الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب القومية العربية من التكوين إلى الثورة (الحلقة الثانية) (2/4)

حسن خليل غريب

2023 / 9 / 9
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الفصل الثاني
الثورة العربية الإسلامية، وتأسيس الدولة العربية الأولى
شكلت حالة الاندماج الاجتماعي، في البقعة المعروفة بين البحر الأبيض المتوسط، والحدود الجغرافية العراقية نواة أساسية أصبحت تُعرف بالمنطقة العربية، واستندت إلى عناصر ثلاثة، تناول المؤلف كلاً منها بالتفصيل. وهي: الجغراسياسية، والمعرفية، والروحية.
لقد انقسم التراكم المعرفي، في تلك المرحلة، إلى نوعين: المعارف المختصة بالعلوم الماديةوتحقق فيها أهم الانجازات. وحقل المعارف الروحية المتعارف عليها بالأديان.
أما المنتمون إلى الأديان السماوية، الذين نظروا إلى الكون بعيون قطع المراحل التاريخية عن سابقاتها، وجمدوا التاريخ عن التطور، فلأنهم لم يعترفوا بأنها حلقة في سلسلة التراكم المعرفي الذي سبقها، وستشكل هي نفسها حلقة في سلسلة التراكم المعرفي الذي سيخلفها.
لم يشذ الإسلاميون عن مسار تجميد التاريخ المعرفي للبشرية عن غيرهم، فعلوا ذلك لتضخيم دور الإسلام بتقزيم دور غيره من جهة، ونفوا أن تكون هناك أمة عربية. وهذا السبب دفعنا إلى دراسة المرحلة التي سبقت الإسلام. فوجدنا فيه تراثاً غزيراً، نهلت منه الحضارة الإنسانية كلها. ونحن نكتفي بما قمنا به من تكثيف هذا الجانب في الفصل الأول.
ولكي يثبت المؤلف أن الإسلام مرتبط بتاريخ التكوين الروحي للأديان التي سبقه، ومنها الأديان الوثنية، فقد اعتمد على دراسة مقاربة بين التراث الديني، ونقل مجموعة من نصوصها، فوجد مدى التقارب الذي يكاد أن يكون مذهلاً، يمكن للقارئ أن يتابعها في موقعها من الكتاب. ولقد اعتمد في مقاربته على مقارنة النصوص الوثنية، خاصة السومرية منها، مع نصوص التوراة والإنجيل والقرآن.
وعن ذلك، فقد بحث عن عناصر عقيدة التوحيد عند الأديان، فوجدها اختصاراً، بالتالي:
1-وحدانية الإله عند إخناتون في مصر، وتبعتها ديانة النبي موسى في سورية.
2-عقيدة التوحيد اليهودية: الديانتان الآتونية والموسوية تصران على وحدانية الإله.
3-عقيدة التوحيد المسيحية: يرجع علماء التاريخ المسيحي جذور تلك الفرقة إلى فترة مبكرة من التاريخ المسيحي، وأنها كانت أسبق في الظهور من عقائد التثليث التي ظهرت في القرن الرابع الميلادي.
4-عقيدة التوحيد الإسلامية من نتائج الحركة النقدية الدينية: وللبرهان على أن الدعوة الإسلامية جاءت إثر حركة نقدية لما سبقها من دعوات دينية، فقد قام المؤلف بتوصيف التيارات التي كانت مهتمة بهذا الشأن في الجزيرة العربية. فوجد أن «تيار الأحناف» شكَّل بيئة ثقافية في دعم الحوار الديني وتنميته باتجاه التوحيد الخالص. وكانوا بلتقون مع أحبار ورهبان الأديان الأخرى، والدخول معهم في حوارات، حيث كانت: مواسم الأسواق العربية قبل الإسلام، ومواسم الحج، وأندية القبائل الخاصة، والمراسلات... وعرفت الجزيرة العربية ظاهرة انتشار خطباء الحنيفية تماماً كانتشار الخطباء في باريس قبل الثورة الفرنسية، كانت هناك حمّى للإصلاح اجتاحت الجزيرة العربية بأكملها قبل الإسلام.
الفصل الثالث
الطور التأسيسي للعروبة: الثورة العربية عبر الرسالة الإسلامية
أولاً: المرحلة الأولى من الثورة الإسلامية: التوحيد القبلي والإيديولوجي
-عصر النبوة وتوحيد الجزيرة سياسياً وإيديولوجياً: لقد تعاون ثلاثة عوامل على تزويد الرسول بثقافة واسعة ومعمَّقة، وهما:
-الأولى: مواكبة أسواق مكة واختلاطه مع القادمين إليها من رجال القبائل أو من التجار القادمين من بلاد الشام وبلاد الرافدين.
-الثانية: لياليه التي كان يقضيها برفقة القس ورقة بن نوفل لمناقشة عناصر ثقافة الأخير وهو الضليع بكل من التوراة والإنجيل.
-الثالثة: وكان يتوِّج دور هذين العاملين بخلواته وتأملاته في غار حراء حيث كان يتلقى الوحي.
كان للعامل الأول والثاني، أهمية قصوى في تعزيز عوامل الثورة في نفس الرسول. والتي كانت تستند إلى إحساسه بما كانت تشعر به الشعوب والقبائل، الخاضعة لحكم الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية (الفرس والروم)، من ظلم حاكميهم. وإحساسه بأهمية الحركة النقدية الثقافية الدينية التي كانت تتفاعل، من خلال «تيار الأحناف» و«الدعوات المسيحية التوحيدية»، التي كان يمثِّلها القس ورقة بن نوفل و«راهب بحيرا» الذي توسَّم النبوة بـ«محمد بن عبد الله»، بحيث إن الدور الذي لعبه كل من «راهب بحيرا»، و«ورقة بن نوفل»، يجعلنا نربط بين حالة النقد المسيحية، وبين الدعوة الإسلامية.
وبهذا اجتمع لديه عاملان مهمان، في مرحلة التكوين الفكري، وهما: نضج الحركة النقدية الدينية لديه، والتقاطه الشعور العربي الرافض للخضوع إلى القوى الخارجية. ولذلك بدأ بتوحيد قومه حول الرسالة الإسلامية.
ولما استكفى الرسول شرطيْ المعرفة ودعوة عشيرته، ابتدأت مرحلة العناء الأولى في مكة، التي لاقى فيها الصد، فهاجر مع من آمن بدعوته من أهل مكة إلى المدينة. ومنها انطلق لتوحيد القبائل، إلى أن اكتمل توحيدها بالدخول إلى مكة منتصراً. ومن بعدها ابتدأت مرحلة تحرير الأرض العربية. وهكذا نجحت الثورة الإسلامية بفترة زمنية قياسية تقل عن أربع وعشرين عاماً. ولم يمض وقت طويل حتى وصل العرب إلى أقاصي الشمال الأفريقي ومنه امتد إلى شبه الجزيرة الإيبرية (إسبانيا).
ثانياً: المرحلة الثانية: الانشقاقات السياسية والمذهبية
1-الخلافة الراشدة والانقسامات السياسية في صفوف المسلمين:
لقد حصل أول انقسام في صفوف المسلمين، في العام (11-13هـ=632-634م)،حينما وُضع أصحاب الرسول أمام اختيار خليفة له. إلى أن تمَّ التسليم بخلافة أبي بكر الصدِّيق، ومن بعده عمر بن الخطاب، فعثمان بن عفَّـان. وفي عهد عثمان حصلت أول فتنة استخدم فيها السلاح، فدفع الخليفة الثالث حياته اغتيالاً. ولما بُويع لعلي ابن أبي طالب، ذرَّت الفتنة قرونها بشكل واسع وسريع، وشارك فيها أكثر صحابة الرسول. وتركت تلك الحروب ندوباً على مسيرة الإسلام في تلك المرحلة.
لن نعيد التاريخ لنحكم لهذا أو لذاك بالحق، أو بالخطأ… لأن ذلك لن يجدي نفعاً إلا بالقدر الذي يسهل فيه الحوار لردم ثغرات التاريخ الغابر، للاستفادة منه في عصرنا الحاضر.
لقد سقطت الضحايا بمئات الآلاف في الصراع لإثبات صحة مواقف هذا أو ذاك من صحابة الرسول أو من مواقف التابعين أو تابعي التابعين، والكل يمتشق سلاح النص، فيجد كل طرف ما يؤيد اعتقاداته. ولم ينتج الصراع إلا مزيداً من النصوص، ومزيداً من الدماء والأحقاد والضغائن. ولم تتوقف الفتنة، بل استمرت، فدخل المسلمون النفق المظلم، عندما أخذ البعض منهم يكفر البعض الآخر. ولم تقف الفتنة عند هذه الحدود، بل استفحلت أكثر في العصرين الأموي والعباسي.
2-الخلافتان الأموية والعباسية: نقل الصراع من القبائل الصغرى إلى العشائر الكبرى:
فمنذ العهد الأموي تحوَّلت الخلافة، إلى مُلكٍ عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء. ونتيجة لكل ذلك، نشأت معارضة مُتَّصِلة ومتواصلة، في العهدين معاً؛ لكنها بلغت أقصى مستويات نضجها في العصر العباسي؛ فكانت كل فرقة تعمل، على صياغة نصها على أسس دينية. ولأن المعارضة كانت معارضات، كان النص الديني سلاحها الفعَّال، فبدأت الأمة مسيرتها نحو التشتت والتمزُّق إلى فرق دينية سياسية. وفي المقابل دخلت السلطة للدفاع عن نفسها، فوظَّفت الفقهاء لخدمتها. وكانت هي الأقدر على تكفير الخصوم ومحاكمتهم. فانفتحت الحرب على مصراعيها بلباس ديني.
3-التوسع بالفتوحات والانفتاح على ثقافات جديدة:
أدَّت الحرب السياسية - الدينية، وبالتالي حركة الفتوحات الإسلامية الواسعة، خدمات جُلَّى للحركة العلمية في تلك المرحلة. فبلغت أوجها في العصر العباسي، لأن خزائن الحضارات الأخرى انفتحت أمام الحاجة الفكرية للنخب الإسلامية من عرب وغيرهم. واستفادت حركة الصراع الديني - السياسي من نتاج هذا الانفتاح.
لقد استفادت الثقافة العربية من حركة نقل المعارف عن الحضارات الأخرى، ووجدت فيها الكثير من الأجوبة على الإشكاليات التي عانى منها المسلمون، فعرفت العصور اللاحقة للعصر الأموي ثورة في العقل العربي، خاصة عندما خاض المفكرون العرب في حقول الفلسفة.
وعلى الرغم من أن الحركة الجديدة واجهت صدّاً واسعاً من الفقهاء إلاَّ أنها زوَّدت الحركة الفكرية العالمية بمعين كبير أسهمت بتطوير البنى العقلية والفكرية في أوروبا خاصة. وما كان مما يُؤسف له حقاً، أن حركة الفقهاء المسلمين، بمساعدة أصحاب السلطة، استطاعت ليس أن تكبح من جماح الثورة الفكرية بل أنهتها كلياً في أوقات لاحقة. ومعها دخلت الثورة الفكرية العربية في نفق مظلم، لا يزال يرخي بأعبائه على الحركة الفكرية العربية حتى الآن.

ثالثاً: مرحلة نقد الإيديولوجيا الإسلامية
1-الخلاف السياسي وغرس البذور العقلية لمحاكمة النص الإسلامي:
بداية أخذ العقل طريقه في مواجهة النص الإسلامي. وانتشرت بعض الفرق الكلامية وأصبحت، في العصر العباسي، شجرة مكتملة النمو. في حينه بدأ السؤال العقلي يشق طريقه، فنشأت حركات فكرية وعقيدية، وكان رائدها فرقتي الجبرية والقدرية. وفي ذلك العصر، شقَّت فرقة المعتزلة طريقها.
2- ثورة المعتزلة: أول محاولة لتجديد الإيديولوجيا الإسلامية: بعد أن شقَّت الدولة العربية الإسلامية طريقها. وحملت الفتوحات مؤثرات ثقافية غير عربية، انفتح العرب المسلمون على حضارات أخرى بعضها كان يحمل أجوبة على كثير من الأسئلة المطروحة.
نتيجة لهذه الأسباب، وغيرها، تكاثرت الفرق الدينية-السياسية، فاصطدمت ببعضها تارة، وبالسلطة تارة أخرى. وحصلت حالات من التصارع والتناقض في وجه السلطة السياسية، منها ما كان مُسلَّحاً، ومنها ما كان من دون سلاح؛ ومنهم من كان ناقماً على السلطة لاغتصابها الخلافة، ومنه من كان ناقماً عليها لما يحصل من تجاوز للتقاليد والقيم الدينية، ومنه من كان ناقماً على حرمانه من حقوقه السياسية. جاء، في تلك المرحلة، حديث الفرقة الناجية من النار، المنسوب للرسول بعد قرنين أو أكثر من وفاته، ليدفع بحركة الصراع المذهبي إلى أقصى آماده. فتزاحمت مذاهب المسلمين، في سبيل احتلال موقع الفرقة الناجية من النار. وأصبحت صفة المؤمن أو الكافر هي السلاح في الحرب بين الفرق الإسلامية. وبذلك، تمزقت الإيديولوجيا الإسلامية إلى إيديولوجيات.
3-انفتاح البوابات أمام العقل، والصراع بينه وبين النقل:
لم يكتف المتصارعون بأسلحة النص الذي تضخم، وهو لم يكن يفِ بالغرض، بل استعانوا بالحجج الكلامية التي تحتاج إلى البرهان العقلي، الذي بدوره فتح الأبواب أمام المسلمين لنقل الفلسفة من الخارج. وانتقلوا بها من دائرة الاستيراد إلى مصانع الإنتاج، ودخل المسلمون في ورشة إنتاج فلسفي كانت الأغنى في تلك المرحلة، وأسست لبنية استفاد منها العقل الأوروبي لاحقاً.
ولأهمية هذه المرحلة في حياة الدولة العربية سنقوم بإطلالة موجزة:
-شقَّ التيار الصوفي طريقه في تلك الورشة، ويرى أن الإيمان يسمو بالإنسان إلى عرش الله، وكانوا يرفضون وجود وسيط أياً كان بينهم وبين الله. فاستفحل العداء بين الفقه والتصوف. ورمى الفقهاء الصوفية بأنهم يخضعون لله وحده وهذا يخيف أهل السلطة. وراح ضحية هذا الاتهام العديد من المتصوفين الكبار من أهمهم: الحسين بن منصور الحلاج (244هـ=859م) الذي اتُّهم بالردة، فقُتِل وأُحرِق بالنار.
-والفلسفة كانت من أهم معالم ذلك العصر، بانتشار ترجمة كتب الفلسفة اليونانية، نشأت مضاعفات بين النصوصيين وأهل الرأي. واشتدت الحاجة إلى الرأي كلما تكاثرت متطلبات العصور، وكانت محاولة التوفيق بين ما هو متعارض من نصوص القرآن. فتوزَّع الفلاسفة إلى تيارات حاول كل منها أن يتقارب، بشكل أو بآخر، أو يتباعد مع المسائل التي طرحها الإسلام، فنشأت تيارات فلسفية، من أهمها:
-عمل بعضها على تقريب الفلسفة من العقيدة، مع إعطاء أرجحية للعقيدة. وبعضها الآخر وجد تعارضاً، بل تناقضاً بين الفلسفة والدين، وتيار عمل على تخفيف وطأة التعارض والتناقض بين الفلسفة والإيمان الديني. وتيار عمل على التوفيق بين الفلسفة والشريعة، وحسب أن للبرهان الفلسفي أرجحية على العرفان الديني. وكان ابن رشد من أهم أعلام هذا التيار بحيث ردَّ على تهمة الفقهاء للفلاسفة بالكفر والزندقة، يقول ابن رشد: «إن من نهى عن النظر قد صدَّ الناس عن الباب الذي دعا الشرع فيه الناس إلى معرفة الله، وهو باب النظر المؤدي إلى معرفته حق المعرفة، وذلك غاية الجهل والبعد عن الله تعالى».
4-السلطة السياسية وفقهاء الخليفة انتصرا في مواجهة العقل:
في مجمل القول لم يستطع تيار العقل أن يوفِّر لنفسه موطئ قدم ثابت في السلطة السياسية، لأنه كان يمثل فكر النخبة المثقفة، وهي قليلة العدد؛ فهي في مثل هذه الحالة لن تكون مؤثرة في دعم السلطة السياسية بقواعد شعبية واسعة. بينما كان تيار النقل يمثل القاعدة الجماهيرية الأوسع المؤمنة بتقليد الفقهاء والمحدثين.
5-هزيمة ثورة العقل أمام النقل: (الردة وحديث الفرقـة الناجيـة من الـنار)
إنهمك المسلمون بالجدل حول من هي الفرقة الناجية، بعد الحديث النبوي «من ارتدَّ منكم عن دينه فاقتلوه» وحديث : «ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة». وانتشر مبدأ تكفير الجماعة. ونتيجة لكل ذلك، حصد المسلمون من انتشار مبدأ الردة، ومبدأ الفرقة الوحيدة الناجية من النار، الكثير من الويلات، والمحن والفرقة والتشتت. وراحت كل فرقة تتقوى بمن دخل الإسلام من الشعوب الأخرى. إلى أن انتهى الأمر بخسارة السلطة السياسية ليس على أيدي خصومهم من العرب، بل على أيدي من استعانوا بهم من الشعوب الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا