الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (6)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و تحت عنوان: إستراتيجية "الاكتفاء الذاتي": احتكار و سخاء. وسم جاك مرساي فصله السابع؛ حيث وضح فيه انه بتراجع الأسواق الخارجية و الداخلية انطلاقا من سنة1929م؛ صارت الأسواق الاستعمارية رهان المواجهات المتعارضة خلال فترة الضغط الاقتصادي لفروع الرأسمالية الفرنسية في البحث عن أسواق بديلة، و بعد عقدين من الأزمة ستكشف الإمبراطورية عن صراعات بين هؤلاء الذين لا يريدون الخضوع لنظام المنشآت الكبيرة القادرة على إنتاج البضائع و هؤلاء الراغبين على النقيض من ذلك أن تنظم فرنسا بصفة جذرية بنياتها الصناعية لتبعد المقاولات الراغبة في البقاء على جانب التطورات الحاصلة. و بالنسبة للأوائل؛ الإمبراطورية وسيلة لتحمل التحولات العنيفة التي تطبع عالما شديد التنافس و بالنسبة للآخرين على النقيض من ذلك يمكن أن تصبح المستعمرات فرصة لتقوية عالم الأعمال لخدمة متطلبات إعادة الهيكلة. مما فرض على فرنسا مراجعة قدرتها على تنظيم المستعمرات. لذا وجب التشديد على الإنتاج الاستعماري و المبادلات مع المركز بمعنى تتبع نظام مفضل يسمح لفرنسا في نفس الآن بتصريف منتجاتها المصنعة في المستعمرات و امتصاص إنتاج المستعمرات.
و يرى الباحث انه لكي تتمكن المستعمرات من ابتلاع كميات متنامية من المصنوعات النسيجية الفرنسية وجب رفع أثمنة المنتوجات الفلاحية الاستعمارية بصورة موازية. كما أن هناك إستراتيجية جديرة بالاعتبار؛ ذلك أن تصدير الرساميل يزيد عن المنسوجات المصنعة و بالتالي يساهم في تصنيع المستعمرات. الأمر الذي سيسمح باستقرار المصانع ذات الاهتمام بصناعة النسيج و بالتالي تزويد السوق المحلية انطلاقا من أماكن إنتاج المواد الأولية.
كل هذا؛ في رأي الباحث سيدفع إلى عدم الإضرار بأجر اليد العاملة الفرنسية. فهي إستراتيجية للتوسع في حلة جديدة تراعي متطلبات الاقتصاد الفرنسي؛ كما يلاحظ أن الانتشار المجالي للصناعة القطنية و التطور التقني و السيولة المالية جعل الصناعة القطنية تحتفظ في النصف الأول من القرن الفائت (القرن 20م) ببنيتها الموروثة عن القرن 19م أي رأسمالية المنافسة الحر، و يبرز الباحث أن المناطق الأكثر تبعية من السوق الاستعمارية كانت في نفس الآن أكثر تأثرا بالتطور التقني و أن السخاء الذي يشكل القطب الثاني لإستراتيجية الاكتفاء الذاتي سيكون سخاء خجولا بحكم ارتباطه بمصلحة فرع صناعي وحيد.
و عليه فتنظيم سعر المواد الأولية الاستعمارية بموازاة الأثمان الفرنسية أفضل من الأسعار العالمية حيث سيخلق قدرة شرائية بالمستعمرات؛ مما سيساهم في زيادة القدرة على الأداء لدى السوق المفضلة التي تشكلها الإمبراطورية الاستعمارية.و لذا فإن إنشاء مراقبة جمركية موحدة في خدمة هذا "السخاء"سيكون ضروريا ليسمح للمبادلات الاستعمارية على وجه التحديد إلا نتاج"سخاء" فروع متنافسة على التوسع مجددا.
ثم يتنقل إلى الفصل الثامن المعنون ب: انضمام خاضع لإستراتيجية "الاكتفاء الذاتي": الاستعماريون. يستطرد فيه الباحث موضحا أن أي انخفاض مفرط في أثمان المواد الولية الاستعمارية سيلحق أضرارا بالسيادة الفرنسية بحكم الاضطرابات التي ستترتب عنه؛ مما سينحي جانبا منتجي الزراعات الموجهة للتصدير و يضعف الميزانيات الاستعمارية؛ و بالتالي سياسة التجهيز. هذا؛ و سيجعل سوق المستعمرات تقبل بشراء البضائع مع إعفائها من الضرائب. و ستكون إستراتيجية بنيوية دفاعية تمس الهياكل لصد التوسع المجدد. و سيتضح بالملموس ما يخفيه أصحاب التوجه الاستعماري لمستجدات نظام جمركي أكثر ليبرالية.
فأصحاب هذا التوجه سيعرفون حيوية في نشاطهم عندما ستصبح المستعمرات تتمتع بنظام ليبرالي حركي قادر على التكيف مع ملابسات السوق الدولية. كما هو الأمر مع متطلبات المناطق المحتلة؛ حتى تتمكن من الخضوع لنفس القواعد و التعريفات.
و سيلاحظ جاك مارساي أن عدم اخذ الاستعماريين بهذه المواقف المخالفة للاكتفاء الذاتي؛ التي توافق أماني البعض منهم – قبل الأزمة العالمية- تترجم جيدا تخوفاتهم من نمو اقتصادي يفرض عليهم نفسه بكامل أعبائه. مما سيجعل ذوي التوجه الاستعماري يعلنون ارتباطهم بجوهر المساواة الجمركية التامة بين فرنسا و إمبراطوريتها؛ و سيتشككون في أن اندماج الإمبراطورية في سوق مشتركة أوربية بإمكانه أن يكون الفرصة المواتية لمجابهة أسعار المواد الأولية للمستعمرات الفرنسية بأسعار الدول المنافسة لهذه المستعمرات.
هكذا؛ و بخصوص امتصاص مواد المستعمرات بشروط مفضلة من لدن شركاء فرنسا الأوربيين سيفسح المجال لشراكة قائمة على التبادل الحر. المر الذي سيثير اضطرابات داخل الحيوية الاقتصادية لفرنسا. و في هذا الصدد يتساءل الباحث: هل بإمكاننا عزل فرنسا بصورة دائمة عن محيطها الدولي؟و هل ستحقق اكتفاء يراعي أثمان منطقة حرة و الشركاء التجاريين الرئيسيين؟و الواقع أن المعضلة الحقيقية عند مناهضي إستراتيجية الاكتفاء الذاتي تشمل معرفة ما لوان فرنسا قررت بذل جهد ملموس لإصلاح اقتصادها أو قبلت بمتابعة المشوار نحو وضعية كارثية؟
أما الفصل التاسع المعنون ب: الإستراتيجية الليبرالية: فقد سجل فيه الباحث أن التكيف مع تقلبات السوق؛ و الإنتاج بأدنى ثمن ممكن لمواجهة المنافسة الدولية و إعادة إصلاح القطاعات المتأخرة لتقوية الجهاز المنتج؛ سيفتح أبواب الاقتصاد الاستعماري على الاقتصاد العالمي ليتمكن من خلق أنشطة ذات مردودية؛ تلك هي أهم المحاور العظمى لما سينعت بالإستراتيجية الليبرالية لتنمية الإمبراطورية. و بالنسبة لليبراليين فان إستراتيجية الاكتفاء الذاتي في محاولتها لضمان سوق للإنتاج بأثمان اقل تنافسية لا يمكنها أن تحدث إلا ركودا في جهاز الإنتاج الفرنسي. فالأزمة بكشفها عدم الانسجام في السياسة الاقتصادية الاستعمارية ستفسح المجال لتفعيل المقاولات التي في كنف الحمائية. و هكذا سيتم التأشير على إستراتيجية تنمية المستعمرات الأكثر ليبرالية الأمر الذي سمح للرأسمال المالي بظروف عمل جيدة و امتيازات مهمة في ظل الإستراتيجية الليبرالية. حيث إنتاج المواد الأولية المهمة بأخفض ثمن ممكن سيكون لصالح نمو المركز. فالأمر في الأخير يتعلق بإستراتيجية الرأسمال المالي كما ذهب إلى ذلك جميع المنظرين الماركسيين للامبريالية.
و السؤال العالق الذي يراهن عليه الباحث جاك مارساي في كتابه هو معرفة ما إذا كان الأشخاص يعارضون أم يؤيدون منطق و آليات نظام من خلاله يسمح بالنظر إلى التطور الحاصل بصورة جيدة؟
و ما يكشف عنه الباحث بالإستراتيجية الليبرالية لا تمثل أي قطيعة جوهرية مع الماضي؛ كما أنها ليست توقعا للمستقبل. و يعلن في هذا الصدد ؛ انه و بعيدا عن الاحتفاء بمصداقية إستراتيجية للتنمية.الإستراتيجية الليبرالية تطرح فقط لجعل نهب الموارد الطبيعية للمستعمرات أكثر فعالية و أحسن مردودية، و تطوير التجارة على أسس متينة و بذلك يتسنى تنحية المقاولات المفلسة. و لذا فالإستراتيجية لا تتجابه مع أية تنمية ذات استشرافات توقعية و تبتعد عن تغيير علاقات الإنتاج و التقسيم الدولي للعمل الموروث عن القرن 19م. إنها في نهاية التحليل تبحث عن إتمامها و إحكامها و في ظل هذه الشروط سيتم تصدير الرساميل الفرنسية للتسريع بتنمية الإمبراطورية ؛ هذا التصدير سوف لن يشكل أية قطيعة بمرحلة الرأسمالية التنافسية الهادفة إلى التوسع. و من المؤكد أن الليبراليين يتقبلون كما يبرز الباحث الفعل الاستعماري و بعيدا عن إمكانية انحصار فرنسا و مستعمراتها في منطقة محمية سيبدي الليبراليون رغبة في استعادة القوانين الطبيعية للسوق؛ بمعنى البحث عن زبائن قادرين على الأداء. و ما استحالة الإستراتيجية ذات المنحى الاكتفائي في نظرهم إلا لكونها تريد خلق أسواق لدى الأهالي الذين لا يملكون مالا و ليست لهم رغبة في البضائع.
و يظهر الباحث أن الزبناء القادرين على الأداء فيما بين الحربين الكونيتين ما يزالون يتمتعون بحضور قوي؛ لذا وجب مراعاتهم فهم يشكلون السوق الطبيعية للصناعة الفرنسية؛ إنها الدول المتقدمة التي تقوم بوظيفة الزبون المنشود. أما المستعمرات في اعتقاد الباحث فعليها توفير مشترين و ليس منتجين لمنتجات صناعية. و يخلص في نهاية التحليل إلى أن السمة الفريدة التي تطبع الإستراتيجية الليبرالية هي إنشاء ممر في مرحلة الرأسمالية الاحتكارية للعبور المباشر إلى المرحلة التنافسية في الاقتصاد العالمي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا