الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السواد والمرأة ديوان -في الماء دائما وأرسم الصور- زياد العناني

رائد الحواري

2023 / 9 / 5
الادب والفن


أن نجد من كتب قصائد الومضة قبل ما يزيد على العشرين عاما فهذا يمثل ظاهرة إبداعية، حيث لم يكن هذا الشكل من القصائد قد ظهر وأثبت مكانته في الساحة الأدبية، فتقديم ما هو مخالف لما هو سائد يمثل تمرد وهذا ما يجعل صاحب المبادرة يتعرض لانتقادات كثيرة يمكن أن تؤدي به إلى الموت الأدبي، لكن يبدو أن "زياد العناني" أراد أن يقدم (وجهة نظره) في الحياة وفي الأدب من خلال: "في الماء دائما وأرسم الصور".
وبما أن الواقع العربي بائس فنجد فكرة السواد حاضرة في العديد من الومضات، لكن الشاعر لم يكتفي بالمضمون القاتم الذي قدمه، بل أوصل الفكرة للقارئ من خلال الألفاظ المجردة أيضا، وإذا علمنا أن الومضة بطبيعتها تأتي قصيرة ومختزلة ومكثفة، نصل إلى الفكرة من خلال قلة/ قصر الكلام، فالشاعر يظهر سخطه من وعلى الواقع بعدم رغبته في الإسهاب في الحديث، مكتفيا بإشارات تشير إلى الفكرة التي يريد تقديمها:
"(30)
كلما
صادف الشارع
أعمي
قال: أف
وتنحى" ص40.
فكرة الموضة متعلقة بطريقة تعامل (الشارع) غير الإنسانية مع الأعمى، ونجد ألفاظ قاسية تتمثل في "أعمى، أف، وتنحى" فهذه الألفاظ بمعناها المجرد تعطي القارئ نظرة سوداء عن مضمون الومضة، وإذا ما توقفنا عند عددها سنجدها سبع كلمات، وهذا أيضا يشير إلى امتعاض الشاعر وعدم رغبته في الحديث، فكلمة "أف" تبدو وكأنه خارجة من الشاعر وليس من الشارع.
فكلمة "أف" التي أطلقها الشارع نجد صداها عند الشاعر الذي يتأفف من الموقف غير الإنساني تجاه الأعمى، فبدا تأفف الشارع يعود عليه بتأفف الشاعر، وكما تنحى الشارع عن الأعمى تنحى الشاعر عن الشاعر وأنهى المشهد بسرعة.
"(31)
المقبرة
هدوؤنا الدائم" ص41.
بثلاث كلمات أوصل الشاعر فكرة قرفة من الحياة، وبما أنه افتتح الومضة ب"المقبرة" التي عرفها، وهذا له مدلول أنها تعيش فيه ويعيش فيها، من هنا لم يرد الإكثار في الحديث فظهرت مشاعره ليس في المضمون فحسب، بل في قلة والكلمات التي تحدث بها أيضا.
أسباب هذا الموقف مكن الحياة يوضحه الشاعر في ما هو أت:
"(32)
ثمة
مدن
يهدمها الزلزال
+
أنا المدينة
التي
ذاقت خراب
الأصدقاء" ص32.
اللافت في هذه الومضة أن الشاعر (يضخم) نفسه مشبه حاله بالمدن الخراب، فبدا وكأنه يذكر القارئ بمدن الملح/التيه/الظلمات، فهو خرب كحال تلك المدن، وبما أنه انتحل شخصية أنثى "أنا المدينة" وهذا جعل المتلقي يتعاطف معه أكثر، لضعفه ولخذلان الأصدقاء له.
ومن مشاهد الألم يقول:
"(41)
بي
تزدحم القوافل
قائلة:
إلى الرحيل
إلى الرحيل" ص51.
إذا ما توقفنا عند هذه الومضة التي تتحدث عن الرحيل/الهجرة وما قبلها التي تحدث فيها عن خراب المدن، نصل غلى أن الشاعر كان صاحب نبوءة/كرامة يعرف ما سيؤول عليه حالنا في المنطقة العربية من خراب وقتل وتشريد وهجرة، من هنا تم تكرار "إلى الرحيل" واستخدام "قوافل" بصيغة غير محددة.
المرأة
ضمن هذا الواقع الأسود لا بد من وجود شيء (يعين) الشاعر على كتابة هذه الومضات وتحذير القارئ بما سيكون عليه الحال إذا ما استمر الواقع على حاله، من هنا كانت المرأة ملاذ الشاعر ومن تمنحه القدرة والقوة على تقديم ما يريد طرحه:
"(12)
وأرتوي
من بئرها الذي كان مرآتي
ها أنا
في الدلو
أهبط
ثم أصعد
ثم أسرى
في العروق اليانعات" ص19.
إذا ما توقفنا عند الألفاظ سنجد لمسة من البياض تكمن في: "أرتوي، اليانعات" وبما أن الشاعر افتتح الومضة ب"أرتوي" وهذا له علاقة بالماء/بئرها/الدلو، فكانت الخاتمة "يانعات" منسجمة ومتصلة مع الفاتحة.
هذا على صعيد دلالة الألفاظ المجردة، لكن هناك إيحاء تحمله الومضة والمتمثل بالحركة الجنسية: "أهبط، أصعد/ أسري" وما استخدامه "أرتوي" إلا إشارة إلى اخذ حاجته منها.
إذا كانت هذه الومضة متعلقة باللقاء الجسدي والرغبة فيه، فهناك جانب روحي/عاطفي يتمثل في صوتها:
"(19)
مصل ساحر
أحبس أصوات الخليقة
في شخص الأثير
وأترك صوتك الناعم
للغناء" ص28.
هناك أربعة ألفاظ متعلقة بالصوت" أصوات/صوتك، الناعم، للغناء" وهذا يخدم مضمون الومضة الأبيض، فالشاعر عندما ركز على صوتها بعد أن أستخدم القسوة "أحبس" تجاه الآخرين، أشار إلى حالة الانسجام والوحدة بينهما، فكان (غناؤها) له وحده ولا يشاركه أحد فيه، من هنا جاء البياض في غالبية الألفاظ.
الديوان من منشورات أمانة عمان الكبرى، الطبعة الأولى 201.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب