الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (12)

نورالدين علاك الاسفي

2023 / 9 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


و بالجملة؛ فبعد الوقوف على أهم تجليات الرأسمالية الفرنسية في علاقتها بالإمبراطورية الاستعمارية يخلص الباحث إلى بعض الملاحظات و التساؤلات العامة التي صاغها على النحو التالي:

إن المؤسسات الاقتصادية و المالية و أوساط الأعمال كشفت على أن السوق الاستعمارية لم تكن فقط غير مجدية بل كانت كذلك عائقا في نطاق مساهمتها في تعطيل تحديث الجهاز الإنتاجي الفرنسي. فلماذا أدارت فرنسا حروبا وحشية في حق المستعمرات و بذرت الكثير من الأموال و مزقت الوعي و قوضت المؤسسات؟ و لأية أسباب انصب الاهتمام بتأييد السيادة السياسية لفرنسا على إمبراطوريتها الاستعمارية؟
إن تساؤل الباحث في مدخل أطروحته لمقاربة الوظيفة التي قامت بها المستعمرات في التحولات البنيوية لنمو الرأسمالية الفرنسية أجاب عنه: إن للاقتصاد متطلبات و إيقاع يجهله السياسي؛ ففي الوقت الذي كان فيه الرأي العام الفرنسي لا يأخذ المستعمرات بعين الاعتبار كانت أوساط الأعمال تسارع في التحكم بمصالحها.
عندما أبانت السوق الداخلية للمركز/المتروبول عن إشباعها و محدوديتها إلى جانب أجر عمالي زهيد و عالم قروي اكتفائي أمست المستعمرات مطمع الرأسمالية التنافسية التي تعاني مشاكل المنافذ.
إن تكامل المستعمرات مع المركز يستجيب للتناقضات المطلوب حلها من قبل الرأسمالية الصناعية.
المجال الاستعماري أمن للرساميل الخاصة التي وظفت فيه فائدة مرتفعة؛ لان التوظيف بالمستعمرات توفر له امتيازان : الدخل و المن الذي منحته السيادة السياسية المباشرة.
الإمبراطورية الاستعمارية شكلت لفئة الفلاحين العريضة و البورجوازية الصغيرة الفرنسية هدفا لتوسع أنشطتها و متنفسا لمطامحها بمساندة الإدارة الاستعمارية.
من سنة 1880 إلى 1930 التنمية المنجزة بالمستعمرات هي تعبير جيد عن رأسمالية في طور من أطوار نموها حسب جاك مارساي؛ و ليست في أعلى مراحلها كما يذهب إلى ذلك المنظرون الماركسيون للامبريالية.كما أن الاستعمار لم يكن تعبيرا عن الامبريالية. فالسيادة السياسية المباشرة و على خلاف ما ظهر لهم لم تقدم إلا الدعم للرأسمال المالي.
انه الرأسمال الصناعي و ليس الرأسمال المالي هو الذي حقق هدفه بامتلاك أسواق محمية من المنافسة الخارجية من خلال الصناعة القطنية و التعدينية و الغذائية.
إن الرأسمالية التنافسية للمقاولات الصغرى و المتوسطة هي التي فرضت إستراتيجيتها لتنمية المستعمرات.
إلى حدود سنة 1930 الامبريالية الاستعمارية تعيش في انسجام مع الرأسمالية الفرنسية و حصول الأزمة في بنية الصناعة سينعكس سلبا على الامبريالية الاستعمارية.
انطلاقا من سنة 1930 سيشرع التفكير في فك الروابط بين الامبريالية الاستعمارية و الرأسمالية الفرنسية.
هذا التنافر الحاصل لم يكن ليطرح أية مشكلة لو أن الطبقة السياسية و الرأي العام استمرا في إظهار العداء للفعل الاستعماري، كما كان الأمر عشية الحرب الكونية الأولى ، لكن العكس هو الذي حصل.
إن ارتفاع أصوات من كل الأفق السياسية معلنة الاحتفاء بعظمة فرنسا الإمبراطورية بالرغم من تكاثر الانتقادات إزاء إستراتيجية اكتفائية ساعد على تعطيل الاقتصاد الفرنسي؛ كما انه في نفس الآن ستنشئ المستعمرات مكانا لها في وعي الفرنسيين للاحتفاء بها.
الحزب الاستعماري بإقدامه على إظهار استشهادات جنود المستعمرات اثبت بالملموس عبقرية فرنسا المتحضرة مع تغييب ما تثيره العلاقات السياسية التي تربط المستعمرات بالمتروبول من اضطراب.
تباين مواقف التوجهات اليسارية بفرنسا حيال الفعل الاستعماري حسب الظروف و الأحوال. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي كان أعضاء الحزب الاشتراكي(P.S.F)و الحزب الشيوعي(P.C.F) الفرنسيين. يقرون بان السياسة الاستعمارية واحدة من الأشكال السيئة للاستغلال الرأسمالي، و ينادون بحق الأهالي في الوقوف ضد المستعمرين، ثم صاروا يعلنون بان حق فك الروابط لا يعني إلزاميته؛ فظروف الحرب ضد الفاشية تستدعي التحام المركز بالمستعمرات لصدها.

و باختصار؛ ففي الوقت الذي بدأ اغلب الفرنسيين يعتقدون بان فرنسا لها مصلحة في الحفاظ على مستعمراتها صار الدعم الاستعماري لبعض فروع الرأسمالية عائقا، فازدياد متطلبات السوق الاستعمارية و تطور الأشكال الجديدة للإنتاج و ضغط المنافسة الدولية و انفتاح الاقتصاد على الخارج سيتطلب استثمارات ضخمة و إعادة هيكلة البنيات الاقتصادية.
هذا التحول الاقتصادي سيكون في مسيس الحاجة – حسب اعتقاد الباحث- لإحداث قطيعة مع الروابط السياسية التي تضغط على القوى السياسية لتبذير رساميل كبيرة في المستعمرات بدون نفع يذكر.
و في المحصلة النهائية و لمحاولة طرح توافق بين قطبي هذه القطيعة بين الاقتصادي و السياسي؛ يقترح جاك مارساي ما يلي:

* تحطيم مؤسسات الفترة السابقة التي انتعشت في ظلها الفروع الاقتصادية الموروثة.
* توحيد الهيئة السياسية؛ حيث أن انقسامها عطل تنمية الإمبراطورية.
* تركيز السلطة في الإدارة العامة لتلافي خروقات مسؤولي السلطات المحلية.
* خلق شروط سياسية و اجتماعية لعصرنة اقتصادية.

و هكذا ستتوج فترة الستينيات بإقرار ضرورة الاختيار بين سوقين مشتركين واحدة مع أوربا و الأخرى مع المستعمرات و سيجد هذا الطرح في شخص الجنرال شارل دوغول(Charles de Gaulle) الناطق الرسمي باسمه و المجسد له على ارض الواقع حيث سيعرب على أن: « الجزائر تكلفنا – هذا اقل ما يمكن قوله- أكثر مما تنفعنا.. التحرر همنا و بالنتيجة سياستنا»








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو