعد الأزمة العامة و ستصبح المستعمرات أهم كاشف لخطوطه العامة. و قد أثارت النقاشات حولها ثلاث استراتيجيات في ظلها تنعقد التحالفات و تتم القطيعة.

• الأولى: وريثة مباشرة للميثاق الاستعماري هدفها تقوية الاكتفاء الذاتي و ذلك بخلق منطقة محمية تتطور في كنفها المتوجات التكميلية؛ حيث المواد الأولية بالنسبة للمستعمرات و المنتوجات المصنعة بالنسبة للمركز.
• الثانية: وريثة التيارات الليبرالية للقرن19م تطالب بإزالة العوائق الجمركية و إعادة النظر في الأسعار مع العودة إلى مبادئ التقسيم الدولي للعمل مع منافسة حرة.
• الثالثة: ذات حس توقعي؛على نقيض: التقسيم الدولي للعمل الذي يحدد لكل دولة ضرورة توجيه إنتاجها كإمكانية وحيدة لتزويد السوق العالمية؛ لذا اقترحت هذه الإستراتيجية الثالثة تحويل مراكز الإنتاج و تصنيع الإمبراطورية و تنمية الأسواق بالمستعمرات.

و يستخلص الباحث؛ إن هذه الاستراتيجيات لن يتم فهم/ إدراك غاياتها إلا في ظل الشروط التي تجلت فيها مختلف فروع الرأسمالية الفرنسية. لكنه من خلالها يتم الوقوف على طبيعة التحالفات و تطور علاقات القوة التي تشدها إلى بعضها و التوافقات التي تؤسسها.
و هذا ما سيعتمده في الفصل السادس الذي أتى تحت عنوان : أزمة 1929م بفرنسا:رهان التوسع الجديد. حيث يعتبر جاك مارساي أن الدراسة التاريخية لأزمة 1929م بفرنسا ما تزال في حاجة إلى الاهتمام الواسع حيث يعتقد انه ليس مقبولا أن يبقى هذا الحدث محاطا بالغموض؛ فالمر لا يمكن أن يحصر في نظره؛ كانعكاس لحدث خارجي على اقتصاد البلاد. فالعقلانية المفرطة للاقتصاد الرأسمالي و التايلورية، فضلا عن الثورات التقنية دفعت إلى تقوية الجبهة الداخلية للاقتصاد الفرنسي.
هذا الاقتصاد سيدافع عن نفسه في ظل مناخ سياسي و اجتماعي ملائم الأمر الذي ساعد فرنسا على التأثر متأخرة بأزمة 1929م؛ علاوة على ضعف أهمية مبادلاتها مع الخارج. فالأزمة العامة ستكون من هذا المنظور أزمة المرحلة التنافسية في الرأسمالية، و هي مرحلة حرجة في تاريخ الرأسمالية فرضت عليها لمتابعة مشوارها ضرورة مراجعة بنياتها و مؤسساتها.
و بعيدا عن انعكاس حدث خارجي على اقتصاد فرنسا، فإن أزمة سنة 1929م بالمتروبول يمكن أن يتم تحليلها في اعتقاد جاك مارساي في إطار انحصار المنافسة؛ ليس على صعيد الرأسمالية العالمية و حسب و لكن على صعيد الرأسمالية المحلية. و مهما يكن من سبب فان الأزمة مرتبطة بالأسواق الخارجية و مدى تبعيتها لها. فتراجع الصادرات سيتحول إلى أزمة ترتب عنها انحصار دائم في النمو. فالصراعات بين مختلف أطراف الرأسمالية ستغير من الأشكال و المؤسسات التي تنظم النمو الداخلي. الأمر الذي أكد أن الأزمة لها علاقة بتراجع الصادرات . مع العلم أن فرنسا خلال السنوات الموالية لسنة 1920م كانت دولة تنهج الحمائية و تخضع لحواجز جمركية حادة. و هكذا؛ فتأثر فرنسا المتأخر بالأزمة يجد تفسيره في ضعف أهمية مبادلاتها مع الخارج. و أية عودة للالتحام/الاندماج من جديد مع المستعمرات لاحقا سيعطي الاعتبار للرهان الذي مثلته السوق الاستعمارية في سنة 1930م، حيث أن غزو و إعادة هيكلة السوق المفضلة سيجعلها ميدانا للمواجهة بين مختلف الفروع المصدرة في الاقتصاد الفرنسي. و يبين جاك مارساي بهذا الصدد أن صناعتي التعدين و الصناعة القطنية طرح أمامها منذ سنة 1920م مشكل إيجاد أسواق للتصدير و هي معضلة عويصة في نظره أكثر من الطلب الداخلي.
و بالنتيجة؛ فالارتكاز على أصول أزمة سنة 1929م بفرنسا، لا غنى عنه حسب الباحث لتحديد السياق الذي ستحقق فيه نوايا فرنسا على إمبراطوريتها الاستعمارية و الوقوف على الأرضية التي ستتجابه فيها فروع الرأسمالية الفرنسية المتأثرة بالأزمة كل هذا يسمح بتقدير الرهان الذي مثلته السوق الاستعمارية بالنسبة للفترة كسوق وحيدة للرأسمالية الفرنسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا