الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضاء العراقي يضع الخطوة الأولى لإنشاء المحاكم الافتراضية

ماجد حاوي الربيعي

2023 / 9 / 4
دراسات وابحاث قانونية


(الاعمام بالعدد 1044/مكتب/2023)
أنشئ على ارض العراق اول محكمة بتاريخ البشرية في معبد (دب لاب ماخ)، الذي يقع في مدينة اور الاثرية، أحد اهم المدن السومرية الواقعة غرب مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار، وهو واحد من اهم المعابد في العالم كان أول بوابة لدار للقضاء في تاريخ البشرية، وبه نفذ قانون أور نمو، أقدم قانون شرع في التاريخ بقضاة ومرافعات، اي انه استخدم كأول دار عدالة في التاريخ. ومن شواخص أصالته القضاء العراقي مسلة حمورابي التي ارتفعت في ربوع بلاد الرافدين لتعلن نصوصا للعدالة وامتدت أهمية القضاء وسمو منزلته، فكلما بزغ نجم إنسان وعلا شأنه ونبغ في قومه، تولى الحكم والقضاء فيها، وأعطى الإسلام للقضاء منزلة رفيعة، وزاده تشرفا وسموا تولي الرسول الأعظم (ص) بأمر من ربه. واستمرت أهمية القضاء في العهود التالية لغاية الدولة العثمانية، وبتأسيس الدولة العراقية الحديثة، ظل القضاء يشق طريقه في إثبات كيانه المستقل، إلى صدور قانون الحكام والقضاة رقم ٣١ لسنة ١٩٢٩، وتوالت التشريعات الخاصة بالقضاء الى ان صدر القانون رقم ٢٦ لسنة ١٩٦٣ قانون السلطة القضائية، والذي أصبح بموجبه مجلس القضاء الاعلى هو من يباشر شؤون القضاء ويرأسه رئيس محكمة التمييز، وما لبث ان الغي ذلك في عام ١٩٧٧ وتم تشكيل مجلس العدل بديلا عنه. وبعد عام ٢٠٠٣ اعيد تشكيل مجلس القضاء الأعلى بموجب الامر رقم ٣٥ لسنة ٢٠٠٣، وكرس وجوده، بتضمين نصوص استقلال القضاء في الدستور ومن ثم قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017. هذا التاريخ العريق يوازيه حاضر مزهر ومستقبل واعد. بخطوة جادة من معالي السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى يضع الخطوة الأولى للإنشاء التدريجي للمحاكم الافتراضية، تتمثل بأصدر الاعمام المرقم 1044/مكتب/2023 في 7/8/2023 المتضمن الموافقة على الادلاء بالشهادة عن بعد باستخدام الوسائل الالكترونية (الفيديو كنفرانس) على ان يتم العمل بهذه التجربة في رئاسة محاكم استئناف كل من نينوى، بابل، ذي قار، البصرة. انسجاماً مع ضرورة مواكبة القضاء للتطور الالكتروني وتوفير المعايير الدولية. وهذا التعميم يعد بمثابة البدء بالعمل للإنشاء المحاكم الافتراضية. لا شك أن الطفرة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات أدت إلى تغييرات جوهرية في مختلف أنماط الحياة، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات، وأنتجت نوعاً جديداً من الاقتصاد يعرف بالاقتصاد الرقمي، الذي ألغى كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم. لقد أحدث الوباء تأثيرًا مستدامًا طويل المدى أدى إلى تغيير كبير في كل جانب من جوانب حياتنا الشخصية والتجارية. أصبحت اتصالات الفيديو الدعامة الأساسية لتمكين استمرارية الأعمال وطرق جديدة للقيام بالعمل. لم يعد الفيديو يستخدم للاجتماعات فقط. إنه ينتقل "من الاجتماعات إلى المهام" ويعمل على تشغيل التطبيقات لمجموعة متنوعة من حالات الاستخدام الرأسي. تعد المحاكم الافتراضية (اللفظ الأقرب وإن لم يلقَ قبولا بعد) مثالاً على كيفية قيام التعاون عبر الفيديو بتغيير طريقة إدارة العدالة، وهي تهدف إلى القضاء على وجود المتقاضي أو المحامي في المحكمة والفصل في القضايا على منصة افتراضية. وقد تم تطوير هذا المفهوم من أجل الاستفادة بكفاءة من موارد المحكمة وتزويد المتقاضين بوسيلة فعالة لتسوية النزاعات البسيطة. يمكن للقاضي إدارة المحكمة الافتراضية عبر منصة إلكترونية افتراضية، لن يضطر أي من المتقاضي أو القاضي إلى زيارة المحكمة فعليًا للفصل في الأمر والتوصل إلى حل فعال لن يتم الاتصال إلا في شكل إلكتروني وإصدار الحكم، كما سيتم أيضًا دفع الغرامة أو التعويض عبر الإنترنت. يمكن استخدام هذه المحاكم للتعامل مع القضايا التي قد يكون هناك اعتراف استباقي بالذنب من قبل المتهم أو امتثال استباقي للسبب من قبل المدعى عليه عند استلام عريضة الدعوى في شكل إلكتروني. ويجوز التصرف في مثل هذه الأمور بعد دفع الغرامة. تعتمد أنظمة المحاكم في البلدان المتطورة اليوم على التكنولوجيا في جميع جوانب إجراءاتها تقريبًا، إنهم يغتنمون فرصًا جديدة ويتبنون أحدث التقنيات لمواجهة التحديات التي طالما طاردت النظام القضائي. تتيح إجراءات المحكمة الافتراضية للمشاركين الاتصال من أي مكان باستخدام اجتماعات الفيديو ومشاركة المحتوى عبر شبكة آمنة والمشاركة بشكل عادل. تتيح جلسات المحكمة المختلطة لبعض المشاركين الحضور في المحكمة بينما يشارك آخرون عبر مؤتمرات الفيديو. قد أدت جلسات الاستماع الافتراضية والمختلطة إلى تمهيد أرض الملعب للجميع، مما أدى إلى إلغاء المسافات المادية وتكاليف السفر المرتبطة بالمحاكم الشخصية التقليدية، ومهدت الطريق لمحاكمات أسرع بتكاليف أقل، وتوسيع نطاق العدالة لتشمل الجميع بشكل منصف. يُعتبر "القضاء الافتراضي" استجابة طارئة لوضع قاسٍ. لكنه أيضا رؤية لطالما حاول المبتكرون في المجال القضائي تحقيقها بأن هذا الاتجاه الجديد لن يجعل المحاكم أكثر أمانا فحسب، بل أيضا "أكثر شفافية، وأكثر إتاحة، وأكثر ملاءمة وراحة". فلن يحتاج الشهود وأطراف الدعاوى بعد الآن إلى استقطاع ساعات من دوام عملهم أو المعاناة في الازدحام المروري، كما سيُتيح الأمر للمحامين الموكلين بقضايا متعددة التنقل من واحدة إلى الأخرى بلمسات على شاشات هواتفهم. ان أصدر مجلس القضاء الأعلى اعمام أعلاه بخصوص قبول الاستماع الى شهادة الشهود عبر (الفيديو كنفرانس) في بعض رئاسات الاستئناف يعد خطوة بالاتجاه الصحيح للبدء بتأسيس محاكم افتراضية بغية مواكبة التطور التكنولوجي في المجال القضائي، كما نود الإشارة الى ان المشرع العراقي قد نص في فقرة ثالثا من المادة (6) من قانون حماية الشهود رقم (58) لسنة 2017 على جواز عرض الشهادة او الاقوال بالوسائل الالكترونية او غيرها او تغير الصوت او إخفاء ملامح الوجه او غيرها. الا ان القانون المذكور كانت لغاية منه حسب ما هو وارد في الأسباب الموجبة تأمين الحماية اللازمة للشهود والمخبرين والمجني عليهم والخبراء ولعوائلهم ولضمان سلامة تقديم الأدلة والمحافظة عليها والكشف عن الجرائم والحيلولة دون العزوف عن تقديمها وانسجاما مع متطلبات الاتفاقيات الدولية. وانه حصر الامر فيما يتعلق بالقانون الجنائي دون غيره على العكس من الاعمام الصادر من مجلس القضاء الأعلى الذي جاء بصورة مطلقة غير مقتصرة على الجرائم. نأمل ونتوقع نجاح هذه التجربة بغية مواكبة التطور التكنولوجي للأنظمة القضائية في البلدان المتطورة، ولثقتنا العالية بقدرة وامكانيات ومهنية القضاء العراقي.
المدير المفوض
لشركة المسلة الدولية للخدمات والاستشارات القانونية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط