الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشراقات اللغة..وجمالية الإبداع.. لدى الشاعرة التونسية المتألقة-زهرة الحواشي- قصيدتها -حدثيني يا خنساء- نموذجا

محمد المحسن
كاتب

2023 / 9 / 8
الادب والفن


وعندما أقرأ "(* حدِّثيني يا خنساء *) شعرا لشاعرة معاصرة -ترقص على إيقاعات الكلمات-،سرعان ما تقودني قراءتي للتعمق في ما هو كامن وراء أسلوب الشاعرة التونسية المتألقة (زهرة الحواشي) من تقيمها الإنساني لمخلوق استوطن ملكوت الشعر منذ أن دنا إليه خيال الشعراء ( المرأة ).
فلا زلت أقرأ المرأة عيونا،ورموشا،وخدودا،وجيدا،وخصرا.
ولا زلت أقرأ العلاقة معها: شوقا وعشقا وسهدا وأسرا.
ولست أمانع إن فعل ذلك الشعراء وهو ديدنهم وجهدهم.
وإذن؟
لاشكَّ-إذا-في أنَّ الشعر فنّ مثير كباقي الفنون؛وفن الشعر لا يعتمد فقط إيقاع التشكيل الجمالي،وإنما إيقاع الشعور الحسي التأمليّ في صناعة ذلك الدفق الروحاني،أو الومضة الروحيّة التي تعتصر مكنون الذات،وتبث ألقها بشرارة الإبداع؛ والشاعر/الشاعرة المبدع(ة) ليس خلاّقاً للغة فقط،وإنما خلاّق لعالم آخر يسعى إلى الدخول في أتونه ألا وهو (عالم الرؤية) أو( عالم الحلم)؛والقصيدة اللوحة هي قصيدة الحلم أو قصيدة الولادة الجديدة؛بحس جديد،وشعور جديد،ومن لا يملك هذا الشعور المتجدّد لن يصل في شعره إلى مرتبة الفن
وإننا- في مطالعتنا لتجربة-الشاعرة التونسية المتميزة-زهرة الحواشي-(وهذه شهادة مني) نتأكد أنها فنّانة في ترسيم شعورها بألق اللحظة العاطفية الصوفية المحمومة -
أجزم-زهرة-المنبجسة من ضلوع -الإبداع-وإنما هي تسعى إلى حيِّز المطلق والانفتاح التأملي،فحدود الرؤية-لديها-مطلقة مفتوحة،تجوب فضاء الآخر دون قيود اللحظة الزمنية أو الآنية الضيقة،إنَّ حدود قصائدها تجوب الحاضر،وتفتح آفاق المستقبل،تولد كل لحظة،لتبعث أملا جديدا،وحلما جديدا وعالما جديدا..
لذلك؛ فالفنّ -في شعرها-يكمن في طريقة تشعير الكلمة في فضاء السياق،فالكلمة تحسّ أنها تصنعك،والجملة تتدفق من ومض روحك،والقصيدة تترك بصمتها في قلبك وتجوب حلمك، لتتربع على عرش فؤادك،وتتلون ببريق عينيك..لترى ما لا تراه من سابق..وتحلم أحلاماً كانت في حلمك الأزلي..تفتقت أمامك من جديد...وعاودت إليك هدهدة الأحلام وضحكة الطفولة،التي أذبلتها جهامة الأيام؛وجففت ينابيعها جراح السنين.
ختاما أقول:
لا يستطيع قارئ قصيدتها الموسومة بـ [* حدِّثيني يا خنساء *] من الوقوف على شائبة تصويريَّة،أو عثرة تشكيليَّة،أو هجنة إيقاعيَّة..
لهذا تكتمل مثيرات قصائدها كلها في تعزيز جمالها وتناسق إيقاعاتها،كما لو أنها مُهَنْدَسَة فنيَّة لتأتي غاية في التفاعل،والتضافر،والانسجام؛وهذا ما يُحْسَبُ لشعريّة الشاعرة التونسية المتألقة زهرة الحواشي-أنها ممتدة امتداد الأفق،تعايش عالم مفتوح غني
بالمعارف،والمواقف،والإمكانات،والأيديولوجيات،والموروثات الأسطوريَّة المكتسبة..
تتفاعل - في القصيدة عند -الشاعرة زهرة الحواشي-الإيقاعات البصريَّة،بالإيقاعات الصوتية بالأنساق اللغويّة التصويريَّة؛بإمكانات فريدة،تؤكد جدارة شعريته وجسارتها،وعمقها في بث الرؤى،وتكثيف المواقف،والأشكال التي تفرزها حركة الألوان والإيحاءات في قصائدها التشكيليَّة ذات الترسيم اللوحاتي في حركتها وتماوج إيقاعاتها الداخلية.
ولنا عودة إلى ابداعاتها الخلاقة-عبر مقاربات مستفيضة..
لنستمتع قليلا بما جادت علينا قريحتها الشعرية العذبة:
* حدِّثيني يا خنساء *
حدِّثيني يا خنساءُ
عن سُهدِك
عن لياليكِ الحزانى
و عن سوقٍ يباع الصّبر ُفيها
عند مُرّاتِ النّوائبْ
فأنا استوفَيت صَبري
عند أنَّات المحابرِ
و دموعِ الحرفِ حرَّى
بين أدراجِ المكاتبْ
هو يومُ العَوْد للْعلمِ
و َلِلصَّفِّ و لِلدَّرسِ
فما الدّرسُ و ما القسمُ
و ما العلمُ
إذِ العلاَّم غائبْ!
إسْمعي نعْي المدارسِ
و بُكاءاتِ المقاعدِ
لِصدى صَوته يْدوي
جَهْورا يلغُو بِأورادٍ
لِعلياءِ المراتبْ
حدِّثيني عن نَشاز اللّحن ِ
عن علّاتِ أوتارِ القصيد
عن شِعرك عن صخْرك
عن شبحٍ من الأبيات هاربْ
عن لِحافك بعد صخرٍ
فَحريري بات شوكًا
و غنائي صرخةً صمَّاءَ دوَّت
و هو ماضٍ غيرُ آئب
قولي يا خنساءُ
هل كان صخرُك يشبِه حلّاجي
وَدودا و أمِين ؟
قولي يا خنساء شِعرا
فَنفِيرُ الشّعر يا أختَه
يا ثكلاهُ
رغْم طولِ العهْد صائبْ
حلّاجي أنا يا خنْساء
قطُّ ما حَمّل سيفًا
قط ُّما أهرقَ دمًّا
كان جوادُه عِلمًا
و سيفُه قلمًا
هل كما حلَّاجي
كان صخرُك يزرعُ
الأهازيجَ سلامًا و آمالاً
ينضو خدشاتِ السِّنين
عن جِباهِ اليائسينْ !
أُعذُريني يا خنساءُ
نكأتُ جرحَك منْ جديد ْ
فنزَّ نارًا و أنينْ
فكيفَ بي و حلاَّجي
بعدُ في إلهامِه
يزرعُ أحلامَه
وينشرُ سلامَه
فيغمرُ الْمُريدْ .
زهرة.
15 سبتمبر 2021.
المتأمل في المعجم الشعري عند الشاعرة التونسية السامقة زهرة الحواشي،يجد أنها تَستعمِل اللفظ استعمالاً جديدًا،يتماشى واستخدام الألفاظ ودَلالاتها، ووضْع الصفات من موصوفاتها،ثم التوسع الكبير في المجازات،والابتكار المُبدِع في الصور،وهي تختار من الكلمات ما كان ذا موسيقا،ومن التعابير ما كان ذا إيحاء،وهذه الجوانب الخاصة بالأسلوب وبطريقة الأداء هي أهم ما يتَّضِح فيه عنصر الابتداع عند الشاعرة،وحسْبها تحقيق المعادلة الصعبة،التي تحتفظ للشعر بخصائصه النفاذة المؤثرة في أعماق النفوس،وتَبتعِد به عن الإبهام والغموض،وحسبها أنها تَصدُق التعبير عن مشاعرها،وتكون تعبيرًا عن الوِجدان الجماعي للمحيطين بها.
قبعتي..يا شاعرتنا الفذة زهرة الحواشي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا