الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معايير التمييز بين الأمر التشريعي والقرار الإداري التنظيمي

عباس مجيد شبيب
باحث قانوني

(Abbas M. Alshemery)

2023 / 9 / 11
دراسات وابحاث قانونية


يتفق الفقه الدستوري عموماً على ان وظيفة التشريع هي وظيفة السلطة التشريعية وليسن حقاً لها ، وبناءاً على ذلك فإن التشريع وظيفة هذه السلطة ، لا يمكن التنازل عنها وهو ما تتفق عليه اغلب الانظمة القانونية ، الا ان الدسايتر قد تتضمن احياناً التفويض التشريعي بمنح السلطة التنفيذية حق التشريع ، ورغم ان الفقه مختلف في طبيعة القرارات اللتي تصدر من السلطة التنفيذية ، وهل تعد قوانين تخضع لرقابة المحاكم الدستورية ام قرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء الاداري ، وان كان الفقه الفرنسي ايد ماجاء به الفقيه الفرنسي ( بونار Bonnard) ، الذي ميز بين القرارات التي تصدر من السلطة التنفيذية قبل اقرارها من السلطة التشريعة ، بوصفها قرارات ادارية وبعد اقرارها من السلطة التشريعية بوصفها قوانين ، وعلى هذا الاساس يجري التمييز بين الاعمال الادارية والاعمال التشريعية ، وبنحو مماثل للتمييز بين الاعمال التفويضية قبل اقرارها من مجلس الشعب في مصر وبعد اقرارها ، وصلاحية مجلس الدولة في مصر بشان هذه الاعمال قبل اقرارها من مجلس الشعب في حالة مخالفتها للقانون ، والمحكمة الدستورية تعد هي المختصة في حال كانت مخالفة للدستور ، اما بعد اقرارها من مجلس الشعب فان الطعن بها يكون من اختصاص القضاء الدستوري ، ولذلك نظمت الدساتير صلاحية السلطة التنفيذية باصدار قرارات لها قوة القانون ، كما نظم ذلك المشرع الدستوري في فرنسا ، عندما تضمن دستور الجمهورية الخامسة سنة 1958 صلاحية رئيس الجهورية باصدار قرارات لها قوة القانون ، كما في احكام المادة (16) منه ، بان للرئيس الفرنسي اصدار قرارات لها قوة القانون وفق الاجراءات التي تسبق اصدارها او التي تلي الاصدار وفق احكام المادة انفا ، وبنفس الاتجاه نظم دستور جمهورية مصر العربية لسنة 2014 باحكام المادة (156) منه ، عندما نظم صلاحية رئيس الجمهورية باصدار قرارات لها قوة القانون وفق الاجراءات التي نظمتها احكام المادة انفا ، اما في العراق فإن قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 تضمن صلاحية رئيس الوزراء باصدار قرارات لها قوة القانون ، اذ تضمن ملحق القانون انفا النص على (...ولمجلس الوزراء وبموافقة رئاسة الدولة وبالاجماع اصدار اوامر لها قوة القانون وتبقى سارية المفعول حتى يتم الغاؤها او تعديلها...) ، عليه فإن رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بامكانه اصدار قرارات لها قوة القانون وفق الصلاحيات والصلاحيات المخولة له ، اما المشرع الدستوري في دستور العراق لسنة 2005 ، نظم صلاحيات السلطة التنفيذية ولم يتضمن صلاحية اصدار قرارات لها قوة القانون فقد نظم صلاحية رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء ولم تتضمن الصلاحيات الاشارة الى اصدار اوامر لها قوة القانون ، انما تضمن صلاحية رئيس الوزراء باصدار اجراءات في حال الحرب والطوارئ وفق احكام المادة (61) من الدستور ، هذا فيما يتعلق بالاوامر التشريعية والية اصدارها وفق القانون العراقي ، اما القرارات الادارية فانها اعمال قانونية تصدر بارادة الادارة المنفردة بقصد احداث اثار قانونية ، وعليه فان القرار الاداري كما هو متفق عليه فقهاً وقضاءاً ،هو عمل قانوني وليس عمل مادي يصدر عن الارادة المنفردة للادارة مستبعدين الاعمال القضائية والتشريعية عن هذا النطاق ، وان يحدث اثراً قانونياً ، اما انواع القرارات الادارية فإنها القرار الاداري الفردي والتنظيمي ، فالقرار الاداري الفردي هو ما يصدر عن الادارة من قرارات تستهدف به مخاطبة افراد معينين بذواتهم وليس بصفاتهم ، اما القرارات الادارية التنظيمية فانها تستهدف مخاطبة الافراد بصفاتهم وليس بذواتهم ، وكما يسميها الاستاذ الدكتور سليمان محمد الطماوي بانها تشريع يصدر من السلطة الادارية وينظم اوضاع قانونية عامة ، وعليه فإن السلطة التنفيذية في العراق بامكانها اصدار القرارات وفق مانظمه الدستور باحكام المادة (80) بالنص على (ثالثا: اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين ) ، ومجلس الوزراء بوصفه احد ركني السلطة التنفيذية ، بامكانه اصدار القرارات بهدف تنفيذ القوانين، ولا يمكن ان تكون هذه القرارات مخالفة لاحكام الدستور والقانون، وتعد قرارات ولا يمكن عدها اوامر تشريعية، سواء التي تصدر من مجلس الوزراء او من تخوله، علما ان الدستور العراقي لم يتضمن تفويضاً لرئيس مجلس الوزراء باصدار الاوامر التشريعية، ونشير الى انه جرى الاطلاع على قرار صادر من المحكمة الاتحادية العليا بالرقم (218/ اتحادية/ 2022) بتاريخ 19/12/2022، تضمن بحيثيات القرار الاشارة الى امر ديواني صادر من رئيس الوزراء بالرقم (72) لسنة 2008، تضمن ترتيب اثار قانونية للمخاطبين بموجبه، والمحكمة بينت أنه امر تشريعي (وبغض النظر عن مضمونه)، أي بمعنى صدوره من السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الوزراء، رغم انه لا يوجد باحكام دستور العراق لسنة 2005 ما يشير الى صلاحية رئيس الوزراء اصدار اوامر لها قوة القانون، وليس لمجلس الوزراء هذه الصلاحية، وبينت المحكمة الاتحادية العليا بما نصه (ان المدعي يتمتع بمركز قانوني وظيفي استنادا للأمر التشريعي (72) لسنة 2008...) واكدت المحكمة موقفها هذا بالقرار المرقم بالعدد (120/ اتحادية/ 2023) الصادر حديثاً بتاريخ 13/8/2023، المتضمن بما نصه (ذلك ان المدعى عليه يتمتع بمركز قانوني وظيفي استنادا للأمر التشريعي رقم (72) لسنة 2008...)، عليه فإن المحكمة بالقرارين المشار اليهما، ترى بأن رئيس الوزراء لديه الصلاحية باصدار الاوامر التشريعية، رغم ان الدستور العراقي لم يتضمن هذه الصلاحية وهو ما نتمنى ان تعدل عنه المحكمة لأنه مجاوز للصواب ومخالف لأحكام الدستور، وهي اجدر من غيرها ومن أي سلطة اخرى بصيانه الحق والعدالة، سيما انها الملجأ الاخير والحصن لصون الحقوق والحريات العامة وتطبيق العدالة الدستورية.
د.عباس مجيد شبيب
باحث قانوني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س