الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نسختان من إيران ومن خامنئي

كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)

2023 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


لم تعد “التقيّة” وحدها كافية لفهم طبيعة الخطاب السياسي الإيراني عندما يتعلق الأمر بالمحيط العربي تحديدا. هناك ما هو أكبر من “التقية” في السياسية الإيرانية المستمرة على إظهار عكس ما تبطن.
والأمر لا يدخل هنا ضمن مدارس الدبلوماسية. فالدبلوماسي يتحتم عليه أحيانا أن يتحمل مرارة تصريح مجامل وفق فن الممكن في العلاقات الدولية، غير أن إيران تجهر بصلافتها في مشروع الهيمنة على المنطقة، في وقت تتحدث فيه عن التواصل السلمي مع الجيران العرب.
وفق هذه الصلافة السياسية يمكن فهم التصريحات الأخيرة للمرشد الإيراني علي خامنئي وهو يحتفي مع الرئيس إبراهيم رئيسي وحكومته بمنجز سياسي، لا أهمية له في الشارع الإيراني الذي يعاني من القهر وشظف العيش.
خامنئي وصف الحراك الحكومي خصوصا ما يتعلق بالعلاقة مع السعودية بـ “جيد جدا” وقال “هذه السياسة التي اعتمدتموها وهي التواصل مع الجيران، ينبغي متابعتها. يجب ألا يكون لدينا جدال مع أي من جيراننا”!
كان رئيسي قبل ذلك قد قال، بأن بلاده لم تعتبر السعودية سابقاً عدوتها قط، وما زالت لا تعتبرها كذلك!
وإن لم يكن كلام رئيسي وخامنئي نفاقاً سياسيا مبتذلا وفق جملة وثائق ويكيليكس عن علاقة إيران بالدول الخليجية تتم بطريقة “يكذبون علينا ونكذب عليهم”. فهو يسخر من الحقيقة نفسها.
وتابع خامنئي “مهما كان الجدال فليتحول إلى تعاون. وهذا شيء ممكن وقد تم القيام به إلى حد ما، وينبغي القيام به لاحقاً”.
مرة أخرى دع عنك سياسة “التقية” الكامنة في كلام المرشد الإيراني، فهي تمثل كل مجده الطائفي والسياسي، إذا كان بمقدورنا تصنيفه ضمن السياسيين.
لكن وفق جامعي المؤشرات السياسية كلام خامنئي بشأن العلاقة السليمة مع الجوار العربي هناك ما يقابله في دور دولة مارقة لم تتراجع قيد أنملة عن مشروعها في الهيمنة على المنطقة.
وهناك قائمة أخبار سيئة جدا للدول العربية التي ترحب بكلام خامنئي وتستمر في غسيل السمعة لإيران كسوء تقدير سياسي. تبدأ من استراتيجية “قم أم القرى” التي تهدف فيها إيران إلى نقل مركز العالم الإسلامي من مكة إلى مدينة قم، ولا تنتهي بأذرعها الميليشياوية من الحشد الشعبي في العراق إلى حزب الله اللبناني وحتى الحوثيين في اليمن “هل نغض النظر عن خلايا إيران الكامنة في المنطقة الشرقية بالسعودية والبحرين والكويت”؟
هناك أيضا نسختان من إيران وفق تعبير حسين روناغي، السجين السابق والمدون الإعلامي اليوم. فهو أحد الشهود الأحياء الذي عاش التعذيب في سجون النظام. غير أن الدول العربية التي تقدم خامنئي اليوم كأب رؤوم وحليم على السلام في المنطقة لا تريد مشاهدة النسخة الصلفة من إيران، بينما طهران نفسها لا تخفي هذه الصورة.
تأمل ماذا قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بعد ساعات من كلام خامنئي، وهو يتواجد في دمشق العاصمة العربية التي ترى طهران أنها تحت حكمها “علينا أن نعرف فرص التفاعلات الخارجية واستغلالها في الوقت المناسب” مؤكدا على أنه ليس بمقدور أي طرف أن يقطع الطرق أمام إيران في إطلاله على المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان.
قبله كان إبراهيم رئيسي يتحدث بنفس تلك اللغة ومن دمشق أيضا بصوت عال وهو يربت على كتف الرئيس السوري بشار الأسد “لقد انتصرتم وعبرتم واجتزتم كل هذه المشاكل رغم التهديدات والعقوبات” وهو في حقيقة الأمر يريد أن يقول إيران من انتصرت عبر الإبقاء عليك، حيث صار طريق وزراء الخارجية العرب سالكا إلى دمشق وهي تحت حماية الحرس الثوري الإيراني، بذريعة إغلاق طريق الكبتاغون من دمشق إلى العواصم العربية.
من المفيد أيضا العودة هنا إلى ما نقلته صحيفة فايننشيال تايمز عن مسؤول سعودي قوله إن اتفاق بكين بين الرياض وطهران لم يضع إعادة سوريا إلى الجامعة العربية جزءا من الصفقة، لكنه أكد على أنه لم نكن سنصل إلى سوريا قبل مد يد العون لإيران!
هناك ما يشبه الكوميديا السياسية السوداء في هذا الكلام عندما تصبح طهران وسيطا في العلاقة بين الرياض ودمشق مثلا، ذلك ما أكده أيضا عبد اللهيان وفي دمشق بوجود “تصريحات إيجابية” صدرت من السعودية تجاه سوريا، وسيناقشها مع المسؤولين السوريين.
مع ذلك دعونا نبحث عمن يجيب، أيها السادة، عن سؤال: هل تمتلكون مؤشراً واحداً عن تراجع سياسة الهيمنة الإيرانية على المنطقة؟
من دون أن يشعر العرب بشأن خطورة ما تقوم به إيران في كل سياستها التوسعية، فإن سوء التقدير هذا يدخل المنطقة في مخاطر يصعب على العالم السيطرة عليها. وأكثر من يدفع ثمنها شعوب الدول العربية.
فإيران أسوأ بكثير مما يظهره كلام خامنئي لحد الآن، وما تقدمه وسائل إعلام عربية من غسيل سمعة سياسي له، تجعل من الخطر الإيراني أكثر قربا من عواصم الخليج العربي، الذي صار “فارسيا” وفي الرياض بصلافة عبد اللهيان!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-