الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف المغربي والنقد الجذري - نصوص لحُسين أسْكوري من خلال رسائله

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2023 / 9 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


لم يكن حسين أسكوري (الذي نشر مقالا في العدد الخامس من مجلة الجسور (1982) ومقالا آخر في جريدة أنوال باسم حسين الفطواكي)، والذي فارق الحياة هذه السنة، مجرد صديق ورفيق بالنسبة لي وللعديدين مثلي في جامعة محمد بن عبد الله بفاس، بل كان مرجعا نظريا ومحاوِرا نقديا شرسا وموجِها ومحذِرا وناقدا جذريا.
تبنى حسين أسكوري المقاربة الإبستيمولوجية في تناول الإشكالات والمفاهيم وتفكيك الأطروحات ونقد الأجوبة وإبراز ضعفها النظري والمنهجي. كان من الأوائل الذين امتلكوا نقدا صريحا للستالينية دون أن يكون تروتسكيا. تبنى تعددية مرجعية نظرية يسارية تجلت في إسهامات نيكوس بولنتزاس وشارل بتلهايم ولويس ألتوسير وميشيل فوكو وجيل دولوز وكارل كوزيك وسمير أمين ومهدي عامل وعبد الله العروي وآخرين.
اهتم بحكم تكوينه القانوني بالإنتاجات النظرية الماركسية عموما، والمتعلقة بالقانون والحق والدولة بشكل خاص. وقد استعمل في منهج بحثه وكتابته ومناقشته الماركسية: أ) كأدوات إبستيمولوجية فاضحة للزيف والخداع، ب) كعملية تحليلية نقدية، ج) كسلاح نقدي للمفهوم البرجوازي للحق والقانون.
وكان واعيا أن فهم الماركسية واستعمالها عبر هذه الأبعاد الثلاثة قد ساهم في الغرب في إعادة الاعتبار لموقف ماركس المعادي للنزعة القانونية وللأوهام المرتبطة بأدوار الدولة. لقد تعامل مع تميز المقاربة الإبستيمولوجية الماركسية للظاهرة القانونية من خلال "نظرية ماركسية حول القانون"، ولقد جسد نيكوس بولنتزاس لحظة نظرية مهمة في التصور الماركسي لتحليل الظاهرة القانونية باعتبارها عنصرا في منظومة هي البنية الاجتماعية ونمط الإنتاج أو التشكيلة الاجتماعية المكونة من مجموعة أصعدة لها بنياتها الخاصة بها.
مكنته قدرته النظرية من التحرر من كل هيمنة إيديولوجية، كما مكنته من "تملك سلاح النقد والتمرس على نقد السلاح". وكانت نتيجة هذا الأمر عدم تسامحه مع كتاباته الخاصة، بل تساءل فلسفيا عن الجدوى من الكتابة وعن مبرراتها بالنسبة للمثقف اليساري. كان يسخر من أوهام "المثقفين البرجوازيين الصغار" الذين كانوا ولازالوا يريدون التعويض فكريا وسياسيا عن عدم انتمائهم للطبقة السائدة.
كان حسين أسكوري بالنسبة لي علامة مضيئة في درب التحرر من أوهام الكتابة والثقافة والمثقفين. وإنها لخسارة كبرى، ويا للمفارقة، أن لا نملك من نبوغه النظري إلا النادر مما نشر. ولذلك ارتأيتُ أن أشارك رفاقه وأصدقاءه بعض ما جاء في رسائله التي توصلتُ بها منه ما بين سنة 1984 وسنة 1992.

1. أسئلة حول المثقف العربي والتاريخ

"أحاولُ، طيلة هذه الأيام، "التأمل" في "خطاب المثقف العربي" إزاء "التاريخ" (عبد الله العروي، برهان غليون، وضاح شرارة، محمد عابد الجابري). أسعى للتفكير في شعور المثقف العربي بـ"عبء التاريخ".
- لماذا يحرص المثقف على أن يرى في أزمته "أزمة المجتمع"؟
- لماذا يوكل "لنفسه" دورا استراتيجيا في "التاريخ"؟ (حالة المثقف التاريخاني).
- كيف ينظر لعلاقة النظرية بالواقع؟ (خطاب محمد عابد الجابري حول "العقل" و"الفكر").
- ما هي حدود "وعيه التاريخي" بالتاريخ؟ (حالة برهان غليون).
- ما طبيعة النقد الذاتي الفلسفي الذي يمارسه؟ (حالة وضاح شرارة).
أما الفكرة التي تقودني فهي كما يلي: التجربة النظرية والتاريخية للماركسية. كيف استطاع "المثقف الماركسي" أن يتخطى حدود "النقد الإيديولوجي" ويؤسس "علم التاريخ" (القطيعة)؟ ما هو الدور الذي يوكله هذا التاريخ "للإيديولوجيا"؟ ما هو الدور الذي يعود للصعيد الإيديولوجي؟ للصراع الطبقي الإيديولوجي في التاريخ الحديث للمجتمعات الرأسمالية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه "الإنتلجنسيا" في الممارسة التاريخية للطبقات الاجتماعية؟
أرى ان المثقف العربي المعاصر يستعيد هذه التجربة بوعي نقدي نظري (حالة عبد الله العروي)".

2. تساؤلات حول الديمقراطية وأزمتها

"أهتمُ هذه الأيام بمسألة الديمقراطية والخطاب السياسي النظري" في العالم العربي. وما دفعني إلى التفكير في هذه المسألة (إلى جانب قراءاتي لأبحاث نيكوس بولانتزاس حول الدولة) هو بعض التساؤلات التي تُطرح عليّ بإلحاح من خلال بعض المقالات النظرية والسياسية التي تغطي صفحات جرائد وكتب حول "أزمة الديمقراطية" في العالم العربي.
إن مفهوم الديمقراطية أصبح "إشكالية" تلازم الكثير من تحليلات التحولات السياسية الراهنة على المستوى السياسي، وعلى مستوى البنى السياسية والعلاقات الاجتماعية السياسية. وهذه التساؤلات هي:
- ما هي الشروط الفكرية الخاصة بنمو الخطاب السياسي المغربي على صعيد مفاهيمه النظرية والعلاقة بين هذه المفاهيم وإشكاليته العامة؟ إن مفهوم الدولة، كما حاول عبد الله العروي إبراز ذلك من خلال دراسته، مرتبط بأرضية فكرية خاصة بالفكر الإسلامي حيث يتعارض (أي مفهوم الدولة) مع كل إمكانية نظرية لإنتاج نظرية الدولة كواقع سياسي وكماهية تاريخية. وهناك أيضا (إلى جانب مفهوم الدولة في الفكر السياسي الإسلامي) الخصوصيات التاريخية للدولة في المجتمعات العربية والتي لم تكن موضوع "خطاب نظري سياسي" في تاريخ الفكر السياسي والاجتماعي العربي. أي أنه لا يمكن القول أن التفكير في الدولة والسياسة تمّ من داخل مشكلات الفقه والشريعة أو مشكلات "التفكير التاريخي". إذا كان التفكير في "السياسة" له نفس الوضع، فما هي الوضعية النظرية لهذه المفاهيم والنتائج التي قادت إليها على صعيد تحليل أشكال "السلطة" الملموسة؟
- ما هو الموقف النظري والسياسي تجاه القضايا الراهنة؟ تفترض الإجابة على السؤال التوقف عند المواقف التي يتم التعبير عنها راهنا داخل حركة النضال الجماهيري، والأدوات المنتجة "لفكر" هذه الحركة. هناك ادعاء حول العثور على مكان الجواب داخل إشكالية "الديمقراطية". لقد تمّ رفض هذا الادعاء من "داخل" حركة هذا "النضال" الجماهيري. وظلت مسألة البحث النظري في مشكلات "الدولة والسلطة" معلقة، إلى حدود الآن، في فضاء السجال السياسي حول "متطلبات التكتيك". أو في أسوا الاحوال ظلت معلقة في مجال "تنظيرات الراسخين في العلوم السياسية"... إن استراتيجية البحث العلمي حلمٌ يبدو في كثير من الحالات نوع من اليوتوبيا، وهذه وضعية حقيقية.
- كيف يتمّ استيعاب "مكتسبات" الفكر العلمي المرتبط بالحركة العمالية في الغرب الرأسمالي؟ لماذا يتمّ القفز عن هذه المكتسبات النظرية والتحليلات العلمية لمسلسل التحولات في بنية الدولة الرأسمالية واختزال المشكلات في إشكالية الاختلاف والخصوصيات؟
أطرح هذا السؤال بالضبط لأنه يبدو لي من خلال قراءتي لبعض هذه التحليلات (نيكوس بولانتزاس بالخصوص) أنه تمّ التقدم منهجيا في السيطرة على كثير من المشكلات والصعوبات التي كانت تطرحها مسألة البحث في الدولة على ضوء أوضاع نظرية خاصة به، استطاع الفكر العلمي في الغرب (المرتبط بالحركة العمالية) الآن أن ينتج المفاهيم النظرية العلمية، ذات مستوى عالٍ من التجريد النظري، لفهم مسلسل التحولات، وبالتالي يجعل من هذا الفكر في الوقت الراهن موقعا أساسيا لتفادي ضغط الأوهام السياسية للمرحلة (الاشتراكية الديمقراطية في الغرب، الأحزاب الشيوعية الستالينية، تنظيمات اليسار الجديد). ينفتح فكرنا السياسي على كثير من مفاهيم هذا الفكر من اجل التحكم فيها من داخل إشكاليته (ولهذا نشاهد السخافات الفكرية داخل الوعي الإيديولوجي الذي يربطنا بالواقع السياسي الفعلي).
أتساءل عن موقف فكرنا السياسي من "الموقف النظري والعملي" في مسألة السلطة في التاريخ السياسي الخاص بالحركة العمالية؟ وهذا الأمر يدعو إلى التفكير المباشر كذلك في صيغة استيعاب هذا الموقف".

3. حول مكانة المثقف

"أجدُني داخل هذا الكل المعقد (المجتمع الملموس) أتأمل في صمت وأفكر وأكتشفُ هذا الوجود بداخلي، أكتشف تناقضاته تؤثر في سلوكي، في نمط تفكيري وعلاقاتي الملموسة بالأشياء. قرأت بعض المحاضرات القديمة لجون بول سارتر حول المثقف ومكانته المتميزة ضمن البنية الاجتماعية، وكذا وظيفته ووعيه الذاتي بتفرده. أثارتني مشكلة العلاقة بين الخاص والعام وعلاقة المثقف بالفكر والثقافة وعلاقته بالسلطة عبر مختلف مستوياتها (اقتصاد، سياسية، إيديولوجيا). هناك مفارقة قائمة في الشروط المادية التي تنظم وجوده الاجتماعي ووعيه الذاتي بهذه الشروط: إنه يدرك نفسه معلقا في السماء، فوق العالم، إنه لم يكن خاله.
إن الشروط المادية تترجم من خلال أوضاع مجتمعية فئوية متعددة: أخطر الأمور هي المعيش اليومي. أنا لست "مجنون الأمل". إني أخاف بطش "العادة".

4. عقلانية مغربية ساذجة

"قال سَدَنة "العقلانية" في البلد بأن ما لا يمكن قبوله هو أن نضع في كفة واحدة بعض المصالح القطرية للدولة والمصلحة القومية العليا حتى ولو كانت غالية الثمن (أنظر جريدة أنوال، العدد 572، بتاريخ 02 فبراير 1991): من المشروع أحيانا ان يتساءل المرء هل يمكن أن يصدر هذا القول حقا عن عاقل؟ "فالمصالح القطرية للدولة" هي "فضاء ملغز" قد تضيع فيه المروءة وتتحرر فيه "النفس من كل مبدأ حين تلجُه"، إنه "فضاء الحياة"، إنها "أرزاق العباد المصانة"، إنها ما يعطي "للمبادئ" نورها وإشعاعها فتؤلف بين "القلوب" و"ترضي" النفوس، إنه فضاء العقلانية بامتياز، فهل أصيب قائلوا ذلك القول "بالحَوَل" من جديد؟ والمثير حقا للدهشة ما قاله هذا الصوت "الأخرق والمستفز والمزعج" عن الدولة: قال بأنه يجب أن تكون الدولة هي "التعبير الأمين والصادق" عن المشاعر الغاضبة التي تضطرب في أعماقه، أي أن تصبح الدولة دولته".


5. الموت، "أبناء الرعاع" والفلسفة

"حين استقرَّ الموت في رأسي حفرَ له قبورا، وشرع يخط بداخلي أسماء كثيرة عزيزة عليّ. وحين كبرتُ، وبدأتُ أدخل القبورَ دون موعد، امتلأتُ حقدا ضد "ميكانيزمات الموت"، وامتلأتُ كرها ضد "هذه الكواسر الآدمية".
أتخيلُ أحيانا أن وجودي في هذا الكوكب الأرضي هو حدثٌ أسطوري، امتيازٌ من أجل أداء هذه الأدوار البئيسة... امتياز الإنسان الكوكبي. الذاكرة التاريخية الكبير للإنسان الذي يكتب تاريخه منذ جده الأعظم إلى الآن ويستعيد دون مناسبة كيف سكن الأرض، يستعيد أعراسه ومآتمه وحروبه ومذابحه...
التفكير في الموت داخل هذا الفضاء الذي نسميه وطنا يستدعي، بدون شك، التفكير في علاقات السلطة المنتشرة فيه. فهل يمكن إذن أن نفكر في الموت دون خوف وألم وغضب وحقد؟ "الموت كابوسٌ أجهد نفسي كي أفيق منه". الحياة أفق للحلم. قد يصبح التاريخ حلما جميلا نبذل جهودا كي لا نستفيق منه. أشهد أن تاريخ العبيد يؤلمني ويضغط على روحي.
إن العصر البروليتاري هو الذي أباح الفلسفة لأبناء "الرعاع"، فلنتفلسفْ، فلنتكلّمْ، ولنستعدْ كل الماضي الذي مضى، والذي لم يمضِ بعدُ... لنمزّقْ هذا الحجاب".


6. القوة والسيادة

"أعتقد أحيانا بسذاجة أن الأسياد يملكون جوابا لحيرتنا. ومرات أخرى أتيقنُ أن أسئلتنا لن تجد لها جوابا. فهي لا تحمل غير عنادنا. أما فيما يخص العالم وحركته فهذه مسألة أخرى. أما بخصوص أن نكون أسياداً، أي أناسا حقيقيين، فهذا تحدّين هذه معركتنا، وبعد ذلك تكون معاركنا الميتافيزيقية الكبرى: فلنسقط أولا هذه "الكواسر"، ولتمحى... إنها متعة المتع، الشهوة العظيمة، ولو للحظة تاريخية، أن نتكلم بجدية وبحب وصفاء عن وجودنا هنا لبعض زمن، ثمّ نفتح سجلا جديدا لكلّ الانقلابات والحماقات.
لقد حققت بعض الجماعات هذا "الحلم". نفضت عنها أوهاما قديمة، خطت خطوة جديدة، وفازت بلذة الدهشة إن لم تكن لذّة النصر.
تستطيع القوى الظلامية الآن أن تحيل هذا الزمن التاريخي فراغا مرعبا، قبرا تردم فيه كل طاقاتنا وخيراتنا وارواحنا. تستطيع ان تسمرنا في مكاننا حتى نخال أن التاريخ يمشي دوننا، أو أن الكوكب تحوّل من حولنا... مادام هؤلاء فوق الأرض بما يملكونه من قوة تدمير وخراب وتحنيط لنزواتهم، ما دام التاريخ تسري فيه دماء أبناء الفتك والهتك هؤلاء... فلا خيار، اقصد لا مناص من الغضب.

7. الحقّ في الهذيان بالاسم الشخصي

"لولا تدخّل الكواسر لما تعفّنت الحياة وتعكر مزاجنا واضطربت أرواحنا. أعتقد أن الأرض ستبقى مسرحا لتواريخ مختلفة ومتعددة ولمحاولات إنسانية عدة لخلق "الحياة". نحن نطمح لهذه الفسحة الجميلة، لهذه الجنة القريبة منا، نطمح لهذه الأرض التي نُطردُ منها أحيانا دون شفقة. تختلف تجربتنا جذريا عن تجربة "الآخر" التي حفرت عمقا في "تفكيرنا".
أفكر أحيانا في تجربة "نيتشه"، في عدمية الإنسان الحديث المنتسب للثقافة الغربية، أفكر في هذه العتبة التي يستشرفها فكر ميشال فوكو وجيل دولوز. غير أني اشعر أني إزاء "آخر" مختلف عني، إزاء خطاب قد يمدّ جسورا جديدة بيني وبين العالم، غير أنه لا يعفيني من الهذيان باسمي الشخصي. لهذا أحلمُ بصباح جميل لا تغرب شمسه، أحلم بأن يُصبح الإنسان اسما لخدرٍ جميل، أحلمُ بكلمة تشبه قوس قزح".


8. نيتشه: عدميته وعدميتنا

"استحضرُ نيتشه، عدميته، مسألة قلب القيم بإعادة تقييمها وإعادتها إلى مصدرها. يطرح نيتشه هذا السؤال على نفسه: كيف أعاقت الأخلاق كل عدمية نظرية وعملية؟ إن نقد الأخلاق المسيحية، نقد القيم التي قام عليها النظر إلى الإنسان والكون، ستسمحُ للإنسان بالسير خطوة جديدة في الفراغ الكوني الهائل، لكن بخطوة جريئة. سيسمح له هذا النقد كذلك بالنظر من جديد إلى العالم الذي لم يبارح مكانه بطبيعة الحال. لكن هذا النقد "يَعِدُهُ" بنظرة جديدة جميلة ودافئة، نظرة جديرة بالإنسان كإنسان جديد. هذا النقد كان يتأمل الأوروبي الحديث وطاقاته الهائلة والتاريخية لما تختزنه من "دمار" و"عنف". فما الذي يعيق عدميتنا في هذا التاريخ العربي؟ كيف ينتظم؟ ما الذي قد نكتشفه خارج الوعي التنموي السعيد والوعي التاريخاني؟ أيّ ألواحٍ يجبُ أن تكسّر؟".


9. فلسطين، السوفييت والشرق الأوسط

"جاء في بداية الكلمة التي شارك بها إيغور بليايف، المستعرب والمعلق السياسي السوفييتي، في الندوة التي نظمتها مجلة "الطريق" في موضوع "حركة التحرر الوطني العربية ومهمات المرحلة الراهنة"، والتي نشرت ابحاثها في العدد الثاني، ابريل، سنة 1981: "في مطلع الثمانينات قال "الروسي" لرفاقه العرب: "تعالوا نتصور أن الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الأوروبية الغربية تواصل التصرف في الشرق الأوسط تصرفا لا رقيب عليه. والاتحاد السوفييتي أو روسياـ كما تسميه الصحافة العربية أحيانا، منهمك حسب عادته في شؤونه ولا يعير المنطقة أي اهتمام. قد تقولون أن مثل هذا الوضع ضرب من الخيال لا يمكن أن يوجد في الواقع. ليكن كذلكن ولكن دعونا نتخيل قليلا لصالح القضية".
لم يكن هذا القول با شك يحمل أي "خداع". كان الرفيق حسب ما يبدو حريصا على المشاركة في الندوة بكل ما يسعفه به تفكيره وخياله. "فالرقابة" حول تصرف "الآخر" في "منطقتنا" لها حسب ما يبدو ثمن وحساب.
والفلسطيني وحده كان يتصور ويتخيل. فواجبه ان يتصور ويتخيل كل "السيناريوهات" الرهيبة. فوحده تعلم قبل غيره كيف يكشف الآثار وقيم الحساب. كيف يراقب الكوكب. وحين يصرح بأن "التوازن الاستراتيجي مجرد كذب وديماغوجية وتضليل"، الهدف منه هو تركيعنا، وأنه "بالنضال وحده وفي مجراه لا خارجه..." فإن الكثيرين لا يصدقون هذا الثوري البطل.
أنا لا أصدق هذا "النّسر". لا اصدقه ولا أعتقد أن الرعب يصيب فقط "الشرائح الحاكمة"، فهي ليست وحدها التي تخاف عواقب "السيبة"، بل المواطن الكادح المقهور الذي يحتاج إلى قوت يومه، يزحف على بطنه و"لا يعرف حتى زَفْتَه في التاريخ"، هذا النمط الكثير من بني آدم "الذي يسند البنيات العتيقة"، يخشى الحرب لأنه غير مهيأ لخوضها والصمود في وجه العدو". لهذا تبدو قوة أمريكا مرعبة "في نظر الكثيرين الذين أصبهم العمى" منذ زمان، فظلوا خارج "التاريخ" تاركين "لقواده" شرف الحضور "كأعضاء شرفيين فيه". فهل "الدرس التاريخي" كافٍ وحده الآن لتحويل "رعبنا" إلى "قوة"؟
الدرس التاريخي "تاريخي" وثمنه القاسي وحده الشعب الفلسطيني يدركه. فكيف لجمهور "كرة القدم" أن يصبح "الجماهير"؟ التحدي الأساسي الآن هو أن وجود هذه الرابطة الفريدة، هذا الميثاق الجديد، هذا العهد الجديد... لتستأنف المعركة في أن تصبح عربية أو إسلامية أو قومية أو ما شاءت، وان يصير الجمهور "جماهير"، ان ينجلي سر هذه العداوة التي تشدنا إلى "الأرض" وإلى "التاريخ"، فهذه تجربة بلا شك ستكون قاسية على جمهورنا الواسع... تجربة قد تستدعي منه محاسبة النفس على "زمن الفرجة".
وحتى ولو كانت "الذات العربية" الآن معافاة، في صحة جيدة سليمة لا ينقصها إلا شهادة "الاستقلال التاريخي" لتؤكد إرادتها بين الأمم في المشي بأرجل ثابتة فوق الكوكب، حتى لو كانت العراق الوطنية قوية، فإنها ستكون بلا شك في هذه المواجهة إزاء قوة أخرى قوية وعتية وشرسة "بشهادة التاريخ"، قوة اقبرت كل تحدياتنا خلال قرنين من الزمن، أجهضت كل الآمال "في التحرر والوحدة"، قوة لم تتوقف عن توجيه كل ردود فعلنا. هذه "القوة الإمبريالية الشرسة والعدوانية..." ليست نمرا من ورق كما كانت تراها منقبل بعض "الشعوب المناضلة"، إنها قوة تهجم. ومقاومة الهجوم مقاومة عربية، "قومية المضمون، إسلامية المبدأ" كانت تستدعي بلا شك "نوعا من التبعية" ليست أرضيتها المشجعة "لمّ الأطراف". أنا لا افهم هذا المزاج: "عبقرية الدم العربي" في مواجهة أحدث تقنيات الدمار والقتل. الإمبريالية تقتل... فهي لن ترحم".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك