الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية ( تمزقات . . في ارض موحلة بالأكاذيب ) - ح 16 / عملي الروائي قبل الاخير ، 2021 - رواية غير منشورة

أمين أحمد ثابت

2023 / 9 / 9
الادب والفن


***

ككل يوم من ايام عاميك الاخيرين من اعتكافك الذي وجدت نفسك خائضا فيه دون تخطيط مسبق ، سرقة الاصيل راحلا بك خلال مسبحة الليل الى انبلاج ضوء الصباح ، وتارة تقطع سفريتها وتنزلك في محطة من محطات انسدال الظلام من تلك الليلة . . ثم تعاودك الرحيل مجددا من منتصف الليلة حتى احتلال ضوء النهار موضع خلوتك ، مرات في مرتحل منتصف الليل تكون حواسك الدماغية نشطة وعقلك المتبصر حاضرا بلغة مجردة من التفكير ، واخرى يكون ارتحالك مناما او في مسار معقد متشابك من اضغاث الاحلام - تجدك رحالة لم يسبق لبشري أن كان او يكون مثلك من التنقل الدائم . . الذي لا يعرف توقفا ابدا – تطفو سابحا بقانونية مشيئة نفسك . . على محيط تلك العوالم والولوج إليها بكل تفاصيلها ؛ خارج لحظة عيش الواقع بكل من فيه من البشر – رغم أن اصواتهم تصل إليك بكل تلوناتها ، إلا انها تكون مفرغة من المعنى والدلالة بالنسبة لك ، فروحك ترحل بتجرد بعيدا عن جسمك الحاضر ، الملتقطة حواسه كل ما يصل إليها من المحيط بها . . كصدى اصوات ومرئيات تتلاشى . . كما لو انها لا وجود فعلي لها بالنسبة لك – وقتا تتسيح في جزئيات من مكونات الذاكرة القديمة بكامل مشخصاتها وزمنيتها وظروفها الخاصة والحاكمة لخزنها بتلك الهيئة ، تحضرها مشاهدا تذوقيا تارة لمستجلباتها العاطفية والسكون المتوقف برهة داخلها ، واخرى محللا حالة خزنها بتلك الهيئة واستنطاق العبر والاسباب والاحكام لما ورائها لتخليق عقلك الجديد عند عودتك الى عالمك الواقعي . . الذي تجده بائسا . . لكنك مجبرا العيش فيه ما دمت لم تمت بعد . . .

عليك توالت كثيرا من القصص ، سجلتها عند تطوافك الليلي وعودتك الى موطن غربتك الابدية من الصحو الذهاني اليومي المقيت . . كغيرك من جرذان هذا الوطن الممزق في الحرب الكاذبة - لا طائرات اليوم . . تفرغ ما في جوفها من السماء ، رغم أن الحرب المدمرة ما زالت على عجلة سيرها ، لم اسمع ( غثاء الفضائيات ) . . ولم تصل لأنفي اليوم روائح اخراجات الفاسدين المترفين من نظام الزعيم المبقور بالرصاص لرعونة وهمه الذي عشش على رأسه . . بأنه . . حي لا يموت – وإن توجعت عيناي من رؤية كائنات قبور متسخة تستبدلهم القصور والسيارات الفارهة والجيوب المثخنة بالنقود الورقية المرصوفة رزما جديدة من الفئات لألف ريال ودولار ويورو – تتذكر حينما دخلت محل بيع الألعاب لشراء ملصقات اشكال ورقية, تبايعت وصاحب المحل أسعاره الغالية بزيادة ثلاثمائة ريال على كل ورقة – لم يكن ما معك كافيا لشراء خمس كما طلبت ابنتك لبنى – وكان المكان يعج بزوار قبليين تنبعج كروشهم خلف قمصانهم ومن كان قريبا منك بوجنته اليسرى المنتفخة بشكل ملحوظ كما لو انها تخزن كرة بلياردو وراءها في تجويف الفم متعاليا وصارخا بأولاده السبعة أن يأخذوا ما يريدون . . وهم يعيثون مقلبين ورامين كل شيء كان موضوع بانتظام للعرض . . وزوجته بردائها الأسود الذي يظهرها كتلة مكورة لمادة جامدة ، حين اخرج من جيبه الامامي رزمة مالية بما لا يقل عن مائة الف فئة ومن جيب قميصه الايسر رزمة عشرة الالاف دولار تقريبا من فئة المائة . . مقابل ما جرفه الأطفال من كل مكان من السيارات والموتورات الكهربائية وألعاب كبيرة غالية الثمن وعشرات من الملابس والدمى والكرات – تصنمت في مكانك بفم مرتوق . . وتضغط كف ابنتك الصغيرة التي تلح على الشراء – رمى على طاولة المحاسب رزمة الريال الأولى ومد بيده رزمة الدولار الاخرى بأنفة وتفاخر الى الكاشير أن يقطع حسابه ويعيد الباقي – كانت هيئتهم وكل من احتل المحل وقتها كما لو أنهم لم يعرفوا المدينة من قبل وسلوك التبضع – استلم الباقي ويأمر الحمالين لأخذ المقتنيات الى الخانة الخلفية للسيارة التي فتحها بزر الريموت كونترول من داخل المعرض بكبرياء مع الاشاحة بيده لتدركه العيون المحيطة – تسللت وراءه خارجا وطفلتي تبكي لتغييري مكانا اخرا للشراء . . بعد أن اعجبتها صور الملصقات التي اختارتها – لن نلاقي مثلها بابا ، هذا المحل الأفضل – ضغطت مكررا كفها الصغير لتصمت ، كان الأطفال يتنططون بصراخ كالقردة وزوجه تتدحرج وراءه تابعة – كانت سيارة من الفخامة لم ترى مثلها سوى في أفلام المافيا . . يركبونها زعمائها الجالسين على ثروات تزن مئات الاضعاف لوزنك واسرتك الستة الاخرين - منذ وقت لم يعد يفجر رأسك من عصبه السمعي رطانة نخب لوك الكلام المردد عن الفضائيات , قد هربت من زيف الوطنية في لعبة الحرب الكاذبة ومن معركة الاشتباك مع حرمك المصون الضاجة بمهان المعيشة – انت الرجل . . مسئوليتك تدبير حل ، ما فائدة شهاداتك واستاذ جامعة ، ما تنفعنا زبالات أوراق كتاباتك . . الأكثر من عفش البيت – ما في راتب ، عمل ما في . . هذا وضع كل الناس . . ما أعمل – احتدم الجدل والاتهام والتحامل . . ككل لحظة من يوم الى اخر . . حين تجدني منكفئا في زاويتي اكتب هروبا من الشكاء والانفعال والغضب . . تقدم إلي مشعلة شجار برمي قبح ما يجري علي – انت الرجل . . دبر امرك . . مثل الاخرين – تخرج هاربا من البيت وسيل التراشق بالكلام لا يتوقف ، تعرف بقاؤك يصعد الوضع لما يهدد حياة اولادك – سوء الحادث أصابها بالمس . . لا تقف عند حد من تصعيد المواجهة ، تتعدى رشقك بالسلبية . . لتصل الى تجريح زواجها بك وعيشها معك لربع قرن ، لم تستفيد من راتبها طوال ذلك العمر ، لكانت بنت بيتا لها وخزنت الكثير من الذهب . . لو لم تتزوج بك ، فكله انفق على اولادك . . المفروض هذه مسئوليتك كما تقول – غالبا ما يكون هروبك من حائط ارتطام سناء . . مساء ، تغوص في جوف ظلمة السماء ليلا , تعبث بالنجوم بين يديك . . حتى تنطبق السماء عليك من كل صوب . . ولا تجد نفسك إلا طريحا دون حراك على فرشك ، غير مدرك متى وكيف عدت وصلت مرقدك , كل شيء مفجع . . وتجزع من الناس حينما تصادفهم . . لا يعنيهم من الامر شيء – الحمد لله على كل شيء ؛ ربك سيسهلها . . من عنده ، هو العالم بحال عباده – تسمع زعيق أصوات أخرى . . احمدوا الله . . في من يقاتل من اجل كرامتكم . . وانتم راقدين في بيوتكم – هناك من يزداد حدة . . انتم تستحقون الحرق ، مفترض تؤخذون وابناءكم وترمون في المعركة ، حرام والله وجودكم وغيركم يدافعون عنكم ! ! ! . . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي