الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المرثيَة الثّالثة من مراثي دوينو - راينر ماريا ريلكه
بهجت عباس
2006 / 11 / 9الادب والفن
إنّه لشيء أن تُغنّي مَنْ تُحبّ. ولكنْ، آهِ،
ذاك إله نهر الدم الآثم المُختفي شيء آخر.
ما الذي يعرف فتاها الذي تُدركه من بعيد،
عن سيِّد المَرح، الذي من الوحدة غالباً،
قبل أنْ تُلاطفه، كما لو أنَّها لم تكنْ،
آهِ، يرفع رأسَه الإلهي، قاطراً شيئاً غير معروف،
داعياً الليلَ إلى ثورة لانهائيّة.
آهِ نبتون الدّم، آهِ يا لَعَصاه ثلاثيّةِ الرأس الرّهيبة.
آه يا لَريحِ صدره الدّاكـنةِ تُـنـفَثُ من قوقعة لولبـيّة.
أصْغِ، كيف يُقَولبُ الليلُ نفسَه ويُجَوِّفها.
يا نجومُ، أليس شوقُ المُحبِّ إلى وجه
مَنْ يُحبّ ُ يأتي منكم؟ أليست بصيرته
الأصلية في وجهها الوضّاح تأتي
منْ برجكم الصّافي؟
لستِ أنتِ التي، وا أسفاه، ليست أمُّـه مَنْ
غزلتْ قوسَيْ حاجِـبَـيْه للانتظار. ليس لأجلكِ،
أيّتها الفتاة المُرهَـفة، قد قوّس شَفتَـيه إلى
هذا التعبير المُثمِـر، ليس لكِ.
هل تظنّيـن حقّاً أنَّ وقعَ قدَميْـكِ الخفيفَ
قد زعزعه، أيّـتها المُتَبخـتِرةُ كنسيم الصّباح.
حقّاً لقد أدخلتِ الرَّوعَ في قلبه، ولكنَّ الرّعبَ
القديمَ عصف فيه بلمستك الدّافـعة.
ادعيه... لا تستطيعين أنْ تناديـه تماماً من
الدائرة المعتمة.
يريد أنْ يهرب حقّا، يستقرّ مرتاحاً في
قلبكِ الخفيّ ويأخذ ويبدأ نفسه. ولكنْ هل بدأ
نفسَه؟
أمّـاهُ! أنتِ التي جعلـتِه صغيراً، أنتِ مَنْ بَدأه،
كان جديداً لكِ، فوق تلك العينين الجديدتيْن
قَوَّستِ الدّنيا الصَّديقةَ وأغلقتِ الغريبةَ.
آه أين تلك السّـنين التي وقفتِ بقَوامِـك الرّشـيق
بينه وبين الفوضى المائجـة ؟
لقد أخفـيْـتِ عنه كثيراً إذاً، الغرفة المريـبة
ليلاً جعلتِـها دون أذىً، ففي مَفـزَعِ قلـبِك
الواسع مَزجتِ مجالاً بشريّاً بمجال ليـله.
ليس في الظلام، بل قـريـباً منكِ
وضعتِ مصباحَ الليل، وأضاء كما لو كان عن أُلفةٍ.
لا صريـرَ لم تستطيـعي توضيـحَه بابتسامة، كما لو
كنتِ تعرفـين مُسبَـقاً متى تَصِـرّ ُ أرضيّةُ الخشب.
وأصغى وخفّفَ عن نفسه. مجيـئكِ بهدوء إليه في الليل
عمل كثيراً; خلف الصُوان
خطى مصيـرُه المُـتقـلِّب عالـياً في خفاءٍ،
وفي طَـيّات السَّـتارة المُتأرجحة اندمج مستقبلُه المُضطرب.
وهو، نفسَه، كما استـلقى، مرتاحاً بحلاوة قَوامِك الرّهيـف
التي صيَّـرتِها مذابـةً تحت أجفـانه النّاعسة
في نوم عـذبٍ -: شعر أنّه بأمان... ولكنْ في
قرارة نفسه: مَنْ يحمي، من يقدر
أنْ يصُدَّ فيضانَ الأصلِ في داخله؟
آه، لم يكنْ ثمّة حَذَرٌ في النائم; نائـمٌ
ولكنْ حالمٌ، ولكنْ في حُمّى: كم أطلق عَـنانَ ذاتِه.
هو، الفتيَّ، الخجولَ، كمْ كانَ مُتشابـكاً
في الجذور المنتشرة للأحداث في داخله، التي
فُتِـلَـتْ إلى نماذجَ في أشكال حيوانات
مُفترسة خنقت النمـوَّ. كم استسلم- أحبَّ.
أحبَّ عالمَه الداخلي، صحراءَه الداخليّة، هذه
الغابةَ فيه، حيث وقف قلـبُه أخضرَ فاتِـحاً
على حطامها المتساقط الصّامت. أحبَّها، غادرها،
منطلقاً منْ جذوره مرّة أخرى إلى أصله القويّ، حيث
ميلادُه الصّغير انتهى من قبلُ. بشغفٍ هَبط إلى
الدّم القديم، إلى الوهاد، حيث الرّعبُ مُقيمٌ، ما
زال مُتخَماً من الآباء. وكلّ مُخيفٍ عرفَـه،
أومأ إليه بعيـنه، كما لو كان فاهـماً.
نعم، ابتسم المُرعِبُ ... نادراً
ما ابتسمتِ له بمثل هذه الرقّة، يا أمّي. كيف استطاع
ألاّ يُحبَّـه، عندما ابتسم له. أحبّه قبل أنْ يُحِبَّـكِ، ثمّ، وعندما
حملتِه، كان محلولاً في الماء، الذي يجعل الجنينَ خفيفاً.
انظري، لا نُحِبّ، مثـلَما ُالأزهارُ تُحبّ، في سنة واحدة;
عندما نُحِبّ ُ، تتصاعد عُصارة بالغة القِدم في أذرعنا.
آه أيّتها الفتاةُ، هذا: عميق فينا، لم نُحبَّ وحيدَ المستقبل
فقط، بلْ جَمعاً مُتخمِّراً لا يُحصى; ليس طفلاً واحداً، بلْ
آباءً مُستقرّين في أعماقنا مثلَ أنقاضِ جبالٍ، ولكنْ
أيضاً مجاريَ أمّـهاتِـنا السّوابقِ الناشفةَ-; ولكنْ
أيضاً كلَّ المشاهدِ الطبيعية الصّامتةِ تحت المصير
الغائم أو الصّاحي-; يا فتاةُ، كلّ ُ هذا جاءَ قبلكِ.
وأنتِ، نفسَـكِ، ماذا تعرفين-; أنتِ التي أثَرتِ زمنَ قبل
التأريخ صُعُداً في الحبيبِ. أيّ ُ أحاسيسَ ارتفعتْ عالياً
من الموجودات التي فَنِـيَت قديماً. أيّة نساءٍ كرهتْـكِ هناك.
أيّ من رجالٍ منحوسين هَـيَّجتِ في عروقـه الفَـتـيِّـة.
أطفالٌ موتى أرادوا أنْ يصلوا إليكِ ... آه بهدوء، بهدوء،
اعملي شيئاً مُحبَّـباً أمامَه، عملَ يومٍ
محبوبـاً لديْـه -; خُذيـه قريباً إلى الحديقة، أعطيه ما يفوق
ثقـلَ الليالي.....
احتفظي به....
ترجمة بهجت عباس
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس