الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستفادة من النقد دليل على صحة العقل

شاهر أحمد نصر

2023 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


حينما يبدأ أي إنسان، أو بناء، أو تنظيم، أو حركة بالظنّ أنّه فوق النقد؛ فهذا دليل إصابة وعيه بعلّة، ومؤشر على أنّه مهدد بالفشل...
أيام الاشتراكية السوفيتية كان أي صوت نقدي لأخطائها وفسادها، مهما بلغ صاحبه من الوعي والصدق والغيرة وحسن النية، يواجه بسيل من شتى أنواع الاتهامات من التخوين والعمالة للإمبريالية الأمريكية، وأقلها الوصم بالتحريفية... لقد دفع الثمن باهظاً بسبب فقدان إمكانية وملكة الاستفادة من النقد...
وحينما أخذت القوى المتعصبة والمتطرفة في الحراك الوطني الديمقراطي إبان حياة مجتمعنا القريبة، تطرح شعارات فئوية ضيقة تنال من وحدة النسيج الاجتماعي، ارتفعت أصوات تنتقد تلك الممارسات ضيقة الأفق، وتطالب بالابتعاد عن التعصب وتمجيد فئة على حساب الآخرين مهما كانت الحجج والذرائع؛ ولمّا صُّمَت الآذان عن سماع النقد وصوت العقل دُفع الثمن باهظاً أيضاً...
أما الآن ومع توجيه التحيات إلى أهلنا مضيئي الشموع في الجبل، ينبغي الإقرار أن لا أحد ولا أمر فوق النقد، بل من الضروري رفع صوت النقد للثغرات والسلبيات التي يتناقض التمسك بها مع جوهر الغاية من إضاءة الشموع...
إنّ شعار واحد واحد واحد؛ يعني أنّ الوطن يتسع للجميع وفي حاجة إلى الجميع، بمن فيهم من نختلف أو نتفق في الآراء معهم، من نحبّهم أو لا نحبّهم، من يحبّوننا ومن لا يحبّوننا... الآخر هو الأنا... الوطن يبنى بأبنائه من مختلف الألوان والانتماءات والمعتقدات معاً، لا يمكن جلب أناس من المريخ لبناء الأوطان، وإن لم ينل الآخرون إعجابنا، فهذا لا يعني إلغاؤهم، بل البحث عن طريقة للعمل معاً لنرتقي معاً نحن والآخر ونتجاوز أمراضنا والثغرات التي تدفعنا إلى التفرق... وأن نحبّ بعضنا بعضاً مهما اختلفت آراؤنا، لا سبيل أمامنا إلا إيجاد طريقة للتفاهم والمحبّة، أو الفناء...
إنّ شعار "الدين لله والوطن للجميع"، يعني أنّ الوطن يتسع أيضاً للجميع، والجميع متساوون في حوقهم وواجباتهم مهما كانت معتقداتهم الدينية والفكرية والحزبية والعقائدية، ومهما كانت انتماءاتهم القومية أو المناطقية؛ فالأخوة الأكراد، على سبيل المثال، متساوون مثلهم مثل العرب في الحقوق والواجبات وفي إثراء وإغناء لغتهم وثقافتهم وحياتهم السياسية والاجتماعية في أي بقعة من أرض الوطن أينما حلوا... وينطبق هذا الأمر على أبناء الجبل والسهل والساحل على امتداد مساحة الوطن...
التعصب يهلك
ينبغي أن تكون جميع الشعارات منسجمة فيما بينها، ومع جوهر القضية الوطنية والاجتماعية والسياسية المنشودة في بناء دولة المواطنة الديمقراطية التداولية العلمانية المتحضرة... فشعار واحد واحد، على سبيل المثال، ينبغي ألا يترافق مع شعارات تتناقض مع جوهره وتدفع إلى التخندق والتعصب والعداوة... كالشتائم، وإغلاق المباني بالحديد والنار... تلك مسائل خطرة وغير منطقية ولا عقلانية، فالتعصب كما التطرف يهلكان - ليس هكذا تورد الإبل - بل ينبغي أن تكون الشعارات والرايات والممارسات جامعة لأبناء الوطن جميعاً مهما اختلفوا في آرائهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم، لا أن تكون شعارات تدفع إلى العداوة والبغضاء والتفرقة...
ربّما فكر كثيرون من مختلف المناطق في البحث عن وسيلة للانضمام إلى التظاهرات، إنّما بعد سماع شعارات وممارسات ضيقة الأفق تبثّ التفرقة والعداء في نفوس الآخرين انكفأوا وعادوا إلى الصمت...
ينبغي تعلم فن التراجع
تقول العرب: "الرجوع إلى الحق فضيلة"، ويقول ف. إ. لينين قائد أعظم ثورة هزّت العالم في القرن العشرين: "ينبغي ألا نهاب التراجع"... كم من الأصوات تحيي مضيئي الشموع، وكلّ من يهمه مصير الشعب ومستقبل الوطن، وتناشدهم التركيز على المسائل الوطنية والشعبية والسياسية الجوهرية الجامعة، فوحدة تراب الوطن وصيانة استقلاله، ومعالجة هموم النّاس المعيشية والأزمة الاقتصادية التي تثقل كاهل الشعب تتطلب معالجة سياسية شاملة أساسها تطبيق القرار الأممي 2254 والاتفاق على أسس بناء دولة ديمقراطية تداولية متحضرة موحدة جامعة؛ فمن المفيد التركيز على هذه الأمور، وأن تتمحور الشعرات والرايات حولها، أما باقي التفاصيل، بما فيها المحاسبة والعدالة، فسيحلّها مستقبل تطور البلاد...
إنّ إعمال العقل، والاستماع إلى النقد الموضوعي الغيور، والاستفادة من النقد، والرجوع إلى الحق، وتعلم فن التراجع هي مسائل مطلوبة من جميع الأطراف، ولا سيّما، أولئك الذين يدقّون طبول الحرب والاجتياح خلال ساعات... فلا منتصر في هذه النزاعات... في الحروب الأهلية الوطن وجميع الوطنيين هم الخاسرون... ومهما طالت الحروب سيجلس ممثلو مختلف الأطراف إلى طاولة المفاوضات السياسية، فلماذا تُشن الحروب طالما النتيجة هي المفاوضات؟
مهما استمر التسويف والمماطلة سيصل الجميع إلى حلّ سياسي، وإلى نهاية لا بدّ منها؛ فلنبدأ من النهاية...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام