الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي شيء آخر 2003(وودي ألن):أنها بالتأكيد كأي شيء آخر

بلال سمير الصدّر

2023 / 9 / 8
الادب والفن


كنت ذات مرة في سيارة أجرة منذ سنوات عديدة،واندفع ما في قلبي للسائق...جميع الأشياء التي تحدثت عنها من قبيل:الحياة،الموت،لامعنى الوجود،معاناة الانسان
قال السائق:أنت تعرف...أنه يشبه أي شيء آخر
You Know,It Like Any thing Else
من ناحية نظرية،فيلم أي شيء آخر هو فيلم وجودي من الدرجة الأولى،ونحن لانقصد بذلك الوجودية العامة،بل الوجودية الخاصة التي نعني بها وجودية كامو وسارتر وسيمون دي بوفوار ودوستيوفسكي هذا لأن سارتر أعتبر دوستيوفسكي وجوديا،وهو يقدم نموذج من الحياة نفسها أو حوارات أقرب الى الشروحات منها الى الحوار،وكأننا في خضم أحد محاورات أفلاطون أو ارسطو...
ديفيد دوبيل(في الستين من عمره) يجتمع مع جيري فالك،الشاب ذو الواحد وعشرين عاما والذي يجمعهما صدفة الكتابة الكوميدية الساخرة...
من المواقف العديدة،ومن شيء أقل من موقف الى درجة السخرية نستطيع أن نستنبط شيئا من الفلسفة،وكأن وودي الن يقدم خلطة مالوفة بالنسبة اليه ولكنها ذات علاقة واضحة بنيتشة وبالأخص العلم المرح....لماذا علينا أن نطرح أسئلة الوجود بذلك العمق من الكآبة المألوفة،لماذا لانطرحها بشيء من المرح...؟!
ومن هنا يبدا الفيلم بكامله بالمرح...بنكت توحي بالسطحية ولكنها ذات معنى وجودي كبير،أو ذات اشارات وجودية واضحة:
هناك نكتة قديمة عن مقاتل مكا فآت كان يضرب بقسوة في الحلبة،وامه كانت من بين الجمهور وتشاهده وهو يضرب ,وكان هناك قسيس بجانبها وهي قالت:والدي،أرجوك صلي من أجله
قال القسيس:نعم سأفعل،ولكن إن كان بالامكانية ان يعاقب فهذا افضل
وهكذا،مع غيرها من النكات التي تشي بوضوح عن اليأس الوجودي وتلك الأسئلة التي طرحها الوجوديين ذات مرة.
وودي الن لايخفي ذلك أبدا،ربما كان وودي ألن هو أكثر المخرجين وضوحا من بين كل المخرجين الذين راجعتهم،وهو يكرر الثيمة دائما على شكل نغمة،أو على شكل اغنية عن الحب نسمعها نفسها ولكن بأكثر من طريقة.
الشاب يريد كتابة رواية عن:قدر الانسان الفارغ
وعلينا ان لاننسى ثيمة الموت بأبعاد كثيرة،منها معنى الموت نفسه ومن ثم الخوف من الموت
ولكن النموذج الذي يقدمه وودي الن،هو نموذج لهذا الشاب الطموح ولكنه يواجه اضطرابات واختيارات منها القسري ومنها النابع من الاختيار الذي هو معضلة بحد ذاته كخيار لايمكن التراجع عنه...
أماندا صديقة جيري،وهي تهديه مسرحيات جان بول سارتر:لامهرب...الذباب
لا أستطيع التقدير:من هو التشاؤمي العدمي الذي يجعل منك أكثر سعادة...؟!
أعتقد بانه (جيري يقول):تينيسي ويليامز
وهو الذي قال ذات مرة بأن النقيض للموت هو الرغبة...ولكن أليست هذه مقولة شهيرة لجورج باتاي مثلا...؟!
وهكذا،يبدو الفيلم بكامله عن اقتباس فلسفي...الفيلم بكامله يصلح للاقتباس
كان ذات مرة متفق ثقافيا الى أبعد الحدود مع اماندا ولكن الان الموضع مختلف،ليس بالنسبة له بل بالنسبة لها
الموضوع المشترك بينها وبين العالم هو الملل...
لاينسى وودي ألن أيضا ان يتطرق الى العوالم الجنسية،او دعونا نقول الافكار الجنسية ذات العلاقة الكبرى بالأفكار الوجودية آنفة الذكر...فمثلا فرويد على شدة ذكره مع الوجوديين،نشعر بأن ما يفصله عن الوجوديين هو خيط رفيع ومن الممكن القول عنه بأنه عالم نفس جنسي وجودي.
لنأخذ هذه الحالة على سبيل المثال...أماندا كل عشاقها يذكرونها بوالدها
هل تعاني أماندا من عقدة أوديب الشهيرة...؟!
ولكن ان كانت عقدة اوديب هي عقدة خاصة بالذكر،فهي على الأغلب تعاني من عقدة أوديب المعكوسة،...أي عقدة اليكترا...؟!
ثم يتحدث وودي ألن بشخصية دوبيل عن امكانيات العادة السرية
هو شخصيا يفضل العادة السرية:لقد جمعت صوفيا لورين ومارلين مونرو مع بعضهما البعض
وبالمرح ذاته يقول:هاتين الممثليتين العظيمتين لم يظهرا معا اطلاقا في أي مشهد
عندما يتفاجا جيري بأن أماندا تخونه بعد مصارحة من دوبيل،وبعد حوار مع كوني صديقة أماندا التي القتها بين يديه ليس من قبيل الصدفة
كوني:لقد انهيت للتو ملاحظات من تحت الأرض لدوستيوفسكي،ألا تعتقد بأن دوستيوفسكي هو الكاتب الأكثر روعة في الألم...؟!
يقول جيري مع نفسه:من سيهتم لدوستيوفسكي إذا كانت أماندا تنام مع هذا الشخص...
هذه وجهة نظر أخرى للحياة،إنه اعادة تقييم للحياة من قبل الحياة نفسها...هذه الحياة التي تضربك على رأسك لتعود الى واقع الحياة...
دع الألم قليلا،ودع الأسئلة...أنظر الى امامك قليلا...الى ما هو امامك
انه شيء أشبه بالخروج من غرفة الدماء المرعبة،المظلمة،الورائية...شيء اشبه بالخروج من ميتافيزيقيا الدماع...تغيب الأسئلة تماما عن دماغه...هنا الصدمة التي تعيد الانسان الى الواقع...
لكن أيضا،فهذه الصدمة بعد مواجهتها ومن ثم تقبلها اي الاعتياد عليها...تعيدك طوعا أو كرها الى نفس الأسئلة:إذا كانت الحياة بلا معنى...لماذا اخترنا أن نعيشها

التقاء شاب مع شخص مسن كلاهما يمتلك نفس المواهب وربما نفس الامكانيات،ولكن أحدهما يتفوق على الآخر بالخبرة هي حبكة جميلة وان كانت مكررة ولكنها هنا مختلفة بالصياغة....لكننا نعتقد أن هذا الالتقاء يحمل شيئا آخر،شيئا ربما مختلفا بالنسبة الى نقاط التشابه الكثيرة بين دوبيل وبين جيري من حيث الفلسفة وطبيعة التفكير بالاضافة الى ان كلاهما يهودي...
هل جيري فولك هو صورة دوبيل في شبابه...؟!
على نمط ذلك العنوان العريض لجيمس جويس
ان يكون وودي ألن قد وصل الى الستين وهو يعكس شخصيته الشابة لا ليعيد تشكيلها-فوودي ألن بالرغم من كل شيء يبدو راضيا جدا عن نفسه-بل ليعيد الماضي الى لحظات ممكنة ويعيد النظر في الحياة،ولكن بناءا على أحكام أخرى ربما تكون اكثر حكمة ولكنها متعلقة بطبيعة التفكير نفسها...
تشاء الظروف من قبل جيري أن يترك نيويورك ويرحل الى كاليفورنيا وحيدا...وحيدا جدا حتى عن اقرب اصدقائه ويلمح صديقته أماندا مع الطبيب الذي داعبها جنسيا بحجة فحصها...يقول جيري لسائق التاكسي:
كنت فقط أقول،كم هذه الحياة غريبة،مليئة بالمواقف الغامضة المتعذر تفسيرها...
سائق التاكسي:حسنا،أنت تعرف...انه مثل اي شيء آخر
الحياة قائمة على اللامعقول،الاشياء الكثيرة غير القابلة للتفسير التي علينا القبول بها...فهي بالتأكيد:
كأي شيء آخر
6/5/2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى