الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (9)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 9 / 2
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


أما الفصل الثالث عشر: جاء تحت عنوان : الهيئة السياسية؛ هيئة شاقة. يؤكد فيه الباحث أن نظرة الأوساط السياسية للقضايا الاستعمارية كانت دائما محط شكوك و ارتياب؛ فهي تفترض أن المشاكل الاستعمارية قد اكتست أهمية من الراجح أنها لا تستحقها. المر الذي نجد له صدى في تدخلات وزير فرنسا في الشؤون الاستعمارية؛ التي تأتي دائما و تبعا لترتيب تابث بعد تدخلات الوزراء الآخرين، عندها يكون الرأي العام قد مل المتابعة.
و يتضح حسب لمهتمين بالسياسة الداخلية لفرنسا؛ أن المسالة الاستعمارية لم تكن لتهم قط الوزراء. و بخصوص موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي إزاء المسالة الاستعمارية نجد لا مبالاة لا حد لها إزاء القضايا الاستعمارية.
و يبرز جاك مارساي في هذا الصدد؛ انه حس أولائك الذين شاركوا عن قرب في عمل الهيئة السياسية كانوا يعتبرون الدولة مجرد سلطان فاقد الحيلة محاط بمساعدين موجهين لانجاز أعمال معينة شاقة و عسيرة، لكن ينفلت من يدها ما تريد إحكام قبضتها عليه. و بالاطلاع على أرشيفات المهتمين؛ يقف الباحث على عدم رضى أوساط العمال المكرهة على الإكثار من المواعيد و المراسلات في محاولة منها للعمل على تحسين امتيازاتها؛ كما سيكشف عن الدور المبدئي لإدارة طيعة و غالبا عدائية في وجه هؤلاء الذين يعتبرونها تجمعا لتجار لا تتجاوز انشغالاتهم إطار الأنشطة التجارية.
لهذا الشأن يرى الباحث أن السيادة السياسية المباشرة التي أمنت التوسع الاستعماري لم تقدم للرأسمالية فرصا للنمو و الازدهار. و السمة الولية للهيئة السياسية بشأن القضية الاستعمارية يطبعها تشتت الاهتمام و اختلاف المسعى الإداري و غياب التنسيق بين مختلف الوزارات الوصية. المر الذي سمح حسب الباحث بتفسير على الأقل من جهة واحدة انعدام الحركية في السياسة الاقتصادية للفترة الاستعمارية؛ و بثورة اخص مع أزمة سنة 1930م. انطلاقا من هذه اللحظة على وجه التحديد أصبح إجراء العمل بهذه السياسة موضوع الاهتمامات المتعددة لأوساط الأعمال. فكل مشروع قانون أو مرسوم لطارئ سيكون فرصة لعدد لا يحصر من الذهاب و الإياب بين الإدارات المعنية و المؤسسات الوصية مما جعل الوزارات تعكس على المستوى العام التحديات التي تواجه مختلف المصالح الخاصة؛ و في هذا الإطار يسجل الباحث أن الهيئة السياسية لم تعمل إلا على تسجيل تنوع المصالح الخاصة؛ لكن كثرة القوى المتعارضة ستعطل كل حيوية مأمولة و هذا بالتحديد ما سيثير سخط أوساط الأعمال التي ترى في مرآة السلطات العمومية انعكاس عجزها على إعداد إستراتيجية تهم تنمية المستعمرات.
و يخلص الباحث إلى أن هذا التشتت في اهتمامات السلطات العمومية سنجه مجسدا على المستوى المحلي في إدارة بعيدة في نهجها عن السلطة المركزية و خصمة للمصالح الشخصية و هكذا و بفضل حسن المناورة و المعرفة الجادة بالإجراءات و التدابير الإدارية ستخول للمقيمين العامين بالمستعمرات الفرنسية سلطات واسعة لتأويل القانون و حرية في العمل الذي يمارسونه. كل ذلك تحت مظلة المصلحة العليا للمستعمرات التي تحت إشرافهم.
و يأتي الفصل ما قبل الأخير و الرابع عشر في الترتيب العام تحت عنوان: الهيئة السياسية؛ هيئة مترددة. حاول فيه الباحث جاك مارساي مقاربة توجهات الفاعلين السياسيين الفرنسيين حول تحديد برنامج تنمية المستعمرات؛ و ستكون الانطلاقة مع سنة 1921م بموقف " ألبير سارو"(A. SARRAUT)؛ وزير المستعمرات الذي يرى أنه لفتح عهد جديد من الإنتاجية القوية بالمستعمرات وجب بذل مجهود يعمل حسابا للمستقبل و الاستمرارية يتفادى الخضوع لقانون المصادفة و حظوظ عدم اليقين. و بذلك يتم الانجاز بشكل تدريجي لبرنامج فعال جهز بنضج و دراسة دقيقة؛ يهدف تحقيق نمو و تطور مطرد لمجموع الإمبراطورية الاستعمارية التي هي قوة و رخاء فرنسا في الغد .
و في سنة 1929م كتب المارشال"ليوطي"(LYAUTY) أن الإمبراطورية تقدم مواردا طبيعية مهمة و ثروة لا تنضب لكن يجب إلى جانب هذا خلق تسيير منهجي منظم و ضروري؛ فاستغلال المستعمرات ليس مصدرا للربح فقط و لكن سببا لازما لا غنى عنه لعظمة و توازن فرنسا.
و في سنة 1930م أعلن "أوغست بروني"(A. BRUNET) ؛ مقرر لجنة الجزائر و المستعمرات و المناطق المحمية بأن الجميع في فرنسا أقر بحقيقة الدور الذي لعبته المستعمرات بعين الاعتبار و إعطاء هذا الدور فعالية بواسطة دفعة جديدة تمنح لأنشطته .
و بانعقاد المؤتمر الاقتصادي لفرنسا و مناطق ما وراء البحر سنة 1934م؛ سيعرف رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك "ألبرت لوبرين(A. LEBRUN)؛ ببرنامج التنمية. فصرح بأنه من اللازم البحث عن وسيلة لتنشيط الإنتاج الاستعماري بغية خلق مستعمرات ذات تنظيم قوي يجعلها زبونا مهما للمتروبول. و بدون هذا في نظر الرئيس سيمسي الوقوع في أخطاء الميثاق الاستعماري أمرا لا محيد عنه كما يجب في نفس الوقت تبني اقتصادات متنوعة برغبة تفادي التنافس و المزاحمة.
و في سنة 1936م؛ عرض "ماريوس موتي"(M. MOUTET) وزير المستعمرات الاشتراكي أمام الحكام العامين ما سيصبح سياسة استعمارية بناءة و تضامنية من شأنها أن تجعل فرنسا تتخلى عن نهج سياسة متمركزة على الذات؛ الشيء الذي يدفعها إلى إدراك المجهود الذي عليها أن تقوم به.و ذلك باعتماد النقد لتاريخها الاستعماري أو الانطواء على نفسها و تبطئة أنشطتها و العيش على رأسمالها المحلي. كل هذا من شانه أن يجعل المستعمرات تحاول جاهدة التخلص منها. إنه مت الفضل لبرنامج حكومة عملية ذات تدابير إجرائية أن تحقق فرنسا تضامنا إنسانيا يسمح لها بإعطاء أهمية قصوى لإمكانياتها الاقتصادية و بذلك تأخذ على عاتقها المصاريف ذات المصلحة الوطنية و التي تشل التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للمستعمرات.
و في سنة 1941م سيعلن "بلاطون"(PLATON)P سكرتير الدولة للمستعمرات بأن المخطط العام لتجهيز المستعمرات سيكون لسان حال الإرادة الفرنسية,و ذلك بالتشديد على الإنتاج و المبادلات داخل الإمبراطورية و خلق وحدات مستقلة تعيش نموا في أحسن الظروف.
و في 30 يناير سنة 1944م؛ سين رسم خطوط برنامج جديد ب"برازافيل" ينسج رباطا نهائيا بين فرنسا و إمبراطوريتها، حيث جرى الإعلان انه بانطلاق الحرب الكونية الثانية ظهرت جيدا ضرورة خلق تنمية بإفريقيا على أسس جديدة و تطوير سكانها تحت سيادة السلطة الفرنسية.
و في 23 نونبر سنة 1953م؛ سيعرب "لويس جاكينو" (L. JACQUINOT) وزير فرنسا في مناطق ما وراء البحر بان تنمية الإنتاج ستكون مسالة جوهرية؛ فهناك مخطط جديد يقرر الانطلاقة الفعلية لاقتصاد المستعمرات الفرنسية و تحسين البنية التحتية الاقتصادية و الاجتماعية.
و في نونبر سنة 1956م؛ ابرز"روبرت بيرون"(R. BURON) الوزير السابق لفرنسا فيما وراء البحر؛ بان على فرنسا لعب دور المرشد و المستشار للشعوب الإفريقية فيما يخص المؤسسات السياسية العصرية و الارتقاء نحو الثقافة الغربية و النهوض وفق الاقتصاد التقني المتطور؛ و عليها في سبيل ذلك بذل المزيد من المجهودات الاقتصادية و المالية.
و ينتهي جاك مارساي بعد تناوله لمواقف المسؤولين و المهتمين بالشأن الاستعماري إلى إبراز أن المسالة أضحت تطرح كما لو أن سياسة الدولة بهذا الصدد في مجملها قد انحرفت؛ و أن السلطات العمومية قد قصرت عملها على صيغة طموحة تجد صداها في مشروع فرنسا السخية و القادرة على نسج علاقات اقتصادية دائمة مع إمبراطوريتها الاستعمارية,مما يسمح لها بمجابهة صرامة المنافسة الدولية في أحسن الظروف. فالأمر أخذ يستقطب الأوساط الحكومية مع تجاهل الحساسية السياسية و تجاوز انشقاقات المناصرين؛ و كذا تجميع الراديكالي و الاشتراكي و الفيشيسي و الديغولي و المستقل و الجمهوري الشعبي؛ كما لو أن الفعل الاستعماري يطرح إجماعا يصعب حصوله على أرضية أخرى.
و يبرز الباحث أن حداثة هذه المشاريع و الاختيارات أبانت على أن السلطات العمومية أهملت المهم؛ حيث ذهبت إلى أن المستعمرات لا تكلف ميزانية المتروبول؛ مع تسليمها بضرورة المشاركة الكثيفة للاستثمارات الخاصة في إنشاء بنية تحتية قوية، و تأييدها الرغبة في ترقية النخب الأهلية و إدماج الاهتمامات الاجتماعية بالإدارة الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا