الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانتظار القيامة

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2023 / 9 / 4
الادب والفن


أسراب القطا المهاجرة والأسماك المذبوحة في العراء كتلك الأجساد المغطسة بالدماء والتي تفوح منها رائحة العفونة ..كل ما فيها قد تغير.. ذلك السلام ..تلك الإيماءات في الوجوه والنظرات المبتسمة هربت مع من رحلوا من المكان..في المدينة البائسة المتضورة جوعا في المشرق والتي جعلت من ست الحسن مشعوذة وآمنت بتلك الغريبة لتحل محل الحكماء.. بل تمادت في غيها بأن آمنت بالخزعبلات وباتت سيرة الشيخ حسن ذلك المجنون الذي لم يكن غير أبله رُوج لبركاته ورحلاته في أسفار نشأت وماتت بين المقابر.. فجعلت له حظوة ومقاما يتبرك به الناس.. ولم يكن لأولئك الزاهدين إلا اليد الطولى في إبقاء هذه التجارة التي قد تكسبوا منها الكثير الكثير..وبات ما كان يمنح يوما للفقراء في الأعياد وليلة اكتمال القمر ضربا من النسيان.. أصبح أصحاب المنة والفضل رويبضة المدينة... وكل ما كان يملكه الشيخ الكبير مالا حلالا لتلك المشعوذة التي خلت بيتها رائجا للشعوذة والمشعوذين وأتت بالكثيرين من خارج المدينة ليفتكوا بالعباد ويعيثوا في الأرض فسادا وإفسادا دون أن يعرف أحد لهم أصلا ولا مكانا.. فتوات المدينة أصحاب السطوة فيها هذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها..ما فرضوه من إتاوات لم يكن أحد ليعارضه أو ليملك الشجاعة في مناقشته أو تجاوزه فنهايته محتومة ..ضربة سيف أو طعنة خنجر..مدينة اختلط فيها الحابل بالنابل ولم يعرف زمن السادة فيها من العبيد ..هي المدينة التي استباحت ست الحسن وفرطت بها وأحلت دمها بالأشهر الحرم..كم عليهم ليدفعوا ثمن ما اقترفوه بحق الأبرياء؟؟ لقد أصبحت تلك المشعوذة ملاذهم وملجأهم في بيان أمرهم ومسير تجارتهم والبحث عن الأمان لحياتهم.. كل كلامها وما يصدر عنها حرام مخالفته..فجورا كان أم رحمة؟؟ كلاهما انتهاك لقدسية المدينة الفاضلة..
لم يكن يدري أي منهم ما كان مصير كمال ذلك الشيخ الذي تقوص ظهره وضمرت عظامه من ذلك الماء الذي كانت تسقيه به.. إلى أن أفاقت المدينة يوما على ذلك اللون الأحمر الرائق الذي امتد مع امتداد النهر.. كان ذاك مقتله الذي صدقه أناس المدينة ولكنهم لم يلموا أنه قد اعجزها واعجز سحرها ..كل ما فعلته لينتهي وباء الفشل..فتواتها هربوا منه لما لقوه..جزع أصابهم..ترى لما كان كل ذلك..؟؟
لم تدر نفسها ولم يخفى عليها يوما شيء..لكنها أوجست خيفة أنه قد يكون عقابها وآية الله فيها هذه الحقيقة التي احتفظت بها في بئر عميقة.كان نبأ مقتله فاجعة لأهل المدينة الذين ارتبطت أعمالهم وتجارهم بازدهار تجارته ولكنه انتهى وآلت تجارته لاخيه وزوجته..حزنهم أبكاهم كان ذلك عندما اكتملت ليلة الرابع عشر وأقيمت الأتراح..وعمّ الحزن المدينة بأكملها بعد غيابه والغمامة السوداء هي من لفت كل شيء.. لكل الذين قتلوا وانتهكت حرماتهم..بعد أن دنست المساجد وداست النعال المصاحف واستعذب اغتصاب النساء..انقلاب الأمور هو رواية الضعفاء..
وهي تستلذ بأنها بقيت وحدها مالكة للأمر كله دون منازع وقد دنت الرقاب لها.. فعن أي نهاية ستسأل وقد عافت كل النهايات؟؟
عندما تذوب فيها شمس العصارى وقرص الشمس المنكسر يتموج وزفير المروج الشاحبة وقد مدت رأسها إلى البعيد حيث تحملها وصغيرها في الهودج..تلك القافلة الذاهبة إلى المغرب فتصر عينيها وقد بان لها من البعيد غيمة من الرمال وعجاجه.. ولم يتبق لها من النور إلا القليل لتراهم فيه.. عندما التفت إلى الوراء رأتها من ورائها كذلك.. فانتصبت بعيني الصقر الحائر ومرحلة القرار الصعب بين مخالبه متأملة ذلك المصير المفجع الذي ينتظرها ووليدها وهي بين فكي الموت يتصارع على مائدتها البائسة.. التي لم تحمل فيها غير هموم الدنيا وفواجعها.. قلبها الذي ربطت عليه..و لبن ثدييها المتجمد في العروق يأبى أن يقطر في ريق الصغير ما يرطبه الموت الذي فرت منه يلحق بها ومنتظرا إياها...
أي حال أسوء من أن تنتظر قاتلك؟؟!! هنيهات القرار لا تعطي مراحا للتفكير.. عليها أن تقرض الوقت كما لو قرضت ساعات من عمرها المنقضي.. تحزمت بالصغير امتد بين الضلوع كما لو ينبت نباته فوق الرمال.. ألقت بنفسها وإياه من فوق الهودج لتتدحرج وتخفيها الرمال الملتهبة ضامة يديها إلى صدرها..
أي مجازفة كانت وأي خطيئة أقترفت لإنهاء حياتهما معا ليتها كانت حياتها دون غيرها..؟! هروب طائش عثرة لعلها تصيب بها رهبة الهروب وقدسيته..
الحقيقة في أن تعمى الأبصار المتحجرة في رؤوس صلبة.. ولكنها تلك القلوب المغروسة في الصدور..لا يمكن لها أن تضيع بوصلتها البيولوجية لأن القلب وحده حارسها الشخصي.. وهو الرضيع مخلوق من دماء..عن أي حياة ستبحث هي من تريد أن تهب له طعم الحرية؟؟ وتمنعها بقوة دافعة لتحي وتميت في ذات الوقت المعادلة تبدو مستحيلة لكن بالنسبة لعينيها وقلبها فهما على نفس الطريقة يعزفان ذات النغمة والرتم الحزين.. وبنفس الحلف الذي لا يمكن أن يخطئ بؤرة الحقيقة..
النوارس تحلق من بعيد من فوق تلك الكثبان.. إنه الشاطئ المنقبض قلبه.. بعيدا وراء التلال وهي منزوعة الإرادة التي قد تهبها الظهور لتعلن إفلاسها وهي صائمة عن كل الملذات رغم ذلك الجسد النحيل الذي تجره كمركب قد نخرت أخشابه.. كل ما في الكون ليخلص إلى أسفل سافلين..لملمت جسدها واستغشت وراء الكثيب الرملي واستحلفت الباقية رمالها.. أن لا تنشر أوراقها مع كل هبة للريح العاصف التي ترفعها وتضرب بها أسافين بائسة يائسة تدكها إلى الأرض المزلزلة..
وي كأنه القبر لا محالة الذي تعيش فيه بانتظار القيامة..!!..
ليكفنها كل ما حولها وينجو الصبي.. ولتذهب هي دون نحيب ولا صباح.. كائنات المدى قد تمددت على جثث المنسحبين إلى ماوراء القضبان والزنازين.. أي أسى يهون عليها وهو عزاؤها؟؟ ماأدراها أهما ابتهالاتها الى السماء برفع ظلم العابثين واستغشت ثيابها لتغيب وليصمت الصغير وليذوب الجسدان الباليان تحت الرمال في العصارى الذائبة في الشفق الأحمر الذي انغمس بغشاوة تفضي على الغيب؟؟
لم يعد للخط الفاصل بين الصحراء الشاسعة والسماء ما يفرق بينهما قد تتعاقب الشهور والأيام وكذلك السنون قد تمشي على الجروح الغائرة.. وهي تضرب على الساق الميتة وقد تقطع اللحم الكفيف وتسقي الشفاه السقيمة وتنسيها ما كان.
وهي تسبح بقدمها المبتورة لجة البحر الواسع..
وهي تقطع السبل من درب إلى درب البحر المتعانقة جباله مع السماء والامواه المتقاطعة..
كل ما حولها له طاعونه.. لها ذائقته وشهوته في اللحم الهش.. في النساء والرجال في أن تمارس كل شذوذ مع الأجساد البالية.. المسلمة أرواحها لألهتهم هم...لكنها تستنطق رحمة السماء وقد تقاسمت على الكفر بها ولعنها وإراقة دماءها ألهتهم المتمردة ونمرودهم الجشع.. عينهم تخترق جسدها الغض تتلصص على فقرها لجسد رجل..ما تلتهمه عينهم منها من تحت الثياب الفضفاضة والأسمال البالية هو جسد لأمرأة..
أكانت هذه الحرية التي سعت للهروب منها ..من قدر الموت إلى قدر الإغتصاب..؟؟ عبودية جسد تحتضن الصغير وتختبئ وإياه وهي تمسك ضرعها الذي استقام بنحالة تغزر فيا الدماء البيضاء لتشبع الصغير...ولم يكن يخطر ببالها رائحة الجوع تغمسها في رغبة قاتلة لكسرة خبز.. لم تعد تملك زمردا ولا ياقوتا فقد دفعته لمرتزقة البحر وسادته الذين أنكروا حق الآخرين في أن يمنحوا حق اللجوء وحق الوصول دون أي التباس أو خلط بينهما..
أن يفيقا على ما هو أثقل من معدن النحاس وأخف من الحديد.. كان لديها الخيار في أن تبتذل جسدا باليا وفي أن ترقص في الحانات.. يمكن أن يكون قدرها في الأزقة مع المشردين.. مع صغير دون مال.. كل ما ورثته من اللاشيء دفن وإياها ست الحسن تحت تلك الكثبان في طريق الغياب..وقد حملت الريح من كل صوب حبات الرمال إلى حيث يمكن أن تغطيها عن أعين اللصوص..حين تبايعوا على قتل من في الفافلة لا يستثنون منهم أحدا..
من كانت في الهودج قد فرت خبر تناثر مع الكثبان المتهاوية لا يمكن الجزم في تكذيبه.. لقد تاهت في الصحراء.. ستقتلها الوحوش بلا ريب.. وساعة الحسم عندهم بالسيف وبالخيول يقطعون البحر التي تغرق فيه الحوافر.. وهي ما تدري بشيء مما حولها وقد نزلت عليها رحمة السماء آمنة ساكنة.. عندما تعاقبت آيات الليل والنهار لثلاث ليال وقد دنى ليل كانت ما زالت تستتر به وتتدثر بالكثيب الرملي.. إلى أن إنهار ..وانبلج عن لجته... لم ترو لها الرمال الكثير مما حولها ..فقد كان المشهد كافيا من رؤوس قد قطعت وفواجع قد أرسلت.. سُلبت عنوة إلى الرحمة الغائبة في الصدور الجافة الصلصالية.. أرضعت الصغير الذي بدا بين اليوم والليلة أكبر حجما ووزنا وكأن نساء الجنة أرضعنه من ماء الكوثر.. أرسلت طرفها إلى البعيد وحملتها قدمان عاريتان حتى وصلت إليها رائحة البحر وأصوات نوارسه التي لم تعد تهوى فراقها على الشواطئ ..بيد أنها لا تأنس المحبة التي برغم كل شيء تفر من بيت الأيدي المتشابكة..
كم ينبغي عليها أن تدفع كغريبة بين هؤلاء القوم.. أسفرت عن وجهها كما يفعلون واغتسلت بماء النهر الكئيب..ثم سارت إلى حيث تأمن مستقرا..!! لن يتلوها إليه أحد .. وصلت عابرة كل الأنفاق وقد تعلقت بالقطارات البخارية..كم مضى عليها لتقلق.. لتبث سير الرواة والمحدثين..!! لكنها فطمت الصغير وبعد ثلاث سنوات خطا خطاه البكر فيهن مبكرا.. وتتلمذ على الدين السماوىي وهو بعيد عن الثدي الذي ذاق منه.. لعامين وسكر..
تراودها ذكرى طمرها ووليدها في الرمال بهاجس لا يفارقها..يصيبها بجنون عندما غربت وإياه تحت الرمال المتحركة..
على الأغصان العارية تصطف الغربان ونعيقها بدا مألوفا لأناس مدينة البؤس في المشرق والأعجاز الخاوية على عروشها هي من تثير الرعب في البيوت الخربة فوق الرمال المتوهجة لا يبعدهم عن وهج النهار وقيظ الصحارى سوى المزيد من الكثبان والسياط وما يسمعونه من أصوات البنادق وملح البارود..
شيخ السوق يغدق بماله وكثيرا مما معه للفقراء من قوافله المحملة..وكمال يغدق بحساب والمشعوذة تغدق..بكل ما لم تره عين بما لم يخطر على بال أحد بأن بين تلك التجارة الكثير من أنواع الأسلحة التي لم ترها المدينة وملح البارود الذي هرب في براميل صغيرة قد وضعها تجار السلاح من الذين أبرمت الصفقة معهم عن طريق التراسل بالحمام الزاجل والذي روضته السيدة كبيسة ذلك الاسم الذي تعرف به بين التجار الذين بقيت اسماؤهم طي الكتمان.. يكفي المقطع الأول ليعرف بها.. فرت رقبتها من مقاصل السلطان الذي لم يعرف له قرار صائب بعد أن غمرته بحسناوات القصر وما اشتهى وغاب عن رعيته بالخمر بعيدا عن سلطانه ومسؤولياته.. ولم يكن رئيس بلاطه إلا عميلا مرتزقا من دماء الناس في المدن الخاضعة لسلطان دولته التي بعد وقت قصير ستؤول إليه في صفقة مع كبيسة..
حالة الفوضى وانعدام الأمن لم تكن قبل سنوات ليست بالبعيدة أمرا مألوفا.. بل كانت أمرا شائنا ويقام عليه الحد ومن يثبت متلبسا بالتآمر على مصلحة الدولة في إحداث الفوضى فإن أناس المدن أنفسهم يقيمون عليه الحد ويربطونه من بعد ذلك ببغل أجرب من خلاف وقد عري جسده إلا مما يستر عورته.. يطوف به في المدينة يلحقه الصبية والسفهاء بالحجارة والعصي والأذى حتى يغمى عليه من شدة ما قذف به وأدمى جسده .. ثم يلقى ببئر ماء قذر تملؤه اليرقات التي ما تلبث أن تخترق جسده من الجروح وتغلق بإحكام.. ثم يكشف عنه بعد عدة أيام وقد نفذت رائحته من الدمامل التي ملئت جسده والثآليل واليرقات تأكل منها ويؤتى بالزيت فتملئ به البئر وتشعل ليحترق جثة هامدة فلا يترك منه أثر.. ما كانت تسول نفس أحد من المدينة أو المدن الأخرى أن يقوم بعمل مخالف لتعاليم الدولة..مجرد التفكير بخاطر كهذا يميتهم خوفا و جزعا فكانت قناعتهم بأن سلامتهم من سلامة دولتهم وعدالة سلطانهم.. ولكن كان هذا قبل سنوات قليلة لم يعد الكثيرون قادرون على تذكرها وقد نسوا طقس الرابع عشر.. واكتمال القمر والاحتفالات والموائد كل ما كان بقي في طي النسيان..
لم يدر أحد سبب هذا كله ولكنهم رجحوا أن هؤلاء العبيد الذين قدموا مع القوافل التجارية التي كانت تأتي من بلاد ما وراء النهر ومن القارة السوداء هم من هربوا السلاح.. فالملونون جاؤوا وجاءت معهم حالة البلبلة.. فقامت أساطير وحكايات كل منهم جعلها الحقيقة دون غيرها.. فلم تكن هناك تجارة رائجة في ذلك الوقت إلا تجارة الشيخ ولكن الشيخ قد مات منذ زمن بعيد وابنته التي سكنتها الجن قد فرت معهم إلى بلاد بعيدة ربما بنتها تحت الأرض ..وأن الشيخ كمال الزوج المسكين.. الذي صبر على الشقاء وظلم زوجته ست الحسن له وما أسقته إياه من مشروب مسحور لتحيله وهو في الثلاثين من عمره عجوزا محدودب الظهر.. وقد حبلت بابن من قبل وأسقطته بعد أن عرفت أنه لم يكتمل بماء الجن..
ست الحسن هي سبب ما هم فيه ذلك السى والالم والجوع والرمال الملتهبة.. وهم لا يستبعدون أنها هي السبب وراء موت أبيها الذي لم يكن يشتكي من شيء.. لقد عضوا على أناملهم ندما أنهم لم يحرقوها وكتبها المدنسة وأراحوا انفسهم من شيطانة بملابس إنسية.. أريق دمها واستبيح عرضها وأن من يفتك بها له الجزاء الوفير..والعاقبة لها أنهم سيحرقونها..ولكنهم أولا سيحرقون كل كتبها التي جمعت من مكتبة المدينة الضخمة والمكتبات المنتشرة في البلاد والمدن الأخرى وبخاصة كتبها عن الفلك وعن حركة النجوم وكسوف الشمس وخسوف القمر وهذا الهراء الذي لا يمكنهم الموافقة عليه وتصديقه.. يريدون أن يحرقوا كل رذيلة ونجاسة لعل الأمن يعود إلى مدينتهم التي لم يستطيعوا قيام ليلها..أو نهارها..
الصلاة جهرا في نهارها.. فمن يجهر بالصلاة يقتل بسيف مسموم أو خنجر؟؟
المآذن هجرتها بيوت الحمائم وبيوض الثعابيين في محاريبها قد استقر مقامها..تساقط الأئمة واحدا تلو الآخر وساد الخوف والفزع في قلوب المصلين..ما عاد للمسجد وقار..فغلقت البيوت على من فيها وخلف المتاريس لم يعد يسمع صوت الآذان.. بل كان التسبيح باسم كبيسة صاحبة القدرة على عمل ما يقيهم من الشر شر الشياطين من الإنس والجان.. ويطيل في أعمارهم و إبقاء تجارتهم التي آلت إلى بوار..قصرالشيخ غدا لكبيسة دون غيرها حين لاذت ست الحسن بروحها قبل الجسد..
النواح يخترق الصمت المطبق على القصر وقت استحضار الجان فينادى في المكان ومن خلف الجدران "أن أفيضوا علي من الماء.." ما كانت الجان وما كان فتوات كبيسة وما كان العبيد..لمن كان ذلك الصوت الرخيم الذي ذوى من حنجرة مترفة بالأحزان والأوجاع ؟؟..فقط تلك الكومة الصغيرة من الجسد تعرف من صاحب الصوت ..صاحب النداء العقيم الذي يجلجل عرش كبيسة يوردها إلى الجحيم ثم ينتشلها منه..
غرف القصر الخمسون غدت مأوى للغجريات وللهنود وللفتوات لم يعد في البيت مكان للكتب ولا للأثريات لقد أصبح ثكنة للسحر والسحرة.. غير حجرة واحدة صغيرة لها كوة مطلة على النهر الذي استحال لونه إلى اللون الأحمر بقيت بعيدة عن الأعين والصرخات التي كانت تخترق الجدران.. لم يكن ليضج بها القصر والضرب على الدفوف ورقص الغجريات وغناء الحسناوات ذوات الشعر الأحمر والبشرة البيضاء والعينين الواسعتين والقناديل الناعسة المتدلية من الأسقف المزركشة والماء الذهبي الذي يحيل الشيب شبابا والخمر الذي تسكر به الأذهان وتختلط فيه الدماء والخوف الذي تمطره السماء.. ولا تغيض به الأرض تذهل عنه الأذهان وتشبع منه البطون وتحفظ التجارة بالنقود والدراهم..
ولكن الفقراء تسوى بجثثهم الأرض والشوارع الدقيقة التي لم تعد تخلو من الفئران والجرذان ومياه المجارير والروائح التي طافت لتحيل سماء المدينة إلى صفراء.. ما لا يعرفه أي منهم وقد غشيت قلوبهم آفة النسيان فما عادوا يذكرون سوى ما تأمرهم بها الشيخة سكينة وقد رقصت الغجريات على أنامل الدراهم ورنينها.. فلم يعد هناك أمر غير أمرها وبات مصير المدينة إلى الضياع.. عندما وجدت ست الحسن نفسها وحيدة وهي تساوم على بيع جسدها في تلك المراكب التي تتزاحم فيها الأجسام النحيلة والأثواب البالية لم تكن لتسمح به وقد ربطت وليدها على صدرها.. وكمال الذي نال من سعادتها ما كانت تحسب له الحساب.. كوة صغيرة تأذن لحزمة ضئيلة من الضوء المنكسر على زجاج ملون هي من تطرق عزلته وتديمه دون أن يتعفن..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب