الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوب أفاكيان : دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلِّين للحرّية + ملاحظات إضافيّة ( ومقدّمة مقتضبة )

شادي الشماوي

2023 / 8 / 30
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلِّين للحرّية + ملاحظات إضافيّة( ومقدّمة مقتضبة )
بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 813 ، 8 ماي 2023
https://revcom.us/en/bob_avakian/us-constitution-exploiters-vision-freedom-added-notes-and-brief-introduction

مقدّمة مقتضبة : نُشر المقال التالي لبوب أفاكيان في الأصل في 1987. و نعيد نشره الآن لأنّه يظلّ مناسبا جدذا بمعنى فهم الطبيعة الأساسيّة لهذا النظام الذى نعيش في ظلّه – النظام الرأسمالي – الإمبريالي – و دور دستور الولايات المتّحدة كأساس قانوني و سياسي لهذا النظام الإستغلالي بلا رحم و الإضطهادي القاتل و المدمّر على نطاق واسع . في هذه النسخة المعاد نشرها ، صاغ بوب أفاكيان ملاحظات إضافيّة في نهاية المقال ، لمزيد توضيح بعض النقاط الهامة .
------------------------------

جامس ماديسون المؤلّف الأساسي لدستور الولايات المتّحدة كان أيضا مدافعا عن العبوديّة و عن مصالح مالكي العبيد في الولايات المتّحدة . لم يكتب ماديسون ، الرئيس الرابع للولايات المتّحدة ، بقوذة دفاعا فقط عن هذا الدستور بل دافع أيضا بقوّة عن جزء الدستور الذى يُعلن فيه أنّ كلّ عبد من العبيد يساوى ثلاثة أخماس إنسان ( و هذا لحساب العبيد على هذا النحو بهدف تقرير تمثيلهم و دفع الأداءات للولايات – الفصل الأوّل ، القسم 2 و 3 من الدستور ) .
و عند كتابة هذا الدفاع ، كان ماديسون يمدح " وسيلة مساومة الدستور " الذى يعامل العبيد على أنّهم " سكّان ، لكن بفعل العبوديّة أصبحوا أقلّ من المستوى المتساوى للسكّان الأحرار ؛ و بهذا يُنظر إلى العبد على أنّه مجرّد خمسي الرجل فحسب و شرح ماديسون " الوضع الحقيقيّ للحالة هو أنّهم يشاركون في كلّ من هذه الصفات : يعتبرون حسب قوانيننا ، في بعض الجوانب كأشخاص و في جوانب أخرى ، كملكيّة ... و في الواقع هذا طابعهم الحقيقيّ. إنّه الطابع الذى تمنحه لهم القوانين التي يعيشون في ظلّها ؛ و لن يُنكر أحد أنّ هذه هي المعايير المناسبة ". لقد لمس ماديسون لبّ المسألة ، جوهر كلّ ما يعنيه دستور الولايات المتّحدة ، حينما في سياق الدفاع عن قرار معاملة العبد على أنّه ثلاثة أخماس رجل ، وافق على المبدأ التالي: " تقام الحكومة ليس أقلّ لحماية الملكيّة من حماية الأشخاص " (1) . حقوق الملكيّة – يعنى الأساس الذى عليه تنهض العبوديّة و كذلك أشكال أخرى من الإستغلال و التمييز و الإضطهاد جرى على الدوام الدفاع عنها . و طوال أكثر من قرنين من الزمن كُرّس خلالهما هذا الدستور ، إلى يومنا هذا ، رغم الحقوق الشكليّة المعلنة للأشخاص و حتّى مع أنّ الدستور قد نُقِّح ليلغي العبوديّة حيث شخص يملك عمليّا شخصا آخر كملكيّة ، فإنّ دستور الولايات المتّحدة ظلّ على الدوام وثيقة تدافع عن و عطى سلطة قانونيّة لنظام فيه الجماهير الشعبيّة ، أو قدرتها على العمل ، غستخدمت كملكيّة خاصة للثروة لفائدة قلّة قليلة .
إنّ إلغاء العبوديّة أثناء الحرب الأهليّة عني إلغاء شكل من أشكال الإستغلال و مزيد تطوير و توسيع أشكال أخرى من الإستغلال . و مثلما كتبت في " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ، " رغم جهود أنصار إلغاء العبودية و مقاومة تمرّدات العبيد أنفسهم – و قتالهم البطولي في الحرب الأهليّة ذاتها – لم تخُض حكومة الوحدة في الشمال و رئيسها لينكولن الحرب لأجل إلغاء فظائع العبوديّة بمعنى أخلاقيّ ما ... لقد نشأت الحرب الأهليّة عن نزاع بين نمطين من الإنتاج ، النظام العبودي في الجنوب و النظام الرأسمالي المتمركز في الشمال ، و إنفجر هذا العداء بصورة مفتوحة ، حرب ، عندما لم يعد من الممكن لهذين النمطين من الإنتاج أن يتعايشا داخل البلاد نفسها " (2) . و مثّل إنتصار الشمل على الجنوب في الحرب الأهليّة للولايات المتّحدة إنتصارا للنظام الرأسمالي على حسبا النظام العبودي . و قد مثّل ذلك إنتصارا للشكل الرأسمالي لإستخدام الناس كوسيلة لخلق الثروة . و في ظلّ نظام عبودي تماما ، يكون العبد كلّيا ملكيّة مالك العبيد . و في ظلّ الرأسماليّة ، تصبح العبوديّة عبوديّة مأجورة . : الطبقة المستغَلّة من العمّال ليست ملكيّة الطبقة الستغِلّة من الرأسماليّين ( مالكو المصانع و الأراضي إلخ ) بل يجد العمّال أنفسهم في وضع يتعيّن عليهم فيه بيع قدرتهم على العمل لرأسمالي لأجل كسب أجر . و تحتاج الرأسماليّة عددا كبيرا من العمّال " الأحرار " ، بمعنى مزدوج : يجب أن يكونوا " أحرارا " من كافة وسائل العيش ( كافة وسائل الإنتاج ) بإستثناء قدرتهم على العمل ؛ و لا يجب أن يرتبطوا بمالك خاص و مكان خاص و نقابة خاصة إلخ .- يجب أن يكونوا أحرارا ليقوموا بأيّ عمل يطالبون به ، يجب أن يكونوا " أحرارا "في التنقّل من مكان إلى آخر و أحرارا في أن يقع تشغيلهم و طردهم وفق حاجيات رأس المال ! إذا لم يستطيعوا أن يراكموا ثروة لرأسمالي من خلال عملهم ، عندئذ لا يستطيع العمّال العمل ن لا يستطيعون كسب أجر – لكن حتّى إن لم يستطيعوا أن يجدوا رأسماليّا ليستغلّ عملهم ، حتّى إن كانوا عاطلين عن العمل ، يظلّون بعدُ تحت هيمنة الطبقة الرأسماليّة و سيرورة مراكمة رأس المال للثروة – البروليتاريّون ( العمّال ) مرتهنون بالطبقة الرأسماليّة و النظام الرأسمالي من أجل حياتهم بالذات ، طالما كان النظام الرأسمالي يحكم . إنّه هذا الحكم ، هذا النظام الإستغلالي هو الذى يدافع عنه دستور الولايات المتّحدة و يفرضه و بصفة أكبر عقب إلغاء العبوديّة التامة خلال الحرب الأهليّة .
لكن إليكم واقع آخر غاية في الأهمّية : في الظروف الملموسة لخروج الولايات المتّحدة من الحرب الأهليّة ، و لبعض الوقت بعد ذلك ، لم تكن العبودية المأجورة الشكل الأوسع فحسب للإستغلال الجاري في الولايات المتّحدة . إلى وقت حديث جدّا ( إلى خمسينات القرن العشرين ) كان ملايين السود مستغَلّون مثل الأقنان في مزارع الجنوب ، يشتغلون كمزارعين و فلاّحين مأجورين لإثراء الملاّكين العقّاريّين الكبار ( و أصحاب البنوك و الرأسماليّين الآخرين ) . و فُرضت ترسانة كاملة من القوانين – معروفة عموما بقوانين جيم كرو – للحفاظ على هذه العلاقة الإستغلاليّة و الإضطهاديّة : و السود عبر الجنوب – و حقيقة عبر البلاد بأسرها – تعرّضوا إلى تمييز مفضوح و عنف و إرهاب سمحت بهم مثل تلك القوانين و شجّعت عليهم . و كلّ هذا ، أيضا ، دافع عنه و فرضه الدستور و تـاويلاته و تطبيقاته من طرف السلطات السياسيّة و القانونيّة العليا في الولايات المتّحدة . و طوال العقود العديدة الماضية ، عندما وقع إجتثاث الغالبيّة العظمى من السود من الأراضي في الجنوب لينتقلوا إلى مدن الشمال ( و الجنوب ) تواصل بعدُ التمييز ضدّهم ، و تعرّضوا إلى الميز العنصريّ بالقوذة ن كما تعرّضوا بإستمرار إلى العنف و الإرهاب حتّى بينما وقع توسيع بعض الحقوق المدنيّة الشكليّة لتشملهم .
و مجدّدا ، ينسجم ها مع مصالح الطبقة الرأسماليّة الحاكمة و النظام الرأسمالي . إنّه يتماشى مع المبدأ الذى ألنه جامس ماديسون : على الحكومات أن تحمي الملكيّة بقدر ما تحمى الأشخاص . و في الواقع ، ما عناه ماديسون بداهة – و ما كن عليه بوضوح واقع الولايات المتّحدة – هو أنّ الحكومة يجب أن تحمي ملكية البيض ، لا سيما البيض الأغنياء ، أكثر من حماية حقوق السود . لا يجب أن ننسى أبدا أنّه لمعظم تاريخهم في ما هو اليوم الولايات المتّحدة الأمريكيّة كان السود ملكيّة البيض ، وبوجه خاص مالكي المزارع الأثرياء . و حتّى بعد إلغاء هذه العبوديّة التامة ، لم يكن مسموحا أبدا للسود بأن يبلغوا المساواة مع البيض : لقد أخضعوا و تمّ الحفاظ على أنّهم أمّة مضطهَدَة و وقع التنكّر لحقّهم في تقرير المصير . لا يمكن للرأسماليّة أن توجد دون إضطهاد الأمم و هذا صحيح أكثر عندما تتطوّر الرأسماليّة إلى أعلى مراحلها : الرأسماليّة الإحتكاريّة – الإمبرياليّة . و لئن بيّن تاريخ الولايات المتّحدة شيئا فقد بيّن هذا .
الإرث الذى لن يتخلّوا عنه :
إنّ الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة اليوم – فوق كلّ شيء إمبرياليّو الولايات المتّحدة ، الرأسماليذون على نطاق واسع و المستغِلّون العالميّون الذين يهيمنون على الولايات المتحدة و معظم العالم – هم فعلا ، كما يزعمون ، ينحدرون مباشرة و عن جدارة من " آبائهم المسؤّسين " . و لهذا الطبقة الحاكمة و ممثّلوها السياسيّون بينما يشعرون بالإضطرار إلى قول إنّهم يعارضون العبوديّة اليوم ( على ألقلّ في الولايات المتّحدة ذاتها ) ، يمدحون بجدّية و يحتفون بملاّكي العبيد و المدافعين عن العبوديّة الذين كانوا بارزين جدّا ضمن " الآباء المؤسّسين " و لعبوا أدوارا محوريّة جدّا كجزء من تركيز نظام الولايات المتّحدة : رجال مثل جورج واشنطن و توماس جيفرسن و جامس ماديسون .
هؤلاء الإمبرياليّين لن يعترفوا أبدا بأنّ " آباءهم المؤسصّسين " أرسوا نظام حكم قائم في أسسه ذاتها على الإضطهاد و الإستغلال . لن يعترفوا أبدا بأنّ دستورهم هو الأداة القانونيّة لفرض ذلك الإستغلال و الإضطهاد .لا يمكنهم الإعتراف بذلك و أكثر من ذلك أيضا ، لا يمكنهم الإعتراف بأنّ الثروة و السلطة الشهيرتين تنبعان و بنيتا على سرقة الأرض و الموارد من السكّان الأصليّين ( و المكسيك ) من خلال الإبتزاز و وسائل القتل التام ؛ و من خلال التجارة في لحم البشر الحيذ و سحق البشر في عمل العبيد ؛ و من خلال الإستغلال بلا رحمة للمهاجرين بالملايين كعبيد مأجورين ؛ و من خلال السرقة و النهب عبر العالم ، خاصة لأمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و آسيا ( ما يسمّى اليوم عامة بالعالم الثالث ) . لا يمكن أن يقرّوا بانذه بينما تغيّرت أشكال العبوديّة ، ظلّت الولايات المتّحدة من البداية وصولا إلى اليوم ، مجتمعا حيث العبوديّة بشكل أو آخر كنت في موقع القلب من النظام الاقتصادي و بالذات أساس الهيكلة السياسيّة .
هناك الكثيرون ( بمن فيهم حتّى قاضى المحكمة العليا ثرنغود مارشال ) الذين يحاججون بأنّه بسبب الدفاع عن العبوديّة في الدستور – و ظلم آخر مثل إقتصاء النساء من الإنتخاب و معاملة الهنود الحمر – لم يكن الدستور وثيقة عظيمة عندما كُتب بيد أنّه صار عظيما عبر تاريخ الولايات المتّحدة و النضالات لإنشاء إتذحاد أكمل و دستورا أكمل . بكلمات أخرى ، يمكن أن تكون للدستور نقائص ببعض الطرق عندما إرتئى في الأصل ، لكن معجزته هي أنّ الدستور ينطوى في فصوله على إمكانيّات التغيير و التحسين – لتوسيع الديمقراطيّة و الحقوق إلى من حُرموا منها قبلا . و سيضيف البعض ، بينما يُدافع الدستور على حقوق الملكيّة ، يدافع أيضا عن الحقوق الفرديّة و المدنيّة ( حتّى موقف ماديسون المذكور في بداية هذا المقال يشدّد على ذلك ، قد يحاجج البعض ) . لننظر بعمق أكبر في هذه المسائل .
توسيع الدستور ... توسيع الهيمنة البرجوازيّة :
إنّ توسيع الحقوق و الحماية الدستوريّة للذين تمّ إقصاؤهم منا قبلا قد ترافق بطريقة عامة بتوسيع العلاقات البرجوازيّة ( الرأسماليّة ) و هيمنتها عبر الولايات المتّحدة . و في الوقت نفسه ، مضى ذلك اليد في اليد مع مواصلة إضطهاد السود و السكّان الأصليّين الأمريكيّين و اللاتينو و المهاجرين من أمريكا اللاتينيّة ( و من غيرها من الأماكن )، و إضطهاد النساء، و أشكال أخرى من الإضطهاد و الإستغلال . و كلّ هذا ليس في تناقض مع بل يتناغم مع المبادئ الجوهريّة التي يقوم عليها الدستور و الطريقة التي يتعامل بها مع العلاقة بين حقوق الملكيّة و حقوق الأفراد . (*)
و تجدر الملاحظة بأنّ الفصل 14 من الدستور ( وهو صدى للفصل الخامس ) نقطته المحوريّة هي بند أنّ لا ولاية يمكن أن " تحرم أيّ شخص من الحياة و الحرّية و الملكيّة دون سيرورة قانونيّة لازمة ؛ و لا أن تنكر على أيّ شخص داخل مجالها القانونيّ الحماية المتساوية أمام القانون ". و بوجه خاص في الفترة منذ الحرب العالميّة الثانية ، هذا إستُخدم هذا الفصل كجزء كبير من أساس توسيع الحقوقالمدنيّة لتشمل السود و النساء و آخرين تعرّضوا إلى التمييز ضدّهم . و مع ذلك، هذا الفصل صُوصق عليه بالضبط عقب الحرب الأهليّة ، سنة 1866؛ و لعدّة عقود لم يُستخدم هذا الفصل لمقاتلة الميز العنصريّ و الجنسيّ . بدلا من ذلك " لعدّة سنوات ، طبّقت المحكمة العليا بُند السيرورة اللازمة أساسا لحماية مصالح رجال الأعمال ضد قانون الولاية للتشريع التنظيمي ".(3) فقط بداية من ما بعد الحرب العالميّة الأولى ، و بشكل أتمّ عقب الحرب العالميّة الثانية ، جرى تطبيق الفصل 14 بطريقة لها دلالتها على مسائل الميز العنصريّ و الجنسيّ . و هكذا ، " في سلسلة طويلة من الحالات " بداية من 1925 ، المحكمة العليا " وسّعت تدريجيّا فهمها للسيرورة اللازمة لكي تشمل معظم ضمانات الحرّيات الفرديّة في القانون و الحقوق الفيدراليّة و حمايتها من ضعف الولاية . و حدث تطوّر مشابه في ما يتّصل ب بند الحماية المتساوية " (4). و هذه التغييرات في قرارات المحكمة العليا كانت جزءا من تغييرات أكبر في سياسة الطبقة الحاكمة . لكن هذه لم تنجم عن بعض الرؤى القانونيّة الثاقبة الجديدة ، و لا عن ضوء فجئيّ لصحوة أخلاقيّة في صفوف الطبقة الحاكمة . بالأحرى ، نجمت عن تغيّر في وضع السود في مجتمع الولايات المتّحدة و بأكثر حيويّة ، عن وضع الإمبرياليّين الحاكمين و حاجياتهم .
و كما جرت الإشارة إلى ذلك آنفا ، عرفت جماهير السود تغيّرا دراماتيكيّا في ظروف وجودها الخاصة – و ظروف الإضطهاد – في الولايات المتّحدة . و بدأ هذا خلال الحرب العالميّة الأولى و مباشرة إثرها لكنّه تطوّر تماما خلال الحرب العالميّة الثانية و إثرها . تُبع طلب العمل في الإنتاج الحربيّ و في صناعات إستراتيجيّة أخرى ، بعد الحرب العالميّة الثانية ، بتغيّرات شاملة في الفلاحة بالجنوب – أتت نتيجة التغيّرات التقنيّة و المنافسة الإقتصاديّة العالميّة – دفع بملايين و ملايين السود من الجنوب الريفيّ إلى الغيتوات المدينيّة للشمال و الجنوب ، و إلى الفئات الأكثر إستغلالا من البروليتاريا . و في الوقت نفسه ، لم يظهر الإمبرياليّون الأمريكان منتصرين فحسب بل تعزّزت قوّتهم بصفة كبيرة بفعل الحرب العالميّة التي دمّرت البلدان المعنيّة بصورة مباشرة و مركزيّة أكثر . لذا ، عقب الحرب العالميّة الثانية ، كانت إمبرياليّة الولايات المتّحدة في كلّ مكان تجمع تحت سيطرتها الممتلكات الإستعماريّة السابقة للقوى الإستعماريّة السابقة و تركّز الهيمنة الإستعماريّة الجديدة للولايات المتحدة باسم الحرّية و ( عادة ) تحت قناع السماح بالإستقلال الشكليّ . و في هذا الوضع ، لم يكن من الضروريّ جدّا – و ما كانمساعدا جدّا – معاملة السود بشكل مفضوح و بارز ك " مواطنين من الدرجة الثانية " في الولايات المتّحدة عينها . لهذا ، طوال الفترة الممتدّة على عدّة عقود ، وقع تقديم تنازلات للمطالبة بالحقوق المدنيّة و النضالات من أجل ذلك في الوقت نفسه مع الإحباط و القمع الخبيث و الترويج ل " قادة سود موالين و مسؤولين " فتمّ الإبقاء على الأشياء بصلابة تحت سيطرة الطبقة الحاكمة و في خدمة مصالحها الأوسع . و كذلك ، عرفت العقود الحديثة تغييرات سياسيّة و قانونيّة أفضت إلى توسيع معيّن للحقوق الشكليّة للنساء و بعض التنازلات لمعركتهنّ ضد الإضطهاد . و قد تناسبت هذه التنازلات مع تغيّرات هامة في المجتمع و في العالم بما في ذلك واقع أنّ في نسبة مائويذة صغيرة فحسب من الأسر الأمريكيّة ، لم يعد الحال أنّ الأسرة يُعيلها الرجل العامل لا غير . لكن مجدّدا ، هذه التنازلات إنحصرت في حدود تماشى جوهريّا مع مصالح و حاجيات الطبقة الحاكمة إزاء الظروف المتبدّلة في الولايات المتّحدة و في العالم .
هل سيجرأ أيّ شخص على قول إنّه بسبب هذه التغيّرات و التنازلات ،اللامساواة و الظلم قد ألغيا من الولايات المتّحدة ؟ في الواقع ، لا شيء من هذا قد أُلغي بأيّة طريقة ، أو إقترب من إلغاء التمييز ضد السود و ظروفهم الإضطهاديّة العامة و مكانتهم كأمّة مضطهَدة . و كذلك ما إنفكّ الإمبرياليّون الحاكمون يضطهدون السكّان الأصليّين لأمريكا – لم يتوقّفوا أبدا حتّى عن محاولة خداعهم و سرقة أراضيهم و مواردهم الثمينة . و أيضا ما إنفكّ الإمبرياليّون يقترفون التمييز ضد و يستغلّون بخبث الأقلّيات القوميّة الأخرى و المهاجرين . و كذلك ، رغم أنّ فصلا دستوريّا ( ال19 سنة 1919) منحهم حق التصويت و تنازلات أخرى ل " حقوق النساء " ، لم تمنح النساء المساواة – لم يوضع حدّ للإخضاع و الإهانة اللذين تعرّضت لهما : يظلّ إضطهاد النساء حجر أساس في مجتمع الولايات المتّحدة طالما أنّ نظام هيمنة و إستغلال طبقيّين مفروض . و اليوم ، قرنان بعد التفعيل الأوّل لدستور الولايات المتّحدة و بعد جميع التغييرات و التعديلات ، ما من أحد بوسعه جدّيا و بصفة معقولة أن يحاجج بأنّ مختلف أنواع الإضطهاد التي تحدّثت عنها هنا لم توجد أو هي مظهر بسيط للوضع لا أكثر . ما من أحد بوسعه جدّيا و بصفة معقولة أن يحاجج أنّها ليست مظهرا أساسيّا متجذّرا عميق التجذّر في المجتمع الأمريكي .
و سبب هذا متجذّر في ذات واقع و طبيعة النظام الاقتصادي في الولاات المتّحدة و النظام السياسي الذى يدافع و يفرض هذا النظام الاقتصادي بما في ذلك الدستور ك " أساس " قانوني للهيكلة السياسيّة . و السبب الجوهري للماذا " توسيع " الحقوق الدستوريّة إلى الذين تمّ حرمانهم منها سابقا لم يضع نهاية للإستغلال و اللامساواة و الإضطهاد هو التالي : جوهر النظام الاقتصادي الرأسمالي ليس منافسة مالكي السلع ، جميعهم يتنافسون بشكل متساوي في السوق ( فرصة متساوية للجميع ) . الجوهر هو إستغلال العمل كعمل مأجور ، تحكّم رأس المال في قوّة العمل ( القدرة على العمل ) كسلعة – سلعة فريدة من نوعها – يخلق إستعمالها ثروة . (**) و مثلما قال لى عامل برصيف بميناء قبل سنوات : ما من أحد يصبح غنيّا بالعمل ، الطريقة الوحيدة لأن تصبح غنيّا هي جعل أناس آخرين يعملون من أجلك ). و جوهر الهيكلة السياسيّة التي تتماشى مع هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي و تحميه ليس الحرّية و الديمقراطيّة للجميع ، بغضّ النظر عن الثروة و الموقع الاجتماعي . الجوهر هو دكتاتوريّة الطبقة البرجوازيّة – إحتكارها للسلطة السياسيّة و القوّات المسلّحة – ضد الذين تهيمن عليهم في النظام الإقتصاديّ ، خاصة البروليتاريا . و هكذا ، حقّ التصويت و حقوق شكليّة أخرى للبروليتاريا و الجماهير المضطهَدَة الأخرى ليست بأيّ شكل من الأشكال في تعارض جوهريّ مع النظام الاقتصادي و السياسي للرأسماليّة و الدكتاتوريّة البرجوازيّة .
الديمقراطيّة البرجوازيّة – الدكتاتوريّة البرجوازيّة :
تقدّم الديمقاطيّة البرجوازيّة نفسها كديمقراطيّة لاطبقيّة : إنّها تعلن المساواة بين الجميع . و هكذا ، دستور الولايات المتّحدة لا يقول إنّ الطبقات المختلفة من الشعب يجب أن تملك ثروة و سلطة غير متساويتين ؛ بالأحرى ، يُرسى قوانينا يبدو و كأنّها تعامل الجميع بالطريقة نفسها ، بغضّ النظر عن الثروة و المكانة الإجتماعيّة . و مع ذلك ، لم يوجد أبدا ، و لا يمكن أن يوجد أبدا ، مجتع رأسمالي دون إختلافات هائلة في الثروة و النفوذ ، دون إنقسامات طبقيّة جوهريّة و تناقضات عدائيّة. في الواقع ، مجتمع رأسمالي دون هذه الأشياء غير ممكن تصوّره حتّى . و في الواقع ، الديمقراطيّة في المجتمع الرأسمالي لا يمكن أن تكون سوى ديمقراطيّة برجوازيّة . و يعنى هذا أنّ هناك ديمقراطيّة – حقوق سياسيّة متساوية و سلطة لإتّخاذ القرارات الجوهريّة – فقط ضمن الطبقة الرأسماليّة ، الطبقة الحاكمة . و بالنسبة إلى البقيّة و بخاصة بالنسبة إلى البروليتاريا، الديمقاطيّة البرجوازيّة تعنى الدكتاتوريّة : إنّها تعنى الخضوع لحكم الرأسماليّين حتّى حينما يُسمح بالتصويت و حتّى حينما يتمّ الحكم وفق دستور يحدّد القوانين التي ستطبّق بمساواة على الجميع . كيف يمكن لهذا أن يوجد ؟
أوّلا ، بالنسبة إلى التصويت ، كما أشرت إلى ذلك في كتاب " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " :
" على المستوى الأكثر بداهة ، أن تكون مرشّحا جدّيا لأيّة وظيفة كبرى في بلد مثل الولايات المتّحدة يتطلّب ملايين الدولارات – ثروة خاصة أو غالبا ، دعم من أناس لهم تلك الثروة الماليّة . و أبعد من ذلك ، أن تصبح معروفا و تؤخذ على محمل الجدّ يرتهن بالعرض المواتي في وسائل الإعلام ( مواتي على ألقلّ بمعنى أنّك تقدّم كأنّك ضمن إطار المسؤوليّة – أي ، السياسات المقبولة ...و في حين " يعبّر الناس عن إرادتهم عبر التصويت " ، كلا المرشّحان اللذان عليهم الإختيار بينهما و " المواضيع " التي تستحقّ " الإنتباه الجدّي " قد وقع إختيارها من قبل شخص آخر " الطبقة الحاكمة ...
و فضلا عن ذلك ، و حتّى أكثر جوهريّة ، " لبلوغ مكان ما " عندما يتمّ إنتخابك – كلّ من التقدّم بالمسار المهنيّ الشخصيّ و " الحصول على فعل شيء ما " – من الضروري أن تتماشى مع القواعدالمركّزة و تعمل ضمن الهياكل المركّزة ". (5)
إلاّ أنّ هذا ليس كلّ شيء .
مع ذلك ، إذا لم تكن السيرورة الإنتخابيّة في المجتمع البرجوازي تمثّل ممارسة سيادة الشعب ، فهي عامة تلعب دورا هاما في الحفاظ على سيادة – دكتاتوريّة – البرجوازيّة و تواصل المجتمع الرأسمالي . و تنزع هذه السيرورة الإنتخابيّة ذاتها نحو تغطية العلاقات الطبقيّة الأساسيّة – و التناقضات الطبقيّة العدائيّة – في المجتمع ، و تخدم لتقديم تعبير شكليّ ، مؤسّساتي للمشاركة السياسية للأفراد المشتّتين كأفرراد في تأبيد الوضع القائم . و لا تقلّص هذه السيرورة الناس إلى أفراد منعزلين فحسب و إنما في الوقت ذاته تقلّصهم إلى موقع سلبيّ سياسيّا و تحدّد جوهر السياسة على أنّه مثل هذه السلبيّة المشتّتة – كلّ شخص ، فرديّا ، منعزل عن الآخرين ن مقدّما قبوله / قبولها لهذا الخيار أو ذاك ، و جميع هذه الخيارات قد صيغت و قُدّمت من قبل سلطة تقف فوق هذه الجماهير المشتّتة من " المواطنين "... قبول السيرورة الإنتخابيّة ذاتها على أنّها جوهر الفعل السياسي يعزّز القبول بالنظام القائم و يعمل ضد إحداث أيّة قطيعة راديكاليّة ، حتّى لا نقول أيّ شيء عن الإنقلاب العملي على ذلك النظام . ( 6 )
و لنتذكّر أنّ أحد أهم الأسباب التي جعلت دستور الولايات المتّحدة " مقدّرا و مركّزا " كما أعلن في " التمهيد " ، كان منع التمرّد الاجتماعي و الإطاحة بالنظام الذى يدعمه هذا الدستور – " ضمان الهدوء الداخلي " .
و الشيء نفسه يمكن قوله عن المظاهر الأخرى للديمقراطيّة البرجوازيّة و نوع الحقوق المعروضة في دستور الولايات المتّحدة ( بما في ذلك " قانون الحقوق " ) : هدفها و دورها هو تعزيز حكم البرجوازيذة و الإبقاء على النشاط السياسي في إطار الحدود المقبولة للبرجوازيّة . و هكذا ، " حرّية التعبير المتبجذح بها كثيرا في " البلدان الديمقراطيّة " ليست في تعارض مع بل هي مشمولة و محدودة ضمن الممارسة العمليّة لدكتاتوريّة البرجوازيّة . و يعود هذا إلى سببين إثنين – لأنّ الطبقة الحاكمة تملك إحتكار وسائل تشكيل الرأي العام و لأنّ إحتكارها للقوّات المسلّحة يضعها في موقع يسمح لها بأن تقمع، بالعنف الذى تراه ضروريّا ، أيّ تعبير عن الأفكار و كذلك أيّة حركة تمثّل تحدّيا جدّيا للنظام القائم " (7). إنّ تاريخ الولايات المتّحدة ،مثل تاريخ كامل الدكتاتوريّات " الديمقراطيّة " البرجوازيّة الأخرى ، يزخر بالإيضاحات التخطيطيّة لمجرّد مدى صحذة الموقف المقتبس أعلاه !
المساواة الشكليّة – معاملة كافة الأشخاص كمتساوين و خاصة " متساوين أمام القانون " ، دون إعتبار الثروة و الموقع الاجتماعي – في المجتمع البرجوازي تغطّى عمليّا على علاقة الإخضاع الكامل و الإستغلال و الإضطهاد الكاملين الذين تتعرّض لهم البروليتاريا و الجماهير الشعبيّة . إذا تحكّمت مجموعة صغيرة – الطبقة الرأسماليّة – في الوسائل الهامة لخلق الثروة ، عندئذ في الواقع ستكون لها سلطة الحياة و الموت على الذين يتحكذمون في القليل منها أو في لا شيء منها . و إمتلاك مثل هذه السلطة على الناس هو ، في الجوهر ، إبقاؤهم في ظروف عبوديّة ، سواء كانت أم لم تكن السلاسل ظاهرة تماما . في مثل هذا الوضع ، وهو الظرف الجوهري للمجتمع الرأسمالي – كيف يمكن أن يكون هناك أيّ شيء إلاّ لامساواة عميقة إقتصاديّا و إجتماعيّا و سياسيّا ؟ بمثل هذا الإنقسام الجوهري و بمثل هذه اللامساواة الجوهريّة لا يمكن أبدا أن يوجد أيّ شيء عدا الإستغلال و الإضطهاد و الدكتاتوريّة .
و بالنظر إلى القانون ، سيظهر هذا بطريقتين إثنتين . أوّلا ، أولئك الذين يهيمنون على المجتمع إقتصاديّا سيهيمنون عب الهيكلة السياسيّة ، في تقرير مضمون القوانين . سيضمنون أن تخدم القوانين مصالحهم . و ثانيا ، التطبيق العملي و فرض القانون سيميّز خدمة لمصلحة الذين يملكون ثروة و سلطة و سيكون ضد الذين لا يملكونهما – و حتّى أكثر ضد الأمم المضطهَدَة و النساء و الآخرين الذين " هم آخر الأخيرين " في المجتمع . و هذا تبيّنه الحياة اليوميّة العادّة في المجتمع الرأسمالي المرّة تلو المرّة . و هكذا ، مرّة أخرى ، كما مع حقّ التصويت و الحقوق الدستوريّة الأخرى في جمهوريّة ديمقراطيّة – برجوازيّة ، المساواة الشكليّة أمام القانون تعبّر عن نفسها ، في الواقع ، كلامساواة عميقة – و أكثر – كشيء محصور ضمن و يتناسب مع الهيمنة البرجوازيّة و الدكتاتوريّة البرجوازيّة .
إنّ الإختلاف الأساسي بين وجهة النظر البرجوازيّة للحرّية و الديمقراطيّة من جهة و سعي الجماهير الشعبيّة إلى وضع نهاية للظروف الإضطهاديّة من الجهة الأخرى ، يرسم بحدّة في الأحداث الأخيرة في هايتي و الفليبين و كوريا الجنوبيّة . فالجماهير المضطهَدة ( و الطلبة و المثقّفين الثوريّين ) يرغبون في نوع من التغيير الجوهري في النظام الاجتماعي و في كسر سلاسل الهيمنة الإمبرياليّة على بلدانهم . لكن معارضة قادة البرجوازيّة و الأحزاب البرجوازيّة يرغبون فقط في الإعتراف بالبنود و السيرورات الديمقراطيّة البرجوازية – بالإنتخابات كأعلى تعبير عن النشاط السياسي . فوق كلّ شيء، يرغبون في تقاسم السلطة – بينما يتركون النظام الاجتماعي و الهيمنة الإمبرياليّة دون مساس . أمّا بالنسبة إلى الإمبرياليّين حيث يصبحون مقتنعين بالحاجة إلى التغيير فىمثل هذه الأوضاع ، يبذلون قصارى الجهد لإبقائه ضمن إطار الهيمنة الإمبرياليّة و الحكم البرجوازي . و بالفعل ، يحاولون إستعمال مثل هذه الأوضاع لتعزيز و ربّما " تحسين " جهاز السياسة البرجوازيّة – و فوق كلّ شيء ، جهاز القمع – في البلدان المعنيّة .
و مع هذا نبلغ النقطة الأكثر جوهريّة التي عادة ما يقع تجاهلها أو التغاضى عنها في النقاشات و الجدالات حول الديمقراطيّو في بلدان مثل الولايات المتّحدة : الواقع هو أنّ الدرجة التي إليها تتوسّع الحقوق المسموح بها إلى الطبقات غير الحاكمة في البلدان الإمبرياليّة ترتهن بوضع حيث في أنحاء واسعة من العالم في ظلّ الهيمنة الإمبرياليّة ، تتعرّض الجماهير الشعبيّة على قمع مفضوح أكثر و قاتل أكثر . بإختصار :
" أرضيّة الديمقراطيّة في البلدان الرأسماليّة ( مأكول دودة كما هي ) تقوم على الرعب الفاشي في الأمم المضطهَدَة : الضامنون الحقيقيّون للديمقراطيّة البرجوازيّة في الولايات المتّحدة ليسوا الأكاديمية الدستوريّة و عدالة المحكمة العليا ، و إنّما هم المعذِّبون البرازيليّون و شرطة جنوب أفريقيا و الطيّار الإسرائيليّ ؛ المدافعون الحقيقيّون عن التقاليد الديمقراطيّة ليسوا في الصور المعلّقة في أروقة الكابيتولات الغربيّة و إنّما هم ماركوس و موبوتو و عشرات الجنرالات من تركيا إلى تايوان و من كوريا الجنوبيّة إلى جنوب أمريكا ، كلّ هذا موضوع و محافظ عليه في السلطة و مدعوم من قبل القوّة العسكريّة للولايات المتّحدة و شركائها الإمبرياليّين .(***) (8)
لكن في الوقت نفسه ، الحكّام الإمبرياليّون و المقدّسون بحماس للديمقراطية البرجوازيّة يمضون إلى مدي بعيد ليحاولوا التغطية على ذلك ، أو إساءة شرح الأمر ، القمع العنيف " في الداخل " الأساسي جدّا ليس لسير النظام و الحفاظ على النظام المركّز :
لأنّه يوجد قمع خبيث و إرهاب دولة يطبّقان بإستمرار – و ليس في أوقات الأزمة الجدّية أو التمرّد الاجتماعي فحسب – في البلدان الإمبرياليّة ؛ و يطبّق ها التوجّه بوجه خاص ضد الذين لا يدعمون بل يعارضون النظام القائم ، أو الذين ببساطة لا يمكن عدّهم على أنّهم مسالمين من قبل السير العادي للنظام الإمبرياليّ – أولئك الذين تكون ظروفهم يائسة و يكون وضعهم الحياتي متفجذر على أيّ حال .
في الولايات المتّحدة ، مئات رجال الشرطة يُطلقون النار على المضطهَدين ، لا سيما السود و الأقلّيات القوميّة الأخرى ، كلّ سنة و إنّه لأمر واقع أنّ السجون يعمّرها بشكل طاغي الفقراء ، و العدد الأكبر مرّة ا×رى من السود و الأقلّيات القوميّة -هو إحصاء مذهل لكن حقيقي أنّ 1 من 13 أسود في الولايات المتّحدة سيتعرّض للإيقاف كلّ سنة ( و يُسجن السود أكثر من البيض بمعدّل 8 و نصف مرّة ! ) – و الإستعمال المنتشر للمخدّرات و تقنيات الجراحة و وسائل أخرى لقمع و بثّ الرعب فى صفوف المساجين ( و كذلك عدد مذهل من الناس ليس في السجون ، بما في ذلك أطفال يُزعم أنّهم عنيدون ) و إستخدام ما يسمذى بالرفاه الاجتماعي و وكالات الخدمات الإجتماعيّة الأخرى لهرسلة الفقراء و التحكّم فيهم وصولا إلى التفاصيل الأكثر حميميّة لحياة الأشخاص ؛ هذا و أكثر منه بكثير جزء من تجربة الحياة اليوميّة لملايين الناس في أكبر البلدان الإمبرياليّة . و إلى جانب هذا ، طبعا ، هناك إستعمال جهاز الدولة للقمع السياسي المباشر ...
أوقات الأزمة الحادة و التوتّر الاجتماعي ، طبعا ، يُنجز كلّ هذا بشكل أشدّ و أكثر إتّساعا ... و بعدُ ، الآن بالذات في الولايات المتّحدة ، لذكر مظهر هام واحد من هذا ، مئات آلاف المهاجرين ، " اللانظاميّين" و " النظاميّين " يتعرّضون إلى حملة ترهيب – بما في ذلك هجمات على أماكن شغلهم و منازلهم و الفصل بالقوّة و بطريقة فجئيّةة للأولياء عن أبنائهم ، و ترحيل أعداد كبيرة من اللاجئين إلى أحضان فيالق الموت التي تنتظرهم هي و قتلة آخرون تابعين للحكومات في بلدان مثل السلفادور. و كذلك ، يوجّه الشيء نفسه ضد المهاجرين في فرنسا و ألمانيا الغربيّة و أنجلترا و ديمقراطيّات إمبرياليّة أخرى.
و عبر كلّ هذا ، بينما يعدّ القمع السياسي المفتوح من قبل الدولة بمعنى ما المؤشّر الأوضح على المضمون الطبقيّ للديمقاطيّة – في البلدان الإمبرياليّة كما في أماكن أخرى – بمعنى آخر ، الإرهاب اليومي و عادة ما يبدو عبثيّا ، الموجّه ضد الفئات الدنيا في هذه البلدان الإمبرياليّة يركّز العلاقة بين السير العادي للنظام و الطبيعة السياسيّة ( أي الطبقيّة ) للدولة . (9)
رؤية جديدة و أشمل بكثير للحرّية :
في هذا المقال إلى حدّ الآن ، عند الحديث عن بعض المسائل الأساسيّة بشأن دستور الولايات المتّحدة و النظام الذى يدافع عنه ، قمت بالردّ على بعض أهمّ الحجج المنافحة عن هذا الدستور و عن هذا النظام ، بما فيها حجّة أنّ الدستور لا يتّصف بالكمال وهو قابل للتحسين – و يمكن أن يُحسذن بإستمرار و الحقوق التي يركّزها يمكن أن تتوسّع إلى الذين حُرموا منها سابقا . و قبل الختام ، أود أن أعالج بإقتضاب بعض الحجج الأساسيّة الأخرى المقدّمة باسم – أو دفاعا عن – هذا الدستور و هذه المبادئ و الرؤية التي يجسّدها .
" يركّز هذا الدستور قانونا خاصا بالأرض ينسحب على الجميع – يركذز حكم قزانين ، ليس حكم الشعب ". و هذا مرتبط وثيق الإرتباط بمبدأ " المساواة أمام القانون " . ما نعنيه ب " حكم القانون ، ليس حكم الشعب " هو أنّه ما من أحد " فوق القانون " و ما يُسمح به و ما يُمنع يحدّدان قبل كلّ شيء ، ضمن مجموعة من الضوابط المنسحبة على الجميع و يمكن تغيير هذا فقط من خلال سيرورات مركّزة للقيام بمثل هذه التغييرات . و يُحيل " حكم الشعب " على مفهوم حكم حيث إرادة بعض الناس و كلمتهم – ملك ، طاغية ، مجموعة من الطغاة إلخ – هما اللذان يحدّدان ما يُسمح به و ما يُمنع ، و أين يمكن لهذا أن يتغيّر و سيتغيّر وفق ما يمليه مثل هؤلاء الحكّام و وفق نزواتهم . لا وجود لشيء مشترك و واضح المعالم كمعيار ينسحب على الجميع ، حتّى على القادة السياسيّين و الأقوياء و المأثّرين في المجتمع .
مثل كافة مبادئ الديمقراطيّة البرجوازيّة ، هذا المفهوم " حكم القوانين ، ليس الشعب " يُغفل و يطمس المسألة الأساسيّة . قبل كلّ شيء :
" حكم القانون " يمكن أن يكون جزءا من دكتاتوريّة ، من نوع أو آخر ، و بالمعنى الأعمّ هو كذلك – حتّى حيث قد يبدو أنّ السلطة ممارسة دون قانون أو فوق القانون ، القوانيني ( بمعنى المعايير الممنهجة التي على الناس إتّباعها في المجتمع ، سواء كانت مكتوبة أم لا ) ستظلّ موجودة و تلعب جزءا من فرض حكم الطبقة المهيمنة . و بالمقابل ، كافة الدول ، كافة الدكتاتوريّات ، تشمل قوانينا بشكل أو آخر . (10)
و الأكثر جوهريّة هو أنّ المسألة هي : ما هي طبيعة و ما هو المضمون الطبقيّ للقوانين ، و ما هو النظام الذى يدافعون عنه و يفرضونه ، و ما هي المصالح الطبقية التي يمثّلونها – عن أيّة دكتاتوريّة طبقيّة ، برجوازيّة أم بروليتاريّة يعبّرون و هم أداة لها – و بإتّجاه تحقيق أيّة غاية يساهمون – صيانة التقسيم الطبقي و الهيمنة و الإستغلال و الإضطهاد الطبقيّين أم الإلغاء النهائيّ للإنقسامات الطبقيّة ، لكلّ الإنقسامات الإجتماعيّة الإضطهاديّة و التناقضات الإجتماعيّة العدائيّة ؟ بإختصار، المسألة الأساسيّة ليست " حكم القوانين مقابل حكم الشعب " و إنّما هي أيّ شعب - أيّ طبقة – يحكم و ما هي القوانين المفروضة و ما هي الأهداف التي تخدمها ؟
" نحن الشعب " الموجودة في موقع القلب من هذا الدستور و عبقريّة هذا الدستور : إنّه يُرسى حكومة من الشعب بواسطة الشعب و من أجل الشعب " . و كمعطى ماديّ تاريخي ، هذه الجملة الإتتاحيّة للدستور ، " نحن شعب الولايات المتّحدة " لم تكن إفرازا للرغبة في تجاوز مشاكل الولايات التي تقدّم سيادتها الخاصة ضد الحكومة الفيدراليّة – و الرغبة في تجنّب المشكل الخاص لعدم معرفة أيّة ولاية ستمضى بالموافقة على الدستور : " تمهيد فصول الكنفدراليّة ذكر بالإسم كافة الولايات بشكل منظّم من الشمال إلى الجنوب . كيف كان للاجتماع العام [ الدستوري ] أن يعدّد الولايات المشاركة دون معرفة من سيمضى بالموافقة ؟ في ومضة إلهام لامعة ، بدإفتتح الدستور بكلمات " نحن شعب الولايات المتّحدة ... نصادق على هذا الدستور و نركّزه ..." (11)
و أهمّ من ذلك ، الإطار التاريخي الأوسع و المضمون الفعلي لهذا الإعلان – " نحن الشعب " – يجب أن يوضّحا . إنّ تأسيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة كبلد مستقلّ لم يمثّل القطيعة مع هيمنة قوّة أجنبيّة فحسب فقد عني أيضا القطيعة مع شكل الحكم الذى يخول سلطة كبيرة في شخص النظام الملكي – حتّى و إن كان في نهاية المطاف يخدم مصالح البرجوازية مصالح البرجوازيّة " و النبلاء " ملاّكي الأراضي . عامة ، حقوق و تحديدات السلطة المركّزة في دستور الولايات المتّحدة المؤسسة حديثا كان يتمحور حول منع الحكم العبثيّ للطغاة و تريكز قدر كبير من السلطة أكثر من اللازم في شخص أو جزء من الحكم . و " الفصل بين السلط " و " المراقبة و التوازن " في مختلف فروع الحكم إرتُئي كطريقة لضمان أن يخدم الحكم مصالح الطبقة الرأسماليّة و ( وقتها ) ملاّكي العبيد ككلّ . و على ضوء هذا يجب فهم " نحن شعب الولايات المتّحدة " في " تمهيد " الدستور . بداهة " نحن شعب الولايات المتّحدة " لم يشمل كلّ الذين بشكل معّر قد تمّ حرمانهم من سيرورة إختيار الحكومة و المصادقة على الدستور . بالنسبة حتّى للمستوى الأكثر بداهة ، كيف يمكن لحكومة الولايات المتّحدة المتشكّلة حديثا ، مثلا ، أن تعتبر أنّها إستمدّت سلطاها " من توافق المحكومين " و الحال أنّه زمن تشكيل الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، غالبيّة الناس " المحكومين " – بمن فيهم العبيد و الهنود الحمر و النساء و الرجال الذين لا تنطبق عليهم متطلّبات ملكيّة متنوّعة و آخرين – لم يكن لديهم حتّى حقّ التصويت ... حتّى لا نقول أيّ شيء عن السلطة الفعليّة للحكم و تحديد إتّجاه المجتمع ؟ (12)
عامة ما تتحدّث الطبقات الحاكمة البرجوازيّة باسم الشعب ، كافة الشعب . من وجهة نظرها ، يمكن أن يكون لذلك قدرا من المعنى : بعد كلّ شيء يتحكّمون في الجماهير الشعبيّة . لكن من وجهة نظر أكثر أساسيّة و أكثر موضوعيّة ، زعمهم تمثيل جميع الشعب محبط . و لئن كان محبطا زمن تأسيس الولايات المتّحدة و تبنّى دستورها ، فهو كذلك بصورة أكبر الآن . فالآن حكم الرأسماليّين في تناقض عدائيّ جوهريّ مع مصالح الغالبيّة العظمى من الناس ، ليس فقط في بلد معيّن ، لكن عبر البلاد قاطبة . و الآن ، المسألة الحيويّة ليست تجاوز العراقيل الإقتصاديّة و السياسيّة لتطوّر الرأسماليّة و ما يتناسب معها من نظام سياسيّ . زمن وجود ذلك على الجندا التاريخيّة قد فات منذ وقت بعيد . ما يوجد الآن على الأجندا التاريخيّة هو الإطاحة بالرأسماليّة و الإلغاء النهائيّ لكافة الأنظمة الإستغلاليّة و كافة العلاقات الإجتماعيّة و كافة الإختلافات الطبقيّة بواسطة ثورة الطبقة المستغَلّة في ظلّ الرأسماليّة ، البروليتاريا .
و للحصول على معنى جدّ كامل لمجرّد كيف أنّ مصالح و أهمّ مشاغل " الآباء المؤسّسين " و المنحدرين منهم ، الإمبرياليّين الحاكمين اليوم ، مشروط تاريخيّا ، لننظر في واقع أنّه في كتابة دستورهم ، ماديسون و آخرون " كمصدر إلهام نظري ... إعتمدوا كثيرا على لوك و على كتاب منتسكيو " روح القوانين " . و كلا الكاتبان قد أكّدا على الحاجة إلى فصل السلطات لأجل الحيلولة دون الطغيان ؛ في نظرة منتسكيو حتّى ممثّلى الشعب في الجهاز التشريعي لا يمكن منحهم سلطة لامتناهية "(13) و عندما طالعت كتاب منتسكيو " روح القوانين " لم أستطع إلاّ أن أصاب بالذهول لكيف أنّ إطار إحالته شامل ، إطار عصر غابر و نظرته نظرة الطبقات المستغِلّة التي كانت فترة صعودها التاريخي قد ولّت منذ زمن بعيد . و كمثال بارز ، أنظروا في التالي :
إن كان عليّ أن أبرّر حقّنا في إستعباد السود ، هذا ما سأقوله : بما أنّ شعوب أوروبا قد أبادت شعوب أمريكا ، كان عليها أن تستعبد شعوب أفريقيا لأجل إستخدامها لتنظيف و زراعة مثل هذه الأرض الممتدّة الأطراف .
سيكون السكّر غاليا جدّا إذا لم يكن العبيد هو الذين يزرعونه و يحصدونه .
أولئك المعنيّين هو السود من أخمص أصبعهم إلى قمّة رؤوسهم ، و أنوفهم مسطّحة جدّا إلى درجة أنّه من غير الممكن تقريبا الشعور بالأسف عليهم .
من غير المتصوّر أنّ السود لا يملكون أيّ حسّ عام هو أنّهم يصبحون أكثر حماسا بشأن خيط الخرز الزجاجيّة من حماسهم للذهب ، وهو في البلدان المتحضّرة ذا قيمة كبيرة .
من غير الممكن أن يكون هؤلاء الناس رجال ؛ لأنّه إن فكّرنا فيهم كرجال ، سنشرع في التفكير في أنّنا نحن أنفسنا لسنا مسيحيّين ." (14)
لنترك " الآباء المؤسّسين " و المنحدرين منهم يستمدّون إلهامهم النظريّ من أشباه منتسكيو ! لنتركهم يدافعون عن العبوديّة و الإستغلال المعاصر على أرضيّة حقوق الملكيّة ؛ و يأخذون قيادتهم من أمثال جامس ماديسون ، أهمّ مؤلّفي الدستور . أمّا بالنسبة إلى البروليتاريا ، فهدفنا هو " نظرة ماركس للإلغاء التام لعلاقات الملكيّة البرجوازيّة – و كلّ العلاقات التي يواجه فيها البشر بعضهم كمالكين ( أو غير مالكين ) بدلا من المواجهة بالرابطة الواعية و التطوّعيّة " (15) .
و بالنسبة إلى الطبقات المستغِلّة ، و في نظام تحت حكمهم ، " الخطّ الأدنى " هو تقليص الجماهير الشعبيّة إلى مجرّد ملكيّة تخلق الثروة – و اليوم ، في ظلّ هيمنة الإمبرياليّين أكبر المستغِلّين ، جماهير الإنسانيّة يعاملون كمجلرّد وسيلة لتكديس ثروة و سلطة أكبر حتّى بيد و لفائدة قلّة قليلة . و باّيّة ثمن ! و هذا الثمن يجب تقديره بالعذابات الإنسانيّة الكبرى و الإهانات و الدمار . تصوّروا الثمن حتّى الأكبر من العذابات الإنسانيّة و الإهانات و الدمار الذى سيتعيّن دفعه إلاّ إذا و إلى أن ينهض الضحايا المضطهدون و المستغَلّون لهذا النظام ، و هم يمثلون الغالبيّة العظمى من الإنسانيّة ، و أن يطيحوا بهذا النظام و في نهاية المطاف يضعون حدّا لكلّ العلاقات الإجتماعيّة الإستغلاليّة و الإضطهاديّة .
و ختاما ، دستور الولايات المتّحدة يمثّل نظرة المستغِلّين للحرّية . و إنّه دستور لمجتمع ع قائم على الإستغلال و على العبوديّة بشكل أو آخر . الحقوق و الحرّيات التي يعلنها مرتبطة بالنظام الإستغلالي الذى يدافع عنه وهي في خدمته. لقد كان هذا الدستور و لا يزال يطبّق وفق هذه النظرة و وفق مصالح الطبقة الحاكمة لهذا النظام : و في تطبيقه صار أكثر فأكثر تماما أداة الهيمنة البرجوازيّة و الدكتاتوريّة و الإضطهاد و الغزو و النهب .
و إجابتنا واضحة على الذين يحاججون : حتّى و إن كان دستور الولايات المتّحدة لا يمكن وصفه بالكمال ، فهو أفضل ما قد وقع إبتكاره – إنّه يُرسى معاييرا يتمّ الإجتهاد لبلوغها . إجابتنا هي : لمذا علينا أن ننظر إلى أسفل جدّا ، في حين لدينا بيان الحزب الشيوعي الذى يحدّد معاييرا أرقى لما يمكن للإنسانيّة أن تجتهد من أجله – وهي قادرة على بلوغ ذلك – و نظرة أعظم للحرّية .
الهوامش :
1. Quotes from James Madison are from the Federalist Paper No. 54 in The Federalist Papers (New York: New American Library, 1961), pp. 336-341, especially pp. 339 and 337.
2. Bob Avakian, Democracy: Can t We Do Better Than That? (Chicago: Banner Press, 1986), pp. 110-11.
3. Edward Conrad Smith, editor, The Constitution of the United States with Case Summaries (New York: Barnes & Noble Books, 1979), p. 18. All citations in this article are from the essay “The Origins of the Constitution.”
4. Ibid., pp. 18-19.
5. Avakian, Democracy, p. 69.
6. Ibid, p. 70.
7. Ibid, p. 71.
8. Lenny Wolff, The Science of Revolution: An Introduction (Chicago: RCP Publications, 1983), p. 184.
9. Avakian, Democracy, pp. 137-39.
10. Ibid., pp. 233-34.
11. Smith, Constitution of the U.S., p. 12.
12. Avakian, Democracy, p. 100.
13. Smith, Constitution of the U.S., p. 13.
14. Charles Montesquieu, De L Esprit Des Lois, Paris: Garnier, 1927, livre 15, chapitre 5, "De L Esclavage Des Negres" (The Spirit of the Laws, book 15, chapter 5, "On the Enslavement of Negroes"), my translation.
15. Avakian, Democracy, p. 212.
----------------------------------------------
ملاحظات إضافيّة لكاتب المقال ، ربيع 2023
( * ) عالم هلم يكمن وراء هذا " التوسيع للحقوق الدستوريّة و الحياة الدستوريّة للذين حُرموا منها سابقا " كان – خاصة منذ النصف الثاني من القرن العشرين – تنامى عولمة الاقتصاد الرأسمالي – الإمبريالي ، نظام عالمي للإستغلال يشمل تماما مليارات البشر ن و خاصة أقصى إستغلال الجماهير الشعبيّة بمن فيها أكثر من 150 مليون طفل ، في العالم الثالث لأمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا . و العلاقة بين الإستغلال العالمي و أقصلى الإستغلال بالوضع في الولايات المتّحدة ذاتها – بالخصوص في علاقة بالهيكلة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و العلاقات الطبقية ضمن هذه البلاد – جرى تحليله بعمق في الورقة البحثيّة لريموند لوتا " الطفيليّة الإمبرياليّة و إعادة التشكّل الاجتماعي – الطبقي في الولايات المتّحدة منذ سبعينات القرن العشرين إلى اليوم : إستكشاف للنزعات و التغيّرات " ، و هذا البحث متوفّر على موقع أنترنت revcom.us . و الأبعاد السياسيّة لهذا تمّ إستكشافها في مقالي " الطفيليّة الإمبرياليّة و " الديمقراطيّة " : لماذا يساند عدد كبير من الليبراليّين والتقدّميّين بلا خجل لأمبرياليّتهم " هم " "( كذلك متوفّر على موقع revcom.us) حيث وقع توضيح التالي :
" ...الطريقة التي يوفّر بها النهب الإمبريالي الأساسي المادي إستقرارا معيّنا على الأقلّ " في الأوقات العاديّة " في " البلد الوطن " الإمبريالي ( بالولايات المتّحدة كمثال أوّل لهذا ) . و هذا الاستقرار النسبيّ بدوره يجعل من الممكن للطبقة الحاكمة السماح بقدر معيّن من المعارضة و الإحتجاج السياسيّ – طالما أنّ هذا يظلّ ضمن حدود أو على الأقلّ لا يهدّد بصفة لها دلالتها " القانون و النظام " الذى يخدم و يفرض المصالح الجوهريّة لهذه الطبقة الحاكمة .
و في الوقت نفسه ، مثلما تبيّن بحدّة في الإنتفاضات الجماهيريّة التي تضع موضع مساءلة هذا " القانون و النظام " و / أو تتحدّى الولاء للمصالح الإمبرياليّة لهذا النظام – على غرار الإحتجاجات الجماهيريّة ضد إرهاب الشرطة في 2020 و تمرّدات مدينيّة و معارضة جماهيريّة لحرب الفيتنام في ستّينات القرن العشرين – حكّام هذه البلاد سيردّون غالبا على مثل هذه المعارضة بالقمع الشديد و العقوبة القاتلة . و على سبيل المثال ، مدينة ولمنغتن من ولاية هي موطن بيدن من دلاوار ، وُضعت تحت حالة طوارئ لأشهر أثناء نهوض ستّينات القرن العشرين ضد إضطهاد السود و جرى إغتيال عدد من أعضاء حزب الفهود السود و أبرزهم فراد همبتن على يد الشرطة ، إلى جانب عدد من السود المشاركين في الإنتفاضات المدينيّة في تلك الحقبة ، بينما تعرّضت المقاومة الجماهيريّة المناضلة ضد الحرب في الفيتنام و التمرّدات في صفوف شباب الطبقة الوسطى و الطلبة أحيانا إلى ردّ خبيث و في بعض الحالات إلى قمع قاتل من الشرطة و فيالق الحرس الوطني ّ.
و لا يتعيّن أن ننسى أبدا أو نستهين أبدا بأنّ " القانون و النظام " الذى يفرض هذا الاستقرار النسبيّ قد إشتمل على القتل النظامي للسود و كذلك اللاتينو [ اللاتينيّين من أمريكا اللاتينيّة - المرتجم ] من طرف الشرطة – و ينجم عن ذلك واقع أنّ عدد السود الذين قتلتهم الشرطة خلال السنوات منذ 1960 أكبر من آلاف السود الذين وقع سحلهم خلال فترة الميز العنصريّ جيم كرو و إرهاب الكلو كلوكس كلان ، قبل ستّينات القرن العشرين . و يتعيّن كذلك أن نستهين بكون الولايات المتّحدة تملك أعلى نسبة من السجناء و السجن الجماعي مقارنة بأّي بلد آخر في العالم ، و السود و اللاتينو معرّضين بشكل خاص إلى السجن الجماعي ."
(**) المسألة هنا ، مثلما تمّ التشديد على ذلك في كتابي " إختراقات : الإختراق التاريخي لكارل ماركس ، و مزيد الإختراق بفضل الشيوعيّة الجديدة ، خلاصة أساسيّة " ، هو أنّ جوهر الاقتصاد الرأسمالي ، و مصدر الثروة الرأسماليّة و " النموّ الاقتصادي " الرأسمالي ليسص مجموعة من أصحاب المؤسّسات الرأسماليّين و " تجديدهم " أو " عبقريّتهم التجاريّة " . إنّه إستغلال الرأسماليّين ( البرجوازيّة ) للعمّال المأجورين ( البروليتاريا ). و يختلف هذا عن مسألة ما هي القوّة المحرّكة الدافعة للرأسماليّين لمواصلة تشديد إستغلال البروليتاريا و إيجادهم المستمرّ لوسائل جديدة للقيام بذلك . و كما جرت الإشارة إلى ذلك في " إختراقات ..." :
" و قد ناقش إنجلز في " ضد دوهرينغ " حركة التناقض الأساسي للرأسماليّة بين الإنتاج ذي الطابع الاجتماعي و التملّك الفردي . و أشار إلى أنّ سير هذا التناقض يتّخذ شكلين إثنين مختلفين من الحركة تمثّل ديناميكيّة سيرورة حركة التناقض الأساسي .
و هذان الشكلان من الحركة هما من ناحية ، التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا التي تستغلّها هذه البرجوازية ، و من ناحية ثانية ، الشكل الثاني للحركة الذى شخّصه إنجلز ، بصورة مهمّة ، هو التناقض بين التنظيم و الفوضى ، تنظيم الإنتاج على مستوى لنقل ، المؤسسة -التي يمكن أن تكون عالية التنظيم ، بحسابات كثيرة و تقديرات للسوق و كافة الأشياء من هذا القبيل ، و يمكن أن تكون منظّمة بإحكام بمعنى كيف أنّ السيرورة الفعليّة للإنتاج تجرى على مستوى الشركة الرأسماليّة الفرديّة ، و ما إلى ذلك – بينما ، في الوقت عينه ، يتناقض هذا مع فوضى الإنتاج و التبادل في المجتمع ككلّ ( أو اليوم العالم ككلّ ، اليوم أكثر من أي زمن مضى في العالم ككلّ ). لذا لدينا هذان الشكلان من الحركة – و سأعود لاحقا إلى مظهر مميّز حيوي للشيوعية الجديدة : أهمّية تشخيص المشكل الثاني لحركة هذا التناقض الأساسي، أي ، تناقض فوضى / تنظيم ، أو القوّة المحرّكة للفوضى ، على أنّها عامة الشكل الرئيسي و الأكثر جوهريّة لحركة التناقض الأساسي للرأسماليّة."
في هذا المضمار ، مقال " حول "القوّة المحرّكة للفوضى " و ديناميكيّة التغيير " لريموند لوتا ذكر موقفى هذا :
" فى الواقع فوضى الإنتاج الرأسمالي هي القوّة المحرّكة لهذه السيرورة حتى و إن كان التناقض بين البرجوازية و البروليتاريا جزء لا يتجزّا من التناقض بين الإنتاج الإجتماعي و التملّك الفردي . و فى حين أنّ إستغلال قوّة العمل هو الشكل الذى به و من خلاله يُنتج فائض القيمة و يتمّ تملّكه ، فإنّ العلاقات الفوضوية بين المنتجين الرأسماليين ، و ليس مجرّد وجود البروليتاريين الذين لا يملكون شيئا أو التناقض الطبقي فى حدّ ذاته ، هي التى تدفع هؤلاء المنتجين إلى إستغلال الطبقة العاملة على نطاق أوسع و أشدّ تاريخيّا . قوّة الفوضى المحرّكة هذه تعبير عن واقع أنّ نمط الإنتاج الرأسمالي يمثّل التطوّر التام للإنتاج السلعي وقانون القيمة . "
و تاليا ، هناك المقتطف الهام للغاية التالي :
" إن لم يكن الأمر أنّ هؤلاء المنتجين للسلع الرأسمالية منفصلين عن بعضهم البعض رغم أنّهم مرتبطون بسير قانون القيمة ، لن يواجهوا ذات الحاجة إلى إستغلال البروليتاريا – يمكن تلطيف التناقض الطبقي بين البرجوازية و البروليتاريا. إنّه الإضطرار الداخلي لرأس المال للتوسّع هو الذى يفسّر الديناميكية التاريخية غير المسبوقة لنمط الإنتاج هذا ، سيرورة تغيّر بإستمرار علاقات القيمة وهي التى تؤدّى إلى أزمة ."
( " إختراقات ... " متوفّر على موقع أنترنت revcom.us ؛ و المقال الذى يحيل عليه ريموند لوتا هو " " حول "القوّة المحرّكة للفوضى " و ديناميكيّة التغيير " يمكن العثور عليه في المجلّة النظريّة على الأنترنت " تمايزات " العدد الثالث ).
(***) و كما تمت الإشارة إلى ذلك في " الطفيليّة الإمبرياليّة و " الديمقراطيّة " : لماذا يساند عدد كبير من الليبراليّين و التقدّميّين بلا خجل إمبرياليّتهم " هم " " :
" بعض أكبر المجرمين في بلدان أخرى تنهض اليوم بمثل هذا الدور الحيويّ في خدمة مصالح إمبرياليّة الولايات المتّحدة عبر العالم و في التمكين من الحفاظ على الديمقراطيّة البرجوازيّة في هذه البلاد عينها ( كما هي فعلا آكلة نمل )، هي ذات البلدان التي كانت قبل 40 سنة و صارت بعضها مختلفة – لكن الواقع الأساسيّ يظلّ أنّ " أرضيّة الديمقراطيّة " في هذه البلاد تقوم على الإرهاب الفاشيّ إلى جانب الإستغلال بلا رحمة في البلدان المضطهَدَة للعالم الثالث ( أمريكا اللاتينيّة و أفريقيا و الشرق الأوسط و آسيا ). "
( **** ) في علاقة بهذا الموقف لمنتسكيو – و بصفة أعمّ نظرته للعبوديّة – أعيد التذكير هنا بالتالى من " ملاحظة لبوب أفاكيان : حول منتسكيو و العبوديّة و دستور الولايات المتّحدة " ، التي نُشرت في جريدة الثورة عدد 37 ، بتاريخ 5 مارس 2006 على موقع أنترنت revcom.us :
" حديثا ، نشرت جريدة الثورة مقتطفا من كرّاس كتبته و قد نُشر في الأصل سنة 1987 ، " دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلّين للحرّية " في ذلك المقتطف ، هناك إستشهاد مقتبس من " روح القوانين " لشارل منتسكيو ، فيلسوف فرنسي من القرن الثامن عشر ، كان أحد مصادر إلهام دستور الولايات المتّحدة و خاصة في ما يتّصل بنظريّة فصل السلط التي أدمجت في هذا الدستور . و الإستشهاد من عمل منتسكيو المنشور سنة 1748 ، مقتطف فيه يذكر تبريرا مغالى فيه و عنصريّ بصفة فظّة ل " إستعباد السود " . و في صلة بهذا ، عادة ما تجرى المحاججة بأنّ منتسكيو يقدّم موقفا ساخرا هنا ، وهو يبالغ في التشديد المتعمّد على هذه الحجّة لأجل بالفعل لأجل الجدال ضد عبوديّة الشعوب الأفريقيّة و أنّ كتابات منتسكيو تعبّر عامة عن معارضته للعبوديّة . لكنّ الواقع ليس بهذه البساطة و لا يعكس ما كان منتسكيو يبحث عنه في الأساس في هذا الجزء من " روح القوانين " . يمكن قول إنّ في " روح القوانين " موقف منتسكيو موقف معارضة عامة للعبوديّة و إنّه يشير إلى كون العبوديّة ليست مناسبة في بلدان مثل فرنسا ؛ لكن في الوقت نفسه ، يتحدّث عن ظروف متنوّعة يعتقد فيها في إمكانيّة تبرير و عقلنة العبوديّة . مثلا ، يحاجج أنّ في أجزاء من العالم ، لا سيما في المناطق الجنوبيّة حيث الطقس أحرّ ، هذا المناخ يجعل الناس موصوفين بالكسل و يمكن تبرير العبوديّة لجعلهم يعملون ( وهو يحاجج بأنّ في بلد يحكمه طاغية ، حيث الحقوق السياسيّة للشعب مقموعة بعدُ ، يمكن أن لا تكون العبوديّة أسوأ للناس من هذا الوضع ).
هذا و النقاش العام للعبوديّة المكوّنين لهذا الجزء ( الكتاب 15 ) من " روح القوانين " مُدمج في نقاش أوسع لمنتسكيو حول طبيعة مختلف المجتمعات و الحكومات في شتّى البلدان و أنحاء العالم ( و يوجد هذا ليس في الكتاب 15 فحسب بل كذلك في الكتاب 14 و 16 من " روح القوانين " ) و فيه يحاجج منتسكيو أنّ الجغرافيا و خاصة المناخ يلعب دورا كبيرا في تحديد طبيعة مختلف الشعوب و طبيعة مجتمعهم و نظام حكمهم . و من المهمّ فهم أنّه رغم قيام منتسكيو في النقاش بدحض منطقيّ لبعض الحجج بما فيها بعض الدفاع عن العبوديّة ، هذا ليس جدالا من أجل أو ضدّ العبوديّة ، أو أشكال أخرى من الحكم ، و طابعه ليس محاججة أخلاقيّة بقدر ما هو محاولة لشرح لماذا وُجدت( و في بعض الحالات تواصل وجود ) ممارسات متنوّعة و أشكال متنوّعة من المجتمع و الحكم في أماكن متنوّعة .
و طريقة أخرى لوضع هذا هي ما يقوم به منتسكيو ، في هذه الأجزاء من " روح القوانين " و ( عامة في هذا العمل ) هو محاولة تقديم نوع من التحليل المادي لهذه الظواهر بما فيها العبوديّة في عدّة أماكن حيث وُجدت – رغم أنّه ينبغي التشديد على أنّ هذا ليس ماديّة جدليّة ، علميّة تماما بل بدلا من ذلك ماديّة فظّة متميّزة و قائمة على قدر كبير من الحتميّة : إنّها نوع من الماديّة الميكانيكيّة التي تحاجج من أجل رابط مباشر و خطّيّ مستقيم بين الأشياء كالجغرافيا و المناخ و طبيعة المجتمع و الحكم . إنّها صنف من الماديّة التي لا تميّز بصفة مناسبة و دقيقة القوى المحرّكة الحقيقيّة لتطوّر المجتمع الإنسانيّ ، و في الواقع هذا الضرب من الماديّة الفجّة قد إستعمل عادة لتبرير أشكال متباينة من الإضطهاد بما في ذلك الهيمنة الإستعماريّة و الإمبرياليّة . و بينما يمكننا و يجب عليها أن نعترف بأنّه في ظروف و زمن كتابته – حوالي 250 سنة قبل الآن – هناك مظاهر ممّا كان منتسكيو يبحث عن فعله كانت جديدة و مثّلت قطيعة مع النظرة و التقاليد الإقطاعيّة الخانقة و المشوّشة ، من المهمّ جدّا فهم كيف تميّزت نظرة منتسكيو و تميّز منهجه و تحدّدا بالعلاقات الإجتماعيّة و العالميّة التي كانت في نهاية المطاف تعبيرا عنهما : علاقات فيها جزء من المجتمع ، و من العالم ، يهيمن و يستغلّ الآخرين . و هذه النقطة الأساسيّة التي وقع التشديد عليها في علاقة بمنتسكيو و دستور الولايات المتّحدة ، في كرّاس " دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلِّين للحرّية ".
و في علاقة بالمقتطف الخاص المذكور في " دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلِّين للحرّية " ، " حول إستعباد السود " ، هناك ، في الواقع ، بعض السبب للقبول بانّ منتسكيو لا يوافق عمليّا على تبرير هذا الإستعباد الذى يلخّصه و أنّه عمليّا يعرض هذا النوع من التبرير ببعض السخرية و النقد . تأويل معقول لحجج منتسكيو وهو يسترسل في هذا الجزء من " روح القوانين " ( الكتاب 15)، هو أنّ هذا الصنف من المحاججة ، حول الطبيعة غير الإنسانيّة للسود ، ليس حجّة مقبولة، ليس حجّة تبرّر عمليّا هذا الإستعباد . لكنّه يستمرّ في إكتشاف مسألة ما قد يكون عمليّا تبريرات عقلانيّة ، في بعض الظروف ، للعبوديّة ، و كما تحدّثنا عن ذلك أعلاه ، يجد مثل هذا التبريرات في أوضاع كتلك حيث هناك حكم طغيانيّ ، أو حين – كما يستخلص ، من خلال تطبيق الماديّة الفجّة و الحتميّة – المناخ الحار يجعل الناس يتّصفون بالكسل و يفقدون الرغبة في العمل بمبادرتهم الخاصة .
و هكذا ، عند مزيد النظر في و التفكير في هذا ، سأقول إنّه بينما من المهمّ فهم تعقيد و الفرق الدقيق في ما يكتبه منتسكيو هنا – و يمكن قول إنّ الطريقة التي ذكرت بها منتسكيو في كتابة هذا الكرّاس عن دستور الولايات المتّحدة لا تفعل حقّا أو تماما ذلك – ليس الحال أنّ ما كان يقوم به منتسكيو هنا كان عرضا ضد إستعباد السود أو ضد العبوديّة بشكل عام . و مرّة أخرى ، من المهمّ أن نبقي في أذهاننا واقع أنه و إن كان معارضا للعبوديّة كمبدأ عام و قد صرّح أنّه وقع إلغاء العبوديّة في وطنه ، فرنسا ، و بصفة أعمّ في أوروبا ، لم يفكّر منتسكيو في أنّ العبوديّة كانت خاطئة ، أو دون تبرير ، في كلّ الظروف. و يبدو كذلك أنّ منتسكيو لم يتردّد في الإستثمار في شركات تشارك في تجارة العبيد . بهذا ، هناك مقارنة مع جون لوك ، الفيلسوف الأنجليزي و المنظّر السياسي ، الذى ، كما أشرت إلى ذلك في الكرّاس نفسه ( " دستور الولايات المتّحدة : نظرة مستغِلّين للحرّية " ، كان كذلك مؤثّرا جدّا في رؤية دستور الولايات المتّحدة . و مثلما كتبت في " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " ( ص 29)
" خلاصة القول ، المجتمع الذى كان لوك معبّر عنه نظريّا ، و كذلك مناصرا سياسيّا عمليّا له ، كان مجتمعا قائما على العبوديّة المأجورة و الإستغلال الرأسماليّ . و ليس مفاجأ أنّه بينما كان يعارض العبوديّة في أنجلترا ذاتها ، لم يدافع عن مؤسّسة العبوديّة في ظورف معيّنة فحسب ، في البحث الثاني ، بل إستغلّ ربحا هاما هو نفسه من تجارة العبيد و ساعد في رسم دستور حكم تتراّسه أرستقراطيّة مالكة للعبيد في واحدة من المستعمرات الأمريكيّة . و كما لخّص ذلك ماركس بسخرية: " إكتشاف الذهب و الفضّة في أمريكا و إستئصال السكّان الأصليّين و إستبعادهم و قبرهم في المناجم ، و بداية الغزو و النهب في الإيست أنديز و تحويل أفريقيا إلى جحر الصيد التجريّ لذوى البشرة السوداء ، أعلن الفجر الورديّ لعصر الإنتاج الرأسماليّ ".
(*****) في السنوات منذ كتابة هذا المقال ، خصّصت عملا معتبرا لتطوير ما نعنيه بهذه " النظرة الأكبر بكثير من الحرّية" – ما ستعنيه " في الحياة الواقعيّة ". و ثمرة هامة جدّا لهذا هي" دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " الذى يوفّر في آن معا نظرة شاملة و عرض ملموس لمجتمع و عالم مختلفين راديكاليّا و تحريريّين . و هذا الدستور متوفّر على موقع أنترنت revcom.us .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر