الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دَوْلَة الجَوَاسِيس

عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)

2023 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


[ تَنْبِيه : هذا المقال هو مُقْتَطَف (الفصل الثالث) مِن كِتَاب : رَحْمَان النُوضَة، "أُطْرُوحَات حَوْل الدَّوْلَة"، نشر 2022، الصفحات 134، الصِّيغَة رقم 13 ].
في الفَصْل الحالي، نَنْطَلِق من دِرَاسَة «مَشْرُوع قَانُون تَسَلُّـل» الجَوَاسِيس في التَنْظِيمات، والأحزاب، والنقابات، والجمعيات، الذي وَضَعَتْه حُكُومة المغرب. ومن خِلَاله، سَنُوَضِّح أن مَنْطِق اِشْتِـغَال الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة يَجْـعَلُها، بِالضَّرُورة، تَتَحَوَّل إلى دَوْلة بُولِيسِية، وإلى دَولة جَوَاسِيس. وهؤلاء البُوليس والجَوَاسيس يَعملون ضِدّ مَصَالِح الشّعب الكَادِح، وَيَجْتَهِدُون لِخِدْمَة مَصالح طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار. فَتَمِيل الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، بِالضَّرُورة، إلى التَضْحِية بِأَمن الشّعب، لِتَوْفِير أَمْن طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبار.
وفي دَولة المَغرب "المَخْزَنِيَة"، كان الشّعب في الماضي خاضعًا لِشَبَـكَة عَتِيـقَة مِن المُخْبِرِين، مُكَوَّنَة خُصُوصًا من «الجَرَّايَا» (جَمْع «جَرَّايْ»)، و«المُقَدْمِين»، و«الشْيُوخ»، الخ. وفي إِطَار التَبَـعِيَّة لدولة فَرَنْسَا الْإِسْتِـعْمَارِيَة، ثُمّ الْإِمْبِرْيَالِيَة، أَدْخَلَت دَولة المغرب تَنْظِيمَات مُخَابَرَاتِيَة أُخْرَى، مُتَنَوِّعَة وَعَصْرِيَة. ومن بين أشهرها : "المُخَابَرَات العَامَّة (Renseignements Généraux)، "مُدِيرِيَة مُراقبة التُرَاب الوطني" (DGST)، "المُدِيرِيَة العَامَّة لِلدِّرَاسَات والوَثَائِق" (DGED)، الخ، بالإضافة إلى أجهزة مُخابرات تَابِعَة لِـ "القُوَّات المُسَاعِدَة" (Forces Auxillières)، وَلِلدَّرَك المَلَكِي، وَلِلْجَيْش، الخ.
في مَقال مَنْشُور على مَوْقِـع "مِيدْيَا 24" (media24)(1)، على الْأَنْتِرْنِيت، بِتَاريخ 3 أبريل 2023، فَضَح السيّد عبد الله الحوري، وُجُود مَشروع قانون في المغرب، يُـعْطِي لِلشّّرْطَة القَـضَائِية إِطَارًا قَانُونيًّا مُريحًا لِتَنْـفِيذ عَمَلِيّات تَسَرُّب البُولِيس (infiltration policière). وَيَهْدِف هذا القانون، على الخُصوص، إلى تَشْرِيع تَنْـفِـيذ عَمَلِيّات تَسَرُّب البوليس داخل التَنْظِيمات السياسية المُعَارِضَة، أو الثورية. وَسَيُشَـكِّـلُ هذا الـقانون مُساهمة اِسْتِثْنَائِيَة في تَحْوِيل المِسْطَرة الجِنَائِية. وَسيُـعْطِي للشرطة القضائية (وَلِلْبُولِيس السياسي) إطارًا قانونيًّا لِتَـنْـفِيذ، وَحِمَايَة، عَمليات الْاِخْتِرَاق، وَالتَسَلَّل، والتَسَرُّب، والتَجَسُّـس، داخل التَنْظِيمَات المُعَارِضَة، أو الثورية، بما فيها الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، الخ. وَرَغْمَ أن القانون يَدَّعِي أنه «مُوَجَّه ضِدّ الجماعات والعِصَابَات الْإِجْرَامِيَة، أو الْإِرْهَابِيَة» (الفَزَّاعَة المَعْهُودَة)، لكن الهَدف الأساسي والسِرِّي لهذا القانون، المُبْتَـغَى من طَرف الدّولة، هو خُصُوصًا شَرْعَنَة وَحِمَايَة التَسَلُّل والتَسَرُّب داخل التنظيمات السياسية المُعَارِضَة أو الثورية.
وَيَشْمَل مَشروع قانون التَسَلُّل قَضَايَا اِسْتِـعْمَال الشَّخْص المُتَسَرِّب (infiltré) لِهَوِيَّة مُنْتَحَلَة، أو مُصْطَنَـعَة. وَيَضْمَن اسْتِـفَادَة الشّخص المُتَسَرِّب مِن الحَصَانة الجِنَائية (immunité pénale). وَيَتَنَاوَل هذا القانون قَضايا المُخْبِرِين، والجَوَاسِيس، وَالتَحْقِيقَات الـعَابِـرَة لِلْحُدُود الوطنية، الخ. وَتَعتـزم دولة المغرب توفير إطار قانوني، وإجرائي، لِتَشْرِيع، وَحِمَايَة، عمليات تَسَرُّب المُخْبِرِين والعُـمَلَاء، داخل التنظيمات المُعارضة أو الثورية. وَسَيَتِمّ فِيمَا بَعد تَمْرِير مَشروع هذا الـقانوني، مِن مرحلة "مَجلس الحُـكُومة"، إلى مرحلة المُوَافَـقَـة عليه في الغُرْفَتَيْن، ثمّ الْاِعْلَان عنه عَبْر إصداره في الجريدة الرّسمية. وَمِن بَيْن مَا وَرَد في مشروع هذا القانون، القَضَايَا التَّالِيَة(2) :
1) الهُوَّة بَيْن قَانُون التَسَلُّـل وَتَطْبِيـقِه
يَـقُول مَشروع قَانون التَسَلُّل : سيكون المُتَسَـلِّلُ ضابطًا في الأمن، أو عَمِيلًا سِرِيًا، أو وَكِيلًا في الشرطة القضائية. وَسَيَتَصَرَّف المُتَسَلِّل بعد حُصوله على إِذْن مِن المُدَّعِـي العام، وتحت إشرافـه.
[تَـعْـلِيـق رقم (1) : لَا نَـثِـق في مثل هذه الإجراءات القانونية النظرية، التي تُطَمْئِنُنَا بشكل مُخَادِع، والتي تَـتَـعَـلَّـق بِـشَرْط «الحُصُول على إِذْن مُسْبَـق» من عند الضَّابِطَة القَضَائِيَة، قَبل تَنْـفِيذ عَمَلِيَة «التَسَلُّل». لأن ما عِشْنَاه في المغرب، على أرض الواقع، في حالات الْإِخْتِطَافات، والْاِسْتِنْطَاقَات داخل مَرَاكِز الاِعْتِـقَال السِرِّي، بين سنوات 1960 و 1985، هُو أن السُلْطَة القَضَائِيَة كانت تُـعْطِي هذه «الْأُذُونَات»، لِـ "الفِرْقَة الوطنية لِلشُّرطة القَضَائِيَة" (BNPJ)، لَيْس قَبْل بَدْء العَمَلِيَّة القَمْـعِيَة، وَإِنَّمَا بَـعد الاِنْتِهَاء التَامّ لِـعَمليّات الْاِخْتِطَاف، والْاِعْتِـقَال، والاستنطاق، والتعذيب، وَمَا صَاحَبَهَا. وَلَوْ بَعد مُرُور عِدَّة سَنوات على بداية اِنْطِلَاق هذه العَمَلِيَة القَمْـعِيَة المَـعْنِيَة. لأن السُّلطة القضائية تَـقْبَل بِأَنْ تُـعْطِـيَ هذه الْأُذُونَات بِأَثَر رِجْعِـي (antidaté)(3) لِلْبُولِيس السِيَّاسِي. ولأنه من الشَّائِـع في المَغْرب، ومنذ زمان بَـعيد، أن يَـكون القانون المَـكْتُوب النظري شيئًا مُعَيَّنًا، وما هو مُنَـفَّـذ منه على أرض الواقع، غَالِبًا ما يَـكون شيئًا مُخَالِفًا له. وقد عِشْنَا ذلك خلال قَمع الحركات السياسية المُعارضة بَين سنوات 1960 و 1985. وَعَشَرَات الآلاف مِن شَهَادات الأشخاص، ضَحَايا الإِعْتِـقَال السياسي، التي جَمَعَتها "هيئة الإنصاف والمُصالحة" الرَّسْمِيَّة، والتي تُوجد حاليًّا لَدَى هَيْئَة "المَجلس الإستشاري لحقوق الإنسان" الرَّسْمِي، تُؤَكِّد ذلك. وبعد قَضَاء عَشَرَات الْآلَاف مِن المُـعتـقلين السِيَّاسيّين المغاربة حِصَص التَـعْذِيب، وَسَنَوَات طِوَال داخل مُختلف أنواع السُّجُون السِرِّيَة والعَلَنِيَة، أَصْدَر الملك المُستبد الحسن الثاني، في سنة 1991، «عَـفْوًا مَلَكِيَّا» على ما تَبَـقَّـى من المُعتـقلين السِيَّاسِيِّين في السُّجُون. وَاعْتَرَفَت دولة المغرب ضِمْنِيًّا بِذلك القَمْـع الشَّرِس (عَبْر مُؤَسَّـسَتِهَا المُسَمَّاة "هَيئَة الْاِنْصَاف والمُصَالَحَة"). وَأَقَـرَّت دولة المغرب بما كانت مِن قَبْلُ تَنْـكُرُه بشكل مُطلق خلال عشرات السِنِين. وَاعْتَذَرَت الدّولة عن تلك «الخُرُوقَات الجَسِيمَة لِحُقُوق الإنسان». وَاعْتَبَرَت الدولة ضِمْنِيًّا أن «ذلك القَـمْـع كان مُـفْـرِطًا»، وَ«غَيْرَ مُبَرَّر». وَادَّعَت دولة المغرب أنها طَوَت نِهائيًّا صفحة «سَنَوَات الجَمْر والرَّصَاص». لكن «المُـقَارَبَة الأَمْنِيَة»، وَإِرْهَاب الدّولة، لم يَتَوَقَّـفَـا. ثُمّ زَعَمَت الدَّولة أنها قَدَّمَت «تَـعْوِيضَات مَالِيَة» لِضَحَايَا تلك «الخُروقات الجسيمة لحقوق الانسان». وَلَوْ أن تِلْك «التَـعْوِيضَات» كانت مُجَرَّد تَحَايُل، وَمُغَالَطَة، بِسَبب هَزَالَتِهَا المُفْرِطَة، وَبِسَبَب عدم تَلَاءُمِها مع الْأَضْرَار الجَسِيمَة التي أَحْدَثَتْهَا لِنِسْبَة هامّة مِن أولائك المُـعْتَـقَلِين السِيَّاسِيِّين. وكانت الدّولة كَـعَادَتِهَا، في مُجمل هذه «الخُرُوقَات الجَسِيمَة لِحُـقُوق الْإِنْسَان»، خَصْمًا وَحَكَمًا. وكلّ المُؤَشِّرَات مَا زَالت تَدُلّ، إلى حَدِّ اليوم في سنة 2023، على أن الدولة الرَّأْسَمَالِيَة في المغرب لا تَـقْدِر على التَخَلِّي عن اِرْتِكَاب وَتِـكْرَار هذه «الخُرُوقَات الجَسِيمَة لِحُقوق الإنسان»].
2) سُلُطَات تَـقْدِيرِيَة مُنْحَازَة، وغير عِلْمِيَّة
يَـقُول مَشروع قانون التَـسَـلُّـل : سَيكون الْلُّجُوء إلى استـعـمال التَسَلُّل في الـقضايا التي تُـعـتبر ذات خُطورة معينة.
[تَـعْلِيق رقم (2) : لكن مَن سَيُحَدِّد حالات هذه «القَضَايا الخَطيرة» ؟ فمن المَعروف في المغرب، ومن المَأْلُوف في كلّ الدول الرَأْسَمَالِيَة، أن السُلُطَات التي تُـقَـرِّر المُتَابَـعَةَ القَضَائِيَة، أو الْاِعْتِـقَال الْاِحْتِيَّاطِي، أو تُمَارِس الْاِسْتِنْطَاق، أو الْإِدَانَة، تُمَارس عَادَةً سُلُطَاتِهَا التَـقْـدِيرِيَة، دُون رَقَابَة بَـعْدِيَة، وَلَا مُحاسَبَة، خَاصَّةً في مَجالات قَمْع المُوَاطِنِين النَّاقِدِين، أو المُـعَارِضِين السيّاسيّين، أو المُتَظَاهِرِين المُحْتَجِّين، أو الصَحَافِيِّين المُستـقـلّين، أو المُناضلين الثوريّين].
وَيُـقَـدّّم المشروع التمهيدي لِـقَانُون التَسَلُّل أمثلةًَ عن هذه «القَضَايا التي تُعتبر خَطيرة»، وَتُبَرِّر التَسَلُّل، مثل : «المَـسّ بِأمن الدولة الداخلي أو الخارجي» [وهي عَمَلِيًّا، وَتَاريخيا، قَضَايَا الأشخاص المُعَارِضِين السِيَّاسِيِّين، الرَّاغِبِين في تَـغْيِير النظام السياسي القائم]، و«الإرهاب»، و«العِصَابات الإجرامية»، و«اختطاف أجهزة طائرة أو تـدميرها»، و«الرَّشْوَة»، و«الفساد» [والمَـقْصُود هُنا هو فَسَاد المُعارضين السياسيّين، وليس فساد أنصار النظام السياسي القائم]، و«اختطاف أشخاص أو حجزهم»، و«القتل»، و«الاتجار بالمخدرات»، و«الجرائم المتعلقة باستخدام المتـفجرات»، و«أسلحة نَوَوِيَة»، و«أسلحة بيولوجية»، و«تهديدات الصحة العامة»، و«جرائم مُرْتَـكَـبَـة في الانتخابات»، و«جرائم ضد الأطفال»، و«نشر محتوى إباحي مُوَجَّـه لِلْـقَـاصِرِين»، و«غَسيل الأموال»، و«الْاِتِجَار في استغلال النـفوذ»، و«حُصُول مُوَظّـف على أَمْوَال غَيْر مَشْرُوعَة»، و«الاختلاس أو تبديد الأموال العامة»، و«الجرائم الإلكترونية» [والأشخاص المَقْصُودُون هُنا هم المُعارضون السياسيون]، و«الاتجار بالبشر»، «والاستغلال الجنسي»، إلخ.
وَأَتَذَكَّر هُنَا، كَيْفَ أنّ المَسْؤُولِين في "الفِرْقَة الوَطنية لِلشُّرْطَة القَضَائِيَة" (BNPJ) بِالمَغرب، وَمِنْهُم قَدُّور اليُوسْفِي والمُشْتَـغِلُون معه، (الذين أَشْرَفُوا على اِعْتِـقَال قُرَابَة 300 شَابّ مِنْ شُبَّان الحَرَكَات الماركسية، بَيْن سنوات 1972 و 1977)، كَانُوا في تَـقَارِيرِهِم، يُـبَالِـغُون في، وَيُضَخِّمُون، «خُطُورة» شُبَّان هذه الحَرَكَات الماركسية. وَكانوا يَزْعُمُون أَنَّ هؤلاء الشُبَّان كانوا قَادِرِين على خَوْضِ «حَرْب أَهْلِيَة»، وعلى «إِسْقَاط النظام السيّاسي» القائم في ظَرْف وَجِيز. بَيْنَمَا كان هؤلاء الشُبَّان في الحركات الماركسية، لَا يَتَوَفَّرُون وَلَوْ على قِطْعَة سِلَاح بِدَائِي وَاحد. وكل ما فعلوه، هو أنهم نَشَرُوا بِضْعَة مَنْشُورَات (tracts). وكان المَسْئُولُون في "الفِرْقَة الوطنية لِلشّرطة القَضَائِية" يَهْدِفُون من خلال ذلك التَضْخِيم والتَخْوِيف إلى تَرْهِيب القَصْر المَلَكِي، وَتَرْهِيب السُّلْطَة السِيَاسِيَة، وَتَبْرِير حُصُولهم على اِمْتِيَّازَات في الْأُجُور، وَفِي غَيْرِهَا. وَحَـكَمَت المَحْكَمَة فِيما بَعْد على الْأَغْلَبِيَة الكَبِيرة من هؤلاء المُـعْتَـقَلِين السِيَّاسِيِّين بِأَحْكَام قَاسِيَة، تَـتَـرَاوَح بَيْن 20 سنة سِجْنًا والمُؤَبَّد. وَبَعد مُرُور قُرابة 18 سنة على بداية هذه الاعتقالات، أصدر المَلِك المُسْتَبِدّ الحسن الثاني «عَـفْـوًا مَلَكِيًّا» على المُـعْتَـقَلِين السِيَاسِيِّين المُتَبَـقِّين، اِعْتِبَارًا لِكَون ذلك القَمع كان مُفْرِطًا. لكن الأضرار المُحْدَثَة لِضَحَايَا القمع المُـفْرِط تَبْـقَـى، وَلَا تَزُول، ولا يُمكن مَحْوُهَا.
3) هَمُّ الدَّوْلَة الأَسَاسِي هو قَمع المُعارضين السياسيّين
[ تَـعْـليق رقم (3) : في الواقع المَلموس، وعلى خلاف هذه اللّائحة الطَوِيلَة (المذكورة سابقًا) لِلحالات التي تُبَرِّر فيها الدّولة اِسْتِعْمال التَسَلُّل، فإن الحالات التي تَهُمّ الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة أكثر من غيرها، هي حالات «المَـسّ بِأمن الدولة الداخلي أو الخارجي»، وحالات التَسَرُّب داخل الأحزاب، والنـقابات، والجمعيات، والتنظيمات، التي تَنْتَـقِد النظام السياسي القائم، أو تُعَارِضُه، أو تَطْمَحُ لِتَـغْيِيره. بَيْنَمَا القضايا الإجرامية الأخرى، مثل أَنْوَاع «الفَسَاد»، و«الاغتناء غير المَشْرُوع»، وَ«تَبْيِيض الْأَمْوَال القَذِرَة»، وَ«الْإِتِّجَار في مُخْتَلَف أنواع المُخَدِّرَات»، و«السياحة الجنسية»، و«الاستغلال الجِنْسِي لِلْقَاصِرَات والقَاصِرِين»، و«الْإِتِّجَار في دَعَارَة الغَيْر»، وَ«تِجَارة الْبِيدُوفِيلْيَا (pédophilie)»، و«الغِشُّ في البَضائـع»، وغيرها كثير، فإن أجهزة الدّولة القَمْـعِيَة لَا تُبْدِي اجتهادًا كَافِيًّا لِمُـكَافَحَتِهَا، وذلك رَغْم شُيُوعِها في مُجتمعنا الرَّأْسَمَالِي(4)].
4) اِمْتِيَّازَات الـمُتَسَلِّل
4.1- يَسْمَح قَانُون التَسَلُّل لِلْمُتَسَـلِّـل بِارتـكاب بعض الجرائم : حيث أنّ الضُبَّاط، أو الِوٌكًـلَاء، أو العُمَلَاء، المَسْمُوح لهم بِأَن يَـقُـوموا بِتَنْـفِـيذ عمليات التَسَرُّب، أو التَسَلُّـل، يَسْمَحُ لهم القَانون أيضًا بِأَن يَرْتَـكِبُوا جَرائم مُـعيّنة، دون أن يَتَـعَـرَّضُوا لِأَيَّة مُتَابَـعَات قَضَائِيَّة. وَمِن بين هذه الجرائم المَسْمُوح بها لِلْمُتَسَرِّب، مَا يَلِي :
أ- اِكْتِسَاب، أو حِيَّازة، أو اِمْتِـلَاك، أو نَـقل، أو تسليم، أو تَـلَـقِّـي، مُمتلكات، أو أَمْوَال، أو مُستـندات، أو وَثَائِـق، أو معلومات، مُسْتَخْـرَجَة مِن جرائم، أو مُسْـتَخْدَمَـة في ارتكاب جرائم؛
ب- اِسْتِخْدَام، أو إتاحة اِسْتِـعْـمَال، وَسَائِـل ذات طبيعة قانونية، أو مالية، إلى الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجرائم، بِما فيها وَسائل النَـقْـل، وَوَسائل التَـخْزِين، وَالْإِيـوَاء، والصِيَانَة، والاتصالات.
ت- استخدام هَوِيَّة، أو صِفَة وَهْمِيَة، على شبكات الاتصالات الإلكترونية، تُجاه واحد أو أكثر من المُشتبه بهم، وذلك لاستخراج، أو لإرسال، إجابات على الطلبات المتعلقة بوقائع، أو بِمُحتوى، غير قانوني.
4.2- المَسْؤُولية الجِنائية : في مشروع قانون التَسَلُّل، يُـعْتَبَر الوَكِيل، أو الضّابط المُفوض، غير مسؤول جنائياً عن الجرائم التي قد يرتكبها (هو نـفسه) أثناء العمليات (المذكورة أعلاه). كما يَنْطَبِـقُ هذا الإعفاءُ مِن المَسْؤُولِيَة على الأشخاص الذين يَطْلُب منهم الضُّباط المُفَوَّضُون المُشَاركة في تَسْهِيل إِنْجَاز عَمَلِيَة التَسلّل، بشرط إخطار النِيَابَة العَامَّة مسبقًا.
4.3- التَسَلُّل العَابِر لِلْحُدُود : يقول مشروع قانون التَسَلُّل، إذا تطلّب التحقيق ذلك، فمن الممكن أن تَمْتَدّ عَمليّة التَسَلُّل إلى خارج التراب الوطني. وفي هذه الحالة، يلزم الحصول على إِذْنٍ خاص من هيئة النيابة العامة، مع مُراعاة قواعد التعاون الدولي، وموافقة السلطات الأجنبية المعنية. وبنـفس الطّريقة، سَيُـسْمَح لِلسُّلطات الأجنبية أن تطلب إِنْجاز تَسَلُّل داخل الأراضي المغربية.
[تَـعْلِيق رقم (4) : نَتَسَاءَل هُنا : هل بِمُوجِب هذا القانون، وفي إطار "التَطْبِيع" بين المَغرب وإسرائيل، سَيُصبح شَرْعِيًّا السَّمَاح لِلْمُخَابَرَات الإْسْرَائِيلية مثل "المُوسَاد"، و"الشَّبَاك"، و"الشِينْبِيت"، أن تَطلب من الحُكومة المغربية السَّماح لها بِإِنْجَاز تَسَلُّـلَـات داخل أحزاب أو نَـقابات أو جمعيّات مغربية، بِهَدف قَمع أو مُلَاحَقَة المغاربة المُنَاهِضِين لِلصَّهْيُونِيَة ؟ ].
4.4- العَمِيل المُتَسَلِّل، والعَمِيل السِرِّي، والعَمِيل السِرِّي المَحْمِـي :
يَـقول مَشْرُوع قَانون التَسَلُّل، أنه في أيّة مَرحلة من مَرَاحِل عملية التَسَلُّل، يَجب أَلَّا تَظهر الهَوِيَة الحقيقية لِلضَّابِط المُتَسَلِّل، أو العَمِيل المُتَسَلِّل، الذي اِسْتَـعْـمَل هَوِيَة مُسْتَـعَارة. وَيَـعْتَبِر القانونُ الـكَشْفَ عن هذه الهوية بمثابة جريمة، وَيُعاقب عليها بالسجن من 2 إلى 5 سنوات، وغرامة من 2000 إلى 5000 درهم.
وإذا أَدَّى هذا الكَشْف عن هَوِيَّة المُتَسَلِّل إلى أعمال عُنـف، وضربات، وإصابات، ضدّ المُتَسَلّل، أو زوجه، أو ولده، أو أصوله، أو الأشخاص الخاضعين لوصايته، فقد تصل العقوبات إلى السجن لمدة 10 سنوات.
وإذا أدّى هذا الكَشف عن هَوِيَة المُتَسَلِّل إلى وفاة الضّابط أو أحد أقاربه، تَـكون العُقوبة القُصوى هي السجن مُدّة 30 سنة. وإذا كان الشّخص الذي كَشَـف هَوِيَة المُتَسَلِّل هو الشّخص الذي طُلِبَ منه أن يُشارك في تَسْهِيل إنجاز عمليّة التَسَلُّل، يُمـكن أن تصل العقوبة إلى السِّجن المُؤَبَّد.
[تَـعْلِيق رقم (5) : الشّخص الذي يَخُون الأجهزة القمعية، أو الدّولة، يُمكن أن تُـعاقبه الدّولة بالسِّجن المُؤبّد، بينما الشخص الذي يَخُون الشّعب، لا تَهْتَمّ الدّولة بِمُحَاسبته، بَلْ تَرْفُضُ مُـعَاقَبَتِه].
[تَـعْلِيق رقم (6) : مِمَّا لَا يَنْتَبِه إليه بعض المواطنين، أنّ العَمِيل «المُتَسَلِّل»، لَا يَـكْتَـفِي فقط بِجَمْع الأخبار أو المَـعْلُومَات، وَتَبْلِيغِهَا، وَإِنَّمَا يُشَارِك أَيْضًا في إِنجَاز الْأَنْشِطَة التي يَـقُوم بها عادةً أَفْرَاد التَنْظِيم المُسْتَهْدَف بهذا التَسَلُّـل. وَمَنْطِق التَسَلُّل يَدْفَع الشَّخْص المُتَسَلِّل إلى أن يُظْهِرَ حَمَاسًا أَكْبَر، وَتَشَدُّدًا أَكْثَر، بِالمُـقَارَنَة مع أعضاء التنظيم المُسْتَهْدَف، وذلك بِهَدَف الحُصُول على ثِـقَة أفراد هذا التنظِيم. فَـغَالِبًا ما يَـكون العَمِيل المُتَسَلِّل عُنْصُرًا مُشَجِّعًا على التَشَدُّد، والمُـغَالَاة، والْإِفْرَاط، والتَطَرُّف.
وَمِمَّا لا يُرَاعِيه هذا القانون حول التَسَلُّل، والذي لا تَهتمّ به الدّولة في الواقع المَلْمُوس، هو أن الشَّخْص المُسْتَهْدَف (أو الأشخاص المُسْتَهْدَفِين) مِن طرف الشَّخْص المُتَسَرِّب، في حَالَات المُـعارضين السيّاسيّين، حَتّى وَلَو لم يَكُن هذا الشّخص المُستهدف فِـعْـلًا ذَاهِبًا إلى اِرْتِـكَاب أَيَّة جَرِيمَة مُـعَـيَّنَـة، فَإِن الشّخص المُتَسَرِّب يَـعمل كلّ مَا في إِمْـكَانِه لِتَشْجِيع، وَلِتَوْرِيط، الشَّخْص المُسْتَهدف، وَلِلْإِيـقَاع به في حالة التَلَبُّس (en flagrant délit). لأن الشخص المُتَسَرِّب يَحْتَاج إلى إِقْنَاع رُؤَسَاءه (في الأجهزة الأمنية) بِأَهَمِّيَة ما يُـقَدِّمُه مِن خَدَمَات تَجَسُّـسِيَة. كمَا يحتاج الشّخص المُتَسَرِّب إلى تَبرير المَدْخُول الشّهري الذي يحصل عليه (والذي يَكُون في غالبيّة الحالات أكبر من مُعَدَّل الْأُجُور). وَبِالتّالي، يَحتاج الشّخص المُتَسَرِّب إلى تَوْرِيط الأشخاص المُسْتَهْدَفِين، وَبِأَيِّ وَجْه كان، في حَالَة تَلَبُّس. وَإِيـفَاع الشّخص المُسْتَهْدَف في حَالَة تَلَبُّس، هُو تَمِكِين البوليس مِن مُفَاجَأَة الشَّخص المُتَلَبَّس بِهِ في حَالَة اِرْتِكَاب جَرِيمَة مُـعَيَّنَة. وَمَنْطِق اِشْتِـغَال الأجهزة القمعية يَجْـعَلُهَا، في كثير من الحالات، تَحْتَاجُ إلى تَحْوِيل هذا التَوْرِيط في جَرِيمة مُـفْـتَـعَـلَة (لِإِنْجَاح حَالَة التَلَبُّس، أو الفَخّ)، وذلك بهدف الحُصُول على حُجَّة دَامِـغَة، لِضَمَان إِدَانَة المَحْكَمَة، فِيمَا بَعْد، لِلشّخص المُسْتَهْدَف، بشكل قَاطِع. وَلَوْ كان الْإِيـقَاع بِالشَّخص المُسْتَهْدَف في حَالَة تَلَبُّس عَبْر تَحْرِيف مَنْطِق الحَـقّ، أو عَبْر إِفْسَاد مَنْهَج العَدْل، أو عَبْرَ التَـعَسُّف على القانون القائم. خَاصَّةً وأن مَا يَهُمُّ الدّولة، هو جَمْع الحُجَج الكَافِيَة لِتَبْرِير قَـمْـع المُعارضين السياسيّين، والثَوْرِيِّين.
وَحَتَّى إذا كان مَشْرُوع قانون التَسَلُّل يَنُصُّ على أنه، «يجب ألّا تُشَـكِّل أفعال العَمِيل السِرِّي تَحْرِيضًا على ارتـكاب جرائم». وحتّى إذا أشار هذا القانون إلى أنه «إذا تَمَّ العُـثُـور على تحريض (مِن طَرف العَمِيل المُتَسَرِّب)، فإن الإجراء بأكمله يُصبح عُرْضَةً لِلْبُطْلَان، بما في ذلك اَلْأَدِلَّة التي تَمّ جَمعها أثناء العَملية»، فإن القانون النظري شيء، وتطبيقه في الواقع شيء مُخالف. وَقُرَابَة مِئَة أَلْـفَ شَخص، مِن بَين قُدَمَاء المُـعْـتَـقَـلِين السياسيّين في المغرب، ضحايا الاستبداد والقمع، بين سنوات 1956 و 1985، (وَقَدْ أَحْصَتْ "هَيْئَة الإِنْصَاف والمُصَالَحَة" الرَّسْمِيَة) الجزء الأخير منهم)، يَـعْرِفُون، عبر ما عَانُوه مِن قَهْر، وَتَـعْذِيب، وَتَنْـكِيل، الفَرْقَ الشَّاسِـعَ بين القانون النظري القائم، وتطبيـقاته في الواقع القَمْـعِـي المُـعَاش. لأن الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، هي نَـفسها، تَتَحَايَلُ في مَجال كِتَابَة القَانُون وَتَطْبِيـقِه، بَلْ تَسْتَـعْمِلُه عُنْوَةً كَسِلَاح لِـقَهْر الأشخاص النَّاقِدِين، وَلِسَحْق المُعَارِضِين السياسيّين. ومن الوَهْم الاعتـقاد بِإمكانية أن يَـكُون القَضَاء مُحَايِدًا (neutre) في دولة رَأْسَمَالِيَة. وكل المُؤَشِّرَات ما تَزَال، إلى اليوم في سنة 2023، تَدُلّ على أن الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة القائمة في المغرب، لا تَـقدر على التَخَلِّي عن طَبِيعَتِهَا البُوليسية، والقَمْـعِيَة، والاستبدادية].
5) الحَصَانَة الجِنَائِيَة خُدْعَة
- [ تَـعليق رقم (7) : حَول «اسْتِـفَادَة الشّخص المُتَسَرِّب مِن الحَصَانة الجِنَائية» (immunité pénale)، يجب التنبيه إلى حقيقة مُرّة. وهي أنه، في وَاقِع دولة المَغْرِب، يَحْظَى كل أَفْرَاد الأَجْهِزَة الـقَمْـعِـيَة، وَمُنذ اِستـقلال المغرب الشَّـكْلِي في سنة 1956 إلى اليوم، بِحَصَانَة جِنَائِيَة، وَفِعْلِيَة، وَعَمَلِيَة، وَشَامِلَة، وَمَضْمُونَة، وَلَوْ لَمْ تَـكُن هذه الحَصَانَة مَنْصُوص عليها في القانون القائم. حيث لَا تُتَابِـعُ الدّولةُ أَبَدًا أيّ فَرد مِن أفراد الأجهزة الـقَمْـعِـيَـة، عَلى أَيَّة مُخَالَـفَة، أو جَرِيمَة، أو تَجَاوُز لِلْـقَـانُون، اِرْتَـكَبَه أَثْنَاء قِيَّامِه بِأَفْـعَـال قَـمْـعِـيَـة، في إِطَار الْأَجْهِزَة القَـمْـعِـيَـة، ضِدَّ مُتَظَاهِرِين، أو ضِدَّ مُعارضين سيّاسيّين، أو ضِدّ مُـعْتَـقَـلِين سيّاسِيّين. لأن الدّولة وأجهزتها تَتَصَرَّف كَـحِزْب سِيَّاسِي سِرِّي وَمُتَضَامِن.
وتاريخ المغرب يشهد على أنه، رغم كُلّ التَجَاوُزَات، ورغم الخُرُوقَات الكثيرة التي حدثت أَثْنَاء قَمْع المُتَظَاهِرِين، أو أَثْنَاء اخْتِطَاف المُعارضين السياسيين، أو أثناء اِعْتِـقَالهم، أو أثناء تَـعْذِيبهم، أو أَثناء حِرَاستهم (سَوَاءً في سُجُون عَلَنِيَّة أم سِرِّيَّة)، حَتَّى وَلَوْ أَدَّت هذه الخُرُوقات إلى إِصَابَة المُـعْتَـقَل السياسي بِـعَاهَة جَسَدِيَة دَائِمَة، وَحَتَّى وَلَوْ أَدَّت إلى وَفَاة هذا المُـعْتَـقَل السيّاسي، فإن هؤلاء الأشخاص، العَامِلِين في الْأَجهزة الـقَـمْـعِـيَة، لم يَسْبِق لهم في تَارِيخ المغرب أن تَـعَرَّضُوا لِأَيَّة مُحاسبة، أو مُحاكمة، أو مُـعَاقَبَة ! وَعَلَيْه، يُصبح تَشْدِيد الفَصْل 1 من دُستور المغرب (الصادر في سنة 2011) على «رَبْط المَسْؤُولية بِالمُحَاسَبَة» مُجَرَّدَ تَطْمِين مُخَادِع. وقانون التَسَلّل الجديد، إنما يُحَوِّل هذه «الحَصَانَة» مِن مُمَارَسَة سِرِّيَة، أو مَخْـفِيَة، إلى اِمْتِيَّاز قَانُوني، وَرَسْمِي، وَمُـعْتَرَف به، وَمَمْنُوح قَانُونِيًّا لِأَفْرَاد الْأَجهزة القَـمْـعِيَة.
وَيَلْزَم أن نَشْرَحَ لِلشّعب، أنّ «الحَصَانَة» الجِنَائِيَة المَمْنُوحَة لِبَعْض المُشْتَـغِلِين في أَجْهِزَة الدّولة، هي إِلْـغَاء كُلِّـيّ لِلْـقَانُون ! وَإذَا اِنْتَـفَـى القَانُون، شَاعَ الْاِسْتِبْدَاد والفَسَاد. فَمَا الفَائِدَة مِن وَضْع قَوَانِين دَقِيقَة، إذا كُنَّا سَنُـقْـدِمُ فِيمَا بَعْد على مَنْح «الحَصَانَة» إلى عَدَد مِن الفِـئَـات المِهَنِيَة، أو المُجْتَمَعِيَة، مثل رئيس الدّولة، وَالْأُمَرَاء، والوُزراء، والبَرْلَمَانِيّين، والمُوَظَّـفِـين «السَّامِين» أو الكِبَار، وَأَفْرَاد الْأَجْهِزَة القَمْعِيَة، الخ ؟ وَمَا الفَائِدَة مِن أَنْ يَنُصَّ الدُّسْتُور وَالقَانُون على «رَبْط المَسْئُولِيَة بِالمُحَاسَبَة»، إذا كُنَّا سَنُـعْطِي لِـعَدَد مِن المَسْئُولِين الكبار في الدّولة «حَصَانَةً» تَـقِـيهِم مِن كلّ مُحَاسَبَة قَانُونِيَة ؟ وَمَا الفَائِدَة مِن التَشْدِيد في الدُّستور على أن «جميع المُواطنين مُتَسَاوُون أمام القانُون»، إذا كُنَّا سَنَمْنَح فيما بعد «الحَصَانَةَ» لَِعَدَد مِن المَسْئُولِين الكِبَار في الدّولة، تُنْجِيهِم مِن المُثُول أمام أَيَّة مُحَاكَمَة ؟ وَلِمَاذَا نُجِيزُ مُحاسبة كلّ أَفْرَاد الشّعب البُسَطَاء، على كلّ أَفْـعَالِهِم، وفي كلّ المَيَادِين، وفي نَـفس الْأَوْقَات، نَمْنَـع مُحاسبة المَسْئُولين الكِبَار في الدّولة، بِمُوجِب «حَصَانَة» مَمْنُوحَة ؟ بَيْنَمَا العَكْس هو الذي كان يجب تَطْبِيقُه، أَيْ التَشْدِيد في المُحاسبة بِسَبَب كِبَرِ المَسْئُولِيَّات. هذا إِذَنْ هو العَبَث ! هذه مُغَالَطَة لِلشّعب المَسُود ! هذا نِـفَاق ! المَسْئُولُون الكِبَار في الدّولة يُطَبِّـقُون قَوَانِين قَاسِيَة على الشّعب، وفي نفس الوقت، يَمْنَحُون لِأَنْـفُسِهِم، وَلِخُدَّامِهِم، «الحَصَانَة» الجِنَائِيَة لِكَيْ لَا تُطَبَّـقَ عليهم هذه القوانين ! هذه مُخَادَعَة لِلشّعب ! وَفي العَدَالَة البَدِيلَة الحَـقِيقِيَة، يَجب على كلّ مُوَاطِن، مَهْمَا عَلَا شَأْنُ هذا المُواطن، أن يَخْضَع إلى القانون كُلِّه، وَبِدُون السَّمَاح بِمَنْح إِمْتِيَّاز «الحَصَانَة» إلى أيّ مَسْئٌول كَان في المُجتمع. وَيَجِب أن يُحَاسَب كلّ شَخْص، وَمَهْمَا كان، على أَفْـعَالِه، وَطِبْـقًا لِلـقَانُون. كما أنه يَجب أن يُطَبَّـق مَبْدَأ «رَبْط المَسْئُولِيَة بِالمُحَاسَبَة» على كلّ العَامِلِين في أجهزة الدّولة، وَبِدُون السَّمَاح بِوُجُود أيّ اِسْتِثْنَاء، وَبِدُون وُجُود أَيَّة حَالَة «حَصَانَة». يجب إِلْـغَاء كلّ «الحَصَانَات» الجِنَائِيَة. وَمَن لَا يُـعْجِبُه ذلك، عَلَيْه أن لَا يَشْتَـغِلَ في أَيّ جِهاز مِن بَيْن أَجْهِزَة الدّولة. وَغَيْر ذلك هو مُجرّد خِدَاع لِإِفْلَات بعض فِئَات المُشْتَـغِلِين في أجهزة الدّولة مِن المُرَاقَبَة، وَمِن المُحَاسَبَة، وَمِن العِـقَاب. يَجْمَـعُون بَيْن السُّلْطَة السياسية والثَرَوَات المَادِّيَة، وَيَـغْتَنُون بشكل غير مَشْرُوع، وفي نفس الوقت، يَمْنَحُون «الحَصَانَة» الجِنَائِيَة لأنـفسهم وَلِخُدَّامِهِم. حيثُ يُصْبِحُون صِنْـفًا مِن الْآلِهَة المُـقَدَّسَة، و «المُحَصَّنَة». وهذه هي قِمَّة الانتهازية ].
6) التَسَـلُّـل دَاخِل الأَحْزَاب والنَـقَابَات والجَمْعِيَّات
- [ تَـعليق رقم (8) : مُنذ قُرابة سنة 1983، ظلّت الأجهزة الـقَمـعـية تَـفْـتَخِر بِـ «تَـفْـكِـيـك خَلِيَّة إِرْهَابِيَّة» في كلّ شهر. وَتَـفْتَخِر بِاعِتِـقَال نَـفَر من الأشخاص، وَتُظْهِر عبر التَلْفَاز أَدَوَاتِهِم، وَمُتَـفَجِّرَاتِهِم، الخ. وَكان سِلَاحُ الأجهزة القَمْـعِيَة الـفَـعَّـال في ذلك هو :
أ) اِسْتِـعْـمَال تَسَرُّب المُخْبِرِين، وَتَسَـلُّـل العُمَلَاء، داخل التنظيمات الإسلامية الْأُصُولِيَة، أو الجَذْرِيَّة، وَدَاخل التـنظيمات السياسية المُـعارضة، أو الثورية، أو المُـعَادِيَـة.
ب) إِحْتِـكَار التَجَسُّـس على الهَواتِـف المَحْمُولَة(5)، على الخُصوص بواسطة بَرْمَجِيَّات (logiciels) مِثْل "بِيغَاسُوس" (Pegasus)، وَ «سَانْدْفِين» (Sandvine)، وَ «سِيرْكَلْزْ» (Circles)، وهي مُشْتَرَات من عند شَرِكَة إسرائيلية تُسَمَّى "مَجموعة NSO Group"(6)؛ وكذلك بواسطة التَسْهِيلَات والخَدَمات المَمْنُوحَة من طرف الشركات التي تُوَفِّرُ الدُخُولَ إلى شَبَـكَة الإنترنت (Fournisseurs d Accès à l Internet, FAI) لِعَامَّة الزُّبَنَاء. وَإذا طَلَبَت الدّولة من هذه الشركات (FAI) أن تُعْطِيَهَا مَعْلُومَات وَمُكَالَمَات شخص مُحدّد، فإن قانون هذه الشركات يُجبرها على تَلْبِيَة هذه الطَلَبَات. وهذا التَجَسُّـس على الهاتـف المَنْـقُول يُمـكن أن يُعْطِي لِلْمُتَجَسِّـس مَعْلُومات شَامِلَة عن الشَّخص المُسْتَهْدَف: مَـكَان وُجُودِه، مَسَار تَنَـقُّلِه، مَضْمُون مُـكالماته، حِوَارَاته، جِهَات اِتِّصَالَاتِه، مُرَاسَلَاته، مُشْتَرَيَاتِه، صُوَّره، فِيدِيُوهَاتِه، الخ.
ت) اِمْتِيَّاز تَوَفُّر الأجهزة المُخابراتية والقمعية على مِيزَانِيَّات مَالِيَة غَير مَحْدُودَة، لِتَمْوِيل عَمَلِيَّاتِها. حيث أن الدّولة تُمَوِّل تَنْـفِـيـذ عَمَلِيَّات التَسَلُّل والتَجَسُّـس من مِيزَانِيَّات عُمُومِيَة لَا مَحْدُودَة، وذلك على حساب إِسْتِثْمَارات الدّولة في التعليم، والتكوين المِهَنِي، والصِحَّة، وتوفير الشّـغل، والعدل، والغَدَاء، وعلى حساب تَلْبِيَّة حَاجِيَّات أُخْرَى لِلشّعب ].
- [ تَـعْلِيق رقم (9) : كانـت (وما زالت) الأجهزة الـقمعية تستـعمل التَسَرُّب في التـنظيمات السياسية المُـعارضة، أو الثّورية، مثل الأحزاب، والنـقابات، والجمعيات، والجرائد، والأَنْدِيَة، الخ، وذلك بِطُرُق سِرِّيَة، وَغير قانونية (حيث أن قانون التَسَلُّل لم يَصْدُر بَعْد). وتهدف الدّولة القائمة، من خلال مشروع قانون التَسَلُّل الحالي، إلى تَحويل هذه التَسَلُّـلَات وَالتَسَرُّبَات إلى أعمال قَانونية، وَمَحْمِيَة في جميع تَـفَاصِيلِهَا ].
- [ تَـعليق رقم (10) : كانـت أعمال التَـسَـلُّـل، والتَسَرُّب، والتَجَـسُّـس، في تَـقَالِيد جماهير شعب المغرب، تُـعْـتَبَرُ سُلُوكًا مُنَافِيًّا لِلْأَخْـلَاق، أو تُـعْتَبَرُ أَفْـعَـالًا سَاقِطَة، أو مُنْحَطَّة، أو عَدَائِيًّة، أو خِيَّانَـة. بَينما هذا المشروع للـقانون، سَيُحَوِّلُ التَسَرُّب، وَالتَسَلُّل، إلى مِهَن مَأْلُوفَة، أو تِجَارَة عَادِيَّـة، وَمُدِرَّة لِـمَـدَاخِيل مَالِيَّة مَرْغُوب فيها. الشيء الذي يُؤَكِّد أن الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة القَائِمَة، هي أَدَاة بين أَيْدِي طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار، وَتَسْتَـعْمِلُها لِضَبْط خَوْضِهَا لِلصِّرَاع الطَبَـقِـي. وَلَا يَهُمّ هذه الطبقة السّائدة، لَا مَشَاعِر الشّعب، ولا أخلاقه، ولا أمنه ].
- [ تَـعليق رقم (11) : في المغرب الماضي، كان المُتَسَـلِّـلُون، والمُتَسَرِّبُون، والجَوَاسِيس، والمُخْبِرُون، والعُمَلَاء، يَتَـعَـرَّضُون لِخَطَر فَضْحِهم كَخَوَنَة مُشَـغَّلِين ضِدَّ الشّعب. وكانوا مُهَدَّدِين بِالتَـعَرُّض لِـغَضَب أفراد الشّعب، أو لِـنِـقْـمَتِهِم، أو لِسُخْطِهِم، أو لِبُـغْضِهِم، أو لِـعَدَاوَتِهِم. بينما قانون التَسَلُّل الجديد، يَضْمَنُ حِمَايَتَهُم، وَيُـعَاقِب كلّ من فَضَحُهم بِعُقُوبَة حَبْسِية قد تَـصِل إلى ثلاثين سنة، أو السِّجن المُؤَبَّـد. وهذا يُؤَكِّد أن الدّولة الرّأسمالية تَمِيل بِالضَّرُورة نحو التَضْحِيَة بِأَمن الشّعب، بِهَدَف ضَمَان أمن الدّولة، وأمن النظام السياسي القائم ].
- [ تَـعليق رقم (12) : مِن قَبْل، كان المُهَمَّشُون، والمَحْرُومُون، والمُـعَـطَّـلُون عن العَمَل، يُـعَانُون من الحِرْمَان مِن الشُّـغل، ومن فُـقْـدان أيّ مدخول. بينما يُمكن لـقانون التَسَلُّل الجديد أن يُوَفِّرُ لِبَعْضِهم إِمكانية الاشتـغال في صِنَاعَة جَديدة، ذات مَدَاخِيل فَيَّاضَة، هي حِرَف التَسَلّـل، والتَسَرُّب، والتَجَـسُّـس، والعَمَالَة، لصالح دولة المغرب، وَلِصَالِح النظام السياسي الاستبدادي القائم، أو حتّى لصالح دول أجنـبية إِمْبِرْيَالِيَة (بما فيها إسرائيل التي طَبَّـعَت دولة المغرب العَلَاقات معها). خاصّة وأن هذا القانون لا يُمَيِّز بين خِدْمَة التَسَلُّل والتَجَسّـس لصالح دولة المغرب، أو لِصَالح دولة أجنبية ].
- [ تَـعليق رقم (13) : عندما تُصْبِح نِسْبَة كبيرة مِن شُبَّان وَشَابَّات الوطن، لَا يَجِدُون فُرَصًا لِلْحُصُول على تَكْوِين عِلْمِي جَيِّد، وَلَا عَلَى شُـغْل مُشَرِّف، سِوَى عَبْر العمل في الْأَجْهِزَة الـقَـمْـعِـيَة، والمُخَابَرَاتِيَة، أو العَسْكَرِيَة، أو مَا شَابَهَهَا، فَإِنّ هؤلاء الشُبَّان سَيُحِسُّون بِنَوْع مِن الْإِحْبَاط. لأن الاشتغال في الأجهزة القمعية لَا يُوَفِّر لِلمواطن حياةً مُشَرِّفَة، وَمُرْضِيَة. وَجُزْء هَام من المُشْتَـغِلِين في الأجهزة القَمْـعِيَة، لَا يَرْضَوْن بِالبَـقاء فيها سِوَى مُكْرَهِين. وَمِن المُحْتَمَل أنهم يَتَسَاءَلُون أحيانًا: «كَيْفَ يُـعْـقَـل أنّ شُبَّان مُعْظَم شُـعُوب العالم يَجِدُون شُـغْـلًا في مَيَادِين الْاِنْتَاج الصِنَاعِي، أو الـفِلَاحِي، أو الخَدَمَاتِي، وفي الْاِبْدَاع، وفي العُلُوم، وفي التِكْنُولُوجِيَّات، الخ، بَيْنَمَا نَحْن لَا يُمْكِنُ أن نَشْتَـغِلَ سِوَى في الـقَمْع، أو الجَاسُوسِيَة، أو في العَسْكَر، أو الهِجْرَة لِبُلدان أَوْرُوبَّا أو أَمريكا» ؟ إِنَّهُ وَضْعٌ مُجتمعيّ مُحْبِط ! ]
- [ تَـعليق رقم (14) : في الماضي، كان المُواطن المغربي مشهورا في العالم بِكَوْنه بَشُوشًا، وَسَخِيًّا، وَمِضْيَافًا. لكن بِـفَضْل هذا الـقانون الجديد الذي يُشِيـع حِرْفَة التَسَلّل، والتَجَسُّـس، قد يُصبح مُجمل العالم يَرَى في المواطن المغربي عُنْصُرًا مَشْـكُوكًا فيه، أو خَطِيرًا. وَقَد يَرَى فيه جَاسُوسًا مُحْتَمَلًا، أو مُخْبِرًا مُحْتَرِفًا، أو خَدَّاعًا، أو مَاكْيَافِيلِيًّا، مُستـعدًّا لِبَيع أَبِيه، وَأُمِّه، وَإِخْوَتِه، وَجِيرَانِه، وَأصْدِقَائِـه، وَمَـعَارِفِه، مُـقَابِل حَزْمَة من النُـقُود ].
- [ تَـعليق رقم (15) : مِن المَـفْهُوم أنّ أَيّ شخص، وَمَهْمَا كَان، اِبْتِدَاءًا مِن مُواطن قَاعِدِي، بَسِيط، إلى مُسْتَوَى رَئِيس الدّولة، يَرْفُضُ تِلْـقَائِيًّا التَـعَرُّضَ لِلْمُرَاقَبَة، وَلِلتَجَسُّـس، على أَنْشِطَتِه المُعْتَادَة، وعلى شُؤُون حَيَاتِه الشَّخْصِيَة الخَاصَّة. وكلّ المواطنين في العالم، بِلَا اِسْتِثْنَاء، يَشْمَئِزُّون مِن إِجْبَارِهِم على الخُضُوع إلى دِكْتَاتُورِيَة تَطْبِيـقَات الهاتـف المَحمول، التي تَخْطِفُ مَـعْلُومَاتِهم الشَّخْصِيَة، وَتَتَجَسَّـسُ على كلّ تَحَرُّكَاتِهِم، وَأَقْوَالِهِم، وَأَفْـكَارِهِم، وَأَنْـفَاسِهِم، دُون الحُصُول على مُوَافَـقَـتِهِم. أو تَحْتَال بعض تَطْبِيقَات الهاتـف المَحْمُول لِإِجْبَار مُسْتَـعْمِل هذا الهاتـف المَحْمُول على المُوافَـقَة، ضِدَّ إِرَادَتِه، على السَّمَاح بِخَطْـف مَعْلُومَاتِه الشخصية. والمواطنون الذين لَا يُدْرِكُون أن هذا هو المَآل الحَتْمِي لِلرَّأْسَمَالِيَة، في مَجَال الْإِنْتِرْنِيت، إنما يَجْهَلُون طَبِيعَة هذه الرَّأْسَمَالِيَة.
وَحِينَمَا كان مَلِك المغرب محمد السّادس أَمِيرًا شَابًّا، وَلِيًّا لِلْعَهْد، وَحِينَما كان يدرس الـقانون في جَامِعَة بِـفَـرَنْسَا، كَان أَبُوه المَلِك المُسْتَبِدّ الحَسَن الثَّانِي قَدْ أَوْصَى وَزِير الدَّاخِلِيَّة اِدْرِيس البَصْرِي بِمُرَاقَبَة تَحَرُّكَات اِبْنِه. فَـكَان محمد السّادِس ضَحِيَة لِتَجَسُّـس أَجْهِزَة اِدْرِيس البَصْرِي. وكان هذا التَجَسُّـس يُغْضِب الْأَمِير الشَّاب. وَبَـعْدَمَا مَاتَ المَلِك المُسْتَبِد الحَسَن الثَّانِي في سنة 1999، كانـت مِن ضِمْن الْاِجْرَاءَات الْأُولَـى التي قَام بها المَلِك الشَابّ الجَدِيد محمد السَّادِس، هو تَصْفِيَة الحِسَاب مع وَزِير الدَّاخِلِيَة السَّابِـق اِدْرِيس البَصْرِي، عَبْرَ تَنْحِيَتِه، وَإِبْـعَاده عن السُّلْطَة السياسية. بَلْ اِشْتَـكَـى ادريس البصري مِن تَـعَرُّضِه، هو بِنَـفْسِه، وَكذلك بعض أَفْرَاد عَائِلَتِه، لِأَنْوَاع مِن التَهْمِيش، أو الْاِهَانَة، أو التَنْكِيل. وَلَوْ أنّ هذا الوَزِير الْأَسْبَـق في الدَّاخِلِيَة، الذي ظَلَّ مُتَحَمِّسًا لِقَمْع المُوَاطِنِين المَغَارِبَة بِأَشَدِّ أنواع القَمع، لَا يَسْتَحِـقُّ تَـعَـاطُـفَـنَا، فَإِن الْاِنْصَاف يُوجِبُ أَنْ نَشْهَد أنه لَم يَـفْـعَل سِوَى تَنْـفِـيـذ أَوَامِر المَلِك المُسْتَبِدّ الحَسَن الثاني. فَإِن كَان هُنَاك مِن شَخْص يَسْتَحِـقُّ المُحَاسَبَة، أو المُـعَاقَبَة، فَهُوَ المَلِك المُسْتَبِدّ الحسن الثاني، الذي كان يُصْدِر تِلْك الْأَوَامِرَ الْأَصْلِية، وليس وزير الدّاخلية ادريس البصري الذي كان يَـكْتَـفِـي بِتَنْـفِيـذ الأَوَامِر. لكن ما يَهُمُّنَا في هذه الـقِصَّة، هو أنه حَتَّى الملك محمد السَّادِس هو نَـفْـسُه، كان يَـكْرَه أن يَكُون ضَحِيَّة تَجَسُّـس الدَّوْلَة. وَكُلّ مُواطن عَادِي يَشْعُر بِنَـفْس الْإِحْسَاس المَشْرُوع. وَأَقَلّ مَا يُمكن أن يُـقَال عن مَشْرُوع تَـقْـنِين، وَتَـعْمِيم، وَحِمَايَة، مِهَن الجَاسُوسِيَة، المَعْرُوض حاليًّا أمام أَنْظَار الحَكُومَة والبَرْلَمَان، هو أن هذا المَشْرُوع يُثِير قَدْرًا مَحْسُوسًا مِن التَـقَـزُّز، وَالنُـفُـور، وَالْاِشْمِئْزَاز، وَالرَّفْض. فَإلى أَيْنَ تَسِير بِنَا دَوْلَة المغرب، بهذه الْاِسْتِمْرَارِيَة المُتَشَدِّدَة في «المُقَارَبَات الْأَمْنِيَة»، المُـفْرِطَة في الـقَمْع، وفي المُخَابَرَات، وفي المُرَاقَبَات، وفي مَرَضِ الجَاسُوسِيَة ؟ وهل أَمْن الدّولة يُبَـرِّر حَـقًّـا التَضْحِيَة كُلِيًّا بِأَمْن الشّعب ؟ ]
- [ تَـعْلِيق رقم (16) : إذا كان مِن حَقّ الدولة القائمة، أن تَضَعَ قَوَانِين جَدِيدة، وَأن تُرَاجِعَ القـوانين الـقديمة، فهذا لَا يُـعْطِيهَا حَقّ التَحَايُل في مَيْدَان وَضْع القَوَانِين. حيثُ لَا يَحِـقّ لِلدّولة أن تَضَعَ قـوانين، يَكُونُ مُبَرِّرُ وُجُودها، هو فـقط تَسْهِيل سَيْطَرَة الدّولة على الشَّعْب، وتَحَكُّمها في أَفْـكَارِه، وفي سُلُوكِيَّاتِه، وَقَمْع طُمُوح الشّعب إلى تَـغْيِير النظام السياسي القائم. فَلَا يَحِقُّ لِلدّولة الـقائمة أن تَضَعَ قَوَانِين ذات طَبِيعَة قَمْعِيَة، أو اِسْتِبْدَادِيَة، أو قَوانين تَتَمَيَّزُ بِكَوْنِهَا تَتَحَايَل بِهَدَف إِلْـغَاء بعض الحُقُوق، أو بعض الحُرِّيَات السِيَّاسِيَة العَامَّة، والتي هي أَصْلًا مِن حَقِّ كلّ شَعْب حُرٍّ وَمُسْتَـقِلّ. لأن وَاجِب الدولة هو أن تَكُون في خِدْمَة كُلّ الشّعب. وَلَا يَجُوز لِلدَّوْلَة أن تَتَحَوَّلَ إلى نَـقِـيضِهَا، فَتُصْبِح هذه الدّولة قُوَّة قَاهِرَة لِجُزْء هَامّ مِن الشَّعْب، أو مُضْطَهِدَة له، أو طَاغِـيَة عليه. والتاريخ يُعَلِّمُنَا أنه مِن السَّهْل جِدًّا أن تَتَحَوَّل الدّولة إلى نَـقِيضِهَا، فَتُصْبِح وَحْشًا قَاهِرًا وَمُـفْتَرِسًا، دُونَ أن تَـعِـيَ الدّولة هي نَـفْسُهَا ذلك. لذالك نُذَكِّر، وَنُكَرِّر، أن كُلّ مَا هو مَنْصُوص عليه في القَوَانِين الـقَائِمَة حاليًّا، لَيْسَ بِالضَّرُورَة عَادِلًا، أو مَشْرُوعًا، أو مَـقْبُولًا، وَلَوْ أن هذه القوانين وُضِعَت طِبْقًا لِلْمَسَاطِر المَعْمُول بها. وَمَـعْلُوم أن كل الدُّوَل الاستبدادية في العالم، وَكُلّ الدّول عَبْر التَارِيخ، كُلُّهَا تَحْـكُم بِوَاسِطَة قَوَانِين. لكن مِن بَيْن هذه الـقـوانين الـقَائِمَة، جُزء هَامّ مِنها هو قوانين اِسْتِبْدَادِيَة. وَوُجُود هذه القوانين الاستبدادية يَـفْضَحُ أنّ الدّولة التي وَضَعَت تلك القوانين الاستبدادية هي نَـفسها دَولة اِسْتِبْدَادِيَة. حيثُ لَا يُـعْـقَـل أن يَضَعَ الشَّعْب هو نَـفْـسُه قَوَانِين تُبَرِّرُ قَهْرَهُ، أو قَمْـعَه، أو اِسْتِـعْبَادَه، أو حِرْمَانَه مِن حُرِّيَاتِه السِيَاسِيَة الأَسَاسِيَة. وَكُلَّمَا وُجِدَت قـوانين اِسْتِبْدَادِيَة، فهي مِن وَضْع قِوَى مُـعَادِيَّة لِلشَّعْب، وَلَيْسَتْ مِن وَضْع الشَّعب هو بِنَـفْسِه. فالشُّعُوب لَا تَنْتَحِر، وَلَا تُدَمِّرُ نَـفْسَهَا بِنَـفْـسِهَا. وَإنما الدُّول المُنْحَرِفَة، أو المَرِيضَة، أو المُسْتَلَبَة (aliénées)، هي التي تَحْتَال على شُعُوبِهَا، وَتَـقْهَرها، أو تُـعَذِّبُهَا، أو تَـغْتَالُهَا. ومن حقّ الشعب أن يَتَخَلَّصَ مِن كُلّ دولة لَا تَخْدُمُه، أو لَا تُرْضِيه. وَلَوْ أن هذه الدّولة تَضَع قَوانين تَمْنَـع طُمُوحَ الشّعب إلى تَـغْيِير نَوْعِيَة النظام السياسي القائم ].
- [ تَـعليق رقم (17) : كُلّ دَوْلَة هي مُجَرَّد أَعْمَال بَشَرِيَة. وَلَيْسَت مُنَزَّهَة مِن الخَطَأ، أو الْاِنْحِرَاف. وما دَامَ مَطلوبًا من الدّولة الـقائمة، أن تَكُون «دَوْلَة قَانُون»، يَجب على هذه الدولة أن تَتَـقَيَّدَ بما يَلِي :
- أَوَّلًا، أن لَا تَضَعَ سِوَى القوانين التي تَـكُون عَادِلَة، وَأَنْ تَمْتَنِعَ عن وضع قَوانين قَامِعَة، أو قَاهِرَة، أو مُسْتَبِدَّة، أو جائرة، أو مُنْحازَة لِلْحُكَّام المُسْتَبِدِّين. وَإِلَّا أصبح لَاغِيًّا الفَصْل 6 من دستور المغرب (الصادر في سنة 2011)، الذي يَزْعُمُ أن : «القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمّة». حيثُ لَا يُـعْـقَل أن يَضَع الشّعب قَوَانِين تُجِيز خَنْـقَهُ، أو اِضْطِهَادَه، أو التَجَسُّـس على أَفْـكَارِه، وَعلى آرَاءِه، وَأَحَاسِيسه.
- ويجب على الدّولة ثَانِيًّا، أن تَتَـقَـيَّـدَ حَرْفِيًّا بِتَطْبِيـق الـقَوَانِين الـقَائمة. وإذا لم تَتَـقَـيَّد الدّولة بالقوانين التي وَضَعَتْهَا هي بِنَـفْسِهَا، تُصبح هذه الدّولة كَاذِبَة، أو جَائِرَة. وَمُـعْضِلَتُنَا هي أن الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، لَا تُنَـفِّـذُ قَانُونًا مُحَدَّدًا إِلَّا إِذا كان في مَصْلَحَتِهَا، وفي مَصْلَحَة طَبَـقَة المُسْتَـغِلِّين الكِبَار السَّائِدِين في المُجتمع.
- وَيجب على الدّولة ثَالِثًا، أن تَلْتَزِم بِمُسَاوَاة المُواطنين أمام القانون. وَدُونَ مَنْح «حَصَانَة» جِنَائِيَة لِأَيَّة مِهْنَة، أو فِـئَة مُجتمعية. وَلَا يَحِقُّ للدّولة أن تَتَجَاوَز الـقوانين التي وَضَعَتْهَا هي بِنَـفْسِهَا ].
- [ تَـعْليق رقم (18) : في "تَصْدِير" دُستور المغرب (المنشور في سنة 2011)، وَرَد أن المملكة المغربية «تُـؤَكِّد تَشَبُّثَهَا بحقوق الإنسان كما هي مُتعارف عليها عالميا… مَع مُراعاة الطّابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها لِلتَّجْزِيء». لكن هذا «التَشَبُّت» الرَّسْمِي، أو الْلَّـفْظِي، بِـ «حُـقُوق الإنسان»، يَتَنَاقَض كُلِّيًّا مع التَشَدُّد الفِـعْـلِي في اِسْتِمْرَارِيَة «المُـقَارَبَات الْأَمْنِيَة»، وَمع إِخْضَاع كلّ سُـكَّان البلاد إلى شَبَـكَات مُتَنَوِّعَة، وَمُتَـعَدِّدَة، وَخَانِـقَة، مِن «المُراقَبَة»، و«المُخَابَرَات»، و«التَسَلُّـل»، و«التَجَسُّـس».
وفي الفصل 1 من الدّستور : جاء أن «نِـظَام الحُـكم بالمغرب نظام مَلَكية دستورية، ديمقراطية، بَرلمانية، واجتماعية». لكن التَسَلُّل، والتَسَرُّب، والتَجَسُّـس على سُلُوكِيَّات، وَأَنْشِطَة، وَأَفْـكَار، وَآرَاء، وَأَحَاسِيس المُواطنين، يَتَنَافَـى أَيْضًا مع حُقوق الإنسان، وَمع «الديمقراطية» المُـعْلَنَة، ومع «البرلمانية»، ومع النَزْعَة «الاجتماعية». وَغَالِبِيَّة مُواطنين المغرب يَـقُولُون في داخل أَنْـفُسِهِم : «إذا كانت بعض دُوَل أَوْرُوبَّا الغَرْبِيَة تَتَّهِمُ دولة المَغرب بِالتَجَسُّـس على الهَوَاتِـف المَحْمُولَة لِبعض المَسْئُولِين الكِبَار في دول أَوْرُوبَّا الغربية، فهذا يُؤَكِّد أن دولة المَغرب تَتَجَسَّـسُ أَيْضًا على الهَوَاتِـف المَحْمُولَة لِنِسْبَة هَامّة من المواطنين المَغاربة». وخاصّةً منهم الأشخاص النَّاقِدُون، والصحافيّون المُسْتَـقِلُّون، والمُعَارِضُون السياسيّون، والمناضلون الثوريّون، الخ. وَوُجُود هذا «التَسَلُّل»، وَ«التَجَسُّـس»، يَـعْنِـى أن الدّولة تَـقُول شيئًا، وَتَـفْـعَـل عَكْسَه. وهذا التَنَاقُض ليس بِـغَرِيب على مَن يُدْرِك طَبِيـعَة الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة، وَآلِيَّات اِشْتِـغَالِهَا ].
7) التَـهَافُـت على الوَظَائِـف في أجهزة الّدولة القَمْعِيَة
- [ تَـعليق رقم (19) : يُـفْـتَرض في الدّولة القائمة أنها تَـعمل من أجل تَلْبِيَة حَاجِيَّات الشعب الأَسَاسِيَة (مثل التَعْلِيم، والتَـكْوِين المِهَنِي، والعِلَاج الطِبِّي، والشُّـغْل، والسَكَن الاقتصادي، والماء الشَرُوب، وَالكَهْرَبَاء، والتَنَـقُّل، والأمن الغَذَائِي، الخ). وَإِنْ لَمْ تُوَفِّر الدّولة هذه الحاجِيَّات بِـقَدْر كَافٍ لِمُجْمَل المُواطنين، تَـغْدُو نِسْبَة هَامَّة من هؤلاء المُوَاطِنِين عَاجِزَة على الحُصُول على مَصْدَر لِلدَّخْل (revenu)، وَعَاجِزَة على بُلُوغ العَيْش الكَرِيم. فَتُصْبِح مَحْرُومَة من الوُصُول إلى مَصْدَر لِلُـقْـمَة العَيْش. وَتَـغْرَقُ في فَـقْـر مُؤْلِم. وَيَـغْدُو الهَمُّ الْأَكْبَر لدى كثير من المواطنين هو الحُصُول على مَصْدَر مُنْتِج لِدَخْل قَارٍّ (على شكل وَظِيفَة في إحدى أجهزة الدولة). وَيُصْبِح جُزْء هَام مِن المُواطنين مُكْرَهًا على التَسَابُـق، بِكُل الطُرُق المُمْـكِنَة، نَحو الفَوْز بِشُـغْـل (أَيْ وَظِيفَة) في إحدى أجهزة الدولة. والمَنَاصِب التي يَجِد أَبْنَاء الشّعب سُهُولةً نِسْبِيَّةً في الوُصُول إليها، هي بِالضَّبْط الوَظَائِـف التي يَـنْـفُـرُ مِنْهَا أَبْنَاء الطَبَـقَات المَيْسُورَة أو المُسْتَـغِلَّة. وعلى رأس الوَظَائِـف المُتَاحَة، أو السَّهْلَة، بالنسبة لكثير من المواطنين، نَجِد بِالضَّبْط الوَظَأئِـف في الْأَجهزة القَـمْـعِيَة، والعَسْكَرِيَة، والمُخَابَرَاتِيَة. حيث أنها لا تتطلّب تـكوينا دِرَاسِيًّا مِن مُسْتَوَى عَالٍِ. ولا تحتاج إلى مَهَارَات مِهَنِيَّة مُـعَـقَّدة. وفي إطار نَدْرَة المَصَادِر التي تُوَفِّر مَدْخُولًا (revenu) كَافِيًّا لِتَلْبِيَّة نَـفَـقَـات حَاجِيَّات العَيْشِ، يَـكُون المُواطنون مَهْوُوسُون فقط بِالحُصُول على مَصْدَر لِلدَّخْل، أو لِلرِّبْح. وَفي إِطَار الرَّأْسَمَالِيَة، لَا يَهُمُّ هؤلاء المُواطنين هل طَرِيقَة الحُصُول على هذا المَدْخَُول، أو الرِّبْح، مُطَابِـقَة لِلْأَخْلَاق، أم مُنَافِيَة لَهَا. وَبِـقَدْر مَا يَـكون اقتصاد البلاد مُتَخَلِّفًا، أو غير كَافٍ، بِـقَدْر مَا يكون التَهَافُت على الإشتـغال في الأجهزة القمعية كبيرا ].
8) الخُضُوع لِلْاِسْتِبْدَاد، أو هِجْرَة البِلَاد
- [ تَـعليق رقم (20) : نِسْبَة هَامّة من الشّباب يَرَوْن أن المَصِير الأكثر احتمالًا الذي ينـتظرهم، هو إِمَّا الخُضُوع المُطْلَق والمُذِل للنظام السياسي الاستبدادي القائم، وَإِمَّا التَـعَرُّض لِلْـقَـمْـع، أو للاعتـقال، أو للتـعذيب، أو للسّجن، وَإِمَّا الـفِرار إلى خارج الوطن، أو إلى المَنْـفَـى في أَوْرُوبَّا أو أَمْرِيكَا، ثُمّ السَّمَاح في حَـقِّ العَوْدَة خَوْفًا مِن القَمْع، ثُمّ قَطْع كُلّ الرَّوَابِط مع الوطن الأصلي. وتَـفْرِضُ الدولة البُوليسية الـسَّائِدَة هذا المَصير بِضَغْط غَيْر مَرْئِـي. ولا تَـقدر نِسبة هامّة مِن الشُبَّان على الْإِفْلَات مِن هذا المَصِير. وهذا الـقَهْر، يَدُلُّ على أن هذه الدولة الرَّأْسَمَالِيَة هي مُنْحَرِفَة، وَمُسْتَبِدَّة. فَـتَـفْـقِـد الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة شرعيتها، وَيُصبح مِن حَـقّ الشّـعب أن يُـغَـيِّرَهَا بِمَا هو أحسن منها، ولو أن الدّولة تَـكْتُب في قوانينها أن كُلَّ مُشَارَكَة في مُحاولة تَـغْيِير النظام السياسي القائم، هُو مَـسٍّ بِأَمْن الدّولة القائمة، أو بِأمن النظام السياسي القائم، وَهُوَ جَرِيمَة عُظْمَى، وَيُـعَاقِبُ عليها القانون بِأَشَدِّ العُـقُوبَات ].
9) تَمِيل الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة تِلْـقَائِيًّا إلى أن تَـكُون دَوْلَة بُولِيسِ وَجَوَاسِيـس
طَبِيعَة الرَّأْسَمَالِيَة تَجْـعَلُها تَمِيل تِلْـقَائِيًّا إلى أن تَـكُون دَوْلَة بُولِيس وَجَوَاسِيس. وَتَـتَّـجِـهُ الدّولة الرّأسمالية إلى العَمل على تَحْوِيل التَجَسُّـس، وَالخِيَّانَة، إِلى حِرَفٍ عَادِيَة، أو مِهَن مَحْمِيَّة، أو أَنْشِطَة مُرْبِحَة. وَتُحَوِّلُ الدولة البوليسية حَتَّى الخِيَّانَة إلى مِهْنَة مُرْبِحَة جِدًّا. فَتَـطَوَّر الدَّوْلَة الرَّأْسَمَالِيَة بِالضَّرُورَة إلى «دَوْلَة بُولِيس وَجوَاسِيس».
وَلِلتَّذْكِير بِأَهَمِّيَة عَالم المُخَابَرات والمُخْبِرِين، أُشِير إلى أنّ مُعظم القَادَة في فَصَائِل المقاومة الفلسطينيّة اللذين اغتالتهم إسرائيل (وما أكثرهم)، كانت عَمَلِيَّات اِغتيّالِهِم تَسْتَنِدُ، وَلَوْ جُزْئِيًّا، على التَجَسُّـس المُتَنَوِّع، وبواسطة ما تُجَنِّده إسرائيل من مُخْبِرِين، وَمُتَسَلِّلِين، وَعُمَلَاء، وَجَوَاسِيس، وَمُتَسَرِّبِين، داخل تَنْظِيمَات المُقاومة، وداخل الشعب الفلسطيني. وَأَدَّى الفلسطينيّون، وما زَالُوا يُؤَدُّون، ضريبة هَائِلَة وَمُؤْلِمَة، على شكل أعداد كبيرة من الشُهداء، وذلك بِسَبَب هذه الاستخبارات، وبسبب هؤلاء الجواسيس والعُمَلَاء. وَمُجمل الدُّول الرَّأْسَمَالِيَة في العالم، لا تَـعرف كَيْف تَضْمَن أمنها، سوى عبر تَضْخِيم أجهزتها الأمنية، وَتَطوير أجهزتها المُخَابَرَاتِيَة.
تَدْفَعُ اِنْتِـقَادَاتُ المُوَاطِنِين، وَمُـعَارَضَاتُهُم، وَمُـقَاوَمَاتُهم, وَنِضَالَاتُهم، الدَّوْلَةَ الرَّأْسَمَالِيَةَ إلى أن تَتَحَوَّلَ تِلْـقَائِيًّا إلى «دَوْلَة قَامِـعَة»، وَ«دَوْلة بُولِيسِيَّة». ولا تَـعرف الدّولة الرَّأْسمالية كيف تَـفرض أَمْنَهَا، سوى عبر مُمَارَسَة قَمْع مُخِيف، أي عَبْر فَرْض "إِرْهَاب الدّولة". وَتَتَجَسَّـسُ الدّولة بشكل شَامِل على آرَاء المُواطنين، وَعلى أَفْـكَارهم، وَمَوَاقِـفِـهم، وعلى أَحَاسِيسِهِم، وعلى طُمُوحَاتِهم السياسية، وعلى أَنْشِطَتِهِم. وَتَنْتَـقِم الدّولة بِشَكْل شَرِس مِن النَّاقِدِين، والمُعَارِضِين، والثَّوْرِيِّين، والمُحْتَجِّين، بهدف إِرْهَاب بَاقِي المُواطنين، وَصَدِّهِم عن الْاِلْتِحَاق بِصُفُوص المُعارضين النَّشِطِين. وَفي هذا الإطار، تُحَوِّل الدّولة الرَّأْسَمَالِيَة «التَسَلُّـل»، و«التَسَرُّب»، و«التَجَسّـس»، و«الخِيَّانَة»، إلى حِرْفَة مُرْبِحَة، وَمَضْمُونَة. وذلك بعبارة وَاضحة، هو تَطْبِيق خُدْعَة «فَرِّق تَسُد». أَيْ قَمْع الشَّـعب، بِجُزْء آخَرَ مِن الشّعب، يَكُون مُجَنَّدًا في الأجهزة المُخَابَرَاتِيَة والقَمْعِيَة. وهذا الجزء من الشّعب، الذي يُسْتَـعْمَل لِـقَهْر غَالِبِيَّة الشّعب، وَيُوَظَّـف في الْأَجْهِزَة القَمْعِيَة والمُخَابَرَاتِيَة، يَتَـكَوّن مِن أَفْرَاد الشعب الفُـقَـراء، المَشْرِيِّين بِأُجْرَة شهرية، أو بِامْتِيَّازَات مُـعتبرة. وَتَسْتَمِرُّ هذه الأوضاع المُتَنَاقِضَة إلى أن تَنْضُج شُرُوط قِيَّام وَنَجاح ثَوْرَة مُجْتَمَعِيَة جَذْرِيَة.
رحمان النوضة
(نُشِرَت الصيغة الأولى لِنَصِّ "دَوْلَة الجُوَاسِيس"، على مَوْقع "الحوار المُتمدّن"، في 1 شُتَنْبِر 2023، ورقم الصِّيغَة الحالية المُحَيَّنَة هو 13).
وَرَابط كتاب: رحمان النوضة، "أطروحات حول الدّولة"، 134 صفحة، الصيغة 13، هو : https://livreschauds.wordpress.com/2023/06/26/%d8%a3%d9%8f%d8%b7%d9%92%d8%b1%d9%8f%d9%88%d8%ad%d9%8e%d8%a7%d8%aa-%d8%ad%d9%8e%d9%88%d9%92%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8e%d9%91%d9%88%d9%92%d9%84%d9%8e%d8%a9/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى