الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسرة في مغرب العصر الوسيط، الحلقة الأولى: مفهوم الزواج والأسرة

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2023 / 9 / 5
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


«الأسرة في مغرب العصر الوسيط» عنوان مركب لكتاب ذي سمة خاصة في صناعة التاريخ. يروم الكتاب « الخوض في العديد من الجوانب المرتبطة بالحياة الأسرية في مغرب العصر المريني». ويتوجب، في البدء، تذكير القراء الذين يتابعونني بعيدا عن بلدان المغارب الثلاثة، تونس، والجزائر، والمغرب، أن العصر المريني قلب العصر الوسيط في تاريخ المغرب، وأنه هو الذي أنشأ وجه المغرب التقليدي، والنسق الثقافي العام غير العالم. وكثيرة هي المشاهد التي تعود لذلك العصر، وظلت تحظى بعناية فائقة في رحاب الفرجة، وفي المحافل المناسباتية، وفي نطاق التعود والتقاليد الشفاهية على وجه الخصوص. وكتاب «الأسرة في مغرب العصر الوسيط» مؤلف بقلم الأستاذ محماد لطيف، المنقطع لتدريس تاريخ العصر الوسيط بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير المغربية. ويبتغي، الأستاذ لطيف، كدأبه «طرح مجموعة من الأسئلة المحورية النابضة بالإشكالات المتعلقة بالمفهوم والخصائص والبنيات والعلاقات والتقاليد والعادات وأنساق القيم». والكتاب في 336 صفحة من الحجم الكبير توصلت به نوالا موقعا من لدن كاتبه صباح يوم الأحد 03 من شهر شتنبر (آب) من العام 2023، جزُل شكره وجزُل هو نفسه، وعظم تقديره.
ولما كان من الصعب إجراء قراءة في كتاب يتقاطع فيه التاريخ وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، والفقه الإسلامي المبثوثة شذراته من النوازل، القراءة المختزل مضمونها وخلاصاتها في بعض الفقرات، حسن تجذيذ تلك القراءة والتركيز على المواقف المهمة، وبثها في حلقات، أملا في جلب القارئ للتفاعل مع موضوع الكتاب.
ولأن الزواج أول لبنة لبناء الأسرة، فسيكون المفهومان ـ الزواج والأسرة ـ خير ما تفتتح به قراءة كتاب «الأسرة في مغرب العصر الوسيط». وفي البدء، لا بد من الوقوف عند الإشكالات التي واجهت الباحث، وهو يقدم على مبادرة ملامسة التاريخ الاجتماعي أهمِّ جوانبه، نحو الأسرة. وأهم الإشكالات أن موضوع الأسرة اقتضى معالجة وراءها مبادرات شجاعة، يتقاطع فيها علم التاريخ، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وتقتضي التوسع في البحث واكتساب الجانب النظري في مجال العلوم الاجتماعية جميعها. لقد كابد الباحثون أنفسهم «في دراسة مؤسسة الأسرة وخصائصها» بعد أن استقامت وتمثلت حقلا خصبا للبحث «بعد التغيرات الجذرية والتوترات الحادة التي لحقت بالأسرة في المجتمعات الغربية، وتبلور الوعي باعتبارها واحدة من أبرز النظم المؤثرة في المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية». هنالك، يضيف الأستاذ محماد لطيف، «برزت تلك الأعمال المؤسسة لكل من إميل دوركهايم الذي اتخذ من الأسرة والعلاقات المتبادلة بين أفرادها، منطلقا ومركزا في الآن نفسه» لفهم الروابط الاجتماعية وتحليلها. وهل تظل السوسيولوجيا تمهد، دوما، السبيل للتاريخ؟ كلاهما يكمل بعضه البعض، فالسوسيولوجيا علم مساعد للتاريخ، والتاريخ يوفر للسوسيولوجيا نطاقا دياكرونيا لفهم مسلسل تطور المجتمع. ولا يمكن فهم التاريخ بدون علوم مساعدة سواء كان التاريخ حافزا على وجودها، أو هي علوم سابقة تمهد التاريخ للانقطاع للبحث في المجالات الموضوعاتية، نحو، تاريخ الأسرة، وتاريخ الطفل، وتاريخ الأوبئة والمجاعات، وتاريخ العلاقات الدولية، وتاريخ الأديان والعلوم...إلخ. وهناك علوم مدعمة للتاريخ كالستراتيغرافية، وعلم التحقيب، والأركيولوجيا.
ويعنينا أنه في الوقت الذي تقدمت فيه دراسة الأسرة في مجال السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا ظل «المؤرخون مترددين نسبيا في اقتحام هذا الحقل البحثي»، وتخلفوا عن الركب، ولم تتمثل الأسرة «حقلا استوغرافيا حيويا، واتجاها بحثيا قائم الذات مستقلا، عن التاريخ الاجتماعي» حتى مضت فترة مهمة مخصصة للموضوع. ولئن تردد المؤرخون، بعض الوقت، فقد بادروا في هذا الإطار، وتألق عدد منهم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهم أبناء فرنسا ومؤرخون ذوو اللباس الأنكلوساكسوني. وماذا عن إخواننا المغاربة؟
يمكن القول، يقول الأستاذ لطيف «إن الدارس لأوضاع الأسرة في تاريخ المغرب قد يندهش عند اكتشاف أن الأبحاث» المنشورة والدراسات «التي تصدت لهذا الموضوع عبر حقبه التاريخية نادرة جدا، فما أنجز من دراسات لا تتجاوز، في أحسن الحالات، وفي حدود علمنا، فصولا ومباحث، وأحيانا عناصر صغرى، أنجزت من قبل باحثين قلائل في التاريخ الاجتماعي للغرب الإسلامي ضمن دراسات عامة».
ولقد سبق للأستاذ محماد لطيف أن همّ بالموضوع، وأنجز أبحاثا «متفرقة همت قضايا الزواج والأسرة والمرأة والطفل في تاريخ المغرب الوسيط». وسلف أن قمت بقراءة إحداها يوم 04 من شهر غشت (آب) من العام 2017 تحت عنوان «الأسرة المغربية وتقدير النساء في العصر المريني»، نشرت بالحوار المتمدن. ويسعدني أن أعود إلى الموضوع ثانية، في وسعة وفي نطاقه العام، وهو في ثلاثة عناصر، وكل عنصر يناسب فصلا من فصول الكتاب، وكل فصل مجذذ إلى مباحث.
ففي البدء كانت معالجة «الزواج، مراحله ومظاهره الاحتفالية»، وفي الثاني رسمت «بنية الأسرة والعوامل المؤثرة في صياغتها» فصلا كاملا. وفي الثالث أدرجت «العلاقات الزوجية ومشاكل الطلاق». وسيجري الوقوف عند مفهومي «الأسرة» و«الزواج»، ضمن فصل «الزواج، مراحله ومظاهره الاحتفالية».
يرى الأستاذ محماد لطيف أنه «رغم اتساع نطاق استخدامهما فإنهما لم يحظيا بتعريف واضح ودقيق، يتفق عليه حتى المتخصصين في ميدان الدراسات الاجتماعية أنفسهم». ولو استقام المتخصصون وتوفقوا في تحديد الخصائص النوعية للأثرة، وأنشأوا من تلك الحدود تعريفا متفقا عليه، فإن التعريف لن يلائم الأسرة في المغرب الأقصى في العصر المريني، أي: إنه ليس مرجعية للقياس. هنالك لزم العودة العودة إلى المفاهيم المبثوثة في المصادر التي تهم تاريخ المغرب الأقصى في العصر المريني، نحو الأهل، والبيت، والمنزل، والعيال، والجماعة، والدار، والكانون، ولما لا نضيف «تكمي» بالأمازيغية، وبالكاف المعطشة، والتي شاع استعمالها في العصر الموحدي، واستمر ذكرها إلى حدود يومه.
ولأن الأستاذ محماد لطيف يؤسس لبحوثه، ويضع لها الجهاز المفاهيمي ويحدد تيسيرا للتواصل بينه وبين القارئ، فقد فصل القول في مفهوم الزواج لغويا وفقهيا. ويحمل الزواج «معنى الجمع والضم وقيل الدخول، من قولهم: نكحت البر في الأرض إذا حرثته فيها، ونكحت الحصاة أخفاف الإبل والبعير»، نقلا عن البرزلي، بضم الباء والزاي، )أبي القاسم بن أحمد البلوي التونسي(، فتاوى البرزلي جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام. وأما فقهاء الغرب الإسلامي فكانوا يقتصرون أحيانا «على ذكر أركان النكاح وشروط انعقاده وحكمه». والبرزلي عاش في القيروان في عهد الحفصيين. واسترسل الأستاذ محماد لطيف في سرد إشاراتهم في الصفحة 19 من كتابه وما بعدها.
وكدأب الفقهاء لم يتوقف الأنثروبولوجيون وعلماء الاجتماع في «وضع تعريف جامع ومانع للزواج»، (الصفحة 21). ولأن «المعلومات التي تمدنا بها المصادر شحيحة، ولا ترقى إلى مستوى الوثائق التي تسمح بوضع تعريف دقيق للمقصود بالعلاقة التي تؤدي إلى زواج معترف به»، فإن معالجة الموضوع تراءت للأستاذ محماد لطيف «مغامرة معقدة».
فكيف توفق الأستاذ في الجمع بين استقصاء الخبر وصياغته؟ وبمعنى آخر، إذا كان التاريخ، عند الضرورة، متوقفا على سرد الخبر، فإن الدراسة التاريخية تغشى صياغة الخبر، ولا تتردد الدراسات الاجتماعية، فوق ذلك، في صياغة كل ما تقتبسه من وقائع وأحداث في المصادر التاريخة. فكيف تستقيم الدراسة التاريخية و«المعلومات التي تمدنا بها المصادر شحيحة، ولا ترقى إلى مستوى الوثائق التي تسمح بوضع تعريف دقيق للمقصود بالعلاقة التي تؤدي إلى زواج معترف به»؟
لقد أدرك الأستاذ محماد لطيف ذلك الإشكال، وحسب أن «لا مناص للباحث من لم شتات النصوص المستمدة أساسا من النوازل الفقهية وتصنيف ما توفره من إشارات وإيماءات في محاولة لإبداء بعض الملاحظات»، قد تفيد في استقراء «الخصائص المميزة للزواج، ورسم بعض ملامح مفهومه الاجتماعي خلال الحقبة المرينية». إن اجتهاد الأستاذ محماد لطيف ليس إلا محاولة لإنشاء مفهوم الأسرة في المغرب المريني المحاولة التي يعترض سبيل استقامتها «المفهوم الإسلامي للزواج»، بما هو «مفهوم محدد لا يسمح بأي قدر من الاجتهاد والاختلاف»، (الصفحة 22)، وهي مرجعية، طالما يرجع إليها للفصل «بين الزواج الشرعي والزواج اللاشرعي». وقد يخفف من حدة المرجعية الإسلامية فعل «تكييف أعراف المجتمع المغربي، وبعض أحواله المحلية مع النصوص الشرعية»، ذلك أن المفتي، فضلا عن كونه فقيها متمكنا متملكا المرجعية الدينية، فهو خبير بأحوال المجتمع، وخبير بالشأن الدنيوي المحض. وما أكثر الفقهاء الذين يكيفون النوازل والعرف، وطالما يلبسون الزواج ذاته لباس التعود في بعض فقراته نحو «آداء بعض الالتزامات والأفعال الاجتماعية»، وإقامة العرس «بالصفة والتقاليد الجاري بها العمل، وذلك حتى يحظى الزواج بالاعتراف». ويداني وجه التعود في القوة المرجعيةَ الإسلامية، وخاصة في الأوساط الأمازيغية المتشبثة بالتقاليد الشفاهية والأعراف فيها «تحاط بالاحترام والالتزام»، (الصفحة 23). ويجيز العرف الفصل بين الخطبة والعرس من حيث الالتزام والفاعلية. فالخطبة، كما بينها الونشريسي في معياره تقتصر على «التواعد على الإيجاب والانعقاد بتوقيت زمان يحضره الشهود وينبرم فيه الأمر، فمن ادعى انبرام العقد قبل ذلك، فهو مدع لخلاف العرف، ودعواه غير مشبهة»، (الصفحة 24). ولا تزال بعض القبائل المغربية لا تبرم عقد النكاح حتى يقترب موعد الدخلة بأيام أو ساعات. فالعقد المبرم إعلان فوري بالدخول. وأما الخطبة، وإن كانت تروم الصدع بوعد الزواج في الوسط، فالعرف لا يزكيها وعدا مفعولا بالمرة، لأن «انبرام العقد وحصول الزواج كان مقرونا بزقت الدخول وبحضور الناس»، (المرجع نفسه).
وإذا عمرت عادة ما أمدا طويلا، فإنها ترقى إلى مصدر علمي ضمن العلوم المساعدة للتاريخ. والزواج سمته عادة تتمظهر في مجموعة من الشعائر منها ما يجري في مشاهد احتفالية يصدع بها داخل التجمع العمراني نحو الخطبة، وحفلة الحناء، والدخلة، والخروج بعد الدخلة. ومنها ما تجري مراسمه في حفلة متواضعة كعقد النكاح.
وختاما يستفاد من النزر المقروء من مضمون كتاب «الأسرة في مغرب العصر الوسيط»، وجوب الاجتهاد المتواصل والحفر العميق في الجدل القائم بين الشفاهية والكتابية، عسى أن تتبلور مادة مرجعية تفيد الباحث، بما هي محصول المسار الذي سلكته الشفاهية إلى متن النوازل الفقهية، بموازاة التكييف الذي حاق بالنص الديني الكتابي ليتلاءم والتقاليد الشفاهية التي تبطن، أحيانا، شعائر كان المغاربة اعتمدوها قبل انفتاحهم على ديانات التوحيد، (يتبع).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشهد مرعب يظهر ما حدث لشاحنة حاولت عبور نهر جارف في كينيا


.. شبح كورونا.. -أسترازينيكا- تعترف بآثار جانبية للقاحها | #الظ




.. تسبب الحريق في مقتله.. مسن مخمور يشعل النار في قاعة رقص في #


.. شاهد| كاميرا أمنية توثق عملية الطعن التي نفذها السائح التركي




.. الموت يهدد مرضى الفشل الكلوي بعد تدمير الاحتلال بمنى غسيل ال