الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدام- الشخص والنموذج

أحمد السعد

2006 / 11 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا صدر الحكم على صدام بالأعدام شنقا حتى الموت وضد ارادته التى عبر عنها بانه يريد ان يعدم رميا بالرصاص على افتراض انه عسكرى دون ان يسأل نفسه هل كان عسكريا حقا ومن اعطاه رتبه العسكريه ونياشينه وأوسمته وميدالياته التى استحقها عن حروب خاسره وهزائم متلاحقه لكن ليس هذا هو المهم ! صدام انتهى كشخص منذ ان عثرت عليه قوات الأحتلال قابعا فى جحره تحت الأرض وأستسلم بذل لغزاة بلاده ومسقطى عرشه ، لكن السؤال المثار الآن هل انتهى صدام كنموذج وكمثال وكظاهرة ميزت تاريخ العراق الحديث وطبعت بطابعها القاتم ملامح مرحلة مهمه كان يفترض ان تكون مرحلة الأنطلاق الأقتصادى والثقافى والتنموى لتصل بالعراق الى ما وصلت اليه بقية دول المنطقة 0؟
صدام حسين لم يكن مجرد طاغيه ، بل كان مؤسسه رهيبه متكامله تستمد وجودها من الخوف الذى زرع فى قلوب الناس ، هذا الخوف الذى كان هو سلاح صدام ليبقى فى السلطه كل تلك المدة ويمارس بحرية تامه عملية تدمير العراق وجره الى وضع لا يحسد عليه من ضياع للثروات البشرية والماديه وتشتيت ابناءه وأضعاف قدراته العسكرية والاقتصاديه الى ان اوصله الى حافة الانهيار مما جعله لقمة سائغة للمحتل الأمريكى ليمرر بغزوه ايجندته الخاصه فى المنطقة 0
لقد اوجد صدام شرخا كبيرا بين ابناء الوطن الواحد وأوجد مشاعر للكراهيه والأزدراء والحقد والتباغض بين ابناء الشعب الواحد فلجأ الى تفتيت المجتمع العراقى ليسهل عليه اخضاعه تدريجيا فضرب القوى السياسيه والنقابات والتنظيمات الأجتماعية والمهنيه ثم التفت الى العشيرة فاضعف العشيرة العراقية وجاء بمن يضمن تعاونه مع الأحهزة الحزبية والأمنيه ووضعهم شيوخا للعشائر وأعطاهم درجات حزبية وأوكل اليهم مهمة تسليم ابناء عشيرتهم من الفارين من الخدمة او المنتمين الى الأحزاب والقوى السياسيه والدينية ثم اتجه الى العائلة العراقية فافسد عقول الأبناء وزرع فى ادمغتهم مفاهيم تكرس الروح الشوفينية والطائفية والعنجهية الفارغة وشعر الناس بأنهم مشتتون مبعثرون فى الأقبية المظلمة ملاحقون فى لقمة عيشهم مطاردون محرومون من ممارسة العمل والأرتزاق ، وشعر الوطنيون فى السجون والمعتقلات بأن الحياة انتهت ولن يجدوا ما يخرجون من أجله 0 صدام كان عقلية مريضة مدمرة حاقده على البشر تسلطيه يسكنها الشك والوهم والوساوس فلم يثق بأقرب الناس اليه 0
صدام انتهى كأنسان وكشخص ولكنه لم ينته كظاهرة وسلوك وممارسه وثقافه ، صدام يتكرر الآن فى عراق ما بعد صدام بوجوه وملامح جديده ولكن ذات الروحيه وذات الممارسه وذات الثقافه ثقافة الأقصاء والتشكك والأرتياب ونصب الشباك وتصيد الأخطاء والتسلق على الأكتاف وتحويل الهزائم الى انتصارات وقمع الرأى الآخر والتى تصل حد القتل 0 الممارسة ذاتها ، ذات الأستئثار بالسلطه والثروه والقوة والتشدق بالشعارات الوطنيه 0 سيموت صدام وسيخلف وراءه جيشا من الأبناء غير الشرعيين الذين رباهم على قيمه ، قيم العنف والغدر والجريمة ، قيم العجرفة الفارغة وترديد الهتافات والشعارات ، قيم حب الذات والنرجسيه التى تصل حد العبادة 0
أفرازات المرحلة الصدامية فى حياة العراقيين لازالت تتجلى فى نفسية الأنسان العراقى وفى طبيعة تفكيره ، فى مزاجيته ونرجسيته وأنانيته ، فى حبه للظهور والقفز على المراحل للوصول السريع الى الغايات ، فى تفاهة المحتوى
وخواء الداخل ، فى ضحالة الثقافة والأطلاع وسطحية التفكير ، فى التزمت والتمسك بالرأى حتى لو كان خطأ ، فى النظرة الدونية الى الآخرين والتسلط عليهم، فى حب القوة والسلطه والتهافت على المنصب والتسيد على الآخرين ، فى ممارسة العنف لمجرد العنف وأستعراض العضلات اللسانيه والجسمانيه ، فى أجترار الماضى والتغنى بأمجاد وهمية
وأنتصارات ليس لها وجود ، فى التمسك بمعتقدات لم تعد لها قيمة ومغالطة الحقائق والمعطيات ، فى انعدام النظرة الموضوعية الى العالم والحياة وتهميش الأمور الأساسيه والجوهرية والتمسك بالمظاهر الخاويه والشعارات الجوفاء التى عفا عليها الزمن 0 كم من الوقت نحتاج لكى نتحرر من هذه العقده التى سكنتنا عشرات السنين وتطبعنا عليها ؟ وكيف سنخلص اطفالنا منها ونفتح أعينهم على القيم الصحيحة التى تمنينا دائما ان تسود مجتمعنا الطيب ؟ وهل نستطيع فى ظل كل التناقضات التى يشهدها الشارع وكل المآسى والدماء والخوف ؟ معاول الهدم لازالت تهوى على ما تبقى للعراق من مدنية وتحضر وتأتى على كل قيم الجمال والحب والفن والأصاله لتحل محلها قيم الخوف والرعب والظلام
قيم الممنوع والحرام والعيب ليجثم فوق صدورنا كابوس جديد اكثر ظلامية من كل عهود الظلام التى مر بها العراق
وكم نحتاج من الوقت لنعيد علاقات شعبنا بالشعوب المجاورة ونقيم علائق حسن الجوار والمصالح المشتركه ونزيل الأحقاد والحساسيات ونجعل انساننا كريما يحمل له الآخرون التقدير والأحترام بدل ان يكون متسربلا فى مدن الغربة ضحية للمعاملة السيئة والازدراء 0؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في