الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السبية الحرة

رياض ممدوح جمال

2023 / 9 / 6
الادب والفن


مسرحية من فصل واحد
تأليف : رياض ممدوح جمال

الشخصيات :
سلمى : فتاة يزيدية، خريجة جامعية.
محمد : شاب "جهادي" متطوع قادم من المانيا.
عبد الله : شاب "جهادي" عراقي، حارساَ على السجن.
القائد : "جهادي" ضخم الجسم، لحية طويلة كثيراَ، ملابسه أفغانية.
يتبعه اربعة ”جهاديين” مدججين بالسلاح، هم حراس له.

المنظر : (غرفة معتمة قذرة، طلاء الحيطان ايل للسقوط، نافذة صغيرة في اعلى
الجدار، باب حديدي).

المشهد الاول

سلمى : (فتاة في الخامسة والعشرين من العمر، حسنة الصورة، متربة وممزقة
الملابس، شعثاء الشعر بعض الشيء).
ما افظع هذا الكابوس الذي انا فيه! هل هو كابوس ام حقيقة؟ كم سأشكر الله لو انه
كابوس وافيق منه! وان كان حقيقيا، فيا للهول. كم تخفي الحياة من الدمامل تحت
جلدها تكبر وتؤلمنا، ولا ندري متى تنفجر، وننجو منها، ونكتشف اننا كنا في
كابوس. يا الله اجعل هذا الذي انا فيه الان، كابوسا وليس واقعا. يا الله انقذني...
ولكن ما الفائدة من إنقاذك لي؟ لا اريد الان نجدتك. فما جدوى نجدتك؟ وما جدوى
حياتي بعد ضياع وتشتت اهلي. واين ساجدهم؟ ذلك مستحيل، فقد نثرتهم الريح كما
تنثر الدخان... لقد اهتزت الارض قبل السماء حين هجموا علينا، كهجوم الجراد
على الزرع، وذبحوا رجالنا وخطفوا النساء منا. نصرخ وليس من مجيب، لا في
الأرض ولا في السماء. انا الان لا أستطيع حتى ان اتصور، واعيد من ذاكرتي،
جزء من الذي جرى. رأيت بعيني، كيف جزوا رقبة اخي بسكينهم الحادة الفرحة
بإتمام مهمتها على أكمل وجه، وبفخر فصلت الراس عن الجسد بتلك السهولة،
وتدفقت الدماء كان سيل هدم سد منيع واندفع طالبا هو الخروج من سجن الشرايين.
انه كان اخي، وليس خروفا. يا إلهي لقد حدقت فيه بكل جوارحي، حدقت بالسكين
وهي تنغرز وتقطع رقبته، وكأنها تقطع قطعة من الزبد. حدقت لكي أخزن في
ذاكرتي، كل التفاصيل، وكل ما تحويه البشرية من وحشية، تفوق اعتى الوحوش.
اه، يا ليتني كنت وحشا اكبر من كل الوحوش، لكي التهمهم بكل شهوة ونهم. انه
اخي، يا الله، انه اخي (تنهار من البكاء... ثم تهدأ قليلا) وأختي الصغرى، طفلة ملأ
الرعب عينيها، وتنظر الينا، انا ووالدينا، لنجدتها. هي لا تعلم ما ينتظرها، لكانت
طلبت الموت لا النجدة. تنظر الينا، كطفل غريق يطلب النجدة من أبيه، الذي سبقه
الى الغرق. لا أحد يمكنه أن ينقذك، يا حبيبتي، ولا حتى أن ينقذ نفسه. انه يوم
الحشر، بل اشد. استسلمي يا اختي الحبيبة، فلا منقذ لنا، فإما ان نغرق في أعماق
بحر النسيان، أو أننا سنكون حجرا يهز بركة الضمير الإنساني في العالم. رغم اني
لا اعتقد ذلك، لأن بركة الضمير الإنساني قد تبخرت منها آخر قطرة ماء. نامي يا
صغيرتي على الفراش المدنس او في القبر، لا ثالث لهما. لا تمييز بعد الان بين
الموت والحياة، بين الشرف والرذيلة، بين الأبيض والأسود. فلا تصرخي، يا
صغيرتي، فلن يجديك الصراخ، فالعالم قد اغلق اذنيه عن سماع، حتى صراخ
السماء. فلا تستنجدي بي، فانا مثلك مغتصبة. ولا تنظري إلى أخينا وتستنجدي به،
فهو غريق في بحار اعمق من بحرك. ولا تنظري الى امنا وابينا، فهما غارقين
تدفعهما امواج الى شواطئ العذاب الدائم، الذي هو اشد عليهما من الجحيم. نامي يا
صغيرتي يائسة، فلا منقذ الا الموت، نامي، وكلنا من بعدك نيام، فلا حياة في
الصحو، فالموت هو الرحيم بك، وهو الحياة (تنفجر بالصراخ) اه، يا الهي، اريد
الان امي وابي. اريد كل الذي كان. اريد اخي. اه يا اخي، ماذا تجدي المذبوح
رفسة قدميه؟ كان اخي يرفس، حين تحز السكين رقبته. لا أدري ماذا كان يرتجي
من رفسة قدميه؟ اهدأ يا حبيبي وتلقى ما لابد منه، فلن ينجيك احد. اترك قدميك،
ومد رقبتك للسكين وادعوها للاستعجال. وانظر في وجه قصابك. نعم انا نظرت
إلى كل شيء، لا لشيء، الا لكي ازعزع كل ما كنت اؤمن به، من حب وتسامح،
ولكي اتشبع حقدا على كارهيك. كان في كل لحظة، صراع في داخلي بين نزول
معجزة من السماء، وبين ان اصحوا من الكابوس. صراخ امي الى الان لصيقة
باذاني، وهي تراهم ينتزعونا كما ينتزعون القلب من الجسد وهو حي. كانت متشبثة
بذراع ابي المشلولة، لا ادري ان كانت تستنجد به لإرجاعنا اليها، ام انها تخشى
عليه وكانه اخر جدار تستند اليه. اصيب ابي بشلل الذراع واللسان حين اختطفوا
اخي الاكبر قبل خمس سنوات امام عينيه، وهما كانا ذاهبون إلى الموصل. ومن
يومها ماتت روح ابي واعتكف الحياة صامتا. ومن ذلك اليوم، وأمي منتفضة
الروح. وهي كأفريقي يمشي على الجمر. لا تهدأ ابدا، تصرخ صراخا نابعا من
أعماق قلبها، لا يسمعه الا هي نفسها. ولم يتزعزع املها لحظة واحدة بعودة اخي.
مع كل نفس تتنفس تأمل أن يقف اللحظة اخي امامها، كبحار لفضته الامواج اليها.
تتكور على نفسها دائما، كأنها تمنع ذاك الامل من الطيران. خمس سنوات وهي
تأمل في كل يوم انه سيدفع اخي الباب آخر النهار، كما اعتاد. ولكن حين كنا نغلق
الباب، معلنين انتهاء اليوم، تبكي وتصرخ... معنا هذا انه اليوم ايضا لن يأتي؟ وتبدأ
بالبكاء حتى يغلبها النوم، كطفل اخذوا لعبته منه ولم يعيدوها اليه. أنتم لم تتركوا
عظمة في جسد عوائلنا، وكسرتموها. كأننا قبض دقيق ونثرتموها، في مهب الريح.
هل وكلكم الله لإصلاح ما خلقه هو؟


المشهد الثاني

(يسمع صوت باب الغرفة الحديدي يفتح، يدخل منه عبد الله الحارس،
يحمل صينية فيها طعام. يرتدي الزي الافغاني قذرة، كث اللحية،
يضع الصينية على الارض)
عبد الله : تفضلي طعامك، ايتها الجميلة العنود. لا اعلم ان كنت انت عنود، ام ان
حظي بالنساء منكود؟
سلمى : لا فرق بينكم، فجميعكم جرذان التاريخ. وقد خرجتم علينا من مجاري
اغلقتها كتبكم وخرافاتها.
عبد الله : اشد ما اكرهه، هو ذكر الكتب، فانا لا اجيد القراءة ولا الكتابة. وانا من
هذه التهمة براء.
سلمى : وهذه هي الطامة الكبرى، فجميعكم كقطعان الاغنام لا عقول لكم.
عبد الله : وماذا تقولين عن اميرنا محمد؟ الذي كان يعمل طبيب في المانيا؟
سلمى : هو مثلكم لا يستخدم عقله الا في مجال عمله.
عبدالله : كم اشتهيك، ايتها الجميلة.
سلمى : صن لسانك، ايها القذر.
عبدالله : لماذا اميري محمد نعم، وانا لا؟
سلمى : اصمت ايها القذر اللعين. فانا لست لاحد، ولا لأميرك محمد، ولا لغيره.
عبد الله : لا يمكنك الاستمرار في ذلك، فقد كانت لدينا من النساء اصلب منك.
سلمى : اخرس، ايها الحيوان.
عبد الله : بإمكاني ان اجعلك حيوانه لي، لولا خشيتي من اميري محمد.
سلمى : انت حيوان، واميرك حيوان اكثر منك.
عبد الله : ان كان حيوان فلماذا تقضون الليالي الطوال سوية في الحديث
والمسامرة
سلمى : اذن، انت تتنصت علينا.
عبد الله : (بخوف) كلا، كلا، انها الصدفة، يا عزيزتي. ارجوك ان لا
تخبري اميري محمد بذلك.
سلمى : اذن اخرج ايها الملعون.
(يسمع صوت خطوات قادمة، يرتبك عبد الله، يهموا بالخروج، يدخل
الامير محمد).
محمد : يا عبد الله، انا سبق وان حذرتك مرارا ان لا تطيل البقاء هنا بالذات.
عبدا ألله : (يتلعثم) فقد جلبت الطعام للسبية، يا اميري.
محمد : احذر مني جيدا، يا عبدالله. هيا اخرج (يخرج عبد الله ذليلا،
يتوجه محمد بكلامه الى سلمى) السلام عليك يا سلمى.
سلمى : (لا تجيب).
محمد : بعد هذه الفترة، يجب ان تردي سلامي.
سلمى : لا علاقة لطول او قصر الفترة، فنحن عدوين لدودين، ولا يمكن ان
اتقبل حتى النظر اليك.
محمد : ولكن انا، غيرت فيا هذه الفترة، اشياء كثيرة. وانا متأكد انها فعلت
بك نفس الشيء، حتى ولو قليلا. اعترفي بذلك.
سلمى : لا شيء من ذلك، فهذه اوهام في راسك انت فقط.
محمد : لا داعي لان نلعب لعبة الاختفاء يا سلمى، فانا محادثاتنا الليلية،
غيرت في اشياء كثيرة، فانت ذي منطق وافكار عميقة، فيها الكثير من الصحة،
تدخل عقلي ولكنها لا تدخل قلبي.
سلمى : اعلم ذلك، فالإيمان بالقلب لا بالعقل. فقد امنتم دون ان تفكروا
بعقولكم.
محمد : يجب أن لا يكون عقلنا بديلا عن ما قاله الله. ولا يحق لعقولنا
التمحيص. والبحث فيها، الا فيما يدعمها.
سلمى : فلما وهبكم الله العقول؟
محمد : عقولنا لتعزيز ايماننا فقط. لان الله والأنبياء هم من يقررون، وما
علينا سوى التطبيق.
سلمى : عندما يصدر مثل هذا الكلام من عبد الله، لن استغرب. ولكن انت!
محمد : لا فرق بيننا، نعم. لكلينا نفس المصدر الإلهي.
سلمى : كيف كنت تعيش بعقلك هذا في الدول المتقدمة؟ والاغرب انك طبيب!
محمد : مثلما للطب قواعده التي لا يمكننا اختراقها، كذلك للإيمان الديني.
سلمى : لا يمكن لله ان يرضى بذبح انسان كالخروف، وتشتيت العوائل
الامنة. والبيع والشراء لنسائهم، كالأبقار.
محمد : ليس لكل العوائل، بل لكل من لم تكن منا. وانتم الايزيدية بالذات.
ومثلما حلل لنا الله ذبح وبيع الخرفان والابقار، حلل لنا ذلك.
سلمى : لو اراد الله لها ذلك، لفعل.
محمد : انتم خريجو الدراسات الادبية، يتمكن منكم منطق التلاعب بالأفكار.
ان الجامعة غرست في ادمغتكم الضلال. فيجب محو هذه الجامعات.
سلمى : الم تتخرج انت من نفس الجامعة، جامعة الموصل، قبل ان تذهب الى اوربا؟
محمد : نعم ولكن اختصاصي، ليس فيه الترهات التي لديكم.
سلمى : ها انت تعتبر من أعقل العقلاء بينهم، ولا ينفع الكلام معك، فهو
كالماء الساري فوق الزجاج.
محمد : ذلك لان الزجاج اصلب من الماء.
سلمى : بل لان الزجاج جماد، والماء منه الحياة.
محمد : انك دودة تنخر قناعاتي. انت حجارة في أسفل الجدار حين
تتزحزح قيد انملة، تهدد كل الجدار بالانهيار. ولهذا لا اريد حتى ان افكر في
كلامك، فذلك يجعل الأرق يبيت معي طوال الليل.
سلمى : على الانسان ان يستمتع بأغلى ما وهبه الله له، الا وهو العقل.
محمد : (بكل هدوء وعتب لطيف) شكرا لك. فانت تنعتينا بعدم استعمال
عقولنا!
سلمى : ان عبد الله، لديه الشيء الكثير الذي ينقصه في حياته، فيتأمل
التعويض في الآخرة. أما انت الطبيب الذي يعيش في اوروبا، ما الذي تريده من
الاخرة، انهار الخمر والحوريات...؟
محمد : اريد رضى الله علي.
سلمى : تأكد أنك فقدتها من زمان.
محمد : ليس الامر بيدك، لتحكمي في هذه القضايا.
سلمى : حقا أن الأمر ليس بيدي، وإنما بعقلي.
محمد : هذا حالك في كل ليلة، تصدعين راسي بآرائك هذه. وتدعيني
اذهب، مصطحبا ارقي معي إلى الفراش. هيا، سأذهب إلى النوم فلا جدوى من
النقاش معك.
(يخرج محمد من الباب وينسى ان يقفله، وتنتبه سلمى إلى ذلك)


المشهد الثالث

(محمد مقيد اليدين، بارك على الارض، تظهر عليه آثار التعذيب
والإنهاك. عبد الله جالسا على الارض مقابل محمد، حراس مسلحين
اثنان، واقف احدهما خلف محمد، والاخر عند الباب المغلق من الداخل)

محمد : الم يكن بإمكانك ان تلحق بها وتلقي القبض عليها، بدلا من تقتلها، ايها
المجرم؟
عبد الله : لا مصلحة لي بالحفاظ عليها. فلماذا اكلف نفسي من اجلك انت؟
محمد : أيها المجرم الغادر.
عبد الله : انا المجرم ام انت الذي تركت لها الباب مفتوحا لتهرب؟
محمد : اه لو أن يدي طليقتان الان، لفصلت راسك عن جسدك.
عبد الله : لن تسنح لك الفرصة لذلك، فقد قرر القائد، بقطع راسك هذا اليوم.
محمد : لا يهمني راسي بعد الان، ما دمت لم استخدم العقل الذي فيه.
عبد الله : لا افهم ماذا تقول.
محمد : اقول الم تفكر بأفضالي عليك، حين قتلتها. وشهدت ضدي، متهما
اياي بتعمدي بترك الباب مفتوحا لتهرب سلمى؟
عبد الله : وهل افضالك اكبر من افضال امي علي؟ وانتم من علمنا ان نقتل
حتى امهاتنا ان ارتدوا عن الطريق القويم.
محمد : لك الحق في ذلك، يا عبد الله. فنحن من جعل منكم سلاحا ذو حدين.

(يفتح الباب ويدخل منه القائد، يتبعانه حارسان مسلحين)

القائد : هل انت نادم على فعلتك، يا محمد.
محمد : نعم انا نادم.
القائد : وهل تعتقد بكلامك هذا، اننا سنغفر لك؟
محمد : لقد أساة فهمي، ايها القائد.
القائد : ماذا تقصد؟
محمد : انا نادم على اني لم اهرب بها، واعود معها الى البلاد التي كنت فيها.
القائد : تعود الى بلاد الكفر، ومعك كافرة، ايها المرتد؟
محمد : لا تعنيني مفرداتكم هذه، بعد الان.
القائد : (بانفعال) لم يبق لك، بعد الان.
محمد : نعم، فقد انتهى كل شيء.
القائد : (يتوجه بكلامه الى عبد الله والحراس) امسكوه ايها الحراس. وتقدم انت
يا عبد الله، لتقطع راسه.
(يباشر الحراس، وعبد الله معهم، لتنفيذ المهمة)
ستار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا