الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن مشكلة الرموز في سورية

راتب شعبو

2023 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تعرض إحدى الصور القادمة من مظاهرات السويداء المتجددة، محاولة لتجاوز عقبة الرموز البصرية التي بدأت تشكل عامل انقسام بين السوريين حتى وهم يتطلعون إلى غاية واحدة وينشدون هدفاً مشتركاً. وعلى اعتبار أن الرمز هو تكثيف يختصر هوية أو انتماء فكري أو ديني أو وطني أو نضالي ... الخ، فمن الطبيعي أن يكون له قيمة عميقة في وجدان الشخص، وهذا ما يجعل الخوض في موضوع الرموز عملاً شديد الحساسية والتعقيد.
الصورة المذكورة تجمع أربعة رموز معاً، رموز لها، ككل الرموز، مكانة عليا لا يساوم عليها أصحابها. الهدف هو إنتاج مكان مشترك لكل أصحاب الرموز بغرض تجميعهم. اثنان من الرموز الأربعة ينتميان إلى الرموز العليا للدولة: العلم الأخضر والعلم الأحمر. الأول رفعه السوريون بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة، واعتمده المجلس الوطني السوري ثم الائتلاف الوطني بوصفه علماً رسمياً له، وبات يعرفه أصحابه باسم علم الثورة. والعلم الأحمر الذي هو علم الدولة السورية المعترف به حتى الآن في المنظمات الدولية، والذي رفعه السوريون في الشهور الأولى من ثورتهم، وبات اليوم يعرفه أصحابه باسم علم الدولة أو ببساطة العلم السوري، وكثيرون منهم يشدد على الفصل بين هذا العلم وبين طغمة الأسد.
الرمزان الآخران هما راية الموحدين الدروز والعلم الكردي. يختلف هذان الرمزان عن الرمزين السابقين في أن كل منهما هو رمز خاص لجماعة سورية تنضوي تحت راية وطنية عامة، أي إن أصحاب الرمز لا يعارضون به راية أخرى، أو يفرضونه على غيرهم بوصفه راية عامة أو بوصفه علم الدولة أو "العلم السوري". يرفعونه فقط بوصفه رمزاً لفئة من السوريين الساعين، مع غيرهم، إلى بناء سورية جديدة متحررة من سيطرة الطغمة الأسدية، وبناء شروط حياة سياسية واقتصادية واجتماعية أفضل. ولا نرى أن في هذه الرايات الفرعية ما يضر في مسعى التغيير في سوريا أو يضر في الوحدة السياسية للسوريين. يبدو لنا أن هذا الفارق حاسم في مناقشة موضوع الرموز، ذلك أن الرموز الخاصة القابلة للانضواء تحت راية وطنية جامعة (قد نجد في سورية الكثير من مثل هذه الرموز)، لا تطرح مشكلة ولا تثير صراعاً يفت في عضد إرادة التغيير لدى السوريين.
المشكلة تبدأ مع الرموز العامة التي لا تقبل الشراكة، ولا يصح أن تنضوي تحت راية وطنية عامة لأنها ترى إلى نفسها الراية الوطنية العامة. تبدأ المشكلة حين يُراد فرض رمز عام غير مقبول، أو حتى مرفوض، من جانب فئة أو فئات من السوريين لهم أسبابهم في رفضه، الأمر الذي يقود إلى إضعاف وحدة السوريين الساعين إلى هدف مشترك، وإلى تحريض صراعات بينية وسطهم.
خسر العلم الأحمر بعده الوطني الجامع منذ أن زجت الطغمة الأسدية كل جهاز الدولة لقمع احتجاجات السوريين الواسعة. اتباع سياسة الإخضاع بالقوة، وما جر من استخدام الجيش السوري لفرض الحصار على مناطق، ومن أجل الاستهداف العسكري للمدن والأسواق والمشافي والمخابز ... الخ، واستخدام أسلحة محظورة وقذائف غير دقيقة التوجيه (براميل) على الأحياء والبلدات، حتى بات "الجيش السوري" في نظر قطاع واسع من السوريين هو "جيش النظام" أو حتى "جيش العدو". أصبح علم الدولة السورية، في نظر ضحايا القمع، هو رمز الطغمة الأسدية في عدوانها المنفلت على المجتمع السوري، الأمر الذي ساهم في توليد النفور من هذا الرمز لدى نسبة كبيرة من السوريين.
التماهي الذي تحققه الطغمة المستبدة بين السلطة والدولة تجعل المحكومين ينظرون إلى رموز الدولة على أنها رموز السلطة وملك لها، وهو ما يولد لدى المتمردين النزوع نحو رفض هذه الرموز، وبشكل خاص حين يتعذر على المتمردين تغيير السلطة واسترداد رموز الدولة خلال وقت قصير. والحق أن الثورة السورية عرضت نزوعاً انشقاقياً حاداً طال حتى النشيد الوطني والأغاني الوطنية، فقد عافت نفوس السوريين الخارجين على نظام الأسد أن يجمعهم شيء مع طغمة الأسد أو أنصارها.
حصل الانشقاق الرمزي عن النظام (نقصد اعتماد العلم الأخضر بديلاً عن علم الدولة السورية التي تستعمرها طغمة الأسد) في وقت مبكر نسبياً، تعود بدايته إلى حزيران 2011، قبل أن يتم تبنيه رسمياً من قبل المجلس الوطني. بدل أن يتخذ هذا الانشقاق شكل إسقاط رمز من رموز الدولة وتبني رمزاً آخر، ربما كان يمكن تحقيقه بابتكار راية ترمز إلى الثورة دون أن تكون بديلاً عن العلم السوري. كان ذلك أدنى إلى أن لا يحدث الانقسام الذي تكرس بين السوريين على الرمز الأول للدولة. لكن هذا ما حدث، وقد يكون من أسبابه قناعة سادت في بداية الثورة بقرب سقوط النظام وبالتالي حسم موضوع ازدواجية العلم.
مع طول أمد الصراع المسلح، راكم العلم الأخضر أيضاً، في نفوس نسبة كبيرة من السوريين (غالبية السوريين الكرد والعلويين بوجه خاص) عوامل رفض من جنس العوامل التي ولدت النفور من العلم الأحمر. أضيفت هذه العوامل إلى علاقة تابعة كرسها أصحاب هذا العلم تجاه تركيا التي يعتقد قطاع واسع من السوريين بأن لديها مطامع بأراضينا ومياهنا ... الخ.
مع ذلك يبقى من الممكن تفادي هذا الانقسام عبر إدارة موضوع الرموز بطريقة مسؤولة تعمل على حشد رافضي سلطة الأسد من كل الجماعات، بعيداً عن مبدأ الأحقيات والأسبقيات والنزوعات المترفعة أو "الجاهلية". هناك محاولات مختلفة تهدف إلى جمع الرموز معاً في رمز واحد. لا نعتقد أن هذا يحل المشكلة. الحل برأينا يكون خلال اتفاق معلن بأن الرمز الأول للدولة السورية القادمة يحدده السوريون حين يتاح لهم أن ذلك. وعليه يتم اعتبار كل الرايات المرفوعة اليوم هي رايات فرعية غير متعارضة، يجمع أصحابها الغاية المشتركة. على هذا، مهما تعددت الرايات الفرعية أكانت تدل على انتماءات قومية أو دينية أو سياسية، تبقى قابلة لأن تندرج تحت راية وطنية عامة يتفق عليها السوريون. سوى ذلك فإن الانقسام الرموزي الحاصل بين السوريين، بما يحمله من شحنات نفسية، يهدد وحدة عمل السوريين باتجاه تضييق الخناق على الطغمة الأسدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات