الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (7)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 8 / 31
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و تحت عنوان: إستراتيجية توقعية: تصنيع المستعمرات. جاء الفصل العاشر ؛ ابرز فيه الباحث انه رغم الخلافات القائمة بين إستراتيجية الاكتفاء الذاتي و الإستراتيجية الليبرالية فإنهما تجتمعان معا في شكل مواجهة التقسيم لدولي للعمل؛ هذا التقسيم بالنسبة لهما يجب أن يقوم على التفريق بين دول منتجة للمواد الأولية منجمية و فلاحية؛ و دول منتجة لبضائع و سلع مصنعة. و الاختلاف الوحيد الذي يفرق بينهما يرتكز بالأساس على قضية السعر الذي ستقوم عليه المبادلات و على انفتاح الاقتصاد الاستعماري على السوق الدولية. و هذه الرغبة في حصر وظيفة الدول المستعمَرة في إنتاج المواد الأولية و شراء المواد المصنعة تكشف عن الملامح الامبريالية؛ كما ذهب إلى ذلك المنظرون الماركسيون.
و سنجد أنه عندما تنمو الرأسمالية بشكل لافت فان نقصا كثرا يسجل في المواد الولية و بمزيد من المنافسة و البحث عن مصادر المواد الأولية في العالم ستزداد شراسة الصراع لامتلاك المستعمرات الأمر الذي يبين بالملموس أن الامبريالية تتعارض مع تصنيع المستعمرات لجعلها في تبعية اقتصادية للدول الصناعية. و سيظهر جليا أن أية قطيعة مع الامبريالية تعني عند الدول النامية إنشاء اقتصاد وطني متجانس باعتماد تنمية متمركزة على الذات و التخلي عن الأنشطة التصديرية و الاستغناء عن المواد المستوردة بمواد محلية؛ فضلا عن تنظيم انتقال اليد العاملة من القطاعات ذات الإنتاجية الضعيفة نحو الصناعات العصرية.
و يبين جاك مارساي أن هذا التوجه في التنمية سيجعل من هذه البلدان في التحليل الأخير مناطق لخلق و تنظيم الرأسمالية على الصعيد العالمي؛ وبذلك تتجاوز مفهوم التقسيم الدولي للعمل. هذا الوضع في نظر الباحث سيكون غير مفيد لإستراتيجية الاكتفاء الذاتي و نفس الأمر لدى الإستراتيجية الليبرالية حيث ستطرح التنمية الاقتصادية الحاصلة بالمستعمرات متطلبات جديدة مع أن هذه الرؤية لا تأخذ بعين الاعتبار تطور السواق الدولية. و أن رخاء الدول التابعة سيكون قبل كل شيء في الإنتاج الصناعي و عند هذا الحد ستنقلب الآية في نظر جاك مارساي و تصبح فرنسا محطة لتصريف منتوجات الإمبراطورية الاستعمارية.
و بتحول المستعمرات إلى بلدان صناعية ستصبح بالملموس زبونا ممتازا لفرنسا؛ فالتجربة حسب الباحث برهنت على أن الدول الغنية تشكل سوقا ممتازة لدول أخرى غنية لذا وجب تصدير الرساميل عوض البضائع حتى يتسنى خلق صناعة بالمستعمرات تستفيد من المواد الأولية المحلية و العمالة الرخيصة.
فالمستعمرات تنمو؛ لهذا فالمهم في نظر الباحث هو معرفة هل هذا التطور سيتم بحضور المركز و تحت إشرافه أم في غيابه و ضده؟
سيُظهر هذا التساؤل لجاك مارساي أن آية إعاقة للتصنيع ستكون خطأ فادحا و لن تتأخر فرنسا على التأثر به. و بالتالي فتصنيع المستعمرات سيمسي الإستراتيجية البديلة و المؤهلة لضمان تحديث الجهاز الإنتاجي. و سيتضح بالملموس أن التصنيع إستراتيجية الرأسمال المالي. و لن يبقى لفرنسا من مستعمراتها غير استثماراتها بها، و العلاقات الدبلوماسية القائمة التي تخول لها جملة مصالح و امتيازات مستقبلية.
و نتيجة للتحليل السابق، فإن جاك مارساي يرى أن الهوة التي تفصل توجه الاقتصاد الاكتفائي عن المناصرين لسياسة التصنيع تظهر أنها ذات طبيعة واحدة.
من جهة؛ رأسمالية خجولة متقوقعة ترى في السوق الاستعمارية فرصة لتأخير الاستحقاقات التي تراها محتومة. و من جهة ثانية رأسمالية واثقة من نفسها و على النقيض من الأولى ترى في الإمبراطورية مناسبة لتسريع توسع جديد و نشر مبادئه على السوق العالمية.
و يتساءل الباحث في ختام هذا الفصل إزاء هذا التأويل المقترح. لماذا الرأسمالية الواثقة من نفسها لم تنهج إستراتيجية التوسع الجديد. انه التساؤل الذي سيحاول مقاربة الإجابة عنه في الأتي من فصول كتابه.
و تكون الخطوة الأولى مع الفصل الحادي عشر بعنوان: خضوع للوضع لراهن. انصب اهتمام الباحث فيه على إبراز العلاقة التي يضعها لينين بين الظاهرة الاستعمارية و الرأسمال المالي سيتم البرهنة عليها عبر السيرورة الزمنية. ففي سنة 1876م لم تكن فرنسا تملك تقريبا أية مستعمرة و في سنة 1914م كانت قد غزت مساحات شاسعة. و يشير إلى أنه لحظة التوسعات الاستعمارية لم تكن فرنسا قد وصلت إلى مرحلة الرأسمال المالي. الشيء الذي جعله يطرح انه من المتعذر الحديث عن سيادة البنك على الصناعات الكبرى بفرنسا قبل 1914م.
و في ما بين الحربين الكونيتين ستشهد فرنسا نشاطا متباطئا في حركة ذات تمركز مالي، لتعرف انفتاحا و دينامكية غداة الحرب العالمية الثانية. هذا البطء في الظهور سيحظى باهتمام جوهري لدى الباحث. حيث أن تطور الرأسمال المالي المتثاقل في لحظة التوسعات الاستعمارية و في المراحل الأولى لتنمية المستعمرات، سمح له بفرض سيطرته و بالتالي تعديل توجهات هذه التنمية.
و يتساءل الباحث ما إذا رافق التباطؤ حركية الرأسمال المالي إعادة هيكلة الشؤون الاستعمارية و التأثير عليها.
من المؤكد أن إشباع السوق الداخلية يجعل الإفراط في الإنتاج في بحث مستمر عن أسواق لتصريف فائض الإنتاج في محاولة لتفادي الأزمة الداخلية. الأمر الذي يسمح بتصدير المعضلات الاجتماعية ذات الحساسية المفرطة مع هذه الحركية الحاصلة و مواجهة تقلبات موازين القوى و منافسة الدول الجديدة؛ لذا ستطرح الحمائية في مقابل التوسع الجديد؛ مما سيقوي الدفاع عن الأوضاع المكتسبة و حماية ما هو موجود و في نهاية المطاف إنتاج يسمح ببيعه بانتظام.
فرنسا توفر وسائل التجهيز و الاستهلاك و الدول المستعمَرة تصدر موادا أولية، إنها المهام التوقعية لدول متطورة و دول ما زالت في طور النمو. إنها السياسة التقليدية للاقتصادات المتكاملة و قد اتخذت شكلا حديثا حيث إستراتيجية التصنيع ترمي إلى تقوية الامبريالية الفرنسية بوضع مراكز الإنتاج في قلب المستعمرات. مما يعطي الأسبقية لتنمية تصدير المواد الأولية في اتجاه فرنسا.
هكذا ستطرح مرة أخرى الإستراتيجية الليبرالية التي منحت المستعمرات مهمة إنتاج أكبر كمية من المواد الأولية بأخفض ثمن ممكن.
يتساءل جاك مارساي مرة أخرى: هل هذا الطرح يتيح النظر إلى تنامي عدم الاهتمام بالإمبراطورية من قبل الفروع الأكثر حداثة في الاقتصاد الفرنسي.
و الملاحظ حسب الباحث أن فرنسا تتبنى الليبرالية و الاكتفاء الذاتي حيث إرادة التضامن مع المنتجين الاستعماريين فضلا عن الإصرار على أهمية المستعمرات كوحدة اقتصادية؛ فعشية اندلاع حركات التحرر ستفضل فرنسا اعتماد التجربة عوض الإيديولوجية و ذلك تحت تأثير ما نعته بيير موسا (Pierre Moussa) "بالعقدة الهولندية"(La complexe hollandaise) : حيث الاهتمام بالمستعمرات على حساب متطلبات المتروبول.
و هكذا فالمكانة التي يتخذها في الوقت الراهن اندماج الصناعة الفرنسية في اقتصاد المستعمرات ستبقى محدودة جدا، أليس هذا تأكيد؛ كما يريد أن يبرز جاك مارساي على فرضية الإمبراطورية تعيق الاقتصاد الفرنسي أكثر مما تنشطه؟
إن فكرة الاندماج بين فرنسا و مستعمراتها اقتصاديا؛ التي كانت مطروحة خلال سنة 1930م؛ تجدها تعرض نفسها من جديد مع البدايات الأولى لحركات التحرر تحت يافطة تصنيع الإمبراطورية مما جعل هذا التوجه يتمتع باستمرار في التحليل الأخير بمزيد من الراهنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل