الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالةُُ ميتةُُ بُعِثَت بموت كريم !

احمد الحاج

2023 / 9 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


قبل قليل كنت أجول واتجول كعادتي بين صفحات الفيس فوقع بصري وفي صدر واحدة من الصفحات العراقية على نسخة من رسالة قديمة اندرس أثرها ، ومات ذكرها كان قد بعثها نزار قباني ، الى كريم العراقي، منتصف عقد التسعينات متأثرا بإحدى قصائد العراقي آنذاك وهي قصيدة " موال الغربة " .
الحقيقة أنها لم تكن رسالة بالمعنى الحرفي الجامد والمتعارف عليه للرسائل الورقية وكثير منها لاتتعدى قيمتها حدود الحبر الاسود الذي خطت به، والورق الابيض الى كتبت عليه ، وانما عبارة عن لوحة كلاسيكية وتحفة فنية مشحونة بكم هائل من العواطف الجياشة ومفعمة بعدد لا يحصى من الذكريات الجميلة ، والصور الوجدانية ، والتعابير الصورية واقتبس منها الاتي :
- القباني وصف زوجته بلقيس العراقية وهي من بنات الاعظمية وتحديدا من منطقة السفينة وكان يحبها حبا جما وقد قضت بتفجير السفارة العراقية في بيروت في كانون الثاني من عام 1981 وصفا مذهلا يقول فيه :
وجلست مع استكانة الشاي وأمامي بلقيس" صورتها " ، وشعرها الطويل الذي كان يغطي المآذن والقباب وأشجار النخيل في حي السفينة بالأعظمية.
كما اختزل القباني في رسالته الاستعمار - اي استعمار - حول العالم بكلمات قليلة الحبر الا انها عظيمة الاثر بين فيها بأن المستعمرين إنما يحرصون على نقل عاداتهم وتقاليدهم وعيوبهم وأخلاقهم وثقافتهم وطباعهم كلها أو جلها الى - الشعوب المستعمرة - من دون أن يأخذوا عنهم أو يقتبسوا منهم شيئا قط ،باستثناء نهب ثرواتهم ، وسرقة خيراتهم ، وتهريب آثارهم ، وتلويث اخلاقهم ، وتمزيق وحدتهم ، وتفريق شملهم ، والعبث بقيمهم ومثلهم وأفكارهم قائلا :
ثم بحثت عن (سمك مسقوف) لدى البقالين الانجليز، ولكنهم قالوا انهم لا يعرفونه، رغم انهم استعمروا العراق عشرات السنين!! والسمك المسكوف لمن لايعرفه من اشقائنا العرب يعد واحدا من أشهر الاكلات العراقية ، وأطيبها مذاقا .
ليصف قباني عشقه للعراق وذكرياته الجميلة فيه وصفا شفافا لم يكن للطائفية المقيتة - كما اليوم - نصيب فيها ابدا قائلا :
ثم ركضت وراء أيامي في نادي العلوية، ونادي المنصور، والجسر المعلق، ومقامات النجف، وعبق البهارات في الشورجة، وأعراس العصافير ، والقصب في الأهوار، وربيع الموصل، وأسد بابل، ورائحة الجبن الأوشاري في أربيل.
لينتقل القباني من خلال صوره الشعرية المنثالة وقوالبه النثرية المتناثرة ويصف لنا قسوة الغربة وجحيم الاغتراب ولاسيما لدى الشعوب التي تهاجر كفاءاتها ، وترحل خبراتها، وتغترب طاقاتها ، وتتغرب مواهبها لتغرد خارج السرب ولتعيش وتموت خارج حدود الوطن الغالي وخارج المجتمع الطارد للكفاءات ،المقصي للخبرات ، المهمش للمواهب ، المزيح للطاقات ،مقابل احتضان واعلاء شأن - الرويبضات والامعات وسقط المتاع والعارات - قائلا :
" هذه ليست قصيدتك يا كريم، انها قصيدتنا جميعا، نحن المنفيين في فضاء العالم، وليس معنا سوى حقيبة ملأى بالياسمين الدمشقي، والرازقي العراقي، وصورنا (التي كانت تتوسط البيت) !!
ليختم القباني رسالته بنصيحة أو بالأحرى بمقترح مقدم الى كريم العراقي والذي ما لبث أن مات فيما بعد وحيدا وغريبا في بلاد الغربة شأنه في ذلك شأن معظم العراقيين الموهوبين والمبدعين " ابق مزروعا يا كريم على شفتي كاظم الساهر ..واكتب لنا دائما احاسيسنا، واحلامنا، بأسلوبك الطفولي الجميل " .
الحقيقة أن الشاعر مرهف الاحاسيس واذا ما تحول الى كاتب فإنه سيكتب مقالات وأعمدة ورسائل في غاية الروعة ستخلد طويلا في الذاكرة الانسانية ، وتتجذر عميقا في الذائقة البشرية لتتفرع أغصانا، وتورق ثمارا وأزهارا مطلقة عبقا وأريجا فواحا يحلق عاليا في سماء الابداع ليتنسم المحبون عطره صباح مساء ولسنين طويلة مقبلة ، وبما ليس بوسع معظم كتاب العالم التقليديين مجاراتها ولا حتى محاكاتها على الاطلاق ، بخلاف الكتاب من غير الشعراء فهؤلاء ليس بوسع معظمهم نظم ولو بيتين مؤثرين حقيقيين من الشعر بإمكانهما الوصول ولو الى أسماع ووجدان المقربين من حولهم على الاقل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح