الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دين الشارع ودين القصر

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2023 / 9 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


دين الرعايا ودين الحاكم بأمر الله
" البوليس السياسي لا يزال يقطع الكونكسيون عن منزلي ، لحيلولة دون اشتغالي . ساضطر للخروج لإرسال هذه الدراسة من مقهى اومن Cyber "
عندما نتحدث عن الدين المجال الثيوقراطي للحاكم بأمر الله ، والمحكومين ، أي الرعايا المصطفة حول الشعارات ، وحول التقاليد البالية ، فما نقصده ليس العقيدة ، او الايمان ، او التدين بشكل عام .اي علاقة الانسان الوجدانية ، والروحية ، بما يعتبره مقدسا تقديسا مطلقا ، هذه البنية التي تشكل خصوصية وعيه ، بالكون والطبيعة والمجتمع ، تخصه وحده ولا تخص غيره .
لكن ما نقصده ، هو التجلي العملي النسبي لهذه العلاقة ، في صور مختلفة من الوعي ، والممارسات الاجتماعية ، وخاصة في مجالي السلطة السياسية ، والنظام الاجتماعي .
هنا نجد من المفيد والاهم ، ان نتساءل عن دلالة الدين الإسلامي في البنية السياسية المغربية ، ودلالة السياسة في الحركة الإسلامية المغربية ، وحركات الإسلام السياسي ، وهو ما يتجلى ظاهريا بوجود خطاب سياسي ، وخطاب ديني ، وهو ما يجعلنا نتساءل عن ماهية أوجه العلاقة بينهما ، ومن يستأثر بالساحة ويفعل فيها ، وما هي أوجه التعارض بينهما ؟ .
نستطيع في البداية ان نميز الممارسة الدينية في مجالات ثلاث :
-- المجال الأول هو ما نسميه بدين الشارع الذي تغْلب عليه العفوية والعاطفة ، والانسياب وراء الأساليب اللاهوتية ، من دون تحديد سقف لهذا الانسياب الاعمى ، الذي تفعل فيه الطقوس واساطير الاولين ، ونسميه كذلك بدين الرعية التائهة ، والفاقدة لبوصلة الاتجاه الصحيح ، والتي ليس لها من الدين والتدين ، غير المظهر ، ونشوة الظهور بالتمسك بالتقاليد المرعية ، والغوص في المحافظة على الطقوس الشعبوية ، ونسمي هذا النوع من الإسلام ، بإسلام الكذب والنفاق .. مثلا صلاة التراويح في رمضان .. أخذ الكلمة بدون استئذان في المآثم كما في الافراح ، من قبل قوم جهلة منافقون محتالون ، يستعملون الدين للتعيش ، وللتمايز مع الرعايا الجاهلة . هؤلاء يكونون مضبوطين عند اقسام الشؤون العامة بالولايات والعمالات ، ويستخدمونهم كرقاصين في جلب الاخبار ، ويستعملونهم كذلك في تنويم وتبنيج الرعايا بالطقوس المخزنية ، وحتى لا يميلون الى مواقع او قلاع ، اخذت لها مسافة من دين القصر ، ومن دين الملك الذي يدعي انتسابه الى النبي ... الخ .
-- المجال الثاني ، هو مجال دين القصر ، وطبعا دين الملك الذي يدعي الامامة العظمى ، ويدعي انه امير الامارة ، الراعي للرعايا في دولة رعوية بتريركية ، بتريمونيالية ، طقوسية ، غارقة في التقاليد المرعية ... الخ . فدين الطقوس المرعية البالية ، هو تركيع الرعايا ، والرعايا الممتازين Les supers sujets ، والخُدّام باسم خدام الدولة الذين يبقون من فوق الرعايا التحتية ، ويبقون فوق الرعايا الممتازين Les supers sujets ، من الاعيان ، ومن الموظفين السامين بإدارة الملك بالديوان الملكي ، من وزراء الملك ، وبرلماني الملك ، الذين نجحوا في انتخابات الملك ، لتزيين الواجهة امام العالم الغربي ، الذي يعرف من الاسرار عن الدولة المخزنية ، ما يجهلها المقربون من الملك من مختلف الأوساط الاجتماعية . فتغليف المجتمع كي لا يرى النور ، ويعرف حقيقة التناقض الصارخ الذي يبعده عن مركزية القرار ، يبقى دين القصر او الدولة العلوية ، الذي يعتمد عليه الدكتاتور الطاغي ، لتأبيد وتزيين حكمه المطلق المستبد ، وحتى يعطيه شرعية النهب وافتراس ثروات الرعايا المفقرة ، وارزاق الرعية بدون حسيب ولا رقيب ..
-- المجال الثالث ، هو مجال الدين السياسي ، المنافس الوحيد والقوي لمجال دين القصر ، ودين الحاكم فوق رأس القصر في تمثيلية المجتمع ( المؤمن ) . فالتنافس بين الدين الرسمي والدين السياسي الذي تمثله حركات الإسلام السياسي المختلفة ، موضوعه مجال دين الشارع ، أي مجال الدين الشعبي الذي يوظفه لخدمة غايات تخدم مصالح النظام الكمبرادوري ، البتريركي ، البتريمونيالي ، الرعوي ، الثيوقراطي ، الأوتوقراطي ، الناهب للثروة وللخيارات ، التي ليست هي ثروته ولا خيراته ، لأنها ثروة وخيرات الرعايا المفقرة .. أي الدين الممسوخ . وتخدم مصالح منظمات الإسلام السياسي الرجعية ، والفاشية التي تتوق لدول الخلافة الإسلامية ، كنظام فريد من نوعه في التاريخ . وسنتوسع بعض الشيء في تحليل كل مجال من هذه المجالات .
أولا . دين الشارع الذي يسمى بدين الرعايا ، ومجاله يعني الممارسة الدينية اليومية ( للشعب ) ، الرعايا المتمثلة من الناحية العملية ، في ممارسة الطقوس الدينية المختلفة ، ومن الناحية المعنوية ، في المفاهيم والقيم الدينية السائدة ، والمتداخلة في اشكال المعاملات ، والأنشطة ، والأعراف الاجتماعية ، واشكال السلوك الأخلاقي . على ان هذه الممارسات الشعبية الدينية الطقوسية تختلف ، وخاصة في جانبها الفكري والقيمي ، باختلاف الفئات الاجتماعية والمهنية ، وهي مرتبطة ارتباطا عضويا مباشرا بالممارسات ، والعادات الحياتية اليومية ، فضلا عن انها ثمرة تراث تاريخي عريق ، وانْ تكن لها قسماتها الخاصة ، التي تميزها في كل مرحلة من المراحل الاجتماعية والتاريخية ، ويغلب على هذه الممارسة الدينية الشعبوية بشكل عام ، طابع المحافظة والخوف ، بل طابع التواكلية والقدرية . بل انّ الخرافة والاسطورة في غالب الأحيان ، تتداخل فيها المفاهيم ، والقيم الدينية الاصلية النصية ، مع خبراتها ، ومصالحها ، واوضاعها الاجتماعية المزرية السائدة ، لتشكل منطقا داخليا متسقا ووحدة مفاهيمية خاصة .
وبرغم طابع التسامح ، والتساند ، والتضامن ، والتراحم ، والاخوة الأخلاقية الذي يتسم به الدين الشعبي ، او دين الشارع في المعاملات ، على المستوى الفردي ، والعائلي ، والاجتماعي ، فإنه يتناسج أيديولوجيا من حيث المفاهيم ، والقيم ، والسلوك مع الأنسقة الاجتماعية السائدة ، سواء كانت أنسقة ما قبل الرأسمالية ، او الاقطاعية ، او الرأسمالية التجارية ، او الطفيلية ، او الرأسمالية المشوهة بشكل عام .
ويشكل الدين الشعبي او دين الشارع ، الأساس الذي ترتكز عليه السلطة السياسية في ترسيخ مصداقيتها ، ومشروعيتها المتأزمة في الحكم . ولهذا تحرص دائما على احتواءه ، وإعادة انتاجه ، وتكريس طابعه المحافظ ، لتسود المسكنة والدروشة ، وإزالة أي تناقض بين ايديولوجيتها المعلنة ، والمفاهيم ، والقيم الدينية الشعبوية السائدة ، التي تعمل على تطويعها لخدمة ايديولوجيتها الخاصة ..
حقا ، هناك تناقضات بين القيم الدينية الشعبية السائدة ، وخاصة الأخلاقية منها ، وأساليب عمل أجهزة الدولة السياسية والإدارية ، او بين بعض القيم الدينية الشعبية السائدة في البادية ، وبعض القيم الدينية السائدة في المدينة ، او بين بعض الفئات الاجتماعية ، من عمال ، وفلاحين ، تجار ، وبرجوازية كبيرة ، وفئات برجوازية متوسطة ، وموظفين ، ومثقفين ، ومنتسبين الى الوظائف الصوفية المختلفة الى غير ذلك ... الاّ ان هذا التناقضات ، لا تمس مجمل وجوهر البنية الدينية الشعبية ، التي تسعى المؤسسة السياسية الرسمية ، الى ان تحافظ على وحدتها ، وان تتلاءم معها ، فضلا عن تطويعها لخدمة مصالها كما سبق وان اشرنا أعلاه ..
على انه اذا كانت المؤسسة السياسية الرسمية ، تستند الى الدين الشعبي لترسيخ مشروعيتها ، وتقوية سلطتها المتأزمة بسبب الاستبداد والطغيان ، ونهب ثروات الشعب الفقير والمفقر ، فان الحركات الدينية السياسية المعارضة ، بشكل او باخر ، للمؤسسة السياسية الرسمية ، تجد في البنية الدينية الشعبية سندا كذلك ، لتعميق ايديولوجيتها ، وتعريض جماهيريتها في معركتها مع النظام ، من اجل إقامة سلطتها وحكمها الإسلامي . وهكذا يصبح الدين الشعبي دين الشارع ، ساحة للصراع السياسي والتناقضات الاجتماعية من منطلق ديني صرف وخالص ..
انّ هذه ، بعض المؤشرات العامة لظاهرة الدين الشعبي في دلالاته ، وارتباطاته ، وانْ يكن الامر يحتاج بغير شك الى دراسات ميدانية اجتماعية معمقة .
ثانيا . اما فيما يتعلق بالدين الرسمي الذي هو دين الدولة العلوية الذي يستند عليه النظام المخزني في تثبيت دعائم حكمه البوليسي الرجعي ، فيتمثل في المؤسسة الدينية التي تعد جهازا من أجهزة الدولة الأيديولوجية ، واداة من أدوات سلطتها الجبرية ، ودعامة أساسية من الدعائم المؤسسة لمشروعيتها المشكوك فيها .
فدين الدولة هو الإسلام ، ولهذا فهناك ( امارة امير المؤمنين ، ونظام عقد البيعة لا نظام الدستور ) ، وهناك المجالس العلمية ، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . وهناك البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون ، والاعلام الصحفي ، والتعليم الديني في المدارس ، والاتجاهات الدينية في العديد من الأنشطة ( الثقافية ) في مجال حفظ القرآن ، ومسابقات رمضان ، والتجويد والتلحين ، والأفلام الدينية ، الى جانب الأعياد الدينية التي يلفها النظام بالمشاركة المباشرة في طقوسها ، كعيد مولد النبي .. وقناة محمد السادس للقرآن ، ثم هناك الوصاية على التشويه الديني الممثل في الطرق الصوفية الرجعية ، ومنها البوتشيشية ، حيث تصرف ملايين الدراهم كهبات من الملك ، لفائدة الزوايا التي وظيفتها المزيد من التضبيع والتبنيج وتكْليخ الرعايا ، والتحكم في الرعاع ، وتوجيههم عند الضرورة كشباب ملكي ، لمواجهة الهبّات الشعبية ، ومواجهة خرجات احرار وشرفاء الشعب .... لكن التاريخ علمنا ، انّ هذه الجحافل المصطنعة ، هي اول من سينقلب على النظام انْ اصبح وضعه مهزوزا ، ووجوده قاب قوسين او ادنى ، انّ من يردد اليوم ومن دون شعور كالببغاء ( عاش الملك ) بدافع الجوع ، والخوف ، والتردد ، والفقر ، والحياة التعيسة ... ، سيكون اول من سينتفض ضد التجويع المسلط عليه ، وضد الحگرة ، وضد الفقر والتفقير ، وسيرفع شعار يسقط الملك ... الخ .
في الدولة النيوبتريركية ، النيوبتريمونيالية ، الدولة الرعوية ، الثيوقراطية ، الناهبة والمفترسة لثروة المفقرين ، سنجد ان الدولة تسيطر على معظم المؤسسات الدينية ، سيطرة فكرية مخزنية ، وبأساليب بوليسية ، لان الدولة البوليسية ، تتصف بالاجتهاد في انتاج الأساليب البوليسية ، لمواجهة الإشكاليات التي لا تطيقها ، وترويض الناس على العبودية ، دون ان ينبسوا ببنت شفة على حقوقهم المهضومة .. فالسيطرة المخزنية البوليسية الى جانب السيطرة الفكرية ، تمتد لتشمل السيطرة على المجال الإداري بكامله ، وتسخير كل الجديد المُبوْلس ( البوليس ) ، لبقاء العلاقة بين الحاكم والمحكومين ، علاقة رعوية ، السيطرة فيها طبعا الراعي الكبير ، على رأس الدولة الرعوية . ولهذا تعتبر المؤسسات الدينية ، مراكز لنشر الثقافة الرعوية النيوبتريركية ، والنيوبتريمونيالية ، ومراكز توجيه ودعاية ، لسياسات الدولة بشكل مباشر أحيانا ، فيما تتخذه من مواقف ، وقرارات صريحة رجعية في الشؤون السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وبشكل غير مباشر في اغلب الأحيان ، فيما تتخذه من مواقف وقرارات في شؤون دينية خالصة . ولهذا ، فهي غير منفصلة عن السياسات الرسمية للدولة التقليدانية والطقوسية ، رغم محاولة السلطة السياسية ان تقدم نفسها دائما ، باعتبارها مجرد سند ، وحارس ، وداعم ، او خادم لهذه المؤسسات الدينية من ناحية ، ومحاولتها إضفاء طابع الاستقلال الذاتي على هذه المؤسسات من ناحية أخرى .
ثالثا . على انه خارج هذه العلاقة الرسمية بين الدين والسياسة ، تقوم علاقة أخرى غير رسمية ، تتمثل في الحركات الدينية الاسلاموية المستقلة تنظيميا ، عن المؤسسات الدينية المخزنية ذات التوجيه والدور البوليسي الطقوسي ، الذي يعد بمستوى او آخر ، قوة معارضة فكرية وعملية للنظام المخزني البوليسي .
ان هذه الحركات التي تمثل حركات الإسلام السياسي ، تتمثل اليوم في " جماعة العدل والإحسان " ، كأقوى تنظيم سياسي اسلاموي اخواني ، والحركات السلفية المناهضة لإمارة ( امير المؤمنين ) ، والمعارضة للدولة المخزنية العلوية . وهناك طبعا ما يوحد بين " جماعة العدل والإحسان " ، وبين الجماعات الإسلامية المختلفة ، وإنْ كان هناك ما يفرق ويميز بينهما . فكلاهما يستهدف إقامة سلطة سياسية دينية اسلاموية ، وكلاهما يختلف الاختلاف الجذري مع الحضارة والمدنية الغربية المعاصرة ، ويتطلع الى إقامة حضارة أخرى بديلة ، كلاهما ذو رؤية غير تاريخية للفكر ، والقيم ، والواقع الاجتماعي ، الاّ ان " جماعة العدل والإحسان " ، وخاصة في بدايتها ، كانت تسعى لتحقيق الأهداف المسطرة ، وبمنهج متدرج ، في غير تعارض ، او تصادم مع السلطة السياسية ، والنظام القائم . ولهذا فقد ظلت تحرص على عدم ازعاج النظام ، او التصادم معه .
لكن بالرجوع الى تاريخ " جماعة العدل والإحسان " منذ بداية سبعينات القرن الماضي ، فباستثناء بعض الحملات التي عرفتها الجامعة المغربية ، بسبب ما أسْموه بتطهير الجامعة من الشيوعيين ، ومن الملحدين ، وهي نفس المعركة قادها هؤلاء في مواجهتهم للاسلامويين بمختلف مشاربهم ، فان علاقة الجماعة بالسلطة ، وإنْ كانت تتخللها بعض التشنجات ، الاّ انها من حيث الاعم ، كانت مفيدة للنظام المخزني ، ولدراعه البوليس السياسي ، والجهاز السلطوي الطقوسي الذي تمثله وزارة الداخلية .. ان هذه التشنجات لم تكن تفيد فقط الجهاز المخزني البوليسي ، بل كانت تفيد حتى الجماعة ، عندما نسقت مع البوليس السياسي ، والإدارة السلطوية الطقوسية عند ضرب حركة 20 فبراير ، بالتنسيق مع النظام المخزني البوليسي ، وهو ما فضحته السيدة نادية ياسين بمقبرة ( الشهداء ) ، يبقى دليلا ساطعا على استعداد الجماعة لتصطف الى جانب النظام ، كحزب الجواسيس " حزب العدالة والتنمية " ، إنْ تحقق لها بعض المطالب بخصوص البيعة ، وبخصوص الدستور .
كما ان الجماعة وفي علاقتها مع النظام ، استفادت كثيرا عندما مكنها من استغلال حركة 20 فبراير ، لتعريض قاعدتها بشكل نسبي ، والتعريف بها كفاعل سياسي مهم للنظام ، وللمعارضة للنظام من أحزاب الإسلام السياسي ، الى التنظيمات اليسارية الجذرية التي تشتغل على مشروع اسقاط الدولة ، وبناء مكانها الجمهورية الديمقراطية الشعبية ، وهو ما شجع الجماعة على الخروج مبكرا من حركة 20 فبراير ، بمجرد إشارة بسيطة من النظام ، تاركة حزب اليسار المعتدل " النهج الديمقراطي " يتعرى وتفتضح قوته ، مع الشعارات التي رفعها ابان اوج قوة حركة 20 فبراير . فخروج وانسحاب الجماعة من حركة 20 فبراير ، ترك الحركة من دون سند ( جماهيري ) ، لتعريض قاعدتها تحضيرا ليوم النزول الذي لن يتحدد تاريخه بعد .
إذا كان النظام من خلال دينه الرسمي ، يجهد للتحكم والسيطرة على الدين الشعبي ، دين الشارع الخرافي ، لتقوية وجوده وتثبيت سلطته ، حتى يستمر في احتكار ونهب الثروة والجاه والنفود ، فهل معارضة هذا النوع من الحكم الدكتاتوري ، لا تكون الاّ من خلال الجري نحو نظام الخلافة ، او الحكم الاسلاموي الرجعي ، او الجمهورية الاسلاموية ؟ .
فما معنى ان تخرج من دكتاتورية استبدادية طاغية تحكم باسم الدين ، لتدخل وتجد نفسك تعيش في ظل دكتاتورية اسلاموية ، فاشية ، اقبح وابشع من النظام المخزني البوليسي ؟
في بلادنا لا توجد للأسف ، معارضة دينية مستنيرة ، واعية بحقائق المجتمع والعصر الذي نعيشه ، وملتزمة بهوم الشعب ، رغم انه قد تظهر هذه المعارضة من خلال بعض الكتابات لأصحابها كمثقفين ، والمتناثرة هنا وهناك ، لكن الحقيقة لا توجد كحركة سياسية منظمة وتقدمية ..
فلترتبط السياسة بالدين ، وليرتبط الدين بالسياسة ، فهذه ليست هي القضية ، وانما القضية ان يتحقق هذا لمصلحة تغيير الحياة الإنسانية ، وتجديدها وتقدمها ، لا لتجميدها ، وتكريس تخلفها ، وتغييب حقائقها ، وإطفاء مشاعل العقل بدل النقل ، لأنه لن نعتر على المستقبل في كهوف الماضي ، ولن نصنع المستقبل بأحجار جاهزة ..
لن نكتشف الحقائق في حرفية النصوص ، وبتجاهل الواقع ، ورفض العقلانية واللاّئيكية ... لن نؤكد هويتنا ، وانتماءنا ، بترديد الأفكار البالية ، والاوراد ، وارخاء اللحيّ ، واتساخ الملبس ، وعفونة العيش ، واخفاء وجوه النساء ، ورفض التحديث ، والمدنية ، والحضارة المتقدة ، بدعوى الجهل والتكفير ..
لن نحقق العدل والحرية ، بمنْح النظام الطاغي ، والمستبد ، القرسطوي الطقوسي ، صكوك طغيان وغفران وقداسة .. فلا بد من محاسبته على الشادة و" الفادة " ، الصغيرة والكبيرة ..
ولن تنفجر الاجتهادات العظيمة ، بغير التفتح على الشعوب ، وحقائق الواقع الموضوعي ، للمجتمع ، وللعصر ، وبالعمق ، وروح النقد ، والديمقراطية ، والعلم النافع الخلاق ..
ان المصلحة هي جوهر مقاصد الشريعة ، وانه " اذا ظهرت أمارات الحق ، وقامت ادلة العدل ، واصبح صبحه بايّ طريق كان ، فتم شرع الله " ، كما قال ابن القيم الجوزي .
اننا بهذا وحده ، سنحسن قراءة الماضي ، قراءة نقدية جريئة ، ومعرفة حقائق النصوص ، وتنمية هويتنا المتجددة ، وتطوير حياتنا ، وافكارنا ، وقيمنا ، واقامت سلطة العدل والحرية ، وصنع المستقبل الخالي من الدكتاتورية والاستبداد والطغيان ، وتحقيق الاستقلال من الدولة المخزنية البوليسية الفاشية ، القروسطوية والطقوسية ، ومن الدولة الاسلاموية ، باسم خلافة إسلامية مفترى عليها ، او باسم جمهورية اسلاموية فقهية .
ان القطع مع النقل ، والتشبث بالعقل ، هو وحده الكفيل بتسهيل الوصول الى الدولة الديمقراطية الحقيقية ، المنفتحة على الجميع ، ولصالح الجميع .
فالصراع سيبقى جاريا بين اسلام النظام ، والإسلام السياسي ، وحقل وموضوع الصراع طبعا ، سيبقى مجال الإسلام الشعبي ، اسلام الشارع المضلل بالخرافة والشعوذة ، وبأساطير الاولين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتحان عسير ينتظر إيران بعد وفاة رئيسي.. إلى أين ستمضي طهران


.. إجماع إسرائيلي على رفض قرار الجنائية الدولية ضد نتنياهو بصفت




.. مشاهير يوجهون رسالة إلى زوجة بايدن لحثها على اتخاذ موقف تجاه


.. استشهاد 10 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال منزلا لعائلة الكح




.. وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته، ماهي التبعات السياسية في