الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
أنثروبولوجيا العائلة
هاتف جنابي
2006 / 11 / 9الادب والفن
من تاريخ العائلة
في الخريف الوفير بوحشته
الطيور تلوبُ فوق رؤوس الملأ
في الطريق إلى الجلجلة
تنقر الزفرات ِ لآهاتها الصاعدة
فوق جنح الطبيعة،
في البحث عمّا يُعيل غريزتها
غير أن النسور تحلق أعلى مهللة في ضباب الرؤى
باتقاد البصر.
يا إله السديم وتهليلة الفاتحة،
شُدّ جنحي بمنطق طير يؤوب إلى عشّه،
قالت الفاختة.
في فمي نغم لا سبيل إليه سوى العاصفة،
قالها جائع.
للمجاعة إيقاعُها
مثلما للوليمة حرّاسها.
* * *
حجارتي تسّاقط من فمي
وكلبي يُجرجر أذيالي.
كانت الجنادبُ وأفراسُ الحقل
تتقافز من حولنا/أسوة بغبار السنين/
كما لو أنها انتصرت في معركة الوجود.
وأعراف القمح والشعير تغري بزَهوها
وسكان القرى المجاورة/ رغم الأوبئة الماكرة/
منهمكين في ثيابهم البيضاء والمزركشة- كانوا بحيواناتهم
وروثهم وتفاصيل قوتهم، ببخورهم وحكاياتهم ونيران أعيادهم
وما يطلقون من عيارات بتلك المناسبة،
يرسمون خطا من الضوء في سِفر الظلام.
كانت رائحة الزرع تفوح في الطرقات
والفروجُ الحليقة مُستنفرة
حتى أن هالة ضوئية طافت على الحقول والبيوت
أشيع أنها رسالة من الإلهِ بفأل ٍ حَسَنْ.
لم يكن أحدٌ يقرأ صفحة الغيب التالية
وما سَطرَه الحريقُ والسّحابُ والمطر
والفأس والغابة والحطاب
ولا ما جاءت به البروقُ والرعود
أو سَنهُ العرّافُ والمفتي،
والمنوّمُ المغناطيسيّ
وقاريءُ الكفّ،
وحُرّاسُ الأبد.
كانت الحيوانات كلها ترعى
لا أحدٌ كان يطلب منها
قراءة الطالع والرؤيا
أو التبصّرَ في الآخرة.
* * *
هناك في البعيد
ما أقوم به ليس سوى
انعكاس الإمام عليّ والحسين
وموسى وعيسى
في طقوس الكلام وأخيلة الخطباء،
ولسع الحديد يهز الظهورَ،
وذاك المتصابي يدسّ يديه بخُرم العباءة منبهرا
يتلمس أعضاءه النهمات ِ بإيقاع طبل غائر في الفضاء.
* * *
كان جدي الأخير يشد حزامَ مسدسه بازدهاء
وخنجره لامعٌ - هكذا ذكروا-
رافعا فوق منكبه راية، صُرّة من دراهم قانية
ورصاصا لغدر الزمان، وكان يسير وراء ظلال النخيل
مسافة يومين، بلا سامر أو دليل، إلى أنْ دنا الموتُ من خلفه
قاب قوسين ِ صاح اشربوا من دمي الرعويّ،
بُدَاةَ المراعي وآلهة العدم ِ.
الرصاصة عن خصمه لم تحدْ
مثلما لم يحدْ عنهُ خنجرُ منتقم،
لا يراه سوى الموت مندفعا،
باتجاه الجسدْ.
شيّعته الطناطلُ والجنّ، قالوا
ولا أحدٌ يعرف اليومَ مرقده.
لا أبي قد رأى وجهه،
لا رعاة القبور ولا (سَرْبَروس).
هكذا،
فصّلته الحياةُ لتسديد فواتيرها
دفعة واحدة.
* * *
هناك في البعيد
يصبح المشهدُ طقسا قانيا
في أرخبيل الذاكرة
لحاضر يضيعُ في مزابل الذكرى،
وموت ٍ مؤجل للعدو والصديق
حيث الرافدان
يلحسان ما تبقى من لعاب النهر
وأسماكه النافقة.
* * *
هناك في البعيد
أرى أنوثة أختي تضيع في غياهب الحريم.
وترنيمة أمي النازفة
في مذبح الحروب.
أرى أبي غارقا:
في رّمال العاصفة/ حيث الضفادع والطيور/
تحرسها الثعابين الناطقة/،
في هدير الرصاص مُغيّبا
في جسد البريء أخي،
مجندلا فوق الرّصيف.
وصوت جدتي الرهيف مثقلا بحكمته
كما لو كان صنوا لسِفر الجامعة
- صوت جدتيَ الثانية .
وأجنحة الحَمام العاطلة
في متحف المزارات والمنائر،
في دعاء الزائرين مرتطما بالعراء.
أرى على الشاطيء المائل نحو الزوال
كوخا يتداعى، إنها عمّتي تموت عانسة
أمّها- يعني جدتي الأولى- تبَخرَتْ
قيل: لم تمتْ
بل حلّقتْ في السماء
ثم صارت مبخرة.
الغبار يلعق ذكرَها
والرياح تكنس الأثر.
أرى سِفرَ عائلة الرّماد
إبرة
في عباءة الماضي
وخيطا
بترتيلة الآخرة.
* * *
هناك،
في فسلجة الطبيعة
النهرُ ليس نهري
أعَلى النهر أن يكون مِلكي،
والخضرة مِلكي؟
والهواءُ ملكي؟
أنا المالكُ الأحد؟
أعلى الرّمل أن يكون قريني؟
والصدى الآتي من الغابة
أهْو صوتُ حنجرتي،
وامتداد الرقبة؟
* * *
الضفة تنعى الضفة
والنهر يقضمها بتسطيح أعماقه.
كان الله يجفف دموعنا بزفيره.
* * *
أأنا الذي يُلقي بشموعه
إلى النهر مستبشرا عودة الغائب؟
لا،
ليس بوسعي هزيمة النهاية
مثلما لم يكن بوسعي هندسة البداية
ليس بوسعي هزيمة الرّمل والصحراء
ليس بوسعي هزيمة الدود في المقبرة
ليس بوسعي تحلية البحر بهذه العُجالة
ولا إزاحة القمر
أو زحزحة الفضاء
ولا استنطاق بابل-
أنا ابن عشتارها وتموّزها
مثلما ليس بوسعي
هزيمة الذاكرة.
* * *
كنا جميعا ننصب الفخاخَ
للحيوان والطيور،
ننصبُ الفخاخ للحياة.
وارسو في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2006
* سربروس –حارس مملكة الموت
في الميثولوجيا الإغريقية.
- فصل من قصيدة طويلة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. #شاهد بالعود والغناء.. طفل فلسطيني يبارك لأبناء الشعب اللبنا
.. تغطية خاصة | الأسد: الإرهاب لا يفهم إلا لغة القوة وهي اللغة
.. «كنت ملحدًا» خالد الصاوي يكشف تفاصيل أصعب أيام حياته
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت- الشاعر عماد حسن - الأحد 1
.. عوام في بحر الكلام - الشاعر عماد حسن: سميرة سعيد من أجمل الن