الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة34

عبدالرحيم قروي

2023 / 9 / 3
الارشيف الماركسي


مؤلف "الدولة والثورة" على حلقات
تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة
فلاديمير إليتش لينين
الحلقة السابعةعشر والأخيرة

3- جدال كاوتسكي مع بانيكوك.
لقد انبرى بانيكوك ضد كاوتسكي بوصفه أحد ممثلي التيار «الراديكالي اليساري» الذي كان يضم في صفوفه روزا لوكسمبورغ وكارل رادك وغيرهما، التيار الذي كان يذود عن التكتيك الثوري ويوحده الاعتقاد بأن كاوتسكي ينتقل إلى موقف «الوسط» المتأرجح دونما مبدئية بين الماركسية والانتهازية. وقد تأكدت صحة تأكدت صحة هذه النظرة بصورة تامة أثناء الحرب، عندما كشف تيار «الوسط» (المدعو غلطا بالماركسي) أو «الكاوتسكية» عن كل حقارته الشنيعة.
في مقال «الأعمال الجماهيرية والثورة» («Neue Zeit»، 1912، 30، 2) تطرق بانيكوك إلى مسألة الدولة ونعت موقف كاوتسكي بأنه «راديكالية سلبية»، بأنه «نظرية الانتظار السلبي». «إن كاوتسكي لا يريد أن يرى سير الثورة» (ص 616). وإذ طرح بانيكوك المسألة بهذا الشكل وصل إلى الموضوع الذي يهمنا نحن، إلى مهام الثورة البروليتارية حيال الدولة. وقد كتب:
«إن نضال البروليتاريا ليس مجرد نضال ضد البرجوازية في سبيل سلطة الدولة، بل إنما هو نضال ضد سلطة الدولة… فمضمون الثورة البروليتارية هو تحطيم أدوات قوة الدولة وإزاحتها (حرفيا: حلها، Auflösung) بأدوات قوة البروليتاريا… ولا يتوقف النضال إلاّ عندما يتحقق، كنتيجته النهائية، تحطيم منظمة الدولة بصورة نهائية. إن منظمة الأكثرية تبرهن تفوقها بقضائها على منظمة الأقلية السائدة» (ص 548).
إن الصيغة التي أعرب بها بانيكوك عن أفكاره تشوبها نواقص كبيرة جدا. ولكن الفكرة واضحة على كل حال. وخليق بنا أن نرى كيف حاول كاوتسكي دحضها. فقد كتب:
«حتى الآن كان التضاد بين الاشتراكيين-الديموقراطيين والفوشويين في كون الأولين يريدون الاستيلاء على سلطة الدولة بينما يريد الآخرون تحطيمها. أمّا بانيكوك فيريد هذا وذاك» (ص 724).
وإذا كان عرض بانيكوك يشكو الغموض ونقص الدقة (فضلاً عمّا في مقاله من نواقص أخرى لا علاقة لها بالموضوع الذي نبحثه) فإن كاوتسكي قد أخذ بالضبط فحوى الأمر المبدئي الذي رسمه بانيكوك. وفي المسألة المبدئية الجذرية حاد كاوتسكي بصورة تامة عن موقف الماركسية وانتقل إلى الإنتهازية بصورة تامة. فقد حدد الفرق بين الاشتراكيين-الديموقراطيين والفوضويين بصورة غير صحيحة بتاتا، وشوه الماركسية وابتدلها بصورة نهائية.
إن الفرق بين الماركسيين والفوضويين يتلخص: 1) في كون الأولين، إذ يستهدفون القضاء التام على الدولة، يعترفون بأن هذا الهدف غير ممكن التحقيق إلاّ بعد قضاء الثورة الاشتراكية على الطبقات وكنتيجة لإقامة الاشتراكية التي تؤدي إلى اضمحلال الدولة؛ وفي كون الآخرين يريدون القضاء التام على الدولة بين عشية وضحاها، دون أن يفهموا الشروط التي تجعل هذا الأمر قابل التحقيق. 2) في كون الأولين يعترفون بأن من الضروري للبروليتاريا أن تحطم بصورة تامة، بعد استيلائها على السلطة السياسية، آلة الدولة القديمة وأن تستعيض عنها بآلة جديدة تتألف من منظمة العمال المسلحين على طراز الكومونة؛ وفي كون الآخرين يقولون بتحطيم آلة الدولة متصورين بغموض تام ما تستعيض به البروليتاريا عنها وكيف تستفيد من السلطة الثورية؛ حتى أن الفوضويين ينكرون ديكتاتوريتها الثورية. 3) في كون الأولين يطالبون أعداد البروليتاريا للثورة عن طريق الاستفادة من الدولة الراهنة، أمّا الفوضويون فينكرون ذلك.
إن بانيكوك هو الذي يمثل الماركسية ضد كاوتسكي في هذا الجدال، لأن ماركس ذاته قد علم أن البروليتاريا لا تستطيع الاكتفاء بمجرد الاستيلاء على سلطة الدولة بمعنى انتقال جهاز الدولة القديم إلى أيد جديدة، بل ينبغي عليها تحطيم هذا الجهاز وكسره والاستعاضة عنه بجهاز جديد.
يخرج كاوتسكي عن الماركسية إلى الانتهازيين، لأنه يتلاشى عنده كليا تحطيم آلة الدولة هذا غير المقبول إطلاقا من قبل الانتهازيين فيبقى لديهم منفذ بمعنى تفسير «الاستيلاء» على أنه مجرد كسب الأكثرية.
ويسلك كاوتسكي سلوك حفظة الحديث بغية ستر تشويهه للماركسية: فهو ينتر «فقرة» يقتبسها من ماركس نفسه. فقد كتب ماركس في سنة 1850 مؤكدا ضرورة «تركيز القوة بحزم في يدي سلطة الدولة». ويسأل كاوتسكي متهللاً: ألا يريد بانيكوك هدم «المركزية»؟
إن هذا مجرد بهلوانية تشبه محاولة برنشتين لإثبات تطابق نظرات الماركسية والبرودونية بصدد الاستعاضة عن المركزية بالاتحادية.
إن «الفقرة» التي أوردها كاوتسكي هي غير مناسبة. فالمركزية أمر ممكن مع آلة الدولة القديمة والجديدة على حد سواء. فإذا ما وحد العمال طوعا قواهم المسلحة، يكون ذلك من المركزية، لكنها مركزية تقوم على «التحطيم التام» لجهاز الدولة المتمركز والجيش النظامي والشرطة والبيروقراطية. إن كاوتسكي يسلك تماما سلوك المحتالين إذ يغفل آراء ماركس وانجلس المعروفة جدا بصدد الكومونة ليبتر فقرة لا علاقة لها بالموضوع.
ويستطرد كاوتسكي:
«… لعل بانيكوك يريد إلغاء وظائف الموظفين في الدولة؟ ولكننا لا نستغني عن الموظفين لا في منظمات الحزب ولا في المنظمات النقابية، فضلا عن إدارة الدولة. إن برنامجنا لا يطلب القضاء على موظفي الدولة، بل انتخاب الموظفين من قبل الشعب… لا يدور الحديث عندنا الآن حول الشكل الذي يتخذه جهاز الإدارة في «الدولة المقبلة»، بل حول ما إذا كان نضالنا السياسي يقضي على (حرفيا: يحل، auflöst) سلطة الدولة قبل استيلائنا عليها (التشديد لكاوتسكي). أية وزارة يمكن القضاء عليها مع موظفيها؟» ثم يعدد كاوتسكي وزارات المعارف والعدلية والمالية والحربية. «لا. إن نضالنا السياسي ضد الحكومة لن يلغي أية وزارة من الوزارات الراهنة…أكرر لتلافي سوء التفاهم: ليست القضية قضية الشكل الذي تضفيه الاشتراكية-الديموقراطية الظافرة على «دولة الغد»، بل قضية الكيفية التي تغير بها معارضتنا الدولة الراهنة (ص725).
وهذه هي الشعوذة عينها. لقد طرح بانكوك مسألة الثورة بالذات. وقد أعرب عن ذلك بوضوح في عنوان مقاله وفي الفقرات المقتبسة. أمّا كاوتسكي فهو بقفزه إلى مسألة «المعارضة» يستعيض بالضبط عن وجهة النظر الثورية بوجهة النظر الانتهازية. فالحاصل عنده كما يلي: اليوم معارضة، أمّا ما بعد الاستيلاء على السلطة فسنرى. الثورة تتوارى! وهو بالذات ما يحتاجه الانتهازيون.
لا يدور الحديث عن المعارضة ولا عن النضال السياسي بوجه عام، بل إنما يدور عن الثورة عينها. أمّا الثورة فتتلخص في كون البروليتاريا تحطم «جهاز الادارة» وكامل جهاز الدولة مستعيضة عنه بجهاز جديد قوامه العمال المسلحون. يظهر كاوتسكي «خشوعا خرافيا» أمام «الوزارات»، ولكن لمَ لا تمكن الاستعاضة عنها، لنقل مثلاً، بلجان من الاختصاصيين لدى سوفييتات (مجالس) نواب العمال والجنود التي تمارس كامل السيادة والسلطة؟
إن فحوى الأمر ليس البتة في ما إذا كانت «الوزارات» ستبقى أو تقوم «لجان اختصاصيين» أو أية مؤسسات أخرى؛ فليس لهذا الأمر أهمية. إم فحوى الأمر في ما إذا كانت ستبقى آلة الدولة القديمة (المرتبطة بالبرجوازية بآلاف الروابط والمشبعة حتى أعماقها بروح المحافظة والجمود)، أم أنها ستحطم ويستعاض عنها بآلة جديدة. فالثورة ليست في أن تسود وتحكم بواسطة آلة جديدة بعد أن تحطم القديمة- إن كاوتسكي يطمس هذه الفكرة الماركسية الأساسية، أو أنه لم يفهمها بتاتا.
فسؤال بشأن الموظفين يظهر بصورة بينة أنه لم يفهم دروس الكومونة وتعاليم ماركس. «نحن لا نستغني عن الموظفين لا في المنظمات الحزبية ولا في المنظمات النقابية…»
نحن لا نستغني عن الموظفين في ظل الرأسمالية، في ظل سيادة البرجوازية. فالرأسمالية تظلم البروليتاريا وتستعبد جماهير الشغيلة. وفي ظل الرأسمالية تكون الديموقراطية مقيدة، مكبوسة، بتراء، يشوهها كل ظرف عبودية العمل المأجور وفاقة الجماهير وبؤسها. ولهذا السبب، وما من سبب آخر، يفسد الموظفين في منظماتنا السياسية والنقابية (أو بالأصح يظهرون ميلاً إلى الفساد) من جراء ظروف الرأسمالية ويظهرون الميل إلى التحول إلى بيروقراطيين، أي إلى أشخاص ذوي امتيازات منفصلين عن الجماهير ويقفون فوقها.
هذا هو جوهر البيروقراطية. وما لم تصادر أملاك الرأسماليين، ما لم تسقط البرجوازية، يظل حتما شيء من «البيروقراطية» حتى في الموظفين البروليتاريين.
والحاصل عند كاوتسكي هو كما يلي: ما دام هنالك مسؤولون ينتخبون، يبقى بالتالي الموظفون في ظل الاشتراكية وتبقى البيروقراطية! وهذا هو الغلط عينه. فبمثل الكومونة نفسها، بين ماركس أن المسؤولين في ظل الاشتراكية يكفون عن أن يكونوا «بيروقراطيين»، «موظفين»، يكفون بمقدار ما يطبق، عدا مبدأ انتخابهم، كذلك مبدأ سحبهم في أي وقت، إضافة إلى تخفيض الرواتب إلى المستوى المتوسط لأجر العامل، وإضافة إلى الاستعاضة عن المؤسسات البرلمانية بمؤسسات «عاملة، أي تصدر القوانين وتنفذها».
وفي الجوهر، تظهر جميع حجج كاوتسكي ضد بانيكوك ولا سيما حجته الرائعة حيث يقول أننا لا نستغني عن الموظفين لا في المنظمات النقابية ولا في المنظمات الحزبية، أنّ كاوتسكي يكرر «الحجج» القديمة التي أشهرها برنشتين ضد الماركسية بوجه عام. فإن برنشتين، في كتابه «ممهدات الاشتراكية» المشبع بروح الارتداد، يشن الحرب على أفكار الديموقراطية «البدائية»، على ما يسميه بـ«الديموقراطية العقائدية»- تفويضات الزامية، مسؤولون لا يكافأون، تمثيل مركزي عاجز الخ.. وللبرهان على بطلان هذه الديموقراطية «البدائية» يستشهد برنشتين بخبرة التريديونيونات الإنجليزية كما يشرحها الزوجان ويب. ويقول أن التريديونيونات، في غضون سبعين سنة من تطورها «في ظل الحرية التامة» كما يزعم، (ص 137 من الطبعة الألمانية)، قد اقتنعت بعدم صلاح الديموقراطية البدائية واستعاضت عنها بالديموقراطية العادية: بالجمع بين البرلمانية والبيروقراطية.
وفي الحقيقة لم تتطور التريديونيونات «في ظل الحرية التامة»، بل في ظل العبودية الرأسمالية التامة التي لا يمكن طبعا في ظلها «الاستغناء» عن جملة من التنازلات أمام الشر السائد، أمام العنف، أمام الباطل وإبعاد الفقراء عن أمور الإدارة «العليا». وفي ظل الاشتراكية ينبعث حتما الكثير من وجوه الديموقراطية «البدائية»، لأن جمهور السكان يرتفع لأول مرة في تاريخ المجتمعات المتحضرة إلى الاشتراك المستقل ليس فقط في التصويت والانتخابات، بل أيضا في الإدارة اليومية. ففي ظل الاشتراكية سيقوم الجميع بوظائف الإدارة بالتناوب ويعتادون بسرعة على أن يحكم أحد.
إن ماركس ذا العقل العبقري النقاد المحلل قد رأى في التدابير العملية التي اتخذتها الكومونة ذلك الإنعطاف الذي يخشاه الانتهازيون ولا يريدون الاعتراف به لجبنهم ولعدم رغبتهم في قطع كل صلة بالبرجوازية والذي لا يريد الفوضويون أن يروه أمّا لتسرعهم وأمّا لأنهم لا يفهمون ظروف التغيرات الاجتماعية الكبرى بوجه عام. «لا ينبغي حتى التفكير بتحطيم آلة الدولة القديمة، إذ كيف لنا أن نستغني عن الوزارات والموظفين»، -هكذا يفكر الانتهازي المبتذل حتى الصميم والذي فضلا عن أنه لا يؤمن في الجوهر بالثورة ولا بقوتها الخلاقة، يخافها خوفا مميتا (كما يخافها المناشفة والاشتراكيون-الثوريون عندنا).
«لا ينبغي التفكير إلاّ بتحطيم آلة الدولة القديمة، لا حاجة إلى التعميق في الدروس الملموسة التي أعطتها الثورات البروليتارية السابقة ولا الى تحليل ما وكيف نستعيض به عمّا نحطمه» -هكذا يحاكم الفوضوي (خير الفوضويين طبعا، لا الذي يتبع السادة كروبوتكين وشركاه ويحبو في ذنب البرجوازية)؛ ولذا يخلص الفوضوي إلى تكتيك اليأس، لا إلى تكتيك نشاط ثوري جريء لا يعرف الهوادة ويضع نصب عينيه مهام ملموسة ويأخذ في الوقت نفسه بعين الاعتبار الظروف الواقعية المحيطة بحركة الجماهير.
يعلمنا ماركس أن نتجنب الوقوع في غلطتين، يعلمنا أن نتحلى بأكبر الجرأة في تحطيم آلة الدولة القديمة عن آخرها ويعلمنا في الوقت نفسه طرح المسألة بصورة ملموسة: لقد استطاعت الكومونة في غضون عدة أسابيع أن تشرع ببناء آلة دولة جديدة، بروليتارية بهذا الشكل، متخذة التدابيرالمذكورةأعلاه بقصدضمان ديموقراطية أوفى واستئصال البيروقراطية. فلنأخذ إذن عن الكومونيين جرأتهم الثورية، ولنرَ فيما اتخذوه من تدابير عملية صورة أولى لتدابير عملية ملحة ممكنة التطبيق على الفور، وعندئذ، بسيرنا في هذه الطريق، نستأصل شأفة البيروقراطية.
ويضمن إمكان هذا الاستئصال واقع أن الاشتراكية تنقص يوم العمل وتستنهض الجماهير إلى الحياة الجديدة، وتضع أكثرية السكان في ظروف تمكن الجميع بدون استثناء من القيام بـ«وظائف الدولة»، وهذا ما يؤدي إلى الاضمحلال التام للدولة، كل دولة.
يستطرد كاوتسكي:
«… لا يمكن بحال أن تكون مهمة الاضراب الجماهيري تحطيم سلطة الدولة، لا يمكنها أن تكون إلاّ في حمل الحكومة على التنازل في مسألة ما معينة أو في الاستعاضة عن حكومة معادية للبروليتاريا بحكومة تلبي (entgegenkommende) مطالبها… ولكن هذا» (أي انتصار البروليتاريا على الحكومة المعادية) «لا يمكنه في حال من الأحوال ولا في أي ظرف من الظروف أن يفضي إلى تحطيم سلطة الدولة، لا يمكنه أن يسفر إلاّ عن بعض تغير (Verschiebung) في نسبة القوى في داخل سلطة الدولة… إن هدف نضالنا السياسي يبقى إذن كما هو الآن، الاستيلاء على سلطة الدولة عن طريق اكتساب الأكثرية في البرلمان وجعل البرلمان سيد الحكومة» (ص 726، 727، 732).
هذه هي الانتهازية المحضة، أحقر الانتهازية، الارتداد عن الثورة فعلا مع الاعتراف بها قولا، إن فكرة كاوتسكي لا تمضي أبعد من «حكومة تلبي مطالب البروليتاريا» -وهي خطوة إلى الوراء في اتجاه التفاهة وضيق الأفق بالمقارنة مع سنة 1848 عندما نادى «البيان الشيوعي» بـ«تنظيم البروليتاريا في طبقة سائدة».
يتأتى على كاوتسكي أن يحقق ما يهواه من «الوحدة» مع شيدمان وبليخانوف وفاندرفيلده وأضرابهم الموافقين جميعهم على النضال من أجل حكومة «تلبي مطالب البروليتاريا».
أمّا نحن فسنقدم على قطع صلتنا بخونة الاشتراكية هؤلاء وسنناضل من أجل هدم آلة الدولة القديمة بأكملها لكيما تصبح البروليتاريا المسلحة نفسها حكومة. وهما «أمران مختلفان كل الاختلاف».
يتأتى على كاوتسكي أن يكون بصحبة الجماعة المستطابة: جماعة ليغين ودافيد وبليخانوف وبوتروسوف وتسيريتيلي وتشيرنوف ومن لف لفهم من الموافقين كل الموافقة على النضال من أجل «تغيير نسبة القوى داخل سلطة الدولة»، من أجل «اكتساب الأكثرية في البرلمان وجعل البرلمان سيد الحكومة المطلق»، -إنه هدف نبيل منهى النبل يقبله الانتهازيون بقضه وقضيضه، ويبقى معه كل شيء في إطار الجمهورية البرجوازية البرلمانية.
أمّا نحن فسنقدم على قطع صلتنا بالانتهازيين وستكون البروليتاريا الواعية بأكملها معنا في النضال، لا من أجل «تغيير نسبة القوى»، بل من أجل إسقاط البرجوازية، من أجل تحطيم البرلمانية البرجوازية، من أجل جمهورية ديموقراطية من طراز الكومونة أو جمهورية سوفييتات نواب العمال والجنود، من أجل الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.
*******
في الاشتراكية العالمية تيارات تيامن أكثر من كاوتسكي، منها «المجلة الاشتراكية الشهرية» في ألمانيا (ليغين ودافيد وكولب وكثيرون غيرهم بمن فيهم السكانينافيان ستاونينغ وبرانتينغ) وأتباع جوريس وفاندرفيلده في فرنسا وبلجيكا وتوراتي وتريفيس وغيرهم من ممثلي الجناح اليميني في الحزب الإيطالي والفابيون و«المستقلون» («حزب العمال المستقل» الذي كان في الواقع على الدوام في تبعية الليبراليين) في انجلترا ومن على شاكلتهم. إن جميع هؤلاء السادة الذين يلعبون دورا جسيما غالبا ما يكون الدور الراجح في النشاط البرلماني وفي المنشورات الحزبية ينكرون على المكشوف ديكتاتورية البروليتاريا ويطبقون الانتهازية السافرة. «فديكتاتورية» البروليتاريا في نظر هؤلاء السادة «تناقض» الديموقراطية!! وفي الجوهر لا يوجد بينهم وبين الديموقراطيين صغار البرجوازيين أي فرق جدي.
ونظرا لهذا يحق لنا أن نخلص إلى استنتاج مفاده أن الأممية الثانية في الأغلبية الساحقة من ممثليها الرسميين قد انزلقت تماما إلى الإنتهازية. ولم يقتصر الأمر على نسيان خبرة الكومونة، بل إنما تعداه إلى تشويهها. إنهم لم يبينوا لجماهير العمال أنه تقترب الساعة التي يتوجب عليهم فيها أن ينهضوا ويحطموا آلة الدولة القديمة وأن يستعيضوا عنها بجديدة محولين بهذا الشكل سيادتهم السياسية إلى قاعدة لتحويل المجتمع على الأساس الاشتراكي، بل كانوا يلقنون الجماهير النقيض. وقد فسروا «الاستيلاء على السلطة» بشكل يترك ألف منفذ للانتهازية.
إن تشويه وإغفال مسألة موقف الثورة البروليتارية من الدولة لم يمكنهما إلاّ أن يلعبا دورا جسيما في الوقت الذي غدت فيه الدول، وقد قوت جهازها العسكري بنتيجة التنافس الإمبريالي، وحوشا حربية تزهق الملايين من الأرواح لكيما تحسم وتفصل فيما إذا كانت السيطرة على العالم لإنجلترا أو لألمانيا، لهذا الرأسمال المالي .
تنبيه إلى القارئ في الطبعة الأولى
كتب هذا الكراس في غشت وشتنبر سنة 1917. وقد وضعت منهاج الفصل التالي، السابع «خبرة ثورتي سنة 1905 وسنة 1917 الروسيتين». ولكن لم يتسن لي أن أكتب من هذا الفصل أي سطر عدا العنوان، فقد «أعاقتني» الأزمة السياسية، عشية ثورة أكتوبر سنة 1917. ومن شأن مثل هذه «العقبة» أن تدخل السرور فعلا على قلب المرء. ولكني أعتقد أني سأرجئ لزمن طويل الجزء الثاني من هذا الكراس (الذي يتناول «خبرة ثورتي سنة 1905 وسنة 1917 الروسيتين»)، إذ أن تطبيق «خبرة الثورة» أطيب وأجدى من الكتابة عنها.
المؤلف
بتروغراد
30 نونبر سنة 1917
كتب في غشت –شتنبر سنة 1917؛ كتبت الفقرة 3 من الفصل 2 قبل 17 ديسمبر 1918
صدر في سنة 1918 ببتروغراد في كتاب على حدة عن دار الطبع والنشر «جيزن أي زنانييه» («الحياة والمعرفة»)
ص ص 1-120
المجلد 33.
الملاحظات:
* إضافة إلى الطبعة الثانية.
* راجع مقال لينين «مسألة مبدئية» . الناشر.
* هذا المبلغ يعادل تقريبا، من الناحية الروسية، 2400 روبل ويقرب من 6000 روبل حسب السعر الحالي. ولا يغتفر قط سلوك أولئك البلاشفة الذين يقترحون، مثلا، أن تكون الرواتب 9000 روبل في بلديات المدن ولا يقترحون أن يكون الراتب الأقصى في نطاق الدولة كلها 6000 روبل، وهو مبلغ كاف.
* «في المواضيع الأممية من «الدولة الشعبية»». الناشر.
§ «بولشفيك» (بولشفي) اشتقاق من كلمة «بولشنستفو» التي تعني بالروسية «الأكثرية». المترجم.
* عندما يقتصر القسم الرئيسي من وظائف الدولة على الحساب والرقابة من قبل العمال أنفسهم، عندئذ تكف الدولة عن أن تكون «دولة سياسية»،عندئذ «تتحول الوظائف العامة من وظائف سياسية إلى مجرد وظائف إدارية» (راجع ما تقدم، الفصل الرابع، المقطع الثاني حول جدال انجلس مع الفوضويين).
•0 ثم يأتي في المخطوطة: •1 «الفصل السابع
خبرة ثورتي سنة 1905 وسنة 1917 الروسيتين
إن الموضوع المشار إليه في العنوان هذا الفصل من السعة بحيث يمكن وينبغي أن تكرس له مجلدات. ويتأتى علينا أن نقتصر في هذا الكراس بطبيعة الحال على الدروس الرئيسية التي تعطيها هذه الخبرة والتي تخص مباشرة مهام البروليتاريا في الثورة حيال سلطة الدولة » (وعلى هذا تنقطع المخطوطة) الناشر

انتهى مؤلف "الدولة والثورة" موعدنا مع مؤلف قادم من سلسلة " من أجل ثقافة جماهيرية بديلة" كمساهمة في تعميم الأرشيف الماركسي على حلقات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة