الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعم ...سيظل يرعب ذاكرتنا-رسالة متأخرة إلى عبدالباري عطوان

خالد سليمان

2006 / 11 / 9
الصحافة والاعلام


أرسل لك هذه الرسالة عبر الإعلام عن جملة وضعتها عنواناً لمقالك الإفتتاحي في (قدسك العربي ) بالطبع وبتاريخ 6/1/2006 " سيظل يرعبهم حتى في قبره " . أُوافقك تماماً وسوف ترعبنا جرائمه حتى في قبورنا وليس قبره كما عنونت رأيك .
كان من المفترض ان أرسل لك هذه الرسالة عبر بريدك الشخصي رغم اني لم أتشرف بمعرفتكـــ"م" ، ذاك اني لا اعتبرها مادة صحفية كي أنشرها في الصحافة أو أرسلها على الأقل إلى "قدســ " كم العربي ، سيما ان رأيك نشر في القدس ذاتها .
ولكن لأسباب كثيرة ومملة لم أرسل هذه الرسالة أو المادة الصحفية إن شئت تسميتها ، لا إلى بريدك الشخصي ولا صحيفتك التي تورطت مرة بفكرة النشر فيها ، واذكر لك هنا هذه القصة أيضاً واعتبرها تحاملاً عليك وعلى رأيك أو ضيق الصدر من حبك للحقيقة والرأي الحر و"حبكــ"م لرجولة صدام أيضاً .
في عام 1997 كنت منشغلاً بإجراء حوار طويل مع المفكر العراقي الراحل " هادي العلوي " ، وكان الحوار حول نشأته ومصادر فكره وسجالاته الفكرية والثقافية وأُطر عمله البحثي بشكل عام . عندما عرف اصدقاء للشيخ الراحل " العلوي " وليّ ايضاً ، بأني أجري حواراً شاملاً معه ، اقترح واحداً منهم بنشر تلك الحوارات في "القدس العربي " . لم أجبه كما اتذكر ، ذلك اني لم أقرأ أو لم أعرف بالأحرى " القدس العربي " وقتئذ إلاّ في إسمها . سألت العلوي عن الفكرة وعن صحيفة القدس العربي أيضاً وكان جوابه :" الأمر يرجع لك " مستطرداً بأن القدس العربي قريبة من نظام صدام حسين ، ولم ينس العلوي بأنه ينشر بعض من مقالاته في الصحيفة ذاتها ، لكن ذلك لم يعن بالطبع موافقته على سياسة القدس العربي المستهلمة من سياسة صدام ، وكان هناك صديقاً له في بلد أوروبي يرسل المقالات التي يستلمها منه خطياً إلى الصحيفة تلك ولم يعارض العلوي تصرف صديقه طالما لا تخدم مقالاته السلطة البعثية ،لكنه توقف في النشر في الصحيفة في السنوات الأخيرة كما أعلم .
بعد ذلك الحوار القصير بيني وبين العلوي حول الموضوع ذاته ، خرجت من بيته الواقع في " مشروع دمر " في دمشق ،أشتريت في محل للخضار والفواكه وكان يبيع الصحف أيضاً " القدس العربي " للإطلاع عليها وأخذ فكرة عنها . عند تصفحي للجريدة وقع عيناي في إحدى صفحاتها الداخلية على صورة صدام حسين في دعاية إعلانية للصحيفة . عدت وطرقت باب العلوي للمرة الثانية فظن بأني نسيت شيئاً . قلت له لم انس شيئاً وإنما اشتريت " القدس العربي " ورأيت فيها صورة إعلانية تبدو وكأنها تطبع في بغداد وليست لندن . فقال لي ادخل وسنناقش الأمر .
السيد عطوان
أقول لكم صراحة ...
كانت المرة الأولى والأخيرة أحمل فيها صحيفتك بين يدي ولم أقرأها حتى على الأنترنيت إلى يومنا هذا . أما قولك بأنه – أي صدام أو الرئيس ان شئتم – (سيظل يرعبهم حتى في قبره) ، فقرأته في موقع إيلاف الأليكتروني ولم يثرني فيه سوى عنوانه ، ذلك انك معروف بدفاعك المستميت عن صدام وسياسته وحزبه وعائلته وذويه الإعلاميين والسياسيين الأوروبيين منهم والعرب . لا يؤرقني هذا قط ،فهناك جماهير عربية واسعة تحب صدام وترفع صوره وكان المرحوم عبدالعزيز رنتيسي واحداً من تلك الجماهير وقد يتبعه السيد إسماعيل هنية وأولاده الثلاثة عشر أيضاً ، إنها قصة الإستبداد ومصادرها الإجتماعية يا (...) وقد نرجع لها في نهاية هذه الرسالة . أما الآن فأُكرر القول وأعلن : نعم ستظل سياسة صدام ترعبني – شخصياً على الأقل – ولدي اسباب كافية لإعلان هذا الرعب ولست بحاجة للمكابرة على تلك الصور الكارثية التي زرعتها تلك السياسة في نفسي . ولا بأس أن أذكر لك بعض منها وقد تفرحك داخلياً ، ألست مولعاً ببطولات الرئيس الكثيرة ؟
كيف لا يرعبني وهو الذي رسم صوره على أجساد أحبائي وذوي ، وهل يعقل برأيك دفن أطفال لا تناهز اعمارهم عشر سنوات في المقابر الجماعية ؟ هذا ما حصل لي يا السيد عطوان فأولاد إثنان من أعمامي "أُنفلوا " وعمر أكبرهم لم يتجاوز العقد الأول . ولا أعتقد إنك بحاجة تفسير جديد لقواعد تصريف الفعل في العربية ، تالياً ،يمكن تطبيقها على كلمة " الأنفال " !!!
نعم " أُنفلوا " ، أي دفنوا في مقابر " السماوة " أو " الحضر وكان معهم صديق الطفولة والمشاكسات القروية " إبراهيم " الذي لم ير في ليلة عرسه سوى ساعات قليلة . هل تريدني أعد أسماء جميع هؤلاء الأطفال الذين لم يجرّدو من حقوق الطفولة فقط ، بل من الحق في الحياة.
ماذا يعني الإستئصال من الذاكرة والطفولة ،وبإعتبارك فلسطيني وتعاني من ذات المأساة ، وصانعاً للرأي العام من خلال " قدسكم العربي " ثانياً ، فعليك الإستغناء عن سيرة الطاغية للحظة والإلتفات إلى آلام الآخرين . نعم تم إستئصال ذاكرة القرية وصغارها ولم يكن بيننا (أنا واخوتي ) وبين ذلك الموت المستقدم على حياة ذوينا بإسم الأنفال سوى مسافة قليلة . وفي العام ذاته (1988) كنت أقرأ محمود درويش وسميح القاسم وأسمتع لصوت أحمد قعبور (أُناديكم ، أشد على أياديكم ) وكان الكاسيت المهرب من رقابة صدام وبعثه وأمنه وإستخباراته وشرطته وعسكره ، يتنقل بيننا نحن طلاب المسرح في مدينة السليمانية وننسخه على آلات المسجلة التقليدية دون أية شروط فنية ، ولا أخفى عنك بأني تعرفت على أدب غسان كنفاني في نفس العام .
السيد عطوان
أنا من الذين يرفضون فكرة إعدام صدام وأجدني أميل إلى فكرة بقائه في السجن ومحاكمته يومياً ، فالإعدام أو " الرمي العسكري " كما يهوى فهو نجاة مستقدم له. بينما هو ، كان يقود ماكينة العذاب في العراق يومياً ولمدة ثلاثة عقود ونصف عقد. فمحاكمة صدام وإعدامه قد يشفي غليل ذوي الضحايا ، لكنها لا تنهي الثقافة التي أنتجته ...! وأقصد الثقافة والمجتمعات معاً يا (....) . وأعرف إنك لا تصدق ، لا الأنفال ولا حلبجة ولا الدجيل ولا حتى تلك الأفلام التي يؤشر فيها صدام لإخراج البعثيين من قاعات الإجتماع ومن ثم إعدامهم ، وتعتبر البيئات التي أنتجت صدام ورفعت صوره المكان المناسب للثورة والتنكيل بالأعداد ( الشيعة والكُرد ضمناً) ، فأنت بالتالي نتاج ثقافة شرّ احتلت فيه آيديولوجيا إنصاف الحقائق جميع الفضاءات والزوايا فكيف المطالبة بالكف عن الإهانة لمشاعر الناس والرأي العام. السيد عطوان ...
أنا أرى بأن الثقافة التي أنتجتك وتعيد إنتاجها من خلال مؤسسة قدسكم العربي ، تحتاج للمحاكمة أيضاً ، فهي نفس الثقافة التي تجعل صورة صدام رومانسياً لديك.
فالقصة كلها الثقافة ،وليس البطل الرومانسي سوى ظاهرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ