الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطفٌ أطلقني في وجه الرحيل

رنا جعفر ياسين

2006 / 11 / 10
سيرة ذاتية


سيرة موت
( هذيان .. أو محاولة الكتابة من جديد )
ربما سأحاول الان مداهمة ألمي و اقتناص فرصة الإمساك بالقلم مرة أخرى .. بل و اشهاره علنا ً في وجه الورقة بشجاعتي المعهودة ( المفقودة الآن )
فحينما يملؤني الزهو بالخروج من مقصلة الوطن / الطيف , أتساءل ....
مالفرق بين السياسي و الإرهابي ؟ .. بين الحاكم و الجلاد ؟ .. بيني و بين عشرات المذبوحين ؟؟
و يجرني هذا الى تساؤل اكثر جنونا ً ....
ما الفرق بين المعقول و اللامعقول ؟؟ , بين الوطن و اللاوطن ؟؟


..... ..... .....
..... ..... .....


الزمن تمطى ... و سنواتي الست و العشرين انصهرت في ثماني و اربعين ساعة تفصلني بين الولادة و الموت ... بين الحرية و الدفن في اقرب حاوية ازبال
تأملت طفولتي البعيدة و أصدقائي المخنوقين بالحسرة و القلق و تأملت ايضا ً صورة عائلتي الميتة ( كما اعتدتها ان تكون ) , فكرت مطولا ً ببرودة الثلاجات في مقابر الطب العدلي المؤقتة و بكم الأجساد باردة اللحم ذات اللزوجة و الدبق الدموي , و التي كانت في زحام الموت بالمجان ستتكدس- حتما ً- بجواري و تزاحمني اللحظات الطويلة .... فوقي و تحتي
تصورت بأننا قد نتبادل الاحاديث الطويلة و الحوارات ( و لكنها بلا شك كانت ستكون حوارات بعيدة عن الثقافة و الادب و الفنون ) فلن يسأل أحدنا الاخر عن اخر كتاب قرأه قبل الموت , أو اخر عرض مسرحي أصابه في الصميم بالضحك , و لا عن شكل الالوان المعلقة على حوائط بيوت الفن .... بل كنا بالتأكيد سنتحدث عن شكل القاتل , نقارن لون البشرة بسواد القلوب , وربما سيذكر احدنا اخر صرخة تعثرت بها انفاسه اللاهثة او يلهج بأخر ( شتيمة ) اصطكت بصيوان اذنه التي غالبا ما تكون مقطوعة
كنت أعرف مسبقا ً تتابع الأحداث في تراجيديا الموت هناك .. عند الوطن المبلل بالذبح حيث تزهق الارواح بسرعة فتح علب السردين .. تصورت خطوات فصل الروح عن هشيم الجسد التي لا تشبه في تحقيقها معادلات الموت الرحيم
( خطف .. فتعذيب .. فقتل .. فتمثيل و تمزيق و حرق )
كانت تراودني صور المسامير المغروسة في الرؤوس و الأشلاء المنخورة بالمثاقب و الأعضاء المقطوعة و العيون المقلوعة و الجلود المسلوخة .. و تلك الجباه المشوية بالنار و التيزاب ... كنت أسمع اهتزاز السماء يتداخل مع صفارات السيارات المعبئة بالقتلى ... كنت اسمع أصداء صراخ .... و صراخ ... و حناجرَ تنزّ صديد الصراخ و قيح الموت

يااااااااااه .. كم يحتاج المرء من قوة لفصل الفكرة عن ذاكرة من سيلعب دور الضحية في مسلسل الاعدام و الرؤى المميتة ... لكنه سرعان ما يدرك و هو في خضم الانتظار بأنه من السهل جدا و في لحظات مهدورات ان يشهد ولادة قاتل من قلب طفل زاده اليومي ثقافة السلاح بلونه الاسود
و سرعان ما ادركت بأنه من السهل جدا ً أن أزاول الشعر و الموت معا .. كما يزاولون هم العيش و القتل ... هذا ان خرجت من الجريمة بكامل أفكاري البشرية



..... ..... .....
..... ..... .....
..... ..... .....


كنت اعرف انه لم يكن كابوسا ً هلاميا ًأصابني بالكوما في أحد تلك الصباحات الملبدة بالموت كعادتها ... يوم تمزقت يقظتي بموت أطوار بهجت , حين قررت بعدها نزع فتيل الوطن و هو يشتغل قهرا ًو يتوغلُ ألما ً و خوفا ً في أرض السواد
لذا قررت حزم أمتعة أبجديتي و حقائب الذكريات المخدرة بدموع الأصدقاء و عطر أركان البيت العتيق ..... وقررت بأن السماء ستنجب لي - حتما ً- وطنا ً من أحلام يتميز بسهولة حمله و نصبه أينما حللت .. أعلق على جدرانه كل ما حملته من صراخ ايامي الماضيات , موقنة ً حينها بقدرتي على ابقاء النوافذ مشرعة ً بوجه الوقت .... لامنعَ تجول .... و لا هجماتِ مسلحين يرشون الرصاص في وجه البشر...... بل ثمة فراغ مؤطر برغبة العيش بلا دماء ...............
كنت أعرف بأنني سأتزين بالشمس و هسهسة الأشجار دون خوف من الـ( كل شيئ ... الذي كان يلعلع في ارض السواد )
و هو - رغم كل شيء – كان قرارا ً يتسم بالمرارة و الخذلان .... أن أترك مفرداتي ( الوطن – أصدقائي – رائحة أمي ) ..... حتى تصير الشوارع أشعة تمتدُ الى خلف ذاكرتي المغلوبة و يصير الأصدقاء أصواتا ً عبر هواتف غالبا ًماتكون خارج نطاق العيش .. و تصير رائحة أمي مدونة في سترتها التي طويتها بين كثير من الذكريات في حقيبة الرحيل ............

لكنني و جدت نفسي فجأة بلا وطن و بلا أصدقاء .. و على بعد شهقات من أمي ... أبدل استعدادي للبداية بقساوة النهاية , في محاولة لأختزال الصدمة
فوجدتني أتقن فن المراوغة وأبرع في التمثيل , أحترف – عمداً - الاغماءة و القيء


أتنفس موتي .. و القاتل يأكل و يشرب و يسكر
أتنفس موتي , بأحترام في بيت القاتل / جاري .. و هو في بيتي يأكل و يشرب و يسكر
أتنفس موتي .. أخرج من بيت القاتل .. أقصد بيتي .. يفتح بابي القاتل
أقف بين موتين .. بين سلاحين ... أحدهما يحاول تأمين روحي و الآخر يحاول تأمين اخراجها بوحشيته المطلوبة................................... أشعر بغباء كوني
ماذا يحدث ؟؟؟
يا الله ...
يالهذه السوريالية في ممارسة حياتنا المعجونة بالموت !!



.... .... ......
.... .... ......


حاجز مكاني و ساعات متوقفة تفصلني عني ..
فأتأكد بأن الوطن جريمة الشرفاء , و بأننا سموم الحقيقة في عالم الزيف و الخداع و المصالح اللامشتركة
يالهذه الكوميديا السوداء المترفة باللاجدوى !!



.... .... ......
.... .... ......



أحاول الان فك الاحتباس في لغتي ...
سأزاول مهنة البحث عني و احتراف البقاء بلا وطن و بلا اصدقاء .... و أيضا ً بلا عائلة ميتة

لكنني ... أشعر بشوق مقيت إلى بغداد ... إلى أصدقائي ... و إلى وطني الذي انتزع مني حيث لا قانون و لا دولة , و حيث القادة في أرض الذبح يتناسلون طغيانا ً و ظلما ً ....... لا يعرفون طعم الحلم المسلوب و هم يدهنون خبز صباحهم برحيق القتلى , فالجميع خارج الجنة الخضراء يرتدي ثياب الموت , مستعدا ً لإستقباله في اغتيال عابر أو انفجار لحظة مفخخة .... و هؤلاء لا يبالون ...كمترفين , يخفقون الأكباد بخلاطات حليبهم الصباحي
و أنا هنا .. أبحث في المدينة المعلبة عن بيتي الشاسع .. أبحث في الملامح المجهولة عن أخاديد الفرح و الحزن في وجوه الأصدقاء .. أبحث في الزحام عني ... فأضيع


..... ..... .....


حاولت , مدَّوخة بالمجهول , أن ألم شتات حبري .. و أكتب الشوق و الحسرة
أحفرُ في ذاكرة القاتل ذنب ابتعادي عن رفاق في جوار ٍ صار أبعد من حماقة الوطن
أثقبُ قلبهُ برصاصة المسافة التي تفصلني عني
و أسحقُ رأسه بتراب الوطن العالق في حذائي

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ..
و جعي قاتل
و صهيل الظلم يدنس أصوات السفاحين
ينهكُ بغداد
ينهكنا .. و يخرجنا مهرولين بأنفاس مغسولةٍ بالبارود و الموت المقدد


يؤلمني الاعتراف بجحيم الهزائم و طول الطرق المعبدة بالأشلاء و الظلم ... هذا هو شكل الارهاب في بلادنا ... فهم يسفكون الحلم الساخن بدم بارد
و يخرجونا من شتات اسمه ( عراااااااااق )

أعاننا الله على فراق أنفسنا في أوطاننا , و أعاننا على سفك الجريمة ذات يوم بصناعة وطن ...

القاهرة
17 – 10 – 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا