الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأبارتهايد الإسرائيلي صريحاً من دون تجميل

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 8 / 31
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


نهاد أبو غوش
حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تبييض تصريحات وزيره ايتامار بن جفير العنصرية الصريحة، التي قال فيها خلال مقابلة تلفزيونية أن حق الحركة لليهود يتقدم على حق غيرهم من الفلسطينيين. وادعى نتنياهو أن تصريحات شريكه في حكومة التطرف اليميني كان يُقصد بها أن حق الحياة لليهود يتقدم على حق الحركة للفلسطينيين. ولكن هيهات، فقد سبق السيف العذل، وتصريحات بن جفير الاستفزازية التي فُسّرت كاعتراف رسمي بانتهاج سياسة "ابارتهايد" صريحة من قبل دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين انتشرت في أرجاء العالم انتشار النار في الهشيم، والفضل في ذلك يعود إلى حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها المعروفة اختصارا باسم (BDS) التي وزعت الشريط على كل فروعها وناشطيها ومؤازريها في العالم، ومن باب الأمانة تجدر الإشارة إلى دور العارضة الأميركية الفلسطينية الأصل، بيلا حديد التي يتابع حسابها على (انستغرام) ستون مليون شخص وقد نشرت تغريدة بن جفير البائسة وعقبت عليها. رد عليها الوزير العنصري واصفا إياها ب"كارهة إسرائيل"، فما زاده ذلك إلا إشهارا للفضيحة، واتخذت معادلة الصراع أبعادا رمزية مكثفة: الجمال في مواجهة القبح، والعدالة في مواجهة الظلم، والاحتلال والأبارتهايد في مواجهة حقوق الإنسان.
لم يكن إقرار الوزير الإسرائيلي بسياسة الفصل والتمييز العنصري (الابارتهايد) ليفاجئ أحدا، لا الفلسطينيين الذين يكتوون بنار الممارسات العنصرية يوميا، ولا العرب الذين تتسابق بعض دولهم للتطبيع مع إسرائيل حتى وهي في أوج عنجهيتها وتطرفها العنصري. ولا باقي دول العالم، وبخاصة الولايات المتحدة وحلفائها في غرب اوروبا ممن يبدون حساسية مفرطة لأي انتهاك لحقوق الإنسان، ولكنهم لا يفعلون شيئا، ولا يريدون أن يفعلوا شيئا تجاه ما يجري من فلسطين على الرغم من تراكم الأدلة على بناء وتكريس مظام فريد للاحتلال الكولونيالي المقترن ببناء نظام الأبارتهايج. فقد سبق هذه التصريحات المنفرة تقارير دورية سنوية وشهريرة اصدرتها منظمات وهيئات حقوق إنسان عالمية ومحلية، ولجان تحقيق دولية، وكلها تؤكد أن إسرائيل بنت بشكل منهجي ومخطط ومقصود نظاما مُمأسسا للفصل العنصري يقوم على هيمنة مجموعة عرقية على مجموعة عرقية أخرى، أبرز هذه التقارير هو ذاك الذي أصدرته (الاسكوا) وهي اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لدول غرب آسيا التابعة للأمم المتحدة ونشر في مارس 2017، وعلى أثر هذا التقرير اضطرت الدكتورة ريما خلف الأمينة التنفيذية للمنظة الدولية، والوزيرة الأردنية السابقة، للاستقالة بعد الضغط الهائل الذي تعرضت له من قبل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريتش، ومن قبل الولايات المتحدة. استقالت خلف ولكنها لم تتراجع عن حرف واحد من التقرير بل على العكس دعت الدول العربية للاستفادة منه في إدانة إسرائيل وعزلها، وكان من أشرف على إعداد التقرير هما الخبيران الأميركيان في القانون الدولي ريتشارد فولك وفيرجينيا تيلي .
في كتاب استقالتها، وجهت خلف رسالة مؤثرة لغوتيريتش، ذكرته فيها بأنه وجه لها قبل ذلك تعليمات بسحب تقريرين أصدرتهما الاسكوا بسبب الضغوط التي تعرض لها، لا بسبب ملاحظات حول المضمون ولكن بسبب ضغوط سياسية من قبل " دول مسؤولة عن انتهاكات صارخة لحقوق شعوب المنطقة"، وهي لا تعترض على صلاحياته في سحب التقرير، ولكن ضميرها يمنعها من التراجع عماد ورد فيه، وجددت قناعتها الراسخة بالتقرير، وتمسكها باستنتاجاته بأن إسرائيل أسست نظام فصل عنصري، أبارتهايد، يهدف إلى تسلط جماعة عرقية على أخرى.
بعد تقرير الاسكوا، توالت التقارير تباعا عن منظمات محلية ودولية والتي تؤكد كلها بتفاصيل وبينات إضافية على أن إسرائيل بنت خلال عقود نظام أبارتهايد يهدف لمواصلة هيمنة جماعة عرقية هي اليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين المجزئين إلى أربع مجموعات سكانية متباينة الظروف لتسهيل السيطرة عليهم. فقد أصدرت منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية تقريرا بهذا الخصوص في يناير 2021، تبعه تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" الذي اضاف جريمة الاضطهاد إلى جريمة الفصل العنصري في مارس 2021. ثم تقرير منظمة العفو الدولية (أمنيستي) في فبراير 2022، وتقرير مايكل لينك مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في مارس 2022. كما تعزز هذا الاتجاه بتقرير مشابه أصدره مركز حقوق الإنسان التابع لجامعة "هارفارد" الأميركية المرموقة في فبراية 2022. وتجدر الإشارة هنا إلى الدور الخاص والمميز الذي لعبته منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية في الرصد والتوثيق المِهنِيَّيْن لجرائم الفصل العنصري والممارسات المندرجة ضمن تعريفاته الأمر الذي وفّر مادة غنية للمنظمات ولجان التحقيق الدولية، وهذا الدور بالذات هو الذي وضع هذه المنظمات في دائرة الاستهداف الإسرائيلية، ما دفع حكومة الاحتلال (حكومة بينيت- لابيد بالمناسبة وليست حكومة نتنياهو بن جفير) إلى تصنيف ست منظمات فلسطينية (ثلاث حقوقية وثلاث تعمل في حقول اللتنمية والمرأة والزراعة) كمنظمات إرهابية، وحظر عملها وإغلاق مقراتها بالشمع الأحمر.
اللافت في هذه التقارير أنها استخدمت أدوات قياس موضوعية ومعيارية في الحكم على الوقائع الكثيرة، والنتيجة الحتمية التي لا تقبل الجدال هي ثبوت ارتكاب إسرائيل لجريمتي الفصل العنصري والاضطهاد الدامغتين، لكن كل ذلك لم يؤثر في مواقف الولايات المتحدة التي تواصل توفير الحماية لإسرائيل في المحافل الدولية، وتمنع اتخاذ أي قرار في مجلس الأمن ضد سياساتها، بينما تواصل دول الاتحاد الأوروبي التعامل مع إسرائيل كواحدة من الدول الأولى بالرعاية، فتعطيها حقوق دول الاتحاد الأوروبي كافة، من دون أن يترتب عليها اي مسؤوليات.
لا يكتفي القانون الدولي بتجريم الفصل العنصري، والنص على تجريم الهيئات والمؤسسات والأشخاص الذين يرتبكونها وفرض عقوبات عليهم، بل تلزم الدول الأعضاء في الاتفاقية باتخاذ التدابير القانونية والإدارية الكافية لمنع هذه الجريمة.
من جهتها طوّرت إسرائيل خلال سنوات احتلالها الطويلة، ماكينة إعلامية فعالة، متخصصة في مخاطبة الرأي العام الغربي قبل غيره، ووظيفتها الرئيسية تشويه الحقائق التاريخية ومعها الرواية الفلسطينية وتلفيق رواية بديلة، تركز على الخطر الوجودي الذي يتهدد إسرائيل، وأن كل هذه السياسات والإجراءات التي تتخذها هي تدابير مؤقتة لمحارية "الإرهاب" وحماية حياة الإسرائيليين، حارفة الأنظار أن ما قوم به ليس مجرد انتهاكات وتجاوزات للقانون الدولي، بل هي سياسات مُمأسسة ومتكاملة، تهدف لخلق واقع مديد، بستهدف قمع الفلسطينيين وكبح طموحاتهم الوطنية والسيطرة عليهم في شؤون حياتهم كافة، لتشمل كل جوانب حياتهم واقتصادهم والنظام القانوني الذي يحكمهم، وتفتيت حقيقة كونهم شعبا وتحويلهم إلى سكان وجدوا بالصدفة في هذا المكان من العلم.
لا يعود الأمر إلى براعة إسرائيل وماكينتها الإعلامية في ترويج روايتها وطمس رواية الفلسطينيينن فثمة بيئة دولية مواتية لقبول الرواية الإسرائيلية وتلطيف عيوبها أو غض النظر عن جوهرها الإجرامي، يتعزز ذلك بشبكات المصالح الأمنية والعسكرية والتجارية التي باتت تربط إسرائيل بمختلف دول العالم ومن بينها الأصدقاء التاريخيون للفلسطينيين والعرب مثل الصين وروسيا والهند وغيرها من دول آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية. وفي المقابل يبدو الصوت الفلسطيني مخنوقا ولا تكاد صرخاته ونداءاته اليومية تسمع، ليس بسبب نقص الأدلة والبراهين بل لأن الأداء السياسي للفلسطينيين ومؤسساتهم السياسية بات يتكيف مع هذا الواقع الشيطاني فيميل للتعايش معه والاندغام في منظومته دون الاصطدام به، حتى فصائل المقاومة التي تضعها تضحياتها فوق دوائر التشكيك، باتت تضع بين شروطها للتهدئة بعد كل جولة قتال مطلب زيادة تصاريح العمل للفلسطينيين العاملين في إسرائيل!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة