الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات اقتصادية... هل يمكن الوثوق بمجموعة بريكس+؟

عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)

2023 / 9 / 7
الادارة و الاقتصاد


أظهرت قمة بريكس الخامسة عشرة، التي عقدت في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023 في جوهانسبرغ، أن نظاما اقتصاديا عالميا جديدا يمكنه أن يبدأ فصلا جديدا في التاريخ البشري. الحدث الكبير لهذه القمة هو قبولها دعوة ست دول مهمة، لتصبح 11 دولة اعتبارا من 1 يناير 2024. ستكون بريكس + (BRICS+) قوة اقتصادية وتجارية مهمة مع ما يفوق من 30٪ من الناتج الإجمالي العالمي (وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي) و46.5٪ من سكان العالم، وبالتالي ستكون أقوى مجموعة إلى جانب المجموعة السبع (G7). بالإضافة إلى ذلك، سيكون "بنك التنمية الجديد ـ بريكس" بديلا لتحرير المجموعة من توصيات وتوجهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

قمة بريكس الخامسة عشرة هي حدث عظيم للعالم، وخاصة لدول الجنوب. لماذا؟ لسبب بسيط حيث أن إنشاء وتقوية مجموعة بريكس ستكون مرحلة للحد من هيمنة الغرب، الذي أصبح عنيفا واستبداديا على نحو متزايد منذ سقوط جدار برلين. لذلك هذا يعتبر بريكس تغيير إيجابي. ومع ذلك، يجب أن تكون البلدان الفقيرة والنامية في الجنوب (وخاصة غالبية البلدان الأفريقية) مستيقظة لأنه لا يمكن الحسم بأن مجموعة بريكس، بمجرد تنظيمها وتوسيعها، لن تتطور أو تنتقل إلى نزعة اقتصادية إمبريالية وإلى أنظمة سياسية استبدادية. وينبغي ألا يغيب عن البال أن حقوق الإنسان والديمقراطية قيمتان عالميتان. العدالة مطلب لجميع مواطني العالم بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. يحتاج الجنوب إلى عهد جديد من الحرية والديمقراطية من أجل تحقيق التنمية المستدامة والمنصفة.

إن سكان بلدان الجنوب لا زالوا يعانون من استمرار الاستعمار في شكله المعاصر المتمثل في الاستعمار الجديد (neocolonialism) الذي ترعاه مؤسسات بريتون وودز والمؤسسات التابعة لها والتي يطلق عليها الشركاء الإنمائيين؛ وبالتالي فإن كتلة بريكس ستكون فرصة لدول الجنوب لتعزيز سيادتها الوطنية والدولية. وبعبارة أخرى، ستكون فرصة لتحرير الذات من هيمنة الشمال. وهذا ما أكدته البيانات الرسمية لقمة بريكس الخامسة عشرة على أهمية التجمع من أجل التنمية المستدامة والعادلة للجميع، وخاصة دول الجنوب، الذي عانى طويلا من هيمنة الشمال. ومع ذلك، كانت البلدان الخمسة يقظة للغاية في اختيار البلدان المدعوة إلى المجموعة.

تدرك الدول الأربع المؤسسة لمجموعة بريكس أن خلق عالم متعدد الأقطاب يبدأ بتهميش أو إلغاء الدولار (de-dollarization) من سلسلة القيمة العالمية. لقد أظهرت الأزمات السياسية (الحروب، حرب العصابات، الإرهاب...) والعقوبات المفروضة على بعض البلدان (سوريا، إيران، البرازيل، فنزويلا، روسيا، أوكرانيا...) أن الدول الناشئة لم تعد قادرة على الوثوق بالنظام العالمي الحالي، خاصة بعد رغبة الناتو في التوسع، وغزو العراق، وحالة الجمود السياسي المستمر وعدم اليقين الاقتصادي القوي في لبنان والأزمات العالمية الأخرى. وقد أظهرت هذه الأزمات الدائمة والاستفزازية المختلفة أن بلدان الجنوب لا تستطيع أن تقرر وحدها تنميتها الاقتصادية والسياسية دون تدخل "ناعم أو قوي" من الولايات المتحدة وحلفائها. والأسوأ من ذلك أن الأزمة الحالية للاتحاد الأوروبي تظهر أنه لا ينبغي لأحد أن يثق في الولايات المتحدة، خاصة وأن النظام الديمقراطي (والاقتصادي) في أوروبا في أزمة. إن إعادة تشكيل الجنوب وحواره مع بعض بلدان الشمال ضرورة في عالم يعاني من أزمات دائمة (سياسية، اقتصادية، مالية، صحية ...).

في مواجهة هذا النظام أحادي القطب الموحد بأيديولوجيته وتنظيمه الرسمي، هناك كتلة تتبع خطواتها الأولى نحو الهيكلة الرسمية. هل يستطيع أن يفعل ذلك؟ من الناحية الاقتصادية، يمكن أن تنافس بريكس+ الكتلة الشمالية، بيد أنه من الناحية السياسية، سيكون الأمر صعبا للغاية لأن بريكس+ هي مجموعة ذات تناقض قوي، حيث تضم بلدان تعاني من صراعات سياسية ودينية وثقافية عميقة جدا فيما بينها.

دعوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وإثيوبيا والأرجنتين ومصر هي خطة استراتيجية ذكية من قبل بريكس لتحرير نفسها تدريجيا من الدولار وخلق شقوق في المؤسسات القديمة مثل أوبك والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، هل ستكون قادرة على توحيد الأعضاء لخدمة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية داخل كل بلد من بلدان الجنوب؟ الجواب هو لا، لأن معظم دول بريكس+ تتسم بنظام استبدادي. ولبلوغ ذلك يمكن التعاون مع بعض بلدان الشمال التي يمكن أن تخدم إعادة الهيكلة الديمقراطية والاجتماعية للمجتمعات في الجنوب. إن التعاون المنصف والعادل بين جميع البلدان ضرورة لعالم أفضل. لكن الوقت قد حان لإعادة هيكلة المؤسسات والمنظمات العالمية على أساس احترام سيادة كل بلد.

من المؤكد أن الدول الأخرى ستنضم إلى بريكس+، لذا لا يجب العمل على ألاّ تكون هذه المجموعة مجرد تجمع اقتصادي ومالي تهيمن عليه أيضا دول رائدة في التكنولوجيا والصناعة، أو الطاقة النووية والتسليح، أو الموارد الطبيعية. يجب أن تكون البلدان الفقيرة والنامية قادرة على إيجاد مساحة لتنميتها الذاتية، ولا تصبح مجرد عبيد لقادة جدد للعالم متعدد الأقطاب. هل ستكون بريكس+ فرصة لإنشاء نظام منصف وعادل متعدد الأقطاب؟ على المدى القصير، لا أعتقد ذلك، ولكن على المدى الطويل، من الممكن إذا ما تمكنت البلدان الفقيرة والنامية من إيجاد موقف تفاوضي جيد. لهذا، أعتقد أن هذه الدول يجب أن تتفاوض مع دول الشمال دون إجراء قطيعة كاملة معه حتى تكون قادرة أيضا على التفاوض مع قادة بريكس+ لأن النظام العالمي القادم سيتحدث نفس اللغة الاقتصادية للولايات المتحدة وحلفائها: الربح وتعظيم الربح. يجب ألا نصدق أن فاتح يناير 2024 هو تاريخ الحرية وإنهاء الاستعمار في الجنوب، ولكنه تاريخ القوى الاقتصادية العالمية الكبرى الجديدة التي تريد غزو أسواق جديدة في إفريقيا. فلنكن يقظين، سواء في الشمال أو في الجنوب، فالحرية والديمقراطية يدافع عنهما الشعب.
التاريخ 4 شتنبر 2023، المقال الأصلي باللغة الانجليزية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلومبرغ: تركيا تعلق التبادل التجاري مع إسرائيل


.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده




.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال


.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.




.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي