الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التداعي

أحمد الناصري

2006 / 11 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


بعد المأزق والإستعصاء يأتي التداعي كنتيجة موضوعية وطبيعية للحركة الداخلية والخارجية للأسباب والشروط التي تصنع قضية ما أو موضوع ما، وهذا ما ينطبق على الحالة الأمريكية الراهنة، وهوما تتعرض له الإدارة الأمريكية الحالية، وهي تجر أمريكا كلها الى الفشل والتراجع والتداعي، بعيداً عن ( الحلم الأمريكي ) الداخلي، فقد حاولت الإدارة الحالية وقبلها إدارة بوش الأب إلتقاط التغيرات الكونية التي حصلت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي، وإنتهاء الحرب الباردة، وقد توهم العقل الأمريكي بوجود فرصة تاريخية كونية نادرة لقيادة العالم والسيطرة عليه وفق مصالح وقرار القطب الواحد، وطرحوا تصور نهاية التاريخ والقرن الأمريكي الجديد، ثم جرى الإنزلاق التاريخي الكبير لفرض هذه الرؤية والتصور على الشعوب والعالم بالقوة العسكرية الإستعمارية المباشرة، لمعالجة وإستغلال أحداث 11 أيلول الرهيبة، ومن هنا بدأ التورط و من ثم التراجع والتداعي، لأسباب إستراتيجية كثيرة، من بينها عدم معرفة الإمكانيات الحقيقية لأمريكا، وعدم معرفة طبيعة البلدان والشعوب التي تعرضت للعدوان والغزو الأمريكي، وهشاشة وكذب الدعاوى والأسباب التي أطلقتها الإدارة الأمريكية، وخطل الخطط والأساليب المتبعة، وبشاعة النتائج الكارثية التي أفرزتها هذه الحروب على جميع الأطراف وكلفتها الباهضة. لقد بدت أمريكا كمن يلبس ثياب كبيرة وعلى قياس غير طبيعي، أثارت بسببها الإبتسامات الخفية، التي سرعان ما تحولت الى قهقهات عالية وسخرية علنية، خاصة بعد إن تلطخت تلك الثياب بالأوحال العراقية والأفغانية !! لقد غدا العالم مضطرباً مع بداية القرن الجديد، وقد إزدادت المشاكل الأساسية، وخاصة ما يتعلق بالفقر والجوع والإستغلال والنهب والإستبداد .
الآن تتداعى الإدارة الأمريكية بسرعة كبيرة، بسبب مشاكلها الداخلية والخارجية الكثيرة، خاصة لعنة العراق التي تحولت الى ورقة إنتخابية داخلية الى جانب الوضع الإقتصادي ( المعيشي ) المباشر للناس والقضايا الأخلاقية والإجتماعية، وتتحول أمريكا من جديد الى نمر من ورق، وقد سقطت أحدى أقدامه الورقية، بعدما سقط حزب بوش الجمهوري، في الإنتخابات النصفية، وفقد الأكثرية من الكونكرس ومجلس الشيوخ الأمريكي، وهما السلطة التشريعية، وهذه الهزيمة عادة ما تكون بروفة للهزيمة الرئاسية، ثم تهاوى رامسفيلد، المجرم الذي قاد الحرب العدوانية على بلادنا، وأصدر تعليماته وبتوقيعه للقتلة الساديين في سجن أبو غريب وبقية السجون المنتشرة على أرض وطننا، وأطلق العمليات العسكرية الوحشية ضد مدن النجف ومدينة الثورة والفلوجة والرمادي وبغداد والبصرة وحديثة والكرابلة، وقد بدأت الأصوات المطالبة بتقديم رامسفيلد الى القضاء العالمي، لإرتكاباته المشينة وتعليماته للسجانين في معسكر غوانتنامو الرهيب. إن إعلان فشل رامسفيلد، هو فشل صريح للسياسة الأمريكية في العراق، بإعتبار إن البنتاغون هو الذي أشرف وأدار كل مفاتيح السياسة في بلادنا، خاصة بعد خروج كولن باول . كما تحول بيرل الصهيوني الحقود ومنظر الحرب الأول الى معارض لبوش، ولم يعد الى جانبه غير تشيني صاحب القلب والعقل المثقوب .
لقد أعترف بوش بأن الوحل العراقي، هو أحد أسباب الهزيمة في الإنتخابات النصفية، لكنه أصر على الإستمرار في ( تنفيذ المهمات حتى تحقيق النصر) وهو الخطاب المكرر والهدف الذي يبتعد حثيثاً لحظة بعد لحظة، والوقائع الجارية على الأرض العراقية لاتدعم هذا الإدعاء وهذا الحلم المستحيل، والموقف الأمريكي يزداد صعوبة وتعقيد مع مرور الوقت، وقد سقطت جميع الخطط لفرض السيطرة العسكرية والسياسية التامة على وطننا، وأخيراً هربت شركة بكتل العملاقة من العراق، كعلامة من علامات الإنهيار والشؤم لبوش وتشيني خاصة، وكانت هذه الشركة بمثابة الفرقة الأمامية التي أرادت أن تسيطر على الإقتصاد العراقي عبر ما سمي ب ( عملية إعادة البناء ) ، وقد تحول البناء الى فشل ونهب وسرقات وفساد عالمي شامل، كما يستعد السفير الأمريكي زلماي خليل زاده للهروب من العراق كجزء من الفشل العام .
ها هو بوش يتحول الى بطة عرجاء ومريضة، تمشي بقدم واحدة، هي قدم السلطة التنفيذية فقط، لايستطيع أن يقرر أو يتحرك كما كان في السابق قبل الإنتخابات، رغم إنه لم يستطع أن يحسم الوضع في تلك المرحلة أيضاً، أما الآن ففرصة تتراجع وتنحسر، وهو على طريق التداعي السريع، وسوف تلتقط الأطراف الأخرى هذا التراجع لزيادة وتركيز هجومها على المخطط الأمريكي في العراق وعموم المنطقة .
لقد وقفنا منذ البداية ضد المشروع الأمريكي لإحتلال بلادنا وتدميرها، ورصدنا وتابعنا كل التطورات الرهيبة لحظة بلحظة، الى إن حصل التراجع والتداعي وهو ما يسبق إعلان الفشل الرسمي، والذي لن يكون بعيد.
سوف تنعكس هذه الأحداث مباشرة على الوضع الداخلي العراقي، وسوف يزداد إرتباك الإدارة المحلية، ويزداد مأزقها الشامل، وسوف لن تنفع الترقيعات والإجراءات السخيفة، ولن تنفع حرب الهاونات الثقيلة التي تستهدف الأحياء السكنية في بغداد، بعد حرب المفخخات وفرق الموت والتقسيم الطائفي السافل، ولن تنفع الإدارة المحلية رسالة الشكر من ( الشيخ عبد الستار بزيع فتيخان أبوريشة رئيس مؤتمر صحوة عشائر الأنبار ) !!
لقد سقطت جميع الأسباب والنتائج والأشخاص في عملية غزو العالم والسيطرة عليه، وهذه فرصة تاريخية نادرة للمشرع الأمريكي للعودة ببلاده الى أمريكا وبناء ( الحلم الأمريكي ) الداخلي، من دون إستعمار وإستغلال للشعوب الأخرى، ومن دون حروب عدوانية ظالمة وتداعيات عالمية سلبية، في سبيل عالم تسود فيه مباديء القانون والعدالة والسلام








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أطفال غزة: من أهوال الحرب إلى نقص المواد الأساسية


.. جون كيربي: -خريطة طريق- جديدة لإنهاء الحرب في غزة




.. بين عزلة وانهيار الحكومة.. خطة بايدن تضع حكومة نتنياهو بمفتر


.. على وقع تصعيد خطير في جنوب لبنان.. بيروت أولى محطات وزير خار




.. سقوط 3 صواريخ بالجليل الأعلى واعتراض آخر في إيلات