الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الوطنيّة والمواطنة ومسؤوليّة الأقليّة: مشروع تدجين طوعي لفلسطينيّي الدّاخل (16)

زاهر بولس

2023 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


إنّ حضارة أوروبا الغربيّة هي حضارة منغلقة على نفسها، متقوقعة، تحيا حالة مرضيّة من المخاوف والرعب، وتخشى الحضارات التقدميّة في التاريخ، وأكثرها تلك المجاورة حدوديًا من شرقها (إمبراطوريات الخلافة الإسلاميّة، وآخرها العثمانيّة) وغربها (الأندلس) وجنوبها (عبر البحر الأبيض، شمال أفريقيا)، أو باختصار فقد رأت خطرًا بالحضارة العربيّة الإسلاميّة وجيوشها، وخطرّا بجيش الإمبراطوريّة الرّوسيّة ولاحقًا بالاجتياح الفكري الماركسي الذي انهار في ثمانينيات القرن العشرين، ممّا أدّى إلى انعقاد مؤتمر "كامبل بنرمان" عام 1905 في لندن.

انعقد مؤتمر "كامبل بنرمان" في لندن عام 1905 بدعوة من حزب المحافظين البريطانيين بهدف بلورة آليّة عسكريّة- اقتصاديّة- ثقافيّة تحافظ على مكاسب و"تفوّق!" الدول الاستعماريّة الغرب- اوروبيّة إلى أطول أمد ممكن. وحين استلم الحكم "حزب الإحرار" البريطاني بين عامي (1906-1908)، برئاسة هنري كامبل بنرمان (HENRY CAMPBELL BANNERMAN) قدّم فكرة المشروع، واقترن المؤتمر باسمه، وبقي المؤتمر منعقدّا حتّى العام 1907. وقد ضمّ كلّ من الدول الاستعماريّة في ذاك الوقت: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، ايطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا ب"وثيقة كامبل" السريّة في حينه، تؤسس لتدمير الأمّة العربيّة خاصّة والإسلاميّة عامّة، وتستهدف عدم استقرار مناطق هذه الحضارة وإعاقة نهضتها.

وضمن هذا المؤتمر وضحت أسس تفتيت العالم العربي والإسلامي والتي بدأت قبل انعقاد هذا المؤتمر بسنوات وتمأسست ووضحت معالمها فيه، لضمان ديمومة هيمنة الغرب الأوروبي، ولاحقًا الولايات المتحدة الأمريكيّة، وضرب الحضارة العربية الإسلاميّة وتفتيت وحدة أراضي دولها ومنع إعادة لُحمتها، والتي أمسى الكيان الصهيوني لاحقًا قاعدة أساسيّة متعددة الأهداف في تنفيذ هذا المشروع طويل الأمد. وهذا ما يفسّر الدور الذي تلعبه سفارات دول غرب اوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة في التدخّل في الشؤون الداخليّة في الدول التي تقدّم لها أوراق اعتمادها، وهذا ما يفسّر دور ما سمّي بالمجتمع المدني والجمعيات الممولة من الغرب ودور المتطوعين الدارسين فيها، ودور مراكز الدراسات المحليّة والإقليميّة الخاضعة للغربيّة العالميّة.

فعلى سبيل المثال، هنالك وظيفة منسّق في السفارة البريطانيّة في الكيان، يشغلها ناشط سياسي من فلسطينيي الدّاخل، غالبًا ما ينتمي إلى الأحزاب الوطنيّة الفاعلة في برلمان الكيان، لتسهيل تعامل السفارة مع الشخصيات والأحزاب الوطنيّة واصطيادها، فيعقدون لقاءات وأيّام دراسيّة فيما بينهم ومع قوى صهيونيّة، وبعثات إلى خارج البلاد للقاءات أوسع وتشبيك أكبر وعقد مؤتمرات ودورات تدريبيّة، ضمن برمجة وهندسة القيادات الحاليّة والمستقبليّة بين فلسطينيي الداخل وفي كل دولة عربيّة مثل الأردن ولبنان ومصر وغيرها من الدول العربيّة. وتمادي التدخّل بمدى ضعف الدولة المعنيّة. ونظرة سريعة على قيادات فلسطينيي الداخل منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي ترينا مرور معظمها أو أبرزها في جمعيات المجتمع المدني ومراكز الدراسات الممولة من الغرب بحسب الأجندات.

إنّها هندسة للتفرقة والتشظّي، فهي لا تستهين بكتلة بشريّة قارب تعدادها المليوني نسمة في الداخل، جزء من شعب فلسطيني (وأمّة عربيّة إسلاميّة) جاوز تعداده الثمانية ملايين نسمة على أرضه، عدا ملايين اللاجئين الذين لم ولن يسقطوا حق العودة إلى فلسطين، كلّ إلى بلد منشئه، وخصوصًا الداخل الفلسطيني (48). تقوم هذه السفارات بهندسة البرامج السياسيّة والمواقف من خلال تطويع قيادات ومثقفين. ولا نستطيع إلّا أن ننظر إلى كتاب "الوطنيّة والمواطنة" لأيمن عودة، وكتاب "مسؤوليّة الأقليّة" لنظير مجلّي، وغيرهما، داخل هذا الإطار، موضوعيًا أو فعليًا، كتداعيات لوثيقة "كامبل بنرمان". فلا فرق بين الموضوعي والفعلي في امتحان النتائج. نضف إلى ذلك ما ألمح له الصحافي والناشط السياسي المثقّف أليف صبّاغ على صفحة الفيسبوك خاصّته عن تنسيق ما بين مجلّي وعودة وقوى أخرى في عمّان في التحضيرات لتربّع أيمن عودة على عرش القائمة المشتركة في برلمان الكيان، ولم ينشر كلّ وثائقه حتّى الآن.
(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس