الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسد المعنّف 2

فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)

2023 / 9 / 4
الادب والفن


خطر لي أن أعود إلى حيزيّة. حيزيّة واسيني، وحيزيّة بن قيطون، وحيزيّة اسعيد وحيزيّة الرّواية الشّعبيّة أو الأصحّ الذّاكرة الشّعبيّة. هذا الخاطر استدرجني إلى تخوم كتاب للنّاقد عبد الدّايم السّلاّمي وكم وجدت عنوانه لافتا: "النّصّ المعنّف"! ونحتُّ على منواله الجسد المعنّف والنّصّ جسد أيضا كما الجسد نصّ أيضا.
كلّما صادفني الجدل التي تثيره رواية واسيني القادمة والتي موضوعها حيزيّة ازدادت رغبتي في الكتابة عن هذا الجسد. فالجدل واقع خارج فنيّة الرّواية التي لم تقرأ بعد وأيضا خارج علاقة الرّوائيّ بالتّاريخ وداخل جسد الرّواية التّاريخيّة او تلك التي تستند إلى التّاريخ وجسد حيزيّة الذي تحوّل إلى ساحة معركة بين الكاتب وجزء من جمهوره أو جمهور حيزيّة.
هل يمكن أن نقول أنّ الكتابة الرّوائيّة التي تستلهم من التّاريخ هي كتابة التّاريخ؟ أم أنّ الرّواية حتّى وإن استندت إلى التّاريخ فإنّها لا بدّ لها من الإحتفاظ بجنون التّخييل والتّخيّل والخيال الذي دونه لن تكون الرّواية رواية وبالتّالي فهي تعنيف لجسد التُاريخ حتّى لا يقع تعنيف جسد الرّواية؟ هل يمكن القول إنّ الكتابة الرّوائيّة وهذا الجسد موضوعها يعدّ هو الآخر تعنيفا له وربّما اغتصابا أو هو حالة تحويل له وتنقيل بين كونه أيقونة الفضيلة إلى كونه أيقونة الرٍذيلة إن صحّ القول؟
يحاول واسيني استرجاع هذا الجسد من الغياب ومن الموت فينبش التّاريخ والقبر والحكاية والشِّعر ليعيد تشكيل هذا الجسد من أجل- ربّما- تعرية الأنساق الثقافيّة التي كانت أداة وأد حيزيّة العاشقة، وحيزيّة الأنثى الممنوعة من الحبّ. هناك دائما قصص كارثيّة في حيوات النّساء تبدأ وتنتهي على مقاصل الأنساق.
أمّا لماذا يُرجم روائيّ بينما يٌُنزّه شاعر وكلاهما حوّل هذا الجسد عن ذاته وخصوصيّته إلى موضوع لا خصوصيّة فيه فيضعني امام السؤال الآتي: هل الرّواية أخطر من القصيدة؟ أم أنّ الرّوائي موصوم بالحقيقة بينما الشّاعر يرفعه الخيال والكذب الشّعريّ؟
واسيني أيضا لم ير جسد حيزيّة وهو يؤلّفه اليوم من خلال الحكاية والصّورة والقصيدة. بن قيطون تقول الرّواية الشّعبيّة أنّه لم ير هو أيضا جسد حيزيّة ولكن " أجمل الشّعر أكذبه"، فليكذب الشّاعر إذن فذلك من صميم الفحولة، وعلى الرّوائي أيضا أن يكذب فذلك من صميم الفحولة الرّوائية إذ لا يمكن البحث عن الصّدق في الشّعر وفي الرّواية أيضا. غير أن التّلقّي أو بعضه يدين الرّواية ويبرئ الشّعر.
حسب القراءات التي توصّلت إليها فإنّ حيزيّة توفّيت جرّاء مرض ألمّ بها حسب الرّواية الرّسمية وأمّا الرّوايات غير الرّسميّة والرّواية فهي تخبرنا أنّها ماتت أو ربّما أميتت بسبب قصّة الحبّ وما تلاها من شعور بالعار لحق العائلة والقبيلة وهو بالذّات ما يجعل الرّافضين لرواية واسيني يتحرّكون في دروب القتل المعنوي للرّواية وربّما أيضا للرّوائيّ. فهم إنّما تحرّكهم تلك الرّغبة الدّفينة في إعادة تعنيف جسد حيزيّة بل وقتله مرّة أخرى بقتل الرّواية الآتية.
ودون الدّخول كثيرا في مفاصل الجدل سأتوقّف عند نقطة واحدة هي تلك المتعلّقة بالرّجلين: اسعيد، ابن العمّ العاشق الحقيقي أو المحتمل وبن قيطون الشّاعر الشّيخ، العاشق الحقيقي أو المحتمل. ففي حين اكتفى الجدل بمسألة حقيقة عشق اسعيد لحيزيّة من عدمه فقد تغاضى على تذنيب اسعيد ومسؤوليّته في جعل جسد حيزيّة كما رآه أو كما اشتهاه نصّا مشتركا بينه وبين قيطون. وفي حين اكتفى الجدل بتثبيت صفة العفّة الملازمة لشخصيّة الإمام في الثّقافة الشّعبيّة وايجاد فتاوى الشّعر والفحولة الشّعرية لبن قيطون فقد تغاضى الجدل مرّة أخرى عن تذنيب بن قيطون الذي جعل من جسد حيزيّة مرمى لسهام الرّذيلة والفضيلة. كلّهم مذنبون أو كلّهم أبرياء في عرف الايطيقا ولكنّ حيزيّة وواسيني وحدهما المذنبان في عرف الأنساق الثّقافيّة.
حيزيّة وحدها التي يتمّ تعنيف جسدها بالقتل في كلّ مرّة وبمحاولة قتل من يحاول إحياءها، بينما يقع إحياء اسعيد ومنحه فضيلة أن يكون ضحيّة القبيلة التي منعته عن خيزيّة بسبب وضعه الاجتماعي الهامشي مقابل وضع عمّه، والد حيزية المركزي. يقع أيضا إحياء بن قيطون ومنحه وسام الفحولة الشّعريّة إذ يأتي بنصّ فارق. القبيلة لا تحاسب هذا ولا ذاك ولا تقتل هذا ولا ذاك. وحدها حيزيّة الجسد/الرّواية/النّصّ المعنّف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمر عبدالحليم: نجاح «السرب» فاق توقعاتي ورأيت الجمهور يبكي ف


.. عمر عبدالحليم: كتبت لفيلم «السرب» 23 نسخة




.. أون سيت - 7 مليون جنيه إيرادات فيلم السرب في أول 3 أيام فقط


.. لا تفوتوا متابعة حلقة الليلة من The Stage عن الممثل الكبير ا




.. بعد أن كانت ممنوعة في ليبيا.. نساء يقتحمن رياضة الفنون القتا